كان الملك امنحوتب الرابع ( 1370-1349) ق.م من ملوك الأسرة الثانية عشر وكانت هذه الأسرة قد جاءت في عنفوان مجد المملكة المصرية ، كانت حياة البذخ هي السمة السائدة في أرجاء البلاد من طولها وعرضها وكان لمصر اليد الطولى في أفريقيا وأسيا وكانت كل ملوك هذه البلاد يرسلون هداياهم إلى ملك مصر أمنحوتب الثالث ولكن كثرة الهدايا والثراء أدت الي التراخي حتى دب الضعف في كل أرجاء المملكة وكان لابد من شخص ليهب لنجدة البناء الذي يتصدع فكان أمنحوتب الرابع الذي صار شريكاً للحكم بعدما ضعفت صحة الأب ،كان كل شئ في مصر يحتاج إلى إصلاح بل إلى تغيير ، كان العرش في حاجة ملحة إلى ملك نشيط محارب مثل تحوتمس الثالث أو على الأقل مثل تحوتمس الرابع اللذين سبقا أبيه ، تولى أمنحوتب الرابع وكان مع أبيه في طيبة ، ولكن أمنحوتب الرابع كان شاباً حالما ذا إحساس ديني عميق ونفس شاعرة ، ما أن بدأ يكون له شئ من السلطة حتى بدأ في الدعوة لعبادة الشمس وإختار أحد مظاهرها وهو الإله آتون الذي عبر به أنه هو القوة الكامنة في قرص الشمس ، لم يكن الرجل الذي يستطيع مواجهة الموقف وكان لابد أن يحدث الصدام وكان لابد أن تسير البلاد من سئ إلى أسوء .
وتدل جميع الشواهد أن أمنحوتب الرابع لم يشتط في أول دعوته ولم يبادئ كهنة آمون بالعداء ، بل أن كل ما فعل هو دعوته لعبادة آتون وجعل منه إلهه المفضل ، وتبعه دون شك بعض رجال الدولة وكثير من عامة الشعب ، فبدأ كهنة أمون يحسون بالخطر الذي أخذ يهددهم فبدأوا يخلقون المصاعب للملك .
امنحوتب الرابع في بداية حكمه كان يحترم جميع الآلهة خاصةً ما كان متصلاً منها بعبادة الشمس مثل رع وحور ختى وغيرهما وإذ قد نادى بعبادة أتون فأتون لم يكن إلهاً أجنبياً عن مصر فإن أسمه كان معروف في الدولة القديمة وقد ورد ذكره في نصوص الأهرام قبل أمنحوتب الرابع ب 1000 سنة ، كما إن إحياء عبادة الشمس وشكل قرص الشمس وشعاعه يمد الأرض بالحياة كانوا معروفين في أيام تحتمس الرابع (1411- 1397) ق.م .
لم يمض زمن طويل على أمنحوتب الرابع في طيبة حتى بدأ يشتد تعصبه لدينه الجديد ووقف في وجهه كهنة أمون وغير إسمه من أمنحوتب الرابع إلى إسم جديد لتأكيد صلته بإلهه الجديد فإختار إخ-إن-أتون ( إخناتون) أي المفيد لأتون .
وإنقسم الناس ولم يكن والده أمنحوتب الثالث موافقاً على ذلك وخصوصاً وأن مُلك مصر في أسيا بدأ ينهار وخسرت مصر جزءاً كبيراً من ولايات سورية المالية وإنفض عنها حلفائها وانقطع عنها ما كان يأتي من جزية في تلك البلاد ، وما كان أمنحوتب الثالث يرضى بإنقسام أو عن حرب أهلية وعلى الأخص إذا تناول ذلك إلهه آمون الذى تفتحت عيناه على عبادته وقضى حياته يقيم المعابد له وكان عدم رضى الأب عن ما يفعله إبنه من الأسباب التي جعلته يترك طيبة فإختار مكاناً بين طيبة ومنف في محافظة أسيوط وجعل منه عاصمة جديدة للبلاد .
كان ذلك في السنة الرابعة من حكمه وأطلق عليها " أخت أتون " أي مشرق أتون وبنى فيها معبده وقصوره ،وإستمر العمل فيها عامين كاملين وإنتقل بعدهما إخناتون هو وكل عائلته ورجال قصره ومن تبعه من خاصته إلى عاصمته الجديدة وإستقر هناك .
لم يترك إخناتون طيبة إلا بعد أن أعلنها حرباً بلا هوادة على أمون وعلى غيره من الآلهة ومن بينها أوزيريس ، وكان إسم أمون بالذات موضع حقده فأمر بمحوه حتى لو كان في إسمه وإسم أبيه ، وإنصرف إخناتون بعد ذلك إلى عبادة إلهه في أخت أتون صاماً أذنيه عن سماع أي شئ تاركاً الحبل على الغارب ، وغير مهتم بما يجري في داخل مصر أو خارج مصر .
وفي مثل هذه الظروف كان لابد أن يحدث تغيير في إدارة البلاد فأقصى أخناتون من لم يتبعه في الدين الجديد وقرب الذين إستطاعوا أن يكسبوا ثقته بما كانوا يبدونه من حماس صادق أو مصطنع ، فأصبحت وظائف الدولة أو أكثرها في أيدي فئة حديثة العهد في فن الحكم في وقت كانت الدولة فيه في أشد الحاجة إلى خبرة الموظفين الأكفاء ، خصوصاً وأن الحالة إزدادت سوءاً على سوء وأصبحت مملكة خيتا تغير على أطراف سورية وتضمها ولاية بعد الأخرى إلى ممتلكاتها ، كما أخذت مدن عديدة في فينيقيا وفلسطين تستقل بأمورها أو تغير إحداها على الأخرى ، وزاد الطين بلة أن جماعات من بدو الصحراء أخذت بدورها تحدث إضطراباً في الأمن هذه القبائل المعروفة بإسم ال خابيرو وبدأ أمراء تلك المدن يستخدمونهم في حروبهم مع منافسيهم .
لم يترك الحكام المصريين أو الأمراء أو الحكام الأسيويون المخلصين وسيلة إلا وإلتجأوا إليها فأرسلوا الكتب وأرسلوا الرسل إلى طيبة وإلى إخناتون ، لكن إخناتون لم يسمع لهم فإلتجأوا إلى الملكة " تي " في طيبة فكانت بدورها تنبه إبنها ، وإزدادت النصيحة وإزداد التحذير حتى أصبح ذلك ضجيجاً في أذني أخناتون ، فصم أذنيه عامداً ورفض أن يفعل شيئاً سوى عبادة إلهه أتون ، ووضع الأناشيد في مدحه والذهاب إلى المعبد ومكافأة المنافقين من مادحيه .
وبدأت المؤمرات على حياة الملك ، وكاد المتآمرون مرة أن يصلوا إلى غرضهم لولا يقظة رئيس حراسه الذي أسرع للقبض عليهم عندما علا صراخ الحراس ، وخشى إخناتون على حياته فإنزوى في قصره وقرب إليه المنافقين والمداهنين وعلى الأخص شخص غير مصري أسمه " تو تو" دخل في خدمته في القصر ولم يلبث أن يصبح الآمر الناهي فيه وكثيراً ما ورد إسمه في رسائل أمراء أسيا الذين كانوا يستعينون بنفوذه للوصول إلى مآربهم وأخفاء حقيقة الأمر عن الملك .
كانت مملكة ميناتى في شمال العراق وكانت تربطها بمصر علاقات من الود والمصاهرة ولكن مملكة خيتا "الأناضول-تركيا " الناشئة الطموحة أرادت أن تستولي عليها فإستغاث ملك ميناتي بمصر فأرسل له أمنحوتب الثالث نجدة ساعدته في صد الخيتيين ، وأدرك ملك خيتا أنه لن يحقق أطماعه مادام النفوذ المصري قوياً ، ولهذا أخذ يحرض بعض ملوك أسيا على العصيان فأستجاب له أميران طموحان وهما أمير قادش الذي بسط نفوذه على سهل سورية الشمالي وهزم الأمراء الموالين لمصر ، ثم عبد أشرتا ملك الأموريين الذي أخذ يهاجم مدن الساحل الفنيقي وتبعه في ذلك إبنه عزيرو الذي كان دائماً يتظاهر بالولاء لمصر ويرسل الرسائل مؤكداً إخلاصه وينفي ما يقال عنه وأخذت المدن تستغيث بفرعون ولكنه كان في عالم أخر ولم يهتم حتى بمقابلة الرسل الذين أتوا من أسيا ليبسطوا الأمر للملك ، كان عزيرو متأكداً من فوضى البلاط وكان يعتمد على صديقه " تو تو " أحد السقاة في بلاط الملك أن لا ترسل مصر جنودها وبعد أن تم لعزيرو ما أراد على الساحل الفنيقي شمالي مدينة جبيل بدأ يهاجم المدن الأخرى على الفرات منضماً إلى جيوش الختيين فسقطت مدينة "نيي" وحاصروا مدينة "تونيب " فأرسل ولاة تونيب رسالة هذا مفادها :" إن عبدتك تونيب تقول من ذا الذي كان يستطيع فيما مضى أن ينهب تونيب دون أن ينتقم لها منخريا ( تحوتمس الثالث ) ويفعل بالناهب ما فعل بها ؟ إن لم تدركنا مشاة ملك مصر وعرباته قبل فوات الفرصة فإن عزيرو سيفعل بنا كما فعل بمدينة "نيي" وحينئذ لن نبكي وحدنا بل سيبكي معنا ملك مصر "( أمن قومي) .
وقد أرسل ولاة تونيب أكثر من عشرين رسالة ولم يتلقوا رد .
ما أشبه اليوم بالبارحة فهاهو أردوغان يريد أن يتوسع ويسيطر على جيرانه وقد نجح بعض الشئ في فرد سيطرته على جزء من سوريا بعدما دمر جيشها في الحرب الأهلية بدعوى محاربة الأكراد وقامت أمريكا العضو في حلف الناتو الذي تركيا عضو فيه بتدمير العراق جار تركيا على الحدود وكل ما يفصلها سوريا التي لو كانت سقطت في يدي الجماعات الموالية لأردوغان لكانت العراق الآن في خبر كان ثم الكويت والأردن ولبنان وفلسطين ولو لم تُسقط مصر حكم الأخوان الموالين لخيتا لسقط باقي الدول العربية في قبضة خيتا الذي في قبضة أمريكا ولما كل هذا للحد من التوسع الإقتصادي للصين وروسيا في الشرق الأوسط وما يحدث الآن في ليبيا ما هو إلا لفرض السيطرة على النفط الليبي وبيع أسلحة تركية لحكومة الوفاق لتقتل الليبين بأسلحة تركية ومرتزقة سوريا الذين بعدما ساعدوه في تدمير سوريا ذهبوا ليدمروا بلد عربي آخر ، وما يحاك الآن ضد مصر لعمل قواعد عسكرية في ليبيا أو لمساعدة أثيوبيا فى بناء السد ماهو إلا محاولات يائسة لتدمير مصر التى دائماً ما جعلها الله حصن يلتجأ إليه المظلومين .
ونشكر الله الساهر على مصر الذي أسقط إخناتون القرن العشرين الذي جاء على رأس جماعة يحملون لمصر دين هو دين أغلبية الشعب المصري وكأنه جديد عليهم أو كأنهم أخترعوه أختراعاً .
ولكن إخناتون أعقبه في حكم مصر توت عنخ أمون الملك الذي يتحدث عنه العالم كله من شرقه لغربه أشهر ملوك مصر .
تابعنا لكشف جميع مؤمراتهم ما هذه إلا أول مقالة .
0 تعليقات