Ad Code

الشهيد العظيم أباسخيرون القليني


كان يُحيط بالملك دقلديانوس مجموعة من المعاونين الأشرار الذين شجعوه على زيادة العداء للمسيحيين مما جعلهم يحثوه على إصدار منشوراً إمبراطورياً يُقضي بهدم الكنائس وحرق الكتب المقدسة وتعذيب المؤمنين حتى ينكروا الإيمان ، فكتب دقلديانوس إلى كل المسكونة قائلاً :
أنا دقلديانوس آمر كل سكان العالم وأقطار الأرض الكبار والصغار ، الذكور والإناث وجميع الشعوب والأجراء والعبيد والسلاطين ومن دونهم أن يرفعوا البخور للآلهة أبولون وأرداميس وإبيان وأبنورس ومن خالف أوامرنا يُعذب بكل أنواع العذاب إلى أن يسجد للآلهة وإلا تؤخذ رأسه ، وعلى ولاة الكور تنفيذ هذا المنشور                     (عاشق الوطن )
ثم أرسل هذا المنشور إلى يوليانوس والى الإسكندرية وأرمانيوس المُقدِم ليُقرأ المنشور في كل مصر .
ما أن وصلت الرسالة إلى مدينة أتريب ( بالقرب من بنها حالياً ) حتى أخبروا واليها بأمر الملك بقراءة هذا المنشور على مسامع الجميع لكي يسارعوا إلى عبادة الآلهة ، وعليه أن يجمع كل جنوده ليرفعوا بخوراً للآلهة ، وأخبروه بغضب الملك على جميع المسيحيين ، وأن من يخالف أوامره تؤخذ رأسه ، وبعد أن قُرأ المنشور على مسامع الكتيبة كلها هتف الجنود والمجتمعين على إطاعة أوامر الملك .
وكان الشيطان يرفرف بأجنحة الظلمة على الجميع فرحاً وهو يرى الواحد تلو الآخر يقدمون البخور مع السجود والطاعة للأصنام الصماء .
إلى أن إنبثق شعاع من الإيمان فبدد حلكة هذه الظلمة ، فعندما جاء دور جندى شاب شجاع قوي إسمه أباسخيرون ( أباسخيرون كلمة مكونة من مقطعين الأول( أبا) ومعناها أب والثاني (سخيرون) ومعناها القوي ) رفض أن يسجد للأوثان وجاهر قائلاً :
من هم الآلهة التى أسجد لها وأرفع البخور أمامها ؟!
فإلتفت إليه الجنود وقالوا له :
ألم تسمع أوامر الملك أن يرفع كل أحد البخور لأبلون وأرداميس وبقية الآلهة كما فعلنا نحن ؟!
فأجابهم القديس بأكثر مجاهرة :(عاشق الوطن )
من هو دقلديانوس ومن هم آلهته النجسة ؟!
كان هذا بحضرة رُسل الوالي فغضب أحدهم ولكي يؤكد ولاءه للملك قام وسط الحاضرين ولطم القديس على فمه لطمة قوية وهو يصرخ فى وجهه :
لا يجب أن تزدري بأوامر الملك !!
وللوقت تقدم القديس فى شجاعة وخلع منطقة جنديته التى كان متمنطقاً بها وألقاها أمام مندوب الوالي وهذا أثار غضب المندوب " الذي يحمل لقب الوالي في غيابه " فصاح في وجه القديس :
ما هذا الفعل القبيح الذي تجاسرت علي فعله إذ خلَعت منطقتك ورفضت جنديتك وأهنت عظمة الملك ؟!
أما القديس فلم يرهَب غضب الوالي أو صياحه وأجابه في إيمان كامل وهدوء :
أنا لا أحب من الآن أن أكون جندياً لهذه المملكة ولا أعبد هذه الآلهة النجسة .
فإنتفض الوالي من مكانه وأمر أن يُحتفظ بالقديس في سجن القصر .                  (عاشق الوطن )
وكان السجن قديماً يُعد عذاباً مُريعاً في حد ذاته ، وقد قال عنه بعض المُعترفين :
إن أهوال السجن مما تقصر دونه الألفاظ .
ولقد مات بعض المعترفين لمجرد وضعهم في السجن فهو مكان يفتقر إلى أدنى حدود الأدامية ، بجوه الخانق ورائحته الكريهة وضيقه والمعاملة الوحشية التي كان يتعرض لها المسيحيين به.
ولكن الجندي الشجاع أباسخيرون وضع على عاتقه أن يكون مخلصاً لقائده الأعظم يسوع المسيح مُضحياً بكل شئ من أجل الحب الذي نبع من الصليب ، مستعداً للجهاد ، وطلب من الرب أن يجعله أهلاً أن يتألم من أجل إسمه ، حاسباً عار المسيح أفضل من الجندية ، فمكث القديس في السجن بثبات .
حين رأى الشيطان ثبات القديس فكر في طريقة لإسقاطه بعيداً عن المواجهة المباشرة ، ولخبرته الكبيرة فى إسقاط البشر علِم أن اللحم والدم لا يُسقطه إلا لحم ودم مثله خاصةً أقرباء الإنسان وأهل بيته لما لهم عليه من تأثير نفسياً ومعنوياً ، وكان للقديس إثنين من الإخوة جاءوا إليه وهما يبكيان أمامه عسى أن يتأثر بدموعهما ، ويخاطبونه مُظهرين شفقتهم به وتخوفهم عليه ، ووقف القديس أمامهم ولم يجبهم بكلمة .
فظلوا يسألونه عن سبب إعتقاله وأخذوا يستعطفونه حتى أقلقوه جداً ، أما هو إذ رآهم هكذا وكانت صلة الدم قد أخذت منه مأخذها قال لهم :
يا إخوتي إنهم طلبوا مني أن أجحد الله وأُنكره وأعبد آلهة لست أعرفها ولم أسمع بها فأبيت أن أقدم على هذا الفعل القبيح .                (عاشق الوطن )
" وهذا يُعطينا نبذة عن نشأة القديس إذ لا نعرف عنها الكثير لكن مما لا شك فيه أنه ولِد في ظل أسرة مسيحية أرضعته الإيمان في بلدة قلين بمحافظة كفر الشيخ "
فقالوا له ، "وليس هناك سبب معروف لإنكارهم إن كانوا قد وقعوا تحت تهديد أم خوفاً على حياة أخيهم" .:
يا أخانا إن كان جميعهم قد رفعوا البخور ، فلمَ لم ترفع أنت أيضاً وتمتثل لأوامرهم لئلا يبلغوا مخالفتك للمقدم ؛ فأجابهم القديس :
لا تحيدوا عن معرفة الله لئلا تموتوا وأعترفوا بإسم يسوع المسيح ولا تجحدوه مادمتم في الجسد وإياكم من عبادة الأوثان صنعة الأيدي ، فقد تنبأ داود عليهم 
" أَصْنَامُ الأُمَمِ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ.  لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ.  لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ. كَذلِكَ لَيْسَ فِي أَفْوَاهِهَا نَفَسٌ! مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، وَكُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا.  مز18-15:135"
ولما فشل إخوته فى إقناعه باللين حاولوا أن يثنوا عزمه بالقوة معلنين أنهم أبرياء منه ، ولا يحسب أخاهم ولن يعرفوه إذا إستمر في إصراره ، وإذ فشلوا بهذه الطريقة أيضاً أمام صموده ، إتهموه بالسحر وصاحوا في وجهه :                   (عاشق الوطن )
إننا نعلم ضلالتك وقد سمعنا بأعمالك التى كنت فيها وقد تحقق وإنكشف اليوم ما سمعناه بالأمس وظهر سحرك .
وحين رأوا ثبات القديس وقوة إيمانه ، وظهر لهم فشل هذه الطريقة في التأثير عليه عادوا محاولين إقناعه وإثارة عاطفته ببكاؤهم فقالوا له :
يا أخانا إننا لم نسمع قط عن إله إسمه يسوع وليس إله إلا أبولون وأرداميس الذين تعرفهم والواجب بالأكثر أن تعبدهم .
وظل القديس بدافع المحبة لإخوته يُظهر لهم الإيمان الحقيقي ولما رأى تمسكهم بضلالهم وثباتهم على إنكارهم ، نهض وأدار وجهه نحو الشرق وهو في سجنه ورفع عينيه نحو السماء وأخذ يصلي 
 يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ،  لو 1:18
 وَكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ فِي الصَّلاَةِ مُؤْمِنِينَ تَنَالُونَهُ». مت22:21
وحين إنصرفوا وفي حلكة ظلمة السجن وضيقه الخانق ورائحته العضوية الكريهة رفع القديس قلبه بالصلاة قائلاً :                   (عاشق الوطن )
إسمعني أيها الرب إلهي وإستجب دعائي وأسرع لمعونتي وخلاصي ، وأسترني بظل رعايتك ، فإن لك المجد أيها الثالوث المقدس القائم أمامه الشاروبيم والمُسبح من الطغمات السمائية ، أطلب إليك أيها الإله المتحنن أن ترسل لي ملاكك ليحرسني فى كل موضع أكون فيه فيكون معي في شدائدي وإرحم إخوتي فإنهم لم يعرفوك ولم يسمعوا بإسمك ولم يفهموا طرقك ...
ولما فرغ القديس من صلاته ، أضاء السجن بنور شديد وظهر له ملاك الرب وخاطبه قائلاً:
لا تخف وتقوَ فإني أنا معك ولا أدعك وحدك ، لأن الرب إختارك ولك أكليل في السماء فأصبر إلى المنتهى وستظهر قوات عظيمة منك عند إستشهادك .. أنا هو ملاك الرب المنقذ لك منذ صغرك وكائن معك .. أيها الطوباوي أباسخيرون كن متيقظاً ولا تجعل العالم يخدعك فقد أضل كثيرين ولا تخف أنا معك وأخلصك من سائر شدائدك بقوة إلهي وملكي يسوع المسيح الذي أرسلني لأقويك .            (عاشق الوطن )
وبعدما حدثه الملاك بهذا مضى عنه إلى السماء والقديس شاخص إلى فوق يشاهده .
في صباح اليوم التالي أمر النائب بإستدعاء القديس .
وبادر الوالي القديس قائلاً :
هيا بخر للآلهة الخالدة بدلاً من أن تواجه ميتة بشعة .
فأجابه القديس بحزم مجاهراً بإيمانه قائلاً :
لن أرفع البخور للأوثان فأنا من جند يسوع المسيح ملك الملوك وإله الآلهة .
وبإستخفاف وغطرسة قال الوالي مستنكراً :
من هذا الذي تتحدث عنه ، فلا يوجد إله سوى الآلهة الكريمة ولا يوجد ملك عدا دقلديانوس .
وهنا صرخ القديس في وجه الوالي بشجاعة قائلاً :
سد فمك ولا تجدف على إسم إلهي الذي حياتك بيده .
إستشاط الوالي غضباً ووثب من فوق كرسيه كالثور الهائج ولكم القديس أباسخيرون على فمه بوحشية .
فثارت الجموع المحتشدة محتجين على النائب وقالوا لا تضربه بدون أمر المقدم بل ينبغي أن يحكم هو عليه.
عاد النائب إلى كرسيه وهو يكاد ينفجر غيظاً قائلاً :
ألا تسمعون كيف أهان الملك والآلهة ، وبحق عظمة الملك لن أتركه إلا بعد أن يقدم بخور للآلهة أو تقطع رأسه .                       (عاشق الوطن )
أما القديس أباسخيرون ففرح بهذه الإهانة وحسبها عطية حب للرب .
حين رأى الشيطان ثبات القديس وعدم رهبته من المحاكمة أدرك عدم جدوى تهديد القديس بالعذاب فأوعز لبعض عظماء مجلس الحكم ، فسعوا عند النائب وإنتزعوا منه إذنا بإستخدام اللطف واللين ، فطلبوا أولاً أن يصرفه من المحاكمة وفي الغد ذهبوا إليه بثياب الحملان مبالغين في إظهار محبتهم الكاذبة ليزلقوه معهم في دائرتهم الجهنمية وأحاطت به هذه الشخصيات المهيبة وأصواتها مثل فحيح الثعابين تحمل معها الإهتمام الكاذب والشفقة المصطنعة قائلين : يا حبيبنا أباسخيرون إحذر من أن تزل كما زل غيرك بجهل .. لو تدري عمق محبتنا لك وعظم إجلالنا وتعظيمنا لشخصك وشجاعتك ، فلا يليق بكرامة جنديتك أن تعتقد هذا الإيمان وتسير خلف أتباع السحرة حتى لا تخسر شبابك وتفقد مركزك وتواجه موتاً قاسياً ونحن نوصيك أن لا تذكر إسم يسوع بشفتيك لأننا سمعنا أن الشياطين جربوه والبعض جعل منه إلهاً وسمعنا أيضاً أنه قد صُلب ، فالأفضل أن تصغي لنا وتشاركنا في رفع البخور للآلهة الكرام لا سيما ابولون صاحب الكرامة الفائقة .
فإنبرى لهم القديس وبروح ذائبة فى حب الرب قال :
إني فى غنى عن حديثكم هذا الذي به تجدفون على إلهي .                    (عاشق الوطن )
ولما فشلت محاولتهم الماكرة ، بدأوا في محاولة إرهابه قائلين : إن لم ترفع البخور سنتركهم يقتلونك قبل غروب الشمس وقد علمنا من حديثك أنك ساحر لأنك لم تسمع لنا .
فأجابهم القديس قائلاً : قد كُتب في الأنجيل المقدس لا تخافوا ممن يقتل الجسد لكن خافوا ممن له سلطان بعد أن يقتل الجسد أن يلقي الروح أيضاً في جهنم .
ولم يدرك العظماء بجهلهم الفلسفة العميقة للمسيحية التى تجلت في كلمات القديس وذهبوا غاضبين للوالي وقالوا له أنه لم تجد محاولاتهم وإنهم يفوضونه ليصنع به ما يشاء .
إستحضر الوالي القديس وقال له بمكر ؛
أيها البائس إرفع بخور للآلهة وإشفق على نفسك وإلا سلمتك للمقدم كي يقتلك ، وإن كنت قد أخذت في قلبك قيامي بلطمك فتقدم الآن وألطمني أربعة أضعاف عوضاً وأرفع بعدها البخور ونحن نكتب للملك ونوقفه على عظم شجاعتك النادرة وجنسك الكريم وتصير من تلك اللحظة أخاً لنا وحبيباً لقلوبنا .
حسب القديس تلك الوعود البراقة نفاية وداسها برجليه وقال للوالي : لن يحدث أبداً أن أقدم البخور للأوثان النجسة .                       (عاشق الوطن )
فتوعده النائب بملاقاة أفظع الآلام التي يقشعر لذكرها الجسد .
فقال له القديس : ها أنا بين يديك لتفعل بي ما تريد وما يريد ملوكك الكفرة ، فأنا لا أعبد سوى إلهي وملكي يسوع المسيح الذي يجب له السجود وحده .
وأخيراً كتب رسالة لوالي أنصنا بمشاركة عظماءه قال فيها تهمة القديس هكذا :
عندما وردت أوامر ملوكنا العظماء بتقديم فروض وطقوس العبادة للآلهة المكرمة وأن يعذب بألوان العذاب كل من لا يخضع من المسيحيين لهذه الأوامر وكان منهم أباسخيرون الذي إزدرى بأوامر الملك ولم يطع أو يقبل عبادة الآلهة ولذلك فقد بعثته مقيداً بحراسة أربعة جنود أسمائهم هي فلوثيئوس وديوناسيوس ودياسيوس وكيروس .
مضى الجند بالقديس إلى مرسى السفن وأدخلوه في سفينة شراعية وأنزلوه في خُن السفينة ( مكان مظلم وضيق ) مقيداً بالسلاسل الحديدية والأغلال ، شقت السفينة سطح نهر النيل متوجهة إلى أنصنا ، فرفع القديس قلبه بالصلاة وهو يكابد الآلام ويعاني من عدم مقدرته على التحرك خطوة واحدة فقال القديس للرب : يا الله الآب ضابط الكل وإبنك الحبيب يسوع المسيح والروح القدس . ها أنا أتضرع إليك وأطلب لمراحمك يا سيدي أن تمجد إسمك القدوس فى هذه الساعة كما إنه ممجد من الأزل وإلى الأبد .آمين 
وفي الحال جمدت السفينة في وسط النيل وتلاشت قوة الريح وسمع الجميع صوتاً واضحاً قوياً آتياً من السماء يقول :            (عاشق الوطن )
لا تخف يا حبيبي أباسخيرون أنا يسوع الذي آمن به .
وإنفتح باب الخُن من ذاته وحُلت وثاقات القديس فصعد إلى سطح السفينة وظهر له السيد المسيح بمجد لا يوصف ، وسجد القديس أباسخيرون أمام السيد المسيح الذي خاطبه بملء الحنان والحب قائلاً :
يا حبيبي أباسخيرون لا تخف لأني معك كل حين وفي كل الأماكن التي ستحل فيها وسأخلصك من شدائدك وضيقاتك .
فأجاب القديس الرب قائلاً :
يا سيدي يسوع المسيح أنت رجائي وقوتي وليس لي رجاء سواك .
فقال له رب المجد معزياً :
يا حبيبي ومختاري أباسخيرون ها أنا أسبقك لمجلس الحكم ، ثم إختفى الرب من أمام القديس .
أما الجند فإرتعدوا وذابت شجاعتهم عندما وجدوا القديس حراً من قيوده التي أحكموا وثاقها عليه وظنوه ساحراً فتوسلوا إليه قائلين :
يا أخانا ما الذي صنعناه بك حتى تريد إيذائنا بسحرك وتود قتلنا ؟! هل نحن الذين قمنا بالكتابة للوالي كي يعذبك .. أم نحن الذين نرنوا لقتلك ؟
فعاتبهم القديس قائلاً :          (عاشق الوطن )
ما الذي صنعته معكم من الشر وأي ظلم رأيتموه مني حتى تعاملونني هكذا ! 
ولما تيقن الجند إنه يتعامل معهم كما عهدوا في غيره من المسيحيين الذين يعاينوا عذاباتهم كل يوم إقتربوا منه بخوف وكبلوه ثانيةً بالأغلال والقيود في رقبته ورجليه ويديه ثم ألقوا به في الخُن وهم مذهولون .
ولما كانت السفينة لا تتحرك طلب القديس من السيد المسيح أن يأمر السفينة أن تتحرك بقوته ، وفي الحال هبت رياح أسرعت بالسفينة وسط النيل حتى وصلت إلى مدينة أنصنا وحين علم الجند من زملائهم أن الوالي فى أسيوط تحركوا بالسفينة ثانيةً إلى أسيوط .
نزل الجند بالقديس وهم يحيطون به ويحرسونه مكبلاً بالسلاسل الثقيلة فى عنقه ويديه ورجليه ، وفي الطريق إلى المدينة كانت العيون تلاحقه والأفواه تتهامس ، وكان للقديس إثنى عشر يوماً لم يذُق خبزاً أو يشرب قطرة ماء فخارت قواه عند باب المدينة ، فجلس يستريح قليلاً من شدة التعب والإعياء ، وهناك إلتقى بأقرانه المعترفين ، وكانوا جنوداً من إسنا وأسوان ومعهم شماس ، وتعارف القديسين على بعضهم البعض وتبادلوا السلام وقال لهم القديس :
أيها الأخوة مبارك الرب الذي جمع بيننا اليوم في تلك الساعة المقدسة .             (عاشق الوطن )
فأجابوه بمحبة : يا أخانا إننا قد جئنا ها هنا لأجل إسم يسوع المسيح .
فقال لهم القديس أباسخيرون معزياً : يا إخوتي الأحباء لقد ابتهجت برؤية الرب يسوع المسيح وأنا في السفينة في طريقي لأنصنا ، فأخبره القديس اركياس إنه شاهد نفس الرؤيا وتعزى بها .
وبرجاء ملتهب قال لهم القديس أباسخيرون : تقووا يا إخوتي وإصبروا فإن اكليل الحياة الأبدية والتعب لأجل إسم يسوع المسيح ليس متاحاً كل يوم ، ولنتذكر من تقدموا للموت على أسم السيد المسيح بالحب الذكي الخالص ولا تصيروا ذوي قلبين ولا تكترثوا بهؤلاء المخالفين .
وقطع حديث القديسين قدوم الجند ومضوا بهم بعنف إلى داخل المدينة لينظر الوالي في أمرهم .
كان الوالي في حمام المدينة فأحضروا إليه الخطابات المتعلقة بالقديسين فقُرؤا عليه ثم عرضوا القديسين واحداً فواحداً فلما وقف أمامه الشهيد الشجاع أباسخيرون مقيداً بالحديد وهو في حالة صعبة توجع القلب ، قال له الوالي ليشيع في نفسه روح الضعف والمهانة : هل أنت أباسخيرون .. هل أنت الذي كنت جندياً بأتريب ؟!!             (عاشق الوطن )
فأجاب القديس بهدوء : نعم أنا هو 
فقال الوالي : هذه هي رسائل النائب بأتريب والمتعلقة بك ، وهو يذكر فيها أنك قد ضحيت بكرامة جنديتك ... وبالرغم إنه لم يكن لك معتقد محدد عندما عرض عليك تقديم مراسم وطقوس العبادة للآلهة الخالدة إمتنعت وجدفت عليها مهيناً عظمة الملك .
فلم يجب القديس وبقي صامتاً 
فإنتهره الوالي قائلاً :لماذا لا تجب أيها البائس الشقي؟!
وبكلمات جريئة مفعمة بروح الإيمان أجابه القديس : لماذا ترغب أن أجاوبك على عدم حكمتك فلو كنت عابداً لآلهتك النجسة ما أحضروني إليك الآن وها أنا أمامك فافعل بي ما تشاء .
وهنا كل أحد المشيرين الوالي محذراً بخبث قائلاً :
يا سيدي لقد بلغني أن هذا ساحراً عظيم ويتبع في سحره المدعو يسوع ..
ولم تحتمل أحشاء القديس إهانة إسم حبيبه فصرخ في هذا المشير بقوة قائلاً :
لأنك جدفت على يسوع فهو يأمر أحد الشياطين أن يدخل فيك ويتولى تعذيبك .(عاشق الوطن )
وفي الحال وثب على هذا المشير روح نجس وصرعه معذباً ، فطار عقله وهب من على كرسيه بجنون مجرداً سيفه وهجم على الوالي ليقتله ففزع الوالي ودب الزعر في المكان وجرى الوالي مهرولاً مبتعداً ، فتبعه المشير مصمماً على إهلاكه وهو يكيل اللعنات والشتائم على الملك والوالي والجند الذين فروا من أمامه ووقع على الجميع خوف عظيم ودهشة ، وقال القديس أباسخيرون للمشير بعدما هدأ قليلاً : إن إعترفت بإسم يسوع خلُصت مما بك .
فصرخ المشير بأعلى صوته قائلاً : أيها الطوباوي أنا أؤمن وأقر بإسمه ، ففى الحال خرج الشيطان وعاد عاقلاً .
 بدأ الوالي في تعذيب القديس أباسخيرون فأمر الجند أن يلهبوا جسد القديس بالسياط حتى تناثر لحمه ثم إمعاناً في التعذيب والتنكيل به مدوا أيديهم الأثمة بوحشية وسلخوا جلد وجه القديس وأختلطت تلك الدماء الذكية واللحم المتهرئ والجلد المسلوخ بالأرض ليسطروا لحناً في أنشودة الحب الفائق لأسم يسوع .
وخاطب الوالي القديس ظناً منه أنه قد رضخ تحت وطأة التعذيب قائلاً : إن كثيرين قد خالفوني فلم أشفق عليهم وأدبتهم بالحرق وبحد السيف ولم تقدر آلهتهم أن تنقذهم من يدي فالآن إسمع كلامي وإرفع البخور للآلهة لئلا تهلك مع من خالف أوامر ملوكنا الأعزاء فإن أعمال السحر لن تخلصك من يدي .
أما القديس فلم يعر تهديدات الوالي إهتماماً وفي صمود مذهل قال له : لن أرفع البخور لآلهتك النجسة أبداً .                    (عاشق الوطن )
ذُهل الوالي من صمود القديس برغم كل ما يعانيه من عذاب ووضع على كاهله تحطيم عناد القديس بأي وسيلة فأمر بزيادة جرعة العذاب وأمر الجند أن يسلخوا فروة رأس القديس ، ثم يثقبوا جنباه وكتفيه الظاهرين بوحشية ثم يمرروا السلاسل الحديدية في تلك الثقوب ثم يربطوه بواسطتها في حصان ويطوفوا به في شوارع المدينة سبع مرات وهم صارخين أمامه بضجيج مخيف قائلين : هذا جزاء من لا يخضع ويمتثل لأمر الملك ولا يرفع البخور للآلهة . 
ليجعل من الشهيد عبرة لمن يعتبر من أهل المدينة.
وخرجت المدينة كلها لتشاهد هذا المشهد المريع التي تبددت منه كل مشاعر الرحمة والإنسانية  ، ولعلنا نتأمل في تلك السلاسل وهي تجتاز الثقوب اللحمية المهرأة وتحتك بها وتلهبها مع كل لحظة يجر فيها الحصان القديس في طرقات المدينة وكم من الألام عاناها القديس وجسده الطاهر يحتك بالأرض فيزداد كشطاً وتنغرز فيه حجارة الطريق فينضم الجرح إلى الجرح ليزيده ألماً ، ودماء القديس تسيل على الأرض وتخضبها وهو صابراً متجلداً محتمل التعيير والإعياء والأحتقار وحملة التشهير البربرية .   (عاشق الوطن )
  "  ما أعظمك يا شهيد المسيح أباسخيرون  "
لم يبقى في القديس بعد هذه العذابات إلا قليل نفس وحسبه الجند في حكم الميت فأخذوه وألقوه في السجن وإستدار الوالي على بقية المعترفين وشرع في قتل البعض وسحق عظام البعض وصلب البعض وحرق البعض الآخر ثم أرسل ليحضروا له أباسخيرون الذي لم تكن علامات التعذيب قد برحت من جسده ، فقال له الوالي متكلفاً الشفقة عاجز عن إخفاء شماتته : أيها المسكين ها قد عاينت أول الأوجاع ورأيت أنه مخيف فلتشفق على ذاتك وترثى لنفسك وترفع البخور للآلهة ، وإلا فلا مفر من الموت بأشنع العذابات ، وتأمل وأنظر حولك ها قد ترك العالم بأسره المسيحية ورفع البخور للآلهة ولا أعلم كيف أضلهم الشيطان حتى عبدوا واحد إسمه يسوع .          (عاشق الوطن )
لم يستطع القديس أباسخيرون السكوت وإسم حبيبه يهان ، فصرخ فيه بكل ما بقي فيه من قوة منتهراً قائلا : أيها المنافق كُف عن ملء فمك بالتجديف على إلهي .
إستشاط الوالي غضباً من القديس وأمر أن يوضع في خابية (كيس) من معدن الرصاص ويغلق عليه ثم يحمى بالنار  
رفع القديس أباسخيرون قلبه وحواسه للرب في صلاة حارة قائلاً : يا سيدي يسوع المسيح أعني في هذه الساعة ومجد فيها إسمك القدوس ها قلبي يناديك يا إبن الله الوحيد أن تقويني وتعضدني ليرى هؤلاء أنك لا تتخل عن محبي إسمك القدوس . آمين 
أما الجند فأخذوا القديس وألقوه في الخابية الرصاص ولم يكد جسد القديس يلمسها حتى سقط قاعها وتحطمت ولم ينل القديس أدنى أذى .
دُهش الوالي مما حدث ولكن قلبه كان قاسياً ، وجعل من القديس هدفاً يجب سحقه وتدميره ، فأمر بشد القديس في المعصار وهو من الألات الجهنمية التي أُستحدثت لتعذيب القديسين ...وهو عبارة عن دولاب يتحرك نصفه الأعلى في إتجاه ونصفه الأسفل في إتجاه عكسي ويوجد بين نصفيه شفرات حادة يوضع الشهيد بين نصفي الدولاب ويُدار عليه فيتمزق جسده إرباً إرباً ، فحمل الجند القديس وأدخلوه في المعصار ، فرشم عليه علامة الصليب المقدسة ، بإسم الآب والإبن والروح القدس ، فتحطم المعصار وإنشق إلى نصفين بقوة السيد المسيح له المجد .(عاشق الوطن )
وكان الوالي جالساً يتابع التعذيب فإنقلب كرسيه ووقع أرضاً والكرسي فوق رأسه وحدثت زلزلة عظيمة في مكان الحكم فأرتاع الوالي وجنده وتملكهم خوف عظيم ووقفوا مبهوتين لفترة طويلة .
وبهذه الطريقة أعلن الرب عن مجده كما طلب الشهيد من قبل .
ولكن قلب الوالي كان غليظاً مظلماً فصمم على عصر القديس ، فأمر الجند بشد القديس على معصار آخر وأن توضع على جوانب المعصار كتل حديدية ملتهبة ناراً ، فتقدم القديس أباسخيرون وصلب على المعصار فرجع ذراعه للخلف فوقعت النيران على الجنود الموكلين به فأحرقتهم .
فثار الوالي ثورة عارمة وصرخ في القديس قائلاً :
أيها المرذول القوي في السحر لابد من أن أقتلك الآن .
فأمر الوالي بضعة جنود أن يضعوا القديس على سرير حديد ويوقدوا أسفله النيران حتى يشوى القديس ببطء ، فصلى القديس أباسخيرون قائلاً : يا سيدي يسوع المسيح أعني وخلصني .(عاشق الوطن )
وقام الجند بتقييد القديس بعد أن أرقدوه على السرير وأشعلوا تحته النيران ، أما الشهيد فلم تكن للنيران عليه تأثير البته ولم يشعر بأي ألم لأن قوة الرب كانت تظلله .
وعندما رأى الوالي ذلك هب كالمجنون صارخاً مجدفاً على إسم الرب ، فقال له القديس :
بما أنك تجرأت وأِفتريت على إسم المسيح الذي لا تعرفه ولا تؤمن بقوته فسوف تلتهب أحشائك بالنار حتى تعلم إنه الإله الحقيقي وليس سواه .
لم يكد القديس ينهي حديثه حتى أتى عبد من عبيد الوالي مهرولاً وهو في قمة الزعر قائلاً للوالي بهلع : يا سيدي الوالي منذ قليل كان إبنك في الحمام وعندما سكبوا عليه قليلاً من الماء خر ميتاً .
ولما سمع الوالي هذا تفجرت مشاعر الحقد والعداوة والبغضة في قلبه إتجاه القديس الذي أذل كبرياؤه وأمر بإلقاء القديس في نيران المستوقد الخاص بالحمام ليموت القديس أبشع ميتة إنتقاماً منه على موت ولده .
 فألقى الجنود بالقديس في نار المستوقد وأغلقوا عليه الباب وجلس ستة من الجنود يحرسون الباب .
أما الوالي فمضى إلى بيته وصنع مناحة عظيمة .
بعد ستة أيام من إلقاء القديس العظيم أباسخيرون في المستوقد وكان لايزال مشتعلاً بشدة سمع الجند الموكلون بحراسته ما عقد ألسنتهم وأوقف شعور رؤوسهم ، لقد سمعوا تسبيحاً شجياً نابعاً من عمق آتون النار ، فتطلعوا بلهفة إلى داخل المستوقد فنظروا القديس أباسخيرون واقفاً مسبحاً والنيران حوله من كل جانب وكان يقول :    (عاشق الوطن )
أسبحك أيها الآب والأبن والروح القدس ، أسبحك يا ملك الملوك وإبنك الحبيب والروح القدس أسبحك يا فخر جميع الشهداء واكليل كافة الرسل والأنبياء وجهاد القديسين ، تاج النساك وحلة الصديقين والقديسين وواضع الأكاليل على المجاهدين .. يسوع المسيح الإسم الحلو ، يا قدوس يا من أرسلت ملاكك ليخلصني وينقذني كما أنقذ الثلاثة فتية من اللهيب .
وإذ بميخائيل رئيس الملائكة العظيم نزل من السماء وجعل الأتون ممتلئ بنسيم منعش ثم وضع جناحيه على القديس أباسخيرون قائلاً له بفمه الممتلئ فرحاً وتعزية : يا أباسخيرون تقو ولا تخف فإنك ستكلل بأكليل الشهادة والغلبة ، وتنضم لصفوف الشهداء الأطهار وبعد أربعة أيام تكمل جهادك وتنال شهادتك وأنا رئيس الملائكة ميخائيل أُرسلت إليك لكي أحفظ جسدك المقدس .
بعد أن أكمل رئيس الملائكة الجليل كلامه صعد إلى السماء ، فأسرع الجند إلى الوالي يخبروه بما حدث .
نزل خبر نجاة القديس على رأس الوالي كالصاعقة فجن جنونه وأظلم عقله وزادت قسوة قلبه وإبتدأ يحدث من حوله قائلاً :                  (عاشق الوطن )
لقد قطعت رؤوس ستة عشر ألف مسيحي وغيرهم كثيرين أحرقتهم بالنار ونفيت آخرين ولم أعاين من هو أقوى سحراً من أباسخيرون هذا ، ولابد أن أبيد سحره بمن هو أعظم وأقوى منه في السحر .
وكان هناك ساحراً عظيم الصيت والشهرة إسمه الكسندروس وكان يصنع أعمالاً عجيبة بسحره ، فأمر الوالي بإحضاره وعلق عليه آمال كبيرة في تحطيم القديس أباسخيرون .
لما مثل الساحر بين يديه قال له مظهراً تقديره وإحترامه : أيها الساحر العظيم أنت تعلم أني قد إحترت وضاقت نفسي مع جنس المسيحيين وقد محوت منهم كثيرين من الوجود ولم يتعبني سوى هذا الساحر الكبير أباسخيرون ، ولم أستطع قتله بأي نوع من العذاب ، وقد مات ولدي الحبيب بسبب سحره ولا أدري ما الذي أصنعه معه .
أجاب الساحر الوالي مطمئناً وقال : يا سيدي إن أطعتني وسمعت كلامي فستنتصر عليه .
فأمر الوالي بتنفيذ كل أوامر الساحر على وجه السرعة والدقة .                    (عاشق الوطن )
فطلب الساحر أن يحضروا القديس فأحضروه من المستوقد مكبلاً بالأغلال والسلاسل الحديدية وأوقفوه أمام الساحر الذي بدأ في سحره ، فأخرج ثعباناً هائلاً وقال عليه كلام سحر فإنشق نصفين وأخذ سمه وأجزاء من أحشاؤه ووضعها في كأس وصار يتلو عليها أسماء شياطين والكل شاخص إليه ثم قال الساحر للقديس متحدياً : بلغني أنك ساحر بارع وعظيم فلا بأس من أن نجرب بعضنا بعضاً !
فأجاب القديس أباسخيرون في هدوء وحزم قائلاً : أنا لست ساحر ولا خادم للشياطين بل أنا عبد لسيدي يسوع المسيح ملك الملوك ورب الأرباب .
فأجاب الساحر بمكر وقال : إن كنت تؤمن بالرب فإمسك هذه الكأس الآن وأشرب ما بها لنر قوة إلهك أم قوة الآلهة .
فأجابه القديس بصوت جهوري قائلاً : أيها البائس المنافق كيف تجرؤ على ذكر إسم إلهي بفمك النجس وتجدف عليه بأعمالك الشريرة ، وسوف تعلم إنه ليس إله إلا يسوع المسيح .       (عاشق الوطن )
ومد القديس يده والتقط كأس السم من يد الساحر ورشم عليه علامة الصليب المقدسة وشرب منها بسم يسوع المسيح الناصري .
فصرخ الساحر قائلاً : يا عظيم الشياطين الذي للجن أرني اليوم قوتك .
إنتظر الساحر عل القديس تظهر عليه علامات الألم أو سكرات الموت ، ولكن لم يظهر عليه سوى علامات السرور والفرح كمن شرب شراباً منعشاً ولم يصبه أي أذى . وبهت الساحر لما رأى القديس هكذا فبادره القديس قائلاً : بما أنك تجرأت وشبهت إسم إلهي بشياطينك الذين في الجو فليأتي عظيم الشياطين هذا الذي إستعنت به ويدخل فيك ويعذبك .
وفي الحال صرخ الساحر صرخة مدوية وصرعه الشيطان وصار يعذبه مخبطاً إياه بعنف .
فقال القديس أباسخيرون للساحر : إن أعترفت وآمنت بإسم إلهي يتركك الشيطان وتستريح(عاشق الوطن )
فنطق الساحر صارخاً قائلاً : أؤمن وأعترف بسم يسوع المسيح ، فخرج الشيطان فوراً ، ولما تمسك بإيمانه بالرب إغتاظ الوالي جداً منه وأمر بقطع رأسه ونال إكليل الشهادة صلاته فلتكن معنا آمين .
إزدادت وحشية الوالي وأمر الجنود أن يسلخوا جلد القديس أباسخيرون بوحشية فعانى آلاماً لا تطاق وكان صابراً متجلداً في قوة الرب ، ثم أمر الوالي بقطع بعض أعضاء القديس وأن يصبوا مكان البتر زفت مغلي ورصاص منصهر فتجرع القديس آلاماً تفتت الأكباد لكنه كان يشكر الرب فرحاً بالروح متعزياً لكونه إستحق أن يُعذب على إسم السيد المسيح.
ثم رفعوا القديس على المعصار ، فرسم عليه علامة الصليب المحيي فلم يستطع الجند إدارته البتة .
أمر الوالي بإلقاء القديس في آتون النار بعد أن ملأه بالزفت ولكن الرب جعل النار لا تمس جسده المبارك وانحلت قوتها عنه ، فكان مسبحاً وسط نيران الآتون وصاح في الوالي قائلاً : لقد بردت ولذت نفسي وقربت النهاية .                 (عاشق الوطن )
وخرج القديس من الآتون سالماً ، فثار الوالي وأمر بأن يحموا أسياخ حديدية ويضعونها في عيني القديس أباسخيرون ، ففعلوا هكذا فضاع بصره وإكتوت عيناه باللهيب فصاح القديس بالوالي وسط هذه الآلام قائلاً : أيها الوالي إن كنت قد أعميت عيني الظاهرتين فإن لي بصر روحاني أرى به لا يمكنك إدراكه أو الوصول إليه ..أما مجد هذا العالم فنفاية ، ربي يسوع المسيح قادر أن يرسل ملاكه ويعيد عيناي الجسدية ويقوينى لأحتمل عذابك .
وفي تلك الساعة أرسل السيد المسيح له المجد رئيس الملائكة ميخائيل للقديس وبسط أجنحته على عينيه فصارت سليمة وأبصر بهما في الحال .
وفي نفس اللحظة التي شفي فيها القديس أباسخريون ذهب بصر الوالي كرد وإنتقام سمائي وصار يتخبط في الظلام فصرخ الوالي صرخة مرة للقديس قائلاً : أتوسل إليك يا سيدي أباسخيرون أن تتضرع لإلهك ليرجع لي بصري فأنا لا أرى .      (عاشق الوطن )
فقال له القديس أباسخيرون : إن لم تؤمن بالآب والإبن والروح القدس فلن تبصر .
فصرخ الوالي منهاراً بعد أن سقط جلال مركزه وصار يستجدي الرحمة من فريسته وقال : أنا أؤمن بإسم إلهك ؛ وللوقت عاد إليه بصره ، ففرح الوالي جداً لكنه قال للقديس بمكر ودهاء : كما طيبت قلبك وإعترفت لإلهك ، فلتطيب قلبي أيضاً وتسجد لأبولون عظيم الآلهة الذي جعلني أنظر .
فغضب القديس من كلام الوالي وطلب من الرب أن تنزل ناراً من السماء وتحرق هيكل الأوثان ، ففي الحال نزلت نار من السماء وأكلت هيكل الأوثان وحولته لكومة من التراب في لحظة .
ثم تقدم القديس للصنم الموجود في مجلس الحكم والذي كانوا يطلبون من المعترفين أن يرفعوا له البخور وركله القديس الشجاع بقدمه فهوى أرضاً محطماً لأجزاء صغيرة .          (عاشق الوطن )
لما عاين الوالي ما حدث هب مذعوراً وصرخ قائلاً : ملعونة الساعة التي أتيت لنا فيها ، ثم شق ثيابه وعظم غضبه على القديس وقال له : لا أعود أشفق عليك من الآن . وأمر الوالي بقطع ذراعا القديس أباسخيرون ، والتقط الجنود القديس بوحشية وأتموا عملية البتر الرهيبة لذراعيه وهو صابر على الألام البشعة صارخاً قائلاً : قدوس الآب والإبن والروح القدس . إقبل إليك يا رب أعضائي فإن روحي بيديك .
بينما كان القديس يعذب كانت جموع الوثنيين يضجون وهم يشاهدون ما يحدث له شامتين يرمقونه بنظرات حاقدة ويكيلون له عبارات السخرية والإهانة .
فصرخ فيهم القديس الشجاع متحاملاً على نفسه قائلاً : أيها الجمع القائم هاهنا إنكم تتسلون متفرجين حانقين عليّ وما أنا بلص أو سارق ولم أخطئ في شئ ، فإمضوا الآن وأضحكوا واسخروا من أعمالكم وتفرجوا على خزيكم فقد حضرت هاهنا لأصارع لأجل حياتي الأبدية في النعيم الدائم .   (عاشق الوطن )
إبتعد القديس أباسخيرون عن الجند قليلاً ونظر للشرق وسجد للرب ثلاثة سجدات ورفع عينيه الطاهرتين للسماء ورفع صوته العذب بالصلاة قائلاً : أسبحك وأمجدك يا من أدركتني نعمتك .. أعظمك لأنك حسبتني ضمن عبيدك وأباركك يا من وهبت لي الأكليل غير المضمحل ، أيها الرب القدوس أنت تعلم أني قد تبعتك بكل قلبي وأنا متيقن من أنك لن ترفضني من رحمتك .. أنت تعلم يا ربي أني قد حملت صليبي وتبعتك وأنا واثق من أنك لن تحسبني غريباً عن مدينتك المقدسة فها أنا أسألك وأصرخ إليك يا فخر كل الشهداء وإكليل القديسين يا يسوع المسيح الإبن الوحيد الجنس العظيم القدرة أرسل ملاكك ليحفظ نفسي نعم يا رب لا تتركني .   (عاشق الوطن )
وحالاً نزل رئيس الملائكة الجليل ميخائيل من السماء فتزلزلت الأرض وسقط الجميع على وجوههم وسقطوا فوق بعضهم على الأرض مرتعبين ووقف أمام القديس العظيم أباسخيرون وخاطبه معزياً حاملاً رسالة الفرح الأبدي مطوباً عظيم إيمانه وصبره وجهاده قائلاً له : طوباك يا أباسخيرون شهيد الرب يسوع المسيح لأنك احتملت لأجل الرب الذي أرسلني إليك لأحفظ جسدك وأمضي بنفسك إلى مجد الأفراح الأبدية التي لا توصف ، وأحفظ جسدك من يد هذا الوالي المخالف وأعتني به لليوم الذي يقوم فيه ، وهذا الموضع الذي أنت واقف فيه ستبنى لك فيه بيعة عظيمة ويظهر فيها مجد الرب بعظائم وآيات وعجائب في بيعتك وشعوباً لا تحصى يحضرون لبيعتك بالقرابين وأجعل ملوكاً وحكاماً وشعوباً يبهتون من القوات والعجائب التي ستظهر من جسدك المقدس ؛ وكل من سينذر نذر بأسمك ويحمله للبيعة فالرب يعوضه بأضعاف ما قدم في هذا الدهر ويباركه في جميع أعماله ، والآن فإن جموع الشهداء والقديسين ينتظرونك مع صفوف الملائكة الروحانية ليفرحوا بك وبكمال جهادك .  (عاشق الوطن )
بعدما فرغ رئيس الملائكة الجليل ميخائيل مع القديس العظيم أنار جسد القديس بلمعان ساطع رائع وأرتسمت على شفتيه إبتسامة الخلود والفرح الدائم .
إلتفت القديس أباسخيرون للجند وببشاشة وجهه المنير والنشوة تنسكب في قلبه قال للجند :
لا تتوانوا عن خلاص أنفسكم ها الجهاد مبسوط والأكاليل معدة ..
وراحت روح القديس ترنو للسماء منتعشة فقد حان الرجوع للوطن السمائي للحياة الأبدية الدائمة ، وأشرقت إبتسامة القديس العذبة تودع محفل الآلام وهي تهزأ بالموت ، ووضع جندي عصابة على عيني القديس أباسخيرون ولجام في فمه وكأنهم يدارون فضيحتهم بتحقيره في أخر لحظة من حياته .
ولمع سيف عريض في الشمس ليعلن إنهيار الشيطان والموت وشهوات الجسد والعذابات المريرة وفشلهم في فصل الشهيد أباسخيرون عن حبه للسيد المسيح الذي فداه بدمه على الصليب ، وهوى ذلك السيف على العنق الطاهر للقديس أباسخيرون لتقطع رأسه الطاهر وتسقط أرضاً وتغمض العينين الطوباويتين وتنطلق الروح الكبيرة بين جموع الشهداء والملائكة في فرح مع ترنيمات لا توصف عذوبيتها تتناثر من أفواه الملائكة والسمائيين حول روح القديس لتعلن الفجر الأبدي وسكون نفس القديس المنتصرة في حضن حبيبها المطلق يسوع في ثياب بيضاء وكان ذلك في اليوم السابع من شهر بؤونة المبارك .(عاشق الوطن )
الرب يحفظنا ببركة شفاعة وصلاة القديس أباسخيرون القليني التي يرفعها عنا أمام رب المجد في كل حين آمين .
معجزة نقل الكنيسة 
يذكر أنه كان من عادة المؤمنين في موسم الحصاد أن يحتفلوا بزفاف شبابهم ، ويطلقون عليه عيد العرسان وكان هناك أكثر من مائة شخص يحضرون الأحتفال بسر الزواج المقدس لسبعة من أبناء قلين ، ونظراً لشدة الإضطهاد الذي إشتد على المؤمنين ملأ عدو الخير المضطهدين حقداً فإتفقوا أن يقتلوا المؤمنين أثناء إنشغالهم بالكنيسة ، فأحدقوا بالكنيسة وأرادوا قتل من فيها ، في هذه اللحظة جرت معجزة بقوة علوية إذ نُقلت الكنيسة بشعبها وسبقت بذلك معجزة نقل جبل المقطم التي شهدها الألوف ودونها المؤرخون في كتبهم ، وعندما خرج الناس من الكنيسة وهم لا يدرون بنقل الكنيسة وجدوا المكان قد تغير فأعترتهم دهشة وأخذوا يصلون ويتشفعون بالقديس أباسخيرون ، عند ذلك ظهر لهم القديس ولم يعرفوه وسار معهم حتى شاطئ النيل وتقدم وسأل رجلاً يملك مركباً شراعياً أن ينقلهم إلى قلين فأجابهم بأن الرحلة تستغرق عدة أيام وتكاليفها دينار عن كل يوم فوافق القديس على طلبه على أن يسلمه ديناراً أول كل يوم(عاشق الوطن )
وسارت السفينة وبها المؤمنين متجهة إلى قلين ، وحدث العجب إذ إنتهت الرحلة في يوم واحد ، وأختفى القديس من بينهم فعرف الناس إنه الشهيد أباسخيرون صاحب البيعة وعندما رجعوا إلى مكان الكنيسة في قلين لم يجدوها 
أما صاحب المركب فقد إعترته دهشة إذ أنه كثيراً ما سافر هذه المسافة ولم يحدث أن قطعها في أقل من بضعة أيام فآمن بإله القديس أباسخيرون وصار مسيحياً .
وكانت الكنيسة قد نُقلت من قلين بكفر الشيخ إلى البيهو بمحافظة المنيا ، ويحكي التقليد المتوارث من شيوخ القرية .. أن الشهيد أباسخيرون حينما أُخذ للتعذيب في مدينة أنصنا وبينما هو راكب المركب وعابر النيل رست السفينة بالقرب من قرية البيهو فأكرمه شعبها فقال لهم : لو سمح الرب لي وأراد أن يذكر إسمي سوف يصير لي في بلدتكم كنيسة .
وماذال حتى الآن بكنيسته بالبيهو البكرة الحديدية للبئر والساري الخشبي للمركب التي أعادت العرائس من البيهو إلى قلين إذ يقال نقلاً عن قصص الشيوخ أن صاحب المركب عاهد نفسه أن يهب نصف إيراد المركب للكنيسة طوال حياته وكذلك سار أبنائه يقدمون نفس النذر وبعد أن تهالكت السفينة قدموا نصفها للكنيسة .
أعياد الشهيد           (عاشق الوطن )
٧ بؤونة : عيد إستشهاده
٧ كيهك : عيد تكريس كنيسته 
٧ طوبة : عيد تذكار نقل جسده الطاهر لدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون



إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu