Ad Code

البطل المصرى العجائبى الشهيد مار مينا عن ميمر كتبه البابا يوحنا الرابع البطريرك الثامن والاربعون



أن القديس مار مينا هو إبن من أبناء مصر العزيزة إذ يرجع أصله إلى بلد نقيوس مركز منوف محافظة المنوفية . ولذا نفخر به كمصريين لأنه شرف جنسنا . وقد عاصر إثنين من باباوات الأسكندرية هما البابا ثاؤونا البابا (١٦) سنة ٢٨٢-سنة ٣٠١ والبابا بطرس خاتم الشهداء البابا (١٧) سنة ٣٠٢ - سنة ٣١١.
والده كان يدعى اودكسيوس ابن بلونديانوس الحاكم . كان رجلا تقيا طاهرا ولكثرة فضائله وتقواه ذاع صيته وإشتهر جدا ، ولكن أثار الشيطان نار الحسد فى قلب أخيه أناطوليوس لمحبة الناس أخيه اكثر منه لوداعته وورعه وتقواه فإستغل ما له من دالة عند الملك كارينوس وطلب منه تدبير مؤامرة ضد أخيه أودكسيوس والد القديس لكن الملك بعدما تشاور مع أهل ثقته لم يذعن لطلب أناطوليوس ، بل رأى ان يعين أودكسيوس على مدينة أخرى (الجزائر )عوضا عن حاكمها الذى كان قد مات منذ قريب فأرسل إليه قائده هيباتوس وأمره أن يرافقه فى تنقلاته مع عائلته وخدمه وممتلكاته إلى ان يطمئن عليه ويريحه فى مقره الجديد ، وقد أتم هيباتوس ما أُمر به على أكمل وجه ، أما شعب نيقيوس المحب فقد حزن على فراقه حزنا شديدا حتى أن أخيه أناطوليوس نفسه ندم على فعلته . كان لأودكسيوس زوجة تقية مواظبة على أصوام وصلوات الكنيسة تدعى أوفوميه ، ولانها كانت عاقرا كانت تطلب كثيرا من الرب يسوع أن يهبها نسلاً طاهراً وكانت تصوم من أجل ذلك إلى المساء وتقدم صدقات كثيرة للغرباء والأرامل والأيتام ، وفى أحد اعياد أم النور العذراء القديسة مريم الموافق ٢١ طوبه بكنيستها بمدينة أتريب تقاطرت الجموع وهم فرحون متهللون وحضرت أيضا أم القديس ضمن هذا الحشد لكن لم تكن فرحة كالباقين ، بل كانت حزينة منكسرة ، لاسيما كلما تطلعت الى النسوة وهن يحملن أطفالهن على أذرعهن ، حملت طلبتها فى قلبها ووقفت بإنسحاق أمام العمود الذى عليه أيقونة العذراء ، ورفعت قلبها وطلبت بأشد لجاجة الى الرب يسوع المسيح ان يهبها الإبن الذى يدخل البهجة فى نفسها وتوسلت الى العذراء ان تتشفع لدى إبنها المحمول على ذراعيها ان لا يرد طلبتها خائبة ، ثم مدت يدها لتغمس أصبعها فى زيت القنديل الموقد أمام أيقونة العذراء فسمعت صوتا من فم الرب يسوع الممسك بأمه البتول وهو محمول على ذراعيها يقول                (عاشق الوطن )
" آمين "  فأختلطت لديها مشاعر الحزن بالفرح والرجاء والشكر وعدم الإستحقاق فى آن واحد وكانت تشعر كأنها طائرة من الفرحة والشكر لله والإمتنان لسماعه تضرع عبدته كما سمع لحنة ام صمؤيل النبى ، وبعد الأنصراف من الكنيسة أخبرت الصديق أودكسيوس البار رجلها بكل ما حدث وبالصوت الذى سمعته فإمتلأ قلبه بالفرح الذى للروح القدس وقال لها " ان ثقتنا هى  فى إلهنا القادر ان يفعل كما سمعت لأن آمين تعنى  هكذا يكون " ، وبعدها مباشرةً تم الوعد الإلهى وأحست بأعراض الحمل وكانت تترقب بكل نقاوة يوم ميلاد الطفل حتى كملت الأيام ووضعت مولودها "إبن الصلوات " وكان ممتلئاً من كل نعمة وكل جمال فى الرب وكان ذلك حوالى سنة ٢٨٥ م .
أراد أبيه تسمية الطفل بأسم جده بلوديانوس ، ولكن أمه رفضت بسبب كلمة آمين التى سمعتها من فم الرب يسوع فدعت إسمه " مينا " وهى آمين معنى وحرفاً فى اللغة القبطية . وحدث فرح وإبتهاج كثير بقدوم إبن لأبيه البار المحبوب من الرعية حتى أن أبيه أمر بالأفراج على كثير من المسجونين ، ووزع صدقات كثيرة على المحتاجين والأرامل والأيتام .
إهتم أبواه بتنشئته تنشئة روحية عميقة بجانب حصوله على قسط وافر من التعليم أيضا فتهذب مينا بتعاليم الكنيسة التى غرست فى نفسه بذار الفضيلة ، وكان مداوما على قراءة الكتاب المقدس والتردد على الكنيسة ليلاً ونهاراً ، وسلك فى طريق التقوى فكان يدرب نفسه منذ نعومة أظافره على الصلاة الدائمة واضعا نصب عينيه قول الكتاب " صلوا بلا إنقطاع " .
وما أن أتم عامه الحادى عشر حتى إنتقل والده إلى الفردوس بشيخوخة صالحة حوالى سنة ٢٩٦ م .
وبعده بثلاث سنوات لحقت به أوفوميه والدة القديس ، ولأن مينا كان مؤمنا بزوال هذا العالم الزائف فإن انتقال والديه لم يهزه أبدا بل كان يرى بعين الإيمان انهم إنتقلوا من هذا العالم ليشفعوا فيه لدى ربنا يسوع المسيح فى العالم الآخر . وكما ورث عن أبويه ثروة كبيرة من الممتلكات والأموال الكثيرة ورث عنهم أيضا ثروة عظيمة من الروحانيات وظل فى تكريسه لخدمة الله الذى كان يشغل كل قلبه ووقته.   (عاشق الوطن )
بعد مرور سنة على وفاة والدته أى حوالى سنة ٣٠٠ م صدر منشور ملكى بأستدعاء جنود الجيش وبالرغم من أن مينا كان لم يزل شاباً صغيراً لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره لكنه كان قوى الجسم مملوءاً من النعمة والشجاعة فتقدم للجندية وأخذه فرميانوس القائد الأكبر وصديق أبيه أودكسيوس وجعله التالى له على كل الجيش فأحبه الجميع للطفه وتقواه .

الحرب الأولى

ولكن حدث أن أصدر الملكين الجاحدين دقلديانوس ومكسميانوس منشور يأمر بالسجود للأوثان وتقديم القرابين لها وبلغ ذلك المنشور أفريقية(الجزائر ) وقرئ علانية فبادر الحكام بتنفيذ أوامره ، (وتستطيع ان تتخيل عزيزى القارئ حرب الشيطان على قديسنا مار مينا ، تستطيع ان تتخيل الشيطان يهمس فى أذن القديس بصوت اقرب إلى الفحيح انه يمكنه أن يقدم القرابين والبخور للآلهة ويحتفظ بمكانه المرموق فى الجيش الذي يحسده عليه الكثيرين، أو يترك الباقيين من الجنود الذين تحت إمرته يقدمون ويكون هو مشرفاً على تنفيذ الأوامر ، ولن يستطيع أحد ان يسأله ان يقدم ولا حتى القائد فرميانوس إكراماً لروح أبيه صديقه القديم أو حتى يترك الجندية وينعم بأمواله وقصوره وممتلكاته ويبتعد عن المشهد فترةً حتى تنتهى موجة الإضطهاد ويتزوج وينجب نسلاً يحمل اسم ابيه خاصةً انه وحيد ، لكن القديس كان يعرف أن محبة العالم عداوة لله فرجع العدو منكسر من امام سيف الكلمة التى يحاربه بها القديس ، وقد تتسائل عزيزى القارئ لماذا لم يجاهر القديس بإيمانه ويتقدم للشهادة وينتهى الأمر ، ولكن المسيحى الذى يشعر بالإنسحاق أمام الله ويعد نفسه أول الخطاة كما قال معلمنا بولس الرسول لا يختار نوع الحرب بل يصمد أمام ما يأتيه من الحروب ، وقديسنا حُرب بمحبة العالم ومن هنا بدأ يقارع العدو على أرض المعركة ،)(الذى بين الاقواس من كتابة المدون) 
القديس افا مينا سمع الصوت الإلهى وترك عنه العالم كله ومجده الفاسد 
                                 ذكصولوجية القديس افا مينا 
ولم يستطع القديس أن يرى الكثيرين يقعون صرعى أمام خداع الشياطين وهو الذى تربى على أقوال الكتاب المقدس مثل للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد . والكثير من كلام الحياة وتذكر كلام داود فى المزمور 
7 هأَنَذَا كُنْتُ أَبْعُدُ هَارِبًا، وَأَبِيتُ فِي الْبَرِّيَّةِ. سِلاَهْ.
 8 كُنْتُ أُسْرِعُ فِي نَجَاتِي مِنَ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ، وَمِنَ النَّوْءِ».                            (عاشق الوطن )
!9 أَهْلِكْ يَا رَبُّ، فَرِّقْ أَلْسِنَتَهُمْ، لأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ ظُلْمًا وَخِصَامًا فِي الْمَدِينَةِ.   المزامير9-7:55
فقام بشجاعة ووزع كل ما له على الفقراء والمساكين والمحتاجين ، ورحل الى الصحراء ليتمكن من التمتع بالعشرة الإلهية حاسبا عار المسيح غنى أفضل من كنوز مصر ، ومن الخطوة التى إتخذها القديس نستطيع ان نعلم ما كان يحاربه به العدو وما كان يعده له مدبر مختاريه حسنا فدعاه فاديه محب البشر ان يحيا فى عبادة نقية مع فاديه وحبيبه لكى يعطيه أكليل البتولية والطهارة بجانب إكليل الإستشهاد ولكى يعاين الفردوس على الأرض أولا حتى متى تقدم للشهادة يكون مثل الشهيد إسطفانوس      (عاشق الوطن )
56 فَقَالَ:«هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً، وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ».  أعمال الرسل56:7
هكذا عاش قديسنا تائها فى البرارى والمغاير وشقوق الارض من أجل عظم محبته فى الملك المسيح ، يحيا حياة السيرافيم مع يسوع حبيبه الذى كانت تحلو له معه العشرة ، وبعد خمس سنوات وفيما هو واقف يصلى إذ أبرق حوله نور من السماء وأشرقت نعمة الله عليه فرفع عينيه ورأى الشهداء الذين أتموا جهادهم وهم يكللون بواسطة الملائكة فيؤخذون إلى السماء ويضيئون أكثر من بهاء الشمس . عندئذ إشتاق قلبه أن يصير شهيداً على أسم ربنا يسوع المسيح . وسمع الرب أنات قلبه هذه الملتهبة حبا . وإذ بصوت من السماء يرن فى تلك الساعة قائلاً " مبارك أنت يا أبا مينا لأنك دعيت للتقوى منذ حداثتك . لذلك ستحصل على ثلاث أكاليل لا تفنى ولا تزول بحسب أسم الثالوث المقدس الذى من أجله جاهدت : واحد من أجل بتوليتك ، وواحد من أجل حياتك النسكية ، وواحد من أجل إستشهادك ، هذا وسوف يصبح أسمك مشهوراً بين الشهداء . لأنى أجعل الناس من كل قبيلة ولسان يأتون ويعبدوننى فى كنيستك التى ستبنى على إسمك وفوق كل ذلك ستحصل على مجد لا ينطق به ومجيد فى ملكوتى الأبدى " 
 الحرب الثانية                (عاشق الوطن )

 عندما سمع المطوب هذا الكلام الإلهى أحس بشحنة روحية قوية تملأه ، ونشوة من الفرح تغمره . وأخذته غيرة مقدسة فقام على الفور وترك الصحراء ليمضى إلى المدينة ويعترف جهاراً بأسم فاديه الحبيب .
(ولك أن تتخيل عزيزى القارئ كم من المحاولات قام بها الشيطان عدو كل صلاح حتى يثنى القديس عن عزمه ، فأخذ يشككه فى الرؤيا ، وعدم جدوى الموت شهيداً وهو الذى وصل الى قامة روحية عالية فى النسك والتوحد .ثم أنه لو ذهب برجليه إلى الموت سيكون هذا إنتحار ، وأخذ يرهبه بالعذابات التى تنتظره والألامات الشديدة التى سيعانى منها ، وكم من الرجال الأقوى والأشجع منه لم يحتملوا العذاب وسقطوا تحت نير العذابات ، ولربما تكون هذه خدعة من الشيطان ليترك وحدته ويمضى إلى العالم ونصحه بالصبر ومعاودة الصلاة إلى الله مرة أخرى ليتبين الأمر ، لكن القديس كان قد حسم الأمر متكلاً على مخلصه الذى إن مشى معه فى وادى ظل الموت لا يخاف شراً .
فبائت كل محاولات الشيطان بالفشل )(الذى بين الاقواس من كتابة المدون) طوال المسافة من الصحراء الى أن وقف فى وسط الجمهور وأخذ يردد كلام الكتاب 
 «وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي، وَصِرْتُ ظَاهِرًا لِلَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنِّي». رو20:10

وبذل نفسه للموت وجسده للنار وقبل عذابات عظيمة لأجل إبن الله الحى 
                                             ذكصولوجية أفا مينا
فذهل الجمهور لهذا المنظر ولم يستطيعوا الكلام لأن هيئة القديس أبا مينا كانت تحفها الوقار والهيبة بالرغم من مظهره النسكى وملابسه الخشنة . فتساءل القائد عما يحدث فأجابه القديس " أنا مسيحى " فتعجب القائد جداً وسأله هل انت غريب حتى تتجرأ وتقاطع الأحتفال بيوم الملوك ؟! العلك تريد ان تعطل الأحتفال السنوى بعيد الملوك مزدريا بأوامرهم ؟! 
أثناء تساؤل القائد كانت أنظار الجموع تحدق بالقديس وتتفرس فيه وفى طلعته البهية وملبسه الحقير وشجاعته النادرة ، وإذا ببعض أتباع الملك يصرخون فى وجه البطل قائلين للقائد انهم يعرفون هذا الشاب جيداً ، فمنذ خمس سنوات كان يعمل جنديا فى الفرقة المسماة لدتورياكون تحت قيادة فرميانوس البطل .
إندهش القائد لساعته وأنتهر القديس قائلاً : يا هذا لماذا تركت جنديتك ؟! ولماذا تقول أنك مسيحى ؟! 
فأجابه القديس " أنا جندى حقاً ولكنى آثرت ان اكون جندياً لربى يسوع المسيح لأجل مراضاة إسمه القدوس"
فأمر القائد بإلقائه فى السجن إلى أن يخضع لأوامر الملك ويقدم السجود للآلهة 
الحرب الثالثة                       (عاشق الوطن )
 مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟  رو35:8
عاد القائد وأستحضره فى اليوم التالى وأخذ ينتهره قائلاً له أيها الكافر كيف تجرأت وأتيت فى وسطنا بالأمس ولم تبال بالشريعة ولم تخش الملوك ؟
أجابه القديس أجبتك بالأمس وأعود وأقول لك ثانيةً انا أعبد ربى يسوع المسيح ، أما معبوداتكم فدنسة 
قال القائد . أنظر كم نحن مترفقون بك ،  كم نحن صابرون من أجل شبابك وبالأخص بسبب أنك جندى وإبن أحد قادة الجيش  ...والآن إخبرنى أين كنت وأين ذهبت بعد أن تركت جنديتك أثناء تلك الفترة الطويلة؟
 أجاب القديس " إنى أخترت بالأحرى ان أنطلق لأسبح إلهى وأنا تائه فى البرارى والقفار وفى جوع وعرى ساكنا وسط الحيوانات المتوحشة عن أن أعيش فى العالم وأهلك فى التنعم مع الضلال لانه مكتوب فى المزامير 
9 لاَ تَجْمَعْ مَعَ الْخُطَاةِ نَفْسِي، وَلاَ مَعَ رِجَالِ الدِّمَاءِ حَيَاتِي. مز9:26
6 أَبْغَضْتُ الَّذِينَ يُرَاعُونَ أَبَاطِيلَ كَاذِبَةً. أَمَّا أَنَا فَعَلَى الرَّبِّ تَوَكَّلْتُ. مز6:31
فأحتار القائد من شجاعته وحاول ملاطفته ليرجع عن معتقده ويقدم الذبائح للآلهة فيصنع مسرة الملك ، وأخذ يعده بمنحه رتباً عالية تفوق رتبة أبيه . لكن القديس كان يجيب فى وداعة من فم ملئ بأقوال الله 
باطل الأباطيل الكل باطل ، ماذا يستفيد الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه بل ماذا يعطى الإنسان عوضاً عن نفسه ،  «لِتَكُنْ عَطَايَاكَ لِنَفْسِكَ وَهَبْ هِبَاتِكَ لِغَيْرِي. دانيال
                                              (عاشق الوطن )
ضاق صدر الملك منه فأمر بأن يمدوه ويجلدوه بسيور من جلد الثور اللين إلى أن تتشبع الأرض من دمه . ولما فعلوا به كان متهللاً كما الرسل الذين ذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ، لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. وكان لاهياً فى اسم ربه يسوع المسيح الذى كان قد تعود على ترديده طول اليوم منذ طفولته ، حتى تعجب الجميع فصاح به الأمير " أرحم شبابك وجمالك وانهض ضح للآلهة قبل أن يهلك جسدك "
أجابه المطوب ودمه يسيل على الارض وأجزاء من جلده تناثرت حوله والألم يتسرب فى نبرة صوته ، كيف .. وهل أتخلى عن إلهى ؟! أعلم أيها الأمير إنه لن يفصلنى عن محبتى لإلهى لا شدة ولا ضيق ولا إضطهاد ولا سيف ....
حينئذ أمر القائد بأن يذيقوه أمر العذابات حتى يرجع عن عناده ، وأصدر أمره بتعليقه على الهينبازين وكشط جسده ، حتى ظهرت عظامه منفصلة . ووقف القائد غليظ الرقبة يناديه وسط العذابات قائلا هل تشعر يا هذا بالعذاب أم لا ؟! هل رأيت غضب الآلهة ؟! هل علمت جزاء من يخرج على أوامر الملوك ؟! .
فأجاب القديس : أن عذاباتكم رأس مالى فهى تعد لى الأكاليل أمام المسيح ملكى وإلهى .
تعجب القائد من لغة البطل هذه وتسائل هل إلهك يا مينا يعرف انك تقبل كل هذه الآلام من أجل اسمه ؟!
أجاب البطل القديس المختبر محبة المسيح لجنس البشر : كيف لا ونحن لحمه وعظامه وأعضاء جسده وهو الفاحص القلوب والكلى ويعرف الخفيات والظاهرات ؟! انما هو يسمح لنا بهذه الآلام لينقينا ويطهرنا كما ان الذهب لا يمكن ان ينقى بدون ان يصهر فى النار هكذا غير ممكن ان نرضى المسيح بدون ألم .
 فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا. رو18:8 . فنارك هذه بالنسبة إلينا مثل النار التى يتنقى فيها الذهب وبعد ذلك تنقضى سريعا . اما نار جهنم التى تنتظر الاشرار سوف تحرق الى الابد .                (عاشق الوطن )
عندئذ دهش القائد وقال له " انى أشفق عليك فهل تريدنى أتركك يومين أو ثلاثة لكى تتبصر ؟!"
أجابه القديس " لقد إنتهيت من التبصر جيداً قبل أن آتى الى هنا بزمان ، وتأملت جيداً فى العالم كله المقضى عليه بالفناء "
فإحتدم القائد غيظاً وأمرهم بأن يحضروا أوتاداً حديدية حادة ويثبتوها فى الأرض ثم يسحبوه عليها الى أن يتمزق جسده كله . وكان القديس فرحاً متهللاً وسط كل هذه الألام وكان يقول للقائد " ماذا تظن أيها الشقى هل كل عقاباتك هذه والعذابات تقدر أن تفصلنى عن محبة المسيح ؟ الا تعلم أنه مكتوب  مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ كما هو مكتوب اننا لأجلك نمات كل النهار .
رؤية القديس مستهيناً بالعذاب زادت إصرار القائد على سحق عزيمة البطل القديس مينا فبعد ان تمزق جسد القديس جراء سحبه على الأوتاد أمر بأن يحضروا مسح شعر ويدلكوا به جراحات جسد القديس ، ولكن الرب يسوع الحنون لم يجعل القديس يشعر بأى شئ فلم يتأثر مطلقاً .
حينئذ جُن جنون القائد وقد هيئ له الشيطان انه قادر على تحطيم عناد الشهيد مينا وتمسكه بإيمانه وقال له نعم يا مينا انا الذى سأجعل قساوة قلبك وإحتمالك يتلاشى ، فأمر بأحضار مشاعل ملتهبة ليضعوها تحت ضلوعه وبالفعل أُشعلت النيران تحت الشهيد النبيل لمدة ساعتين كاملتين ولكن بسر إلهى عجيب لم يشعر بأى شئ .
وتعجب القائد وأحتار فى أمر هذا الشاب العنيد وكان يتأمل كيف يصبر على هذه الآلام المريرة والنيران تشتعل تحت جنبيه دون أن يتأوه ، وسأل القديس ما هذا الذى أراه وكيف يكون هذا ! فقال له القديس :إن ربى يسوع المسيح هو الذى أعطانى ويعطى دائما جميع أولاده الذين يقبلون الآلام على إسمه القدوس القوة والسلام والفرح ، وهو الذى يطمئنا بقوله الإلهى   " لا تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ. متى28:10
عندئذ أمر القائد بأن يضربوه على فمه إلى أن تكسرت أسنانه والقديس صامت بلسانه وقلبه يلهج بالشكر لإلهه الذى حسبه مستحقا أن يتألم من أجل أسمه .
متذكراً قول الكتاب : وَمِثْلَ خَرُوفٍ صَامِتٍ أَمَامَ الَّذِي يَجُزُّهُ هكَذَا لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ.  اعمال ٨:٣٢
فأحد الحراس حينما رآه صامتاً شاكراً قال للقائد إن جنس المسيحيين يا سيدى يستعذب العذابات ويحتمل الآلام لأن الموت عندهم أحلى من الحياة !!
فبعد أن فشل القائد ان يقنعه حتى يعدل عن رأيه ووجد أن التعذيب لا يجدى نفعا بل بالعكس يظهر ثبات وعزم القديس على ان يظل متمسكاً بإيمانه حتى الموت قرر إرساله الى الوالى شارحاً له ظروفه والتهمة الموجهة ضده كونه مسيحى وكونه كان يعمل بالجيش وكان جنديا موصوفاً بالشجاعة وانه بناء على هذه الاسباب قام بتعذيبه بقسوة   (عاشق الوطن )
وركب الجند السفينة مع القديس  وحين كان القديس معهم كان مسترسلا فى التأمل مناجى لربه الذى خلق السماء والارض وبينما الشهيد مينا على هذا الحال. سمع صوتًا من السماء يناجيه: "لا تخف يا حبيبي مينا لأني سأكون معك أينما تحل . وسأتقدمك الى مجلس القضاء والى ان تكمل جهادك". وملأ المخلص محيا (وجه) الشهيد بالمجد والنعمة حتى ان الجنود المكلفين بتسليمه الى الوالى لم يستطيعوا ان ينظروا الى وجهه.
عندما وصلوا الى الميناء إقتاده الجند مع كثيرين آخرين وسلموه الى الوالى.ألقاهم الوالي في السجن فكان يُعزّيهم ويشجعهم وكان لهم بمثابة القائد الشهم الذى يحث جنوده على الثبات فى الحرب. هناك ظهر له السيد المسيح نفسه وعزاه وأخبره بما سيحدث له وبما أعده له ، ثم رشم جسده بالزيت المقدس وأعطاه السلام ثم صعد إلى السماء.
في اليوم التالي استدعاه الوالي إلى مجلس القضاء وأخذ يلاطفه ويتملّقه، وإذ لم يجد حيلة توعده بالموت اذا لم يخضع ويذبح للآلهة. وأمام إصراره أمر بجلده بسيور من جلد الثور اللين،ولم يكتفى بذلك بل أمر بنشره بمنشار حديدي صلب، وإذا بالمنشار يذوب كالشمع. أحس القديس أن ذلك حدث بسبب يد المخلص الطاهرة التى دهنت جسده كله فبارك الله الحنان ، احتار الحاكم فى أمره فكتب قضيته هكذا .
حيث أن مينا الجندى المسيحى قد رفض أن يطيع أمر الملك العالى ويذبح للآلهة لذلك نأمر بأن تؤخذ رأسه بالسيف ويحرق جسده بالنار. وأصدر أمره الى عسكره بتنفيذ الحكم فوراً وفى الطريق الى تنفيذ الحكم أخذ يحدث الجموع التى تبعته من الرجال والنساء والرهبان المتعبدين ايضا ان يثبتوا فى الإيمان بالمسيح الرب. وفي مكان الاستشهاد ركع القديس وصلي رافعًا يديه إلى السماء وصلى صلاة حارة مقدماً نفسه فى يدى الآب السماوى فضربه السيّاف ضربة قاسية فأكمل شهادته فى اليوم الخامس عشر من شهر هاتور سنة 309 م.، وكان عمره 24 عامًا.           (عاشق الوطن )
أوقد الجند نارًا لحرق جسده، لكن بقي الجسد ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ داخل اللهيب ولم يحترق.
حمله بعض المؤمنين وكفّنوه بأكفان ثمينة ودفنوه بكل وقارٍ.
جسد القديس 
خرج القائد أثناسيوس ليُحارب البربر الذين كانوا يهاجمون مدينة مريوط، وأصر أن يأخذ معه جسد القديس. وإذ كشف الجنود القبر ظهر نور عظيم فسقطوا على الأرض وسجدوا لإله مارمينا. أخذوا الجسد وأخفوه ووضعوه في مركب قاصدين الإسكندرية ومنها إلى مريوط. وفي البحر هاجمتهم حيوانات مفترسة ذات رقاب طويلة ووجوه تشبه الجمال (مكتوب هكذا فى النص القبطى ولكن لم يحدد ان كانت وحوش حقيقية أم شياطين تحاول تعطيل الجسد عن الوصول لمريوط )فخرجت نار من الجسد وانطلقت كالسهام نحوها، فهربت للحال.فتعجب الجميع وآمن من لم يكن مؤمناً
إذ وصلوا إلى الإسكندرية، وحملوا الجسد على جمل إلى مريوط هزموا البربر، وعند رجوعهم رفض الجمل القيام والسير معهم بالرغم من الضرب الشديد. نقلوا الجسد على جملٍ آخر أقوى منه فلم يتحرك، وهكذا تكرر الأمر فأدرك القائد أثناسيوس أن هذه إرادة الله أن يبقى جسد القديس في مريوط. عندئذ جهز لوحا من الخشب ورسم عليه صورة القديس ورسم عند رجليه صورة الوحوش البحرية ذات الرقاب الطويلة التى هاجمتهم فى البحر .
ختم البابا يوحنا الرابع البطريرك الثامن والاربعون ميمره بهذه الكلمات
أنه كان بتولاً طاهراً قوياً وجميلاً ومملوءاً نعمة تاماً فى الفطنة واللطف لانه كان تقيا جسداً مصلياً فى كل وقت مثل كرنيليوس فى جنديته وكان محبوبا مثله ، وكموسى فى حلمه مع الكل وكان شفوقاً وحليماً مثله - الفضيلة دفعته ودمه المقدس كلله .

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu