رؤية الأب بطرس المقارى ( كاملة)


رسالة تركها لنا فى قلايته الأب بطرس المقارى ، كان قد خطها قبل نياحته بزمن لا نعلمه ، وقد عثر عليها فيما بعد اخوته الرهبان بعد نياحته وهم يجهزون قلايته ليسكن فيها راهب أخر ، وسوف اكتبها كما هى بدون إضافة او حزف
الرسالة 
طرق بابى سائل ففتحت له فوجدته ملاك الموت جاء لأخذ روحى إذ قد حانت ساعتى ، فأستمهلته حتى آخذ معى القلم والوريقات فأذن لى بشرط ألا اكتب ما يدخل فى عداد الأسرار والمحظورات او الكلمات التى لا ينطق بها ولا يسوغ لإنسان ان يتكلم بها ، وشكرته إذ قبل شفاعة القديسين لإعطائى هذه الفرصة ، والواقع أن ساعة الموت رهيبة رغم إنتظارى وترقبى لها زمناً طويلاً . لكن مقدار رهبتها يتناسب مع مقدار الأحتمال فى الإستعداد لها، بمعنى أن من يضعها أمام عينيه ويستعد لها مجاهدا كل يوم حاملا صليبه مميتا لذاته كل حين ، تكون لحظة انطلاقه لحظة فرح ومسرة لا تحد ، كما رأينا بعض القديسين يشرق وجهه بنور او تحيط به ملائكة او ينظر السماء مفتوحة مباشرة لإستقباله .
أما من يتناسى هذه اللحظة فباغتته فإن فزعها يكون مريعا وإضطرابها فظيعا أما أنا فقد إمتزج فرح الإنطلاق المرتقب برهبة تصفية الحساب ودفع الديون ، حيث تتنازع النفس فى هذه اللحظة مجموعتان هائلتان من القوى: إحداهما دين هائل من الخطايا والزلات وأصدقاء السوء ، والثانية فضائل وأعمال صالحة وشفاعات قديسين وملائكة ، أما هذه الأولى فتنجذب نحو هوة سحيقة برباط اليأس وأما تلك الثانية فتدفع نحو حياة أسمى وأروع بقوة الرجاء ، وتظل هذه القوى تتصارع حتى يحسم الموقف فيما سيأتى ذكره . ونظرت حولى فى القلاية ثم تطلعت من النافذة فلم أجد فى الدنيا كلها ما يستحق أن آخذه معى ، وتفرست فى أعماق نفسى فما وجدت أيضا ما على قدم ، لا كرامة ، ولا إهانة ، لا مركز ، ولا موضع ، ولا نسب ، ولا مال ، ولا مقتنى، ولم يُسمح لى بأخذ شئ لا جميل ولا ردئ ما خلا ثوب قديم عمره من عمرى لا تراه عين بشر لكن تراه الروح فقط - يقصد جسده - كان أبيض ، لكنه إتسخ ببقع كثيرة ما بين كبير وصغير فلبسته كى أستر عُريى وتوجهتُ الى الباب مُريداً الخروج مع الملاك .
إستوقفنى ملاك الموت وأفهمنى أن خروج الروح لا يكون عن طريق مادى أرضى ، لكنه إنطلاق من عالم منظور الى آخر غير منظور ، من عالم محدود الى عالم آخر غير محدود من الضيق الى الإتساع ، وفى لحظة أحسست بروحى تضيق جدا كأنها تخرج من عنق زجاجة دقيق للغاية ومنه إلى إتساع لا نهائى . وخرجت الى عالم آخر لا يحده زمان ولا مكان ، حتى أنه بنظرة واحدة رأيتُ المسكونة كلها كقطرة فى محيط القدير أو كحبة فى كف الخالق العظيم ، وبقى الجسد مسجى على الأرض فى التراب الذى أتى منه .
ورأيت فى تلك اللحظة عينها التى خرجت فيها روحى ، روحا أخرى فى طريقها الى الإنطلاق فى مكان آخر من تلك النقيطة التى يسميها أهل العالم الكرة الأرضية ، وهذه الروح رفيقة الموت ، هى التى تقابلت معها لحظة العبور الآتية .
ودفعنى الفضول الى إستطلاع وجوه وأراء وشعور معارفى وأصدقائى وأعدائى السابقين ، ما بين أقرباء الجسد ورفقاء الطريق وأخوتى فى الرب بخصوص إنتقالى ، فوجدت الأول حزينا باكيا وظهر عليه جلياً أعراض قصر نظر روحى أما هذا المسكين فكان يتأوه من لوعة الفراق ، فابتسمت مطمئناً له ومشفقاً عليه لكنه لم ينتبه لى إذ نسيت أنه لم يعد بإمكانه رؤيتى . ورأيت آخرين ملتفين حوله ما بين باكٍ وحزين ، بعضهم لاحت على قلبه ملامح البساطة فكان بحق مشاركا له آلامه وكانت كلماته تنزل كندى بارد على القلب المكلوم ، إذ كان الروح القدس يقودها الى الموضع المناسب ، والبعض الآخر كان مجاملاً أما القلب فبعيد عن المشاركة نهائياً فكانت نفس الكلمات تعود لصاحبها بلا منفعة هذه كانت أول مجموعة من الناس .
أما الثانى فكان باكياً ايضاً لكن نوع البكاء مختلف وأسرع هذا إلى مخدعه وحول رأسه هالة من نور براق أدركتُ أنه الإستنارة ، وأخذ هذا دافعاً له ومحركاً إياه للإستعداد بالتوبة لله ، وثالث كان فى حالة من الإبتهاج عجيبة وهذا كان دائما محباً لى وللإخوة ، رأى ببعد نظر إمتياز الحياة الأبدية فشارك السماء أفراحها تمام جهادى . ورابع كان فرحا لكن قلبه كان يكشف عن كآبة وظلمة إذ كان يظن فىَّ منافساً له على مركز وحاسداً لى على نعمة ، وخامس وهو الأخير كان مصاباً ببلادة روح فكان غير مبالٍ بما يحدث مستكفياً بهموم ومسئوليات وأطماع لا تنتهى ، وهنا استوقفنى ملاك الموت قائلاً أننى اخذت ما لم يأخذه غيرى ورأيت ما فات وقته ، وعلىَّ الآن أن أعبر العبور الصعب وأجتاز أفظع ما يمكن لبشر إجتيازه .
وتلفَّتُّ حولى فإذا جماعة من الشياطين واقفة وشاخصة نحوى ومنظرها قبيح جداً وعلى رأسها شيطان جبار يخترق قلبه سهم ، وتبدو على لحيته أعراض نتف وهو واقف قلبه مضطرب ينتظر لحظة العبور ونتيجتها ، ورأيت مقابلهم جماعة أخرى منيرة من الملائكة وهى كائنات بسيطة للغاية ولكنها هادئة لا تتكلم سوى الأناشيد والتسابيح ، وأصواتها رقيقة عذبة تُلقى فى القلوب سلاماً ويرأسها أيضا ملاك . أحسست بشدة أنه تربطنى به صلة ليس بحديثة وكانت هذه الجماعة من الملائكة أكبر عدداً من جماعة الشياطين وأكثر إلتصاقا بى وتبدو عليهم علامات الترقب الهادئ المطمئن ، أما جماعة الشياطين فكانت تتهامس مشيرة الى الثوب الذى ألبسه وتفرستُ فيهم وفيما يحملونه ، فوجدتها شراكاً وفخاخاً كثيرة مختلفة أما وجوههم فكان بعضها مألوفاً لدى ، وبعضها كان رفيقاً لى فى الطريق فترة طالت أو قصرت .
وللأسف كان لبعضها دالة علىَّ وعرفتهم دون مُرشد فهذا كبرياء وهذا كذب وهذا سرقة وذاك زنى وتلك نميمة ، وهكذا تعرفت على معظمهم ونظرتُ الى ما يشيرون إليه فوجدت البقع التى إتسخ بها ثوبى تحمل كل منها صورة أحدهم وأنا لا أدرى فسقطت وخفت وإقتربت من رئيس الملائكة وسألته عن قائد الشياطين ، فأفهمنى أنه الموكل بإسقاطى مستعيناً بهؤلاء وفخاخهم وأحسست من ناحيته بكراهية شديدة . لكن شعورى هذا لم يكن وليد الساعة ولكن فى الحال أدركت أنه منذ يوم ولادتى الثانية - أى المعمودية -  حيث جحد الشيطان ، وسألت رئيس الملائكة ما عسى أن يكون  السهم المخترق قلب الشيطان وسبب نتف لحيته ، فأرانى سهماً مثله فعرفتُ فيه أسكيم الرهبنة ، وعدت سنوات للخلف فرأيته يوم لبسى الأسكيم واقفاً يصر بأسنانه وينتف لحيته ويتحسر على ما خسره ويتهدد ويتوعد . 
والحق أننى أشفقت عليه وتمنيت لو كانت له توبة والتمست له العذر فى شدة غيظه بحسب رؤيته الشريرة ، ثم عدتُ ثانية الى الموقف المهيب وسألتُ مرة أخرى ملاكى الحارس عن هؤلاء الشياطين الذين لم استطع التعرف عليهم ، فأفهمنى الملاك صديقى أننى لم أستمع الى أصواتهم من قبل فسددت أذنى بناء على مشورة روح الله القدوس وملائكته ، أو أننى استمعت لهم ثم قدمت توبة صادقة فمُحِيت صورتهم وذكرهم من ثوبى ومن ذاكرتى بنعمة ربنا . ونظرت الى الملائكة التمس سلاما فى هذا الموقف المُحرِج فعرفتُ فيهم المحبة والوداعة والبساطة والسلام والاتضاع ، وكل منهم فى إحدى يديه باقة من مختلف الأعمال الصالحة والفضائل كان الروح القدس يحاول إغرائى على إقتنائها ، وفى اليد الأخرى سيفا ماضياً له سلطان على إبادة جيوش من الشياطين وملائكة الظلمة ، ويكنى بهذا السيف كل كلمة تخرج من فم الله .
وإذا بملاك الموت يتقدم ويبوّق فرأيت ناحية المشرق باباً يؤدى إلى منطقة -أن جاز هذا التعبير - منيرة جدا لم أستطع بعد أن أتبينها لكننى أحسست بلهفة شديدة على دخولها ، وناحية المغرب رأيت منطقة أخرى سحيقة لا يظهر لها قرار ومظلمة جداً أوقعت الرعب فى قلبى ، فأسرعت إلى باب المشرق مُريدا الدخول والنجاة ، لكن ما أن اقتربتُ منه حتى ظهر ملاكان فى لباس الجنود منعانى من الدخول . وأشارا إلى تلك البقع التى تلطخ ثيابى قائلين : الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت اللّه ، وأن علىَّ دينا لم أوفِه وأن لجماعة الأشرار حقاً لدىَّ لابد أن أذهب بمقتضاه إلى باب المغرب فصرختُ هلعاً وسألت رئيس الملائكة معونة ، فأفهمنى أن تلك البقع تنجذب بطبيعتها نحو الهاوية وأنه لا سبيل إلى محوها إذ قد مضى زمان التوبة .
ووجدتُ لدهشتى أن رفيقى الذى أتاه أيضاً ملاك الموت يمر بنفس الضيقة وأن ثوبه رغم قلة ما به من بقع بالنسبة لثوبى لكنّه ينجذب أيضاً إلى الهاوية ، أما أنا فصرخت فى اللحظات الأخيرة قبل سقوطى فى هوة الظلام : أين مسيح الخلاص ؟ ، وندمتُ أشد الندم على ما اقترفته وعلى تلويثى لثوبى وما جره علىَّ من أهوال ، ولم يكن هناك مَن يجرؤ حتى من الملائكة على نجدتى . ولاحت علامات الانتصار على وجوه جماعة الشياطين ، أما رفيقى هذا وأنا فقد أخذنا فى البكاء والعويل وفجأة ونحن قاب قوسين أو أدنى من الهاوية،
لاح نور عظيم وبريق لامع وشخص فى لهيب نار بهى الطلعة جميل المنظر رائع الوصف لا أستطيع أن أُعبَّر عنه لشدة حلاوته ، وكان محاطاً بربوات من الملائكة ذات الطبيعة النارية والقديسين . وعرفته فى الحال دون معرّف فسجدت له خاراً على وجهى ثم رفعت عينىَّ نحوه طالباً معونة لكن دون أن انبث ببنت شفة فقد عَرفته وعرفتُ محبته دون أن أراه وذقته كثيراً واختبرت معونته ويده الرحيمة ، كانت صورته فى قلبى بل للعجب وجدتُ نفسى أشبهه ولى سمته وتنطبق صورته علىَّ ما عدا ثوبى المُتسخ . أما الصورة فقد أخذتها يوم أن ولدتُ منه وأما وسخ الثوب فعلى مدى عمرى يوم أخطأت بغلاظة قلب ، آه هذا هو الأبرع جمالاً من بنى البشر ، نعم هذا هو مشتهى قلبى وكل رجائى ، هذه هى اللحظة التى عشتُ حياتى أنتظرها بل أنظرها بعين الرجاء هذا أمنتُ به ووثقتُ به ، هذا الذى لم يتركنى لحظةً فسلمتُ له حياتى هذا هو محبوبى الذى طالما ناديته : تعالَ أيها الرب يسوع . رنمت له هذا هو رجاء الأمم وخلاص الشعوب كنتُ واثقاً فيه وفى حضوره وفى إنقاذه إياى لأن كل مَن يؤمن به لا يخزى ، فما أن مدّ يده لتلتف حولى حتى رأيتُ فى رسغه آثار جرح غائر هذا هو ينبوع الخلاص والذى أدهشنى أن جُرحه كان لا يزال ينزف وسقطت نقطة دم من هذا الجرح ، نعم نقطة دم إلهى ونقطة واحدة لكنّها كافية لتمحو كل وساخة الخطية وصورة الإثم عن ثوبى . وفى الحال كفّت الهاوية عن جذبى ناحية الهلاك المحقق فشكراً لله الذى يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح ، وفجأة دوّت صرخة هائلة وإذا رئيس الشياطين قد سقط فى الهوة السحيقة وجماعته فى سلاسل الظلام وطرحوا فى جهنم ، إذ هو ظلام ولا ينجذب إلا نحو الظلام ولا يستطيع أن يبقى مادام نور ، ثمَ تلفتُّ حولى فوجدت رفيق الموت مازال ثوبه متسخاً ومازال يُسرع نحو الهاوية فأشفقت عليه .
وصرختُ إليه هذا يسوع ، لكنّه لم يفهم ما أقصده فتعجبتُ إذ لم يستطع أن يُدرك مصدر الخلاص ولا يؤمن به ،  لأنه لم تكن فيه صورة الفادى ولم يسعفه الوقت ليؤمن به ولا ليتعرّف عليه ، وصار صوته حزيناً وهو يهوى فحزنتُ عليه ، وتمنيت له لو عرف ما عرفتُ وآمن بمن آمنتُ وقال ما قلتُ . ونظرتُ فإذا الرداء الذى علىَّ لا يليق إطلاقاً بحضرة الرب فخجلتُ ، لكن الرب يسوع إلهى وحبيبى وهو عالم بما يجول فى خَلدى أسرع وألبسنى ثوبه الناصع البياض وإذا ببعض خيوطه القليلة قد لمعت ما أن أرتديته ، ولم أكد أن أنتهى من لبس ثوب برّه وقداسة حقه وأنا لا أزال فى حضنه ، حتى رأيت ما قيل عنه ما لم ترَ عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر ما أعده اللَّه للذين يحبونه .
انفتح باب المشرق فإذا بأصوات ترانيم الغلبة والخلاص وتسبيحات الملائكة وأصوات القديسين وروائح الصلوات النقية ، وأردت أن أكتب ما أراه لكن وجدتُ لغة البشر عاجزة عن البلوغ إلى وصف هذا والكلمات قاصرة عن التعبير عنه ، وتطلعتُ الى جنب الحبيب فإذا بأثر الطعنة نافذة فيه ما أن نظرتُ إليها حتى صرتُ فى حياة جديدة ، وتغيرت كل حواس عقلى ومداركى وتكشفت أمامى أسرار مُخفاة عن كل بشر وأمجاد لا توصف . وعلمتُ ضمن ما علمتُ فى الحال سر لمعان بعض خيوط الثوب الذى أعطانيه الرب ، إذ انطبقت بعض الأعمال التى عملتها منقاداً بالنعمة رُغم قلتها على تلك الطبيعة الإلهية ، التى لبستها بثوب برّ المسيح فانعكس بريق ولمعان المسيح عليها ثم رأيت حولى جموع القديسين ، وعرفتهم فى الحال واحداً فواحداً رُغم أن لهم صورة وشكلاً واحداً .
ووجدت أيضاً أن صورتى هى تلك الصورة عينها وهذا الشكل عينه وكان كل منهم يلبس ثوباً لامعاً لكنّه يختلف فى شدة اللمعان الواحد عن الآخر ، ورأيت عن يمين السيد المسيح إمرأة جميلة رقيقة ثوبها كله يلمع جداً كأنه موشى بالذهب ، لشدة تطابق وإنسجام حياتها مع طبيعة اللّه حتى أرتاحت هذه الأخيرة على السكنى فيها ، فصيرتها أكثر لمعاناً من كل ما عداها من البشر بل من الملائكة . ورأيتها فى حنان الأمومة تخلع ثوبها دون أن يفارقها فتُلِبسه لكل من يسألها ممن لم يكملوا جهادهم بعد ، فتظهر صورتهم أمام الله كالصورة المحبوبة لديه صورة ثوب برّ المسيح الفائق الخاص بأم ابن الله، وهكذا كل القديسين والذين أكملوا جهادهم فى تسابيحهم التى لا تنتهى يخلعون ثيابهم ليلبسوها لكل بشر يطلبها فى شركة محبة عجيبة، أما من يلبس أحد هذه الثياب فلا يقوى عليه أى فخ أو شرك من فخاخ الشرير لكن دون ان يحول ذلك محاولات الشيطان الحاسدة المتكررة .
ورأيت فئة من المكملين تتميز بتاج لامع على رؤوسها ، فعرفتُ فيهم البطل مار جرجس والقديسة دميانة وكثيرين ممن لم أسمع سيرتهم على الأرض ، لكن كانت هذه مكتوبة فى السموات وعرفتهم بمجرد رؤيتى لهم وكأنى كنتُ أحيا معهم ، ومنهم تفوح رائحة زكية للغاية ورائعة وفائقة الوصف هى رائحة دمائهم التى سفكوها لأجل أسم المسيح فنالوا أكليل الشهادة . وجماعة أخرى يحلوا لى أن أسميّهم جماعة المحبين وكان كل منهم ممسكاً بقيثارة ، وجماعة أخرى كانت تتميز بأعضاء مُنيرة جداً فى أجسادها النورانية، فمنها من أضاءت أرجلهم إذ جالوا فى البرارى والقفار معتازين مكروبين يُنادون ببشارة الملكوت وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة ، فنالوا عوض عذاباتهم مجداً وإشراقاً فائقاً إذ أضاءت أعضاؤهم المقطوعة والمعذبة.
أما أنا فقد جاءنى أحد الملائكة المخصصين لخدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص ، وأجلسنى فى نهاية الصفوف كلها إذ كان ثوبى أقلهم لمعاناً ، ولكن الحق أننى كنتُ شديد الفرح والقناعة إذ لم أكن أحسب نفسى أهلاً أن أكون فى هذا الموضع ، ولا أن أشترك مع هذا الخورس السمائى فى هذه التسبحة المتوافقة المنسجمة بما يفوق الوصف ولا أن أرى ما أراه ولا أن أحيا ما أحياه .
وانتبهتُ وتلفتُّ حولى فإذا بى لم أكمل جهادى بعد وإذ بى ما زلتُ فى الجسد ، أما اشتياقى وحنينى الى السماء فقد التهب وتوهج على الرجاء فصممتُ أن أبدأ فى غسل ثوبى فى دم الخروف استعداداً ليوم اللقاء ، وخوفا من العبور المرهوب ليت الرب يرحمنا ويعطينا نجاة يوم الدينونة ، له المجد والتسبيح والشكر والإكرام الدائم الى الأبد آمين .
وإلى هنا انتهت الرسالة 

إرسال تعليق

0 تعليقات