علينا أن نعرف أولاً أن عبادة الأباطرة لم تفرض من فوق ، إنما قامت من بين صفوف الشعب ، ففي الأيام الأولى لحكم روما قدمت خدمات للشعب أعتبروها سماوية ، ولم تملك روما على كل الشعوب بالسيف ، فقد قدم بعض الملوك بلادهم طوعاً لتدخل ضمن الإمبراطورية الرومانية ، لكثرة المزايا التي حصلوا عليها من تبعيتهم لروما .
وحيثما حل الحكم الروماني تبعه العدل ، وانتهى الظلم والدكتاتورية ، وأختفى اللصوص من البحار وقاطعوا الطرق من الأرض وكان السلام الشامل بركة لم يشهد لها العالم مثيلاً في هذه الأيام تحت ظل روما .
لقد وجد المواطن العادي في ظل الحكم الروماني الأمن في عمله وتمكن من العناية بأسرته ، وإرسال خطاباته ، والسفر في أمان .
ونظر الناس لروما نظرة العرفان ، وأطلقوا أسم " روح روما " على الإمبراطورية ، ثم تطور الأمر فصار عبادة للآلهة " رومة " وتأسس أول هيكل لها في سيمرنا( مقاطعة في تركيا) عام 195 ق.م ولم يكن تأسيس الهيكل برغبة روما ، بل من إحساس الجمهور بالتقدير والشكر لروما .
وبعد 150 سنة تطور الفكر ، فقد كان لا مفر من بلورة " روح روما " في شئ منظور ، هو الإمبراطور ، وهكذا تبلورت الإلهة " روما " في شخص الإمبراطور ، فإعتبروه إلهاً وبني الهيكل الأول على شرف عبادته في برغامس (مقاطعة في تركيا) عام 29 ق.م وهكذا صارت العبادة لقيصر رسمية .
وقد قابل الأباطرة الأولون هذه العبادة بالخجل ، وكانوا في تردد من قبولها ، ولم تنتشر العبادة أولاً إلا وسط شعوب أسيا الصغرى ( تركيا) ، ولم يقبلها الرومانيون العاقلون ، وكان لابد من الحصول على تصريح لبناء هيكل لعبادة الأمبراطور ، ولم يكن منح هذا التصريح سهلاً . وقد إستهزأ أغسطس قيصر بالموضوع كله ، وإعتبر كلوديوس وطيباريوس أن اعتبار أي إنسان إلهاً أمر مفزع . أما كاليجولا المجنون ففرح بألوهيته ، أما نيرون وفسباسيان وتيطس فقد إهتموا بالألوهية اهتماماً سطحياً .
على أن الشئ الذي بدأ لم يتوقف ، فقد انتشرت عبادة الإمبراطور ببطء حتى غطت الإمبراطورية كلها ، وفجأة اكتشفت روما أهمية المسألة ، فقد كانت محتاجة إلى عامل يربط الأمبراطورية الواسعة معاً ، فقد امتدت من الفرات إلى بريطانيا ومن الدانوب إلى شمال افريقيا ، وحوت شعوباً من كل نوع ولسان . ورأت روما أن الدين رابط هام يوحد الإمبراطورية ويربطها معاً ولم تكن أي ديانة محلية كافية لربط وجذب كل الشعوب ، لكن عبادة الأمبراطور ممكنة وتقدر ، وقد كانت العبادة هي الشئ الذي طلبته روما وفتشت عنه طويلاً فصار نشر هذه العبادة هدف سياسة روما الأول .
ووصلت عبادة الأمبراطور إلى مرحلتها الأخيرة عندما صارت إجبارية على كل مواطن ، وحدث هذا في زمن دومتيان الذي لقبوه بالرب والإله ، وبدأت القوانين بعبارة " ربنا وإلهنا دومتيان يأمر بما هو آت " وكان واجباً على كل مواطن أن يحرق البخور لقيصر ويقول " قيصر رب " وكان كل مواطن يحصل على شهادة أنه قدم بخوره وعبادته للأمبراطور مرة على الأقل في السنة . وكانوا يحصلون على شهادة تقول " نحن ممثلي الإمبراطور رأيناكم تقدمون " .
كانت عبادة القيصر سياسية أكثر منها دينية ، خصوصاً وأن الإجراء الديني فيها علامة الولاء للدولة سياسياً وكان رفض تقديم العبادة علامة على خيانة الدولة ، ولم تكن تريد الدولة لعبادة قيصر أن تكون العبادة الوحيدة ، فقد كان الإنسان حراً أن يعبد كما يشاء على شرط أن يقدم عبادته للأمبراطور .
ولم تنظر روما إلى المسيحيين كملحدين بالأمبراطور دينياً بل كخونة غير مخلصين للدولة ولا لقيصر ، وأعتبرتهم ثائرين خارجين على القانون ، صحيح أن الإضطهاد لم يكن سارياً كل الوقت لكنه كان كالسيف المعلق على الرقاب .
قبل أن ننهي حديثنا عن عبادة الإباطرة في التاريخ لنتحدث عن عبادتهم في الوقت الحاضر نتعرف أولاً على برغامس التركية - كانت مركز للثقافة في تركيا القديمة كان بها مكتبة تحوي أكثر من مائتي ألف درج ( كتاب) وكانت المكتبة الثانية في العالم بعد مكتبة الإسكندرية -وكلمة "رق" ( جمعها رقوق ) التي كانوا يكتبون عليها تم إختراعها في برغامس وأخذت إسمها " parchment" من مدينة "pergmum" - ففي القرن الثالث ق.م حكمها ملك أسمه " يومينيس" كان مولعاً أن تكون مكتبة مدينته العظمى في العالم وليصل لهذه الدرجة اجتذب بالرشوة امين مكتبة الإسكندرية واسمه " أرستوفانس البيزنطي " وطلب منه أن يترك عمله بالأسكندرية ليعمل في برغامس وعرف الملك المصري بطليموس فثارت ثائرته وألقى " أرستوفانس " في السجن ومنع تصدير ورق البردي إلى برغامس وكانت كل الكتب والوثائق تكتب على ورق البردي ، وواجه علماء برغامس مشكلة نقص ورق الكتابة فإخترعوا الرقوق ، يصنعونها من جلد الحيوانات ، وينعمونها ويلمعونها ، ويكتبون عليها ، لكنها لم تشتهر عالمياً إلا بعد عدة قرون .
نعود لإمبراطور القرن الواحد والعشرين كما نعلم جميعاً أن الماضي يمثل إرث ثقافي يتوارثه الأجيال من جيل إلى جيل فلدينا في مصر الاهرامات وهي إرث معماري والمصري يميل بطبيعته إلى التعمير وأن يصنع من عمارته معجزة تبهر العالم في مختلف العصور فلا يخلو عصر من العصور مما يشهد على المصرين نبوغهم في ذلك العصر والإرث الذي ورثه أردوغان هو التجارة بالدين وتطويع الدين لخدمة السياسة والأطماع الدنيوية والجماعة التي هو منها والتي تنتهج سياسة تكفير الآخر ما هي إلا ترسبات تاريخية يريدون إحيائها فكيف لتركيا العلمانية أن تحمل شعلة الدين للعالم أم تستخدم الدين لتدمير الدول وبسط سيطرتها عليها لتهيمن على المستضعفين ولدينا سوريا أكبر مثلاً فبداية الحرب كانت لعزل العلويين من الحكم ليمتطي سدة الحكم من هو موالي للخليفة العثماني هل كان هذا في صالح الدين أو في صالح الإنسانية؟! هل كان بشار يمنع إقامة الصلاة أو يحارب الناس في دينهم أم لإنهاك جيش سوريا فيكون لقمة سائغة في فم أردوغان؟! هل الجماعة التي تتبعه هين عليها الدين حتى تضعه تحت أقدام الساسة ؟!
وهل حين يدعم أهل ليبيا بالسلاح والمرتزقة يساعد الدين أو الإنسانية
وبدأ ضرب أماكن في العراق
ويوماً فيوماً تتضح معالم خطته
أفيقوا فالتاريخ لا يرحم
لقراءة الجزء الأول من هنا
0 تعليقات