Ad Code

سيرة الشهيدة العظيمة دميانة والأربعين عذراء




السيرة  عن ميمر كتبه الأنبا يؤنس أسقف البرلس نقلاً 

عن مخطوطة وجدها في كنيسته بخط أخريسطوذولوس تلميذ يوليوس الأقفهصي كاتب سير الشهداء 

وقد قال الأسقف يؤانس في مقدمة ميمره  ( أيها الاخوة المؤمنون الارثوذكس . حرسكم  الله بيمينه القوية وقوته العلوية من سائر تجارب العالم . أسألكم أن تميلوا إلي بآذانكم وقلوبكم ، لأتلوا عليكم ما وجدته أنا الحقير المسكين يوحنا " يؤانس " المدعو بنعمة الله أسقفاً تجاه السيرة الفاضلة المقدسة التي للقديسة الشهيدة العفيفة دميانة .. وهو أنني لما جلست على كرسي الأسقفية بالبرلس وكنت أحضر دائماً بكنيسة الزعفران أنظرها قديمة متهدمة من كثرة ما مر عليها من الأيام والسنوات . وهي خراب من الناس - فلما كان بعض الأوقات خطر ببالي فكر إذ اشتقت أن أنظر خبر الشهداء سكان هذه البيعة ، ومضت مدة وأنا أفكر في هذا الأمر ، وكنت لا أعرف نوماً هادئاً من أجل هذا الاشتياق .. وفيما أنا كذلك  حضر إليَّ راهب قديس من رهبان دير الميمنة . قبلي البيعة المذكورة . وكان معه كتباً لتلك البيعة قديمة قد تمادى عليها سنين وأعوام . كأنه قد تحرك من قِّبل الله ، وقال لي : " يا أبي الأسقف خذ هذه الكتب عندك لتفعل بها تراتيب البيعة لأنك أبينا ولك النظر على جميع البيع " .. فلوقتي أخذتها من ذلك الراهب ومضى إلى ديره بعد أن أخذ البركة من حقارتي أنا المسكين ، ولعظم اشتياقي في الخبر السعيد فتشت في الكتب فوجدت الخبر المطلوب ، أعني سيرة القديسة الشهيدة دميانة وفي الحال بدأت في نسخة أخرى من هذا الكتاب الذي كان مكتوباً بخط غلام من عبيد يوليوس الأقفهصي يسمى اخريسطوذولوس ... وعليه فرحت أن الرب افتقدني بهذه السيرة المباركة وحقق اشتياق قلبي . فاطلب من القديسة الشهيدة دميانة أن تصلي من أجلي أنا الحقير المسكين لكي يعينني الرب يسوع على خلاص نفسي ... ).

الحاكم مرقس والي البرلس والزعفران

كان مرقس حاكم تلك المقاطعة رجلاً غنياً ميسور الحال يملك الكثير من الذهب والفضة ولديه العديد من المزارع والحقول، وأمام هذا الغنى كان رجلاً تقياً وديعاً محباً للفقراء والمساكين يعطف عليهم ويسد إحتياجاتهم وكان يرعى شعبه ساهراً عليه، فأحبه الجميع وأطاعوه في كل شيء وتعاونوا معه على النهوض بالمقاطعة كلها لخير شعبها حتى اشتهر بمثالية حكمه عند الوالي دقلديانوس.

فأحبه واعتبره من أقرب أصحابه ومن كبار ولاة الإمبراطورية. 

كان لمرقس ابنة وحيدة تسمى " دميانة" وكانت عزيزة عنده جداً يحبها حباً شديداً ويهتم بها اهتماماً خاصاً، وبعد مضي عام على ولادتها قصد والديها دير الميمنة حيث نالت سر المعمودية، وقدم أبيها النذور والقرابين شكراً لرب المجد الذي افتقدهما في ابنتهما دميانة... ثم أقام وليمة عظيمة دعا إليها جميع الفقراء والمحتاجين لمدة ثلاثة أيام ابتهاجاً وتهليلاً لنوال ابنته الوحيدة سر المعمودية المقدس، وقد تعهدها والديها بالتربية الروحية في خوف الله وحبه، فشبت منذ طفولتها مرتبطة بالكتب المقدسة والعبادات والصلوات والأصوام، حيث كانت تختلي في منزلها للتأمل في محبة رب المجد حتى إمتلأ قلبها بالنعمة الإلهية وانسكبت فيها مواهب الروح القدس وفاض قلبها بالفرح والمحبة والسلام، ووجهت كل اشتياقات قلبها ورغباتها نحو معرفة ربنا يسوع المسيح.

معك لا أريد شيئاً على الأرض

التهب قلب دميانة بمحبة رب المجد يسوع المسيح واشتاقت أن تكون له عروساً تتفرغ للجلوس تحت أقدامه، مكرسة له كل وقتها وحبها، ومن ثم نذرت نفسها لحياة البتولية زاهدة في كل مجد يؤول للزوال والفناء. 

ويوماً بعدما بلغت الخمسة عشر ربيعاً دخل عليها والدها متهللة أساريره يزف لها بشرة تقدم أحد كبار المدينةطالباً الزواج منها، فبادرته بالقول : 

_ يا أبي أنا لا أريد الزواج ولا الأرتباط بانسان ما. 

_ ولكن يا ابنتي هذا انسان ذو شأن ورجل مبارك، استريح له وأجد فيه الشخص المناسب لكي يتعهدك بالمحبة والأهتمام والرعاية.

_ أنا لا أعترض على هذا الشخص وإنما أرفض مبدأ الزواج عموماً، فأنا يا أبي أريد أن أرضي ربي وإلهي وقد نذرت نفسي لأكون عروساً لفاديا الحبيب. 

_ ولكن الزواج لا يغضب الله. 

_ لكني أريد أن أكرس حياتي كلها لمن قدم حياته من أجلي على عود الصليب مستهيناً بالعار. فذلك أفضل جداً وهذه شهوة قلبي. 

_ مبارك هو اختيارك يا دميانة وليثبت الرب خطواتك ويكمل جهادك، فكم هي مسرة قلبي أن تكون ابنتي نصيباً للرب. 

_ أشكرك يا أبي وأرجو من محبتك أن تحقق لي رغبة أخرى. 

_ تمني علي يا وحيدتي العزيزة فأنا وكل ما أملك بين يديكي.

_ لي اشتياق أن تبني لي مسكناً شمال المدينة منعزلاً عن كل ضوضاء، وبعيد عن الناس لكي أتعبد فيه وأسهر على خلاص نفسي.

ابتهج قلب مرقس فرحاً حتى ترغرغت عيناه بالدموع وقال لها: 

_ أبشري يا ابنتي المباركة انني من هذا الوقت أصنع لكي ما تريدين وأفعل كل ما طلبت.

وفي اليوم التالي أحضر مرقس مهندساً ماهراً وجماعة من البنائين والدهانين الذين يرقمون بالذهب والذين يزينون الزينة ثم خرج معهم خارج مدينة الزعفران وحدد لهم المكان المختار للقصر.

وفي أيام قليلة كمل بناء القصر في جمال لا يوصف، وأقاموه على خمسين عموداً ورقموا سقفه بالذهب الأحمر والبهرمان وصنعوا جدرانه بشقق الصيني وأرضه بالرخام والمرمر والفيروز كما صنعوا كرسياً كبيراً من العاج ومرصعاً بخمسمائة فص معدن تلمع كالجواهر. وجعلوا منه قصر يليق بأميرة عروس ملك الملوك. 

دعا الوالي مرقس ابنته دميانة لسكنى قصرها الجميل مع من تشاء من صديقاتها اللواتي بلغ عددهن أربعين عذراء، فاتجهن بقلوبهن نحو العبادة الحارة لا يعطين للجسد راحة، وكانت الشهيدة دميانة تشجع صديقاتها على الجهاد والمثابرة على الأصوام في زهد شديد وقضاء الليل كله في الصلاة والتسبيح وعمل الميطانيات.  

الوالي مرقس يبخر للأوثان 

قام الامبراطور دقلديانوس بعمل سبعين وثناً من ذهب وفضة وجعل خمسة وثلاثين ذكوراً وخمسة وثلاثين اناث وسمى أكبر الذكور أبلون وأكبر الإناث أردميشة. وللوقت أمر بسرعة احضار مائة حصان بيض غالية الثمن وألبثها الحرير والأطلسي والديباج وحمل عليها عدد رخت ذهباً خالصاً وركاديك مطرزة بالذهب ثم ركب مع كبار رجال دولته وحوله مائة وأربعين كاهنا للأصنام السبعين لكل وثن كاهنان واحد يحمل الصنم والآخر يبخر أمامه. في موكب يخطف الأبصار ارتجت له المدينة وضرب أمامه بالبوق عشرة أبواق وصاروا يطوفون المدينة ومنادياً يصرخ أمامه بصوت جهوري ويقول : " يا معشر الناس جميعاً. يا أهل أنطاكية والغرباء فيها كل من يطيع أوامر مليكنا ويسجد لآلهته ينعم عليه بالإنعام الجزيل. وأما من يخالف ولم يطع ينهب بيته ويقتل أهله ثم بأشر عذاب.. فلما طافوا المدينة كلها بسط الملك الآت التعذيب، ووضع السبعين صنماً أمامه ونزل من على فرسه وسجد لها أولاً ثم تبعه وزيره رومانوس ثم الأمراء واحد بعد الآخر... ورفض الكثيرين من الشعب المسيحي السجود لغير الرب يسوع، فأمر دقلديانوس بتعذيبهم وضرب أعناقهم بحد السيف ونالوا أكاليل الشهادة من أجل حبهم في الملك المسيح.

أرسل الأمبراطور في استدعاء مرقس حاكم البرلس والزعفران إلى مدينة أنطاكية حيث أسند إليه حكم ولاية الفرما (على الحدود الشرقية لمصر تجاه ساحل البحر المتوسط) نظراً لإعجابه به ولنزاهة حكمه مع حكمته العالية.. ثم طلب منه مع سائر حكام الأقاليم أن يسجد للآلهة الصماء. فأمتنع مرقس عن السجود وتقديم البخور فبادره الأمبراطور بالسؤال :- ما بالك يا والينا العزيز تتأخر عن السجود للآلهة الكرام الذين أعطونا الظفر والغلبة على سائر الممالك وأنت خير صاحب ومحبوب لدينا جداً.

- أنا عبد ربي يسوع المسيح وأبيه الصالح والروح القدس. 

- ما هذا الذي تقوله يا صاحب هل هذا طيش في الفكر وتبلد في الحكمة وأنت تناهز السبعين عاماً؟. أحقاً يا مرقس تتعبد لذاك الذي يسمونه المسيح؟ ولا تلتفت إلى آلهتنا الكرام أبلون وأرداميشة؟. هيا تقدم وقدم الأضحيات والبخور لها فأنت كبير الولاة وسيد الكل بحكمتك يستنير حكمنا وفيك نثق لأنك من خير رجالنا.

وبعد إلحاح شديد وفي لحظة ضعف بشري استطاع عدو الخير أن يسقط مرقس ويستميله نحو الأمبراطور وطاعته. فبخر للأوثان مما أثلج قلب الملك وغدا مسروراً ثم أجزل العطايا والهبات. وأنتشر الخبر في أرجاء البلاد أن مرقس الحاكم المسيحي قد سجد لآلهة الملك الوثنية. 

اهتز قلب القديسة دميانة ألماً وحزناً لتلك الأخبار المحزنة والمخزية التي شاعت في البلاد عن انكار والدها مرقس الإيمان المسيحي ووقوعه تحت سلطان أبليس.

اجتمعت القديسة دميانة والعذارى ورفعن الصلوات والطلبات مع الأصوام من أجل والدها المسكين لكي يفتقده الرب برحمته... ثم قررت أن تذهب إليه وأوصت أخواتها أن يداومن الصلاة والصوم بنفس واحدة، وذهبت إليه في ولاية الفرما ودخلت عليه والدموع تخنق كلماتها المملوءة غيرة مقدسة وبادرته بالقول :- يا أبي ما هذا الذي سمعته عنك اليوم، وقد أصبحت عثرة لكل المؤمنين.. كيف تنكر ربنا يسوع المسيح الذي أحبنا وفدانا بسفك دمه على عود الصليب. وتعبد تلك الأصنام التي تهلك مع صانعيها وكل من يتكل عليها.. أنني كنت أود أن أسمع خبر انتقالك إلى الفردوس من أن أسمع أنك تركت عنك عبادة الخالق.. كيف حدث ذلك يا أبي هل خشيت تهديد الكافر وخفت أن يقتلك؟ أذكر قول الرب لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد... (مت 10:8). كيف تجامل هذا الملك عبد الشيطان على حساب حبك للمسيح إلهك الحبيب وتفقد بنوتك له؟ أذكر قول الرب: من ينكرني قدام الناس أنكره قدام ملائكة أبي الذي في السموات (لو 12: 8). أنا لا أصدق أن والدي البار حبيب المسيح قد أصبح عبداً للوثن وأسيراً لأِبليس.. اعلم يا أبي أنك لو تماديت في انكارك للسيد المسيح فأنا لست بابنتك وأنت ليس بأبي وأكون بريئة من نسبي إليك في هذا الدهر وفي يوم القيامة.

نُخس مرقس في قلبه وأخذ يبكي ويتنهد وهو يصرخ قائلاً : الويل لي أنا الخاطئ على ما تجرأت وفعلت لأني جعلت على الأحجار اعتمادي ومساكن ابليس سررت بها. مباركة هي الساعة التي رأيتك فيها يا ابنتي المباركة لأن الرب أرسلك إلي ليحتضني ولا يشمت بي أعدائي. أشكرك يا إلهي وتسبحك نفسي لأن يمينك صنعت قوة ويمينك رفعتني.. افرحي يا دميانة فأنا مستعد أن أموت على أسم مخلصي يسوع المسيح إلهي الذي أحبني. به أؤمن ومعه أحيا إلى الأبد. 

ثم قام مرقس لوقته متجهاً إلى مدينة أنطاكية حيث الأمبراطور دقلديانوس ليتعرف أمامه بالرب يسوع إلهاً ومخلصاً. 

صلاة الشكر

عادت القديسة دميانة إلى مقرها ثم وقفت مع العذارى ترفع صلوات الشكر قائلة :- اسبحك وامجدك يا إلهي الذي لا يشاء موت الخاطئ مثل ما يرجع ويحيا. أشكرك لأنك خلصت أبي من فخاخ الشيطان الذي أعدها له. يا رب قو قلبه واشتمله بنعمتك حتى يموت على اسمك القدوس ولا تؤاخذه يا سيدي بما استجرأه عليك من المخالفة والعصيان لأنك يا رب تعلم مدى ضعف الإنسان. فيا رب أنقذه من فم الأسد وكما أخرجت يونان النبي من بطن الحوت سالماً اقبل توبة أبي واقبله إليك وثبته يا رب إلى أن يسفك دمه على اسمك القدوس لأن لك المجد والإكرام إلى الأبد أمين.

مرقس يعترف أمام الأمبراطور 

توجه مرقس والد القديسة إلى الأمبراطور دقلديانوس وأمام الكل قال له :- أيها الملك كيف غدوت تعبد أصناماً من جماد ليس فيها نفعاً قط ساكنها شيطان ملعون، لقد أخطأت في حق مخلصي وربي يسوع المسيح عندما فكرت أن أسجد لأصنامك الشيطانية. وها أنا قد جئت إليك اليوم معترفاً جاهراً بإيماني الحقيقي برب المجد يسوع المسيح الإله الحي الحقيقي الذي بذل نفسه من أجلي لكي يخلصني ويعتقني من عبودية أبليس ومستعد أن أسفك دمي من أجله. ثم صرخ مرقس أمام الملك ووزيره وكبار رجالات البلاط الملكي وهو يرشم الصليب قائلاً " أؤمن بالآب والأبن والروح القدس الإله الواحد آمين". 

اضطرب الملك وانزعج جداً من الموقف الجديد الذي اتخذه مرقس، فأنتصب متحيراً ومختبلاً في أفكاره وقال لمرقس:

- ماذا أصابك يا صاحب حتى اذدريت بالانعامات التي انعمنا بها عليك أكثر من جميع حكام الأقاليم؟

- لقد أدركت الخطأ الجسيم الذي اقترفته عندما أنكرت إلهي يسوع المسيح من أجل انعاماتك الفانية الزائلة.

- أنا لا أصدق يا أصحاب ما يحدث أمامي .. أنني متحير من أمر صاحبنا مرقس، لقد انقلب علينا وترك عبادتنا وآلهتنا التي أعطتنا النصر على الأعداء فكيف يكون هذا؟؟!

- إن هذه الأصنام التي تسميها آلهة لا تقدر أن تحمي نفسها وليس لها القدرة أن تعطي أي شيء، أما الإله الحقيقي القادر فهو يسوع المسيح.

- كفى أنا لا أريد أن أسمع تلك المهاترات أيها الوالي الساقط.. لا تنطق بهذا الاسم أمامي فلم يعد لي قدرة بعد على احتمالكم أيها المسيحيون الأغبياء.. يا صاحب عد لصوابك ورشدك وفق لعقلك وهلم اسجد لأبلون الكبير وأردميشة أم الآلهة علهم يصفحون عما بدر منك.

- اخزى وافتضح أيها المنافق الملعون مع أوثانك النجسة فإنه لا إله في السماء وعلى الأرض إلا يسوع المسيح ابن ﷲ الحي.

فاستشاط الملك دقلديانوس غضباً ووقف منتصباً على درج العرش وصرخ لجنوده قائلاً؛ :- أيها الجنود خذوا هذا الرجل وأودعوه السجن لعله يعود إلى صوابه. 

وبعد خروج مرقس مقيداً الى السجن ، التفت الامبراطور تجاه وزيره رومانوس وتشاور معه في أمر مرقس الوالي . وماذا يفعل معه وهو خير صاحب له !!.

فقال له وزيره : لقد نفى مرقس الصحبة ولم يقم لها اعتباراً ، والعداوة قد ظهرت جلية في عناده لرأيك ومشورتك ايها الامبراطور العظيم ويبدو انه لن يعود الى رأينا ثانية . ولذا أرى أن تأمر بأخذ رأسه بحد السيف فوراً لئلا يطمع فيك أصحابك بسببه ويتشبهون به ويبطلك عملك والرأي الذي حكمت به .

وفي ثورة غضب عارمة نابعة من قلبه الحاقد لم يتوان الملك في كتابة قضية مرقس وأصدر حكمه بضرب عنقه . وعلى الفور اتجه الجنود الى السجن وأخرجوا مرقس واقتادوه الى موضع الإعدام حيث وقف يصلي بسرور قلب وكأنه يرى ما لا يُرى ثم قال للجنود :" هيا أيها الجنود أتموا ما أمرتم به من قبل مليككم لكي أذهب إلى مليككي وربي وإلهي يسوع المسيح ، ثم رشم نفسه بعلامة القوة التي للصليب المقدس ومد رأسه فتقدم أحد الجنود وأخذ رأسه بالسيف فأسلم الروح في اليوم الخامس من شهر أبيب فائزا بأكليل الشهادة غالباً العالم وملكه وخوفه ومقتنياته.

الشيطان يوجه الحرب نحو دميانة

كان الملك دقلديانوس جالساً في قصره حزيناً ومكتئباً والمرارة تملأ نفسه لقتل صاحبه مرقس الذي كان يحبه ويقدره ويعتمد عليه كثيراً في إدارة شئون المملكة الخاصة ببلاد المشرق . فدخل عليه وزيره الشرير رومانوس ومزق الصمت الحزين الكئيب الذي خيم على الملك وقطع عليه شرود فكره قائلاً : 

- لماذا أرى مليكنا العظيم أسيراً للحزن ومقيداً بسلاسل الألم ومرارة النفس ؟! .

- حزنا على صاحبنا مرقس يا رومانوس . فلم يخطر ببالي قط أننا نفقده بهذه السرعة ومن أجل من !! ذاك الذي يدعونه المسيح ويعبدونه دون آلهتنا ابلون وأردميشة ، وزفر زفرة مرارة وحسرة وأكمل قائلاً : لقد كان مرقس خير الصاحب وخير المعين .

- إن الأمر يا سيدي الملك لا يستحق كل هذا العناء ولا يجب أن يعطي مليكنا لهذا الخائن حجماً أكثر مما يستحقه . لقد خرج علينا فأستحق جزاؤه .

- دعنا من هذا الأمر يا وزيرنا وكفى ما أصابنا من جراءه .

- ولكني آتي لمليكنا بأخبار هامة عن الخائن مرقس .

- وأية أخبار هذه ؟ 

- لقد عرفت من صديق أن الذي جعل مرقس ينثني عن مودتنا ويترك عبادتنا ويتمسك بإلهه حتى الموت . أن له ابنة شابة تدعى دميانة هي التي أرجعته عن طريقنا.

ثم انتصب الملك واقفاً في ذهول قائلاً :

- دميانة ... ابنته .. هي السبب !! كيف ؟!! تكلم أيها العزيز حدثني بما عندك .

- ان ابنة مرقس الوالي تقطن في قصر بناه لها أبوها خارج مدينة الزعفران بوادي السيسبان بمصر وهي قد نذرت نفسها لذلك الإله الذي يسمونه المسيح ومعها أربعين عذراء اخترن ذات الطريق ، وعندما علمت أن أباها أطاعنا جاءت اليه في ولاية الفرما وأحادته عن طريقنا فشق عصا الطاعة عليكم أيها الملك العزيز وكفر بآلهتنا الكرام ولم يعبأ بوعد أو وعيد .

- كفى أيها الوزير . لا يوجد من يقاومني هنا في هذه البلاد أو من يرفض آلهتي .. سأقضي على كل من تساوره نفسه أو تحدثه لكي يعارض أوامري الملكية ولا يخضع لها .

ثم طلب الإمبراطور أحد أمراء البلاط الأشداء ، وعندما مثل بين يديه قال له :" أيها الأمير خذ معك مائة جندي وامضي الى مدينة الزعفران بوادي السيسبان بمصر . وتقصى كل الحقائق حول الفتاة المسماة دميانة التي في قصرها الذي بناه لها أبيها مرقس الوالي السابق ، وتمكنت أن تطغي أباها وتسلب منه مودتنا .. خادعها قائلاً :" يقول لك الملك ضابط الدنيا متولي الرتبة الرومانية والديار المصرية والحبشية والنوبية . مالك الأقطار . دقلديانوس . أن تسجدي للآلهة العظام ابلون واردميشة وتبخري لها لأنها هي أعطتنا النصرة على كل الممالك . فإن أطاعتك ابن لها قصراً ثانياً أعظم من الذي تسكنه وانزل عليها بالهدايا والعطايا ... ولكن إن أبت ولم تطع أمرنا عذبها بأشد أنواع العذابات وأخيراً اضرب رأسها بالسيف مع العذارى اللواتي معها لعل مسيحها ينقذها من يدي .. وفي طريقك ذهاباً ومجيئاً اقضي على كل المسيحيين بعد تعذيبهم ولا تترك مسيحياً واحداً يعيش على أرض أنا أملكها .

بعد ذلك قبّل الأمير يدي الامبراطور وخرج مسرعاً نحو مصر الى مدينة الزعفران ومعه مائة جندي وآلات التعذيب كقول الملك وكان يقتل في طريقه كل من يجده مؤمناً بالمسيح يسوع حتى تخضبت الأرض بدماء الشهداء الأطهار ووصل صيته ورعبه إلى الديار المصرية قبلما يصل هو نفسه .

في مدينة الزعفران 

وصل الأمير وجنوده حيث قصر القديسة دميانة وحوله ضرب خيامه ونصب آلاته وكان المساء قد حل بظلامه .

ولما أشرقت شمس الصباح . أبصرت دميانة الخيام الرومانية منصوبة وفيها الجنود ، فجمعت العذارى وقالت لهن :" يا اخواتي تعالين وأنظرن ان عسكر الطاغية دقلديانوس الملك قد جاءوا الى هنا من أجل عذاب المسيحيين . فلا تضطرب قلوبكن ولا تجزع ، وهيا بنا نقوم ونصلي الى الرب يسوع إلهنا نسأله أن يقوينا ويثبتنا فيه حتى ننال الشهادة على أسمه القدوس المبارك ." 

قمن كلهن وصلين ، وبعد الصلاة جلسن ليسمعن القديسة دميانة وهي تقول لهن :" أيتها الأخوات قال سيدنا يسوع المسيح في الأنجيل المقدس " الذي يحب نفسه يهلكها ومن أهلكها من أجلي فهو يحفظها لحياة أبدية . وأنا الآن أعلمكن من كانت منكن تريد أن تأخذ الشهادة على اسم المسيح فلتقم ومن لا تحتمل العذاب فلتنزل سراً الى حال سبيلها وتهرب " 

فلما سمعت العذارى هذا الكلام من القديسة دميانة صرخن بالبكاء والنحيب قائلات في شجاعة :" كيف يا اختنا المباركة نرجع الى العالم الزائل الفاني ونحن نشتاق الى تلك اللحظة التي نكون فيها مع المسيح لأن ذلك أفضل جداً ... وكيف نفارقك وأنت السبب في نعمة الحياة التي نحياها الآن فسنموت معك لكي نحيا جميعاً مع الرب يسوع في ملكوته الأبدي ." 

وفيما هن يتحاورن واذ بباب القصر يطرقه طارق فأوصت القديسة احدى الاخوات لتنظر من بالباب فقال لها الطارق :" اعلمي السيدة دميانة اني أمير من قبل الملك دقلديانوس مرسل لها برسالة ملكية وأود تبليغها بها ." 

ولما علمت القديسة دميانة هذا الأمر وافقت على دخول الأمير الى قصرها واستقبلته بترحاب وسرور ثم قالت له : ماذا وراءك من رسائل أيها الأمير ؟! 

- سلام للتي أفتخر الملوك بذكرها وشاع صيتها وأشتهر وعلا قدرها وفاح مثل العنبر وصف حسنها في كل الممالك الأميرة دميانة ابنة الوالي مرقس

- تكلم مباشرةً أيها الأمير .

- ان الملك دقلديانوس العظيم يدعوك أن تعبدي آلهته الكرام وأن تقدمي لها البخور فينعم عليك بما تطلبين وترغبين ولو كان نصف مملكته .

فلما سمعت القديسة هذا الكلام أجابته بقوة وبلا تردد قائلة :" أما تستحون أن تسموا الأحجار والذهب والفضة والأخشاب الساكنة فيها الشياطين آلهة ! أما لكم عقل وفهم ؟ كيف يكون صنم لا يتحرك وتحمله الكهنة من مكان إلى آخر مدعواً إلهاً ؟! ليس إله في السماء ولا على الأرض إلا إله واحد هو الرب يسوع المسيح الخالق الأبدي الأزلي القوي المالئ كل مكان . العالِم بكل شئ والقادر على كل شئ الذي يقهركم يا عباد الأوثان بكأس الموت المر ، وبعد موتكم يرسلكم إلى الجحيم حيث النار التي لا تطفأ والدود الذي لا يموت فيكون عذاب دائم بظلمة مدلهمة ببكاء وصرير الأسنان ومعكم الشيطان الذي أطعتموه في خزي أبدي واذدريتم بالإله الحقيقي .... أما أنا فانني أعبد سيدي ومخلصي يسوع المسيح وابيه الصالح والروح القدس . الثالوث الأقدس . به أعترف وعليه أتكل . وعلى أسمه أموت وبه أحيا إلى الأبد ." 

عذابات القديسة 

عندما سمع الأمير هذا الجواب من القديسة تطاير الشرر من عينيه غضبا وسخطاً وصر على أسنانه وأنقض عليها مثل الوحش ممسكاً بها ليخرجها من القصر لكي يعذبها بكل أنواع العذاب حتى تتراجع عن إيمانها ويثبط عزيمتها القوية وتمسكها بالرب يسوع .

١- بين الهنبازين 

أمر الأمير برفعها على الهنبازين ووضعها بين فكيه وأخذ أربعة من الجنود الأشداء يديرونه لعصرها . بينما كانت القديسة ترفع قلبها لمن قبل العذاب والموت على الصليب من أجلها أولاً قائلة :" أيها الوحيد الجنس الابن الوحيد يسوع المسيح الذي أصعده اليهود على الصليب بين لصين وكان ذلك بإرادته ، إِصعد يا إلهي عقلي من الإهتمام الجسدي إلى تدابيرك السمائية وأقبل مني هذا الألم على أسمك بخور حب وعرفاناً بجميلك يا مخلصي لأن لك المجد والإكرام إلى الأبد آمين ." 

وكان الرب يقويها ويثبتها بينما دماؤها الطاهرة تسيل على الأرض والعذارى يبكين عليها .. فنظرت إليهن .. وقالت لهن :" لا تبكين يا اخواتي لأن سيدنا يسوع المسيح له المجد احتمل عنا الالآم لأجل خلاصنا ومات عنا بالجسد ولم تكن له خطيئة يستوجب بها الموت . بل كان ذلك بالجسد ليخلص أدم وجميع نسله من الجحيم . فإذا كان الإله القادر قّبِل الموت والصليب بإرادته وهو غير خاطيء فكم يجب علي أنا عبدته الخاطئة أن أطلب الموت وأقبله بفرح لأن أوجاع هذه الدنيا لا تقاس بالمجد العتيد أن يظهر فينا " 

أما الجنود لما تعبوا من ادارة الهينبازين وتعجبوا من احتمال القديسة دميانة واستمرارها في الصلاة والحوار مع العذارى . أنزلوها وقد صارت مثل العجين وقد تقطع جلدها وتهرأ لحمها بين رحى الهينبازين وأودعوها السجن مع العذارى وأوصدوا بابه وأقاموا عليه الحراس .

الرب يرسل لها رئيس الملائكة ميخائيل ليشفيها

ما أن أوصد الحراس باب السجن حتى أرسل الله لها الملاك ميخائيل، فللوقت أشرق نور عظيم في السجن وجاء إليها الملاك الجليل ومس جسدها بأجنحته النورانية فشفيت في الحال من أوجاعها ووقفت في الحال تمجد الله .وذهب عنها كل ألم وأمتلأ قلب باقي العذارى بالفرح لشفاء القديسة وطفق الجميع بالتسبيح والشكر لله .

وفي صباح اليوم التالي طلب الأمير احضارها وقد ظن أنها قد ماتت ولما رأى أنه لم يصبها ضرر أو جرح أو خدش بل كمن هي قادمة من وليمة باشة الوجه متهللة الأسارير هز رأسه قائلاً لها :" حقاً يا دميانة ان أعمال سحرك عظيمة وسوف ابطل أسحارك " 

أما الجموع التي شاهدتها صرخت بفم واحد " فلتحترق أيها الظالم أنت وملكك الكافر ولتذهب إلى الجحيم مع أصنامكما . نحن جميعاً مسيحيين ونؤمن بالرب يسوع إله العفيفة دميانة ونرغب أن نموت على أسمه القدوس" . فأمر الأمير أن تؤخذ رؤوسهم جميعاً بحد السيف فنالوا أكاليل الشهادة . أما أجسادهم فلم يجسر أحد أن يأخذها في هذا الوقت بل ظلت ملقاة اسفل قصر القديسة بيت الأعمدة الخمسين .

٢ - تمشيط جسدها وتدليكه بالخل والجير 

تفتق ذهن الأمير بوسيلة عذاب جديدة يكسر بها عناد القديسة دميانة بأن أمر الجنود أن يمشطوا ويجردوا جسدها بأمواس حادة لتمزيق لحمها وكانت القديسة صابرة شاكرة تقبل منهم العذاب في فرح كما لو كانت تقبل منهم هدايا تأخذها وتلقيها تحت أقدام حبيبها رب الصباؤوت وكأن كل جرح هو حرف يكتب معنى من معاني حبها لسيدها وفاديها العظيم الذي يهبها الصبر على العذاب على اسمه القدوس الذي اختارت أن تتعذب من أجله . ثم أمر الأمير أن يدلكوا جسدها الممزق بخرق شعر الخنزير مع خل وجير حي غير مطفئ فأشتعلت أعضاؤها من شدة الألم ورفعت قلبها وشكت حالها لسيدها الذي سكب صبره في قلبها فاستكان قلبها وكانت تمجد الله بسرور لا ينطق به ولا نظير له .

ثم أودعوها السجن مرة أخرى وهي تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة ومعها العذارى أيضاً ولكنها فتحت فاها وصلت قائلة :" يا ربي وإلهي يسوع المسيح خالق السماء والأرض وكل ما فيها ، كلمة الرحمة والحنان الذي بعظيم رحمته يسمع دعاء المساكين الذين يدعونه بقلب نقي ويقضي حاجاتهم في تدبير خلاصهم ، الآن يا سيدي أنا آمتك قوني على احتمال سائر الأتعاب واعطني نعمة لكي أشهد لك أمام الذين تركوا معرفتك واطاعوا العدو المعاند . وامنحني يا سيدي أن أنجو باسمك واشركني مع القديسات الطاهرات العفيفات اللواتي كملن في الإيمان من قبلي لأنك إله صالح محب البشر لك المجد إلى دهر الداهرين آمين ." 

وبعد صلاتها نزل الملاك ميخائيل رئيس جند الرب للمرة الثانية وبسط أجنحته النورانية فأضاء السجن كالبرق ثم لمس القديسة دميانة وشفاها من جراحها أما هي فأيقظت العذارى اللواتي غشى عليهن من شدة النور الملائكي وقالت لهن :" يا اخواتي لقد أرسل إلي الرب ملاكه الجليل ميخائيل فأبرأني من جميع الأتعاب والأوجاع فله الشكر . أنا آمته الضعيفة لأنه أظهر قوته في كما قال بولس الرسول معلم الكنيسة : إن قوة إلهنا تكمل بالضعف الذي يكون من قبل الرب أقوى من قوة الناس الأقوياء . فله الشكر والحمد والتمجيد والسجود لعظمته إلى الأبد آمين ." 

وفي اليوم التالي أخذها الجند إلى الأمير في مجلس حكمه والذي ذُهل عندما رآها معافة صحيحة وكانت تصرخ في وجهه قائلة :" إن إلهنا مرهوب على كل الآلهة عظيم هو الرب الذي أبرأني من جميع أوجاعي ."

أما الحاضرين فصرخوا قائلين :" ليس إله في السماء وعلى الأرض إلا إله المسيحيين ونحن نؤمن بإله العفيفة القديسة دميانة ." 

وللوقت أمر الأمير جنده بأخذ رؤوسهم فنالوا أكاليل الشهادة وأيضاً لم يجسر أحد أن يأخذ أجسادهم لوقتها وتركت بجانب الأجساد الأولى تحت القصر .

ثم التفت الأمير إلى القديسة دميانة قائلاً : 

- أما كفاك أيتها الفتاة العنيدة من جراء ما حدث . لقد هلك بسببك الكثيرين هلم الآن أسجدي لابلون كبير الآلهة . أنظري جماله فما أحسن صنعه مع أردميشة أم الآلهة .

- حسنا قال داود النبي : آلهة الأمم ذهب وفضة لها أعين ولا تنظر وأنوفاً لا تشم ، وأرجل لا تمشي ، وأيد لا تلمس ، وليس لها صوت في حناجرها ... مثلها يكون صانعوها وكل من يتكل عليها .

فاستشاط الأمير غضباً وقال لجنوده : إن هذه الفتاة الصغيرة أزعجتنا ولم أرى مكافحتها على أحد من الرجال الأبطال ، ولكني سوف أذيقها عذاب أليم ." 

٣- ضربها بمرزبات حديدية ووضعها في الشحم 

أمر الأمير جنوده بضربها بمرزبات حديدية من قدميها إلى رأسها حتى تكسرت كل عظامها ولم يكن في جسدها موضع إلا ويصرخ من شدة الألم ثم وضعها في دست كبير ووضعوا عليها شحم خنزير وزفت وأوقدوا النيران تحته حتى ارتفعت ألسنة اللهيب ... أما الرب فكان يقويها وهي تسبحه وتمجده وتشكره أنه جعلها مستحقة لنوال العذاب إكراماً لاسمه القدوس المبارك .

فأرسل رئيس الملائكة ميخائيل وبسط أجنحته النورانية أمام الجميع وأطفأ لهيب النار وأخرجها من الدست معافاة حتى أن رائحة النار لم تصب ثيابها .

أسرعت القديسة دميانة نحو الأمير وهي تصرخ وتقول :" ها أنا قد أتيت إليك ولآلهتك الحجرية فقد أخرجني سيدي يسوع المسيح من الدست " .

فالتفت الأمير في ذهول ودهشة من أمرها وقال لرجاله : من تكون هذه الفتاة الصبية ؟!! لقد رأينا كثيرين ولكن لم نرى مثل هذه الفتاة في احتمالها شدة العذاب !! لقد احتار عقلي من أمر هذه العذراء .

أما الحاضرون فصرخوا جميعاً بفم واحد :" نحن مسيحيين ونؤمن بإله القديسة دميانة لأنه إله قوي له تخضع كل الطبيعة " 

فأمر الأمير بقتلهم فنالوا أكاليل الشهادة وانضمت أجسادهم إلى الأجساد السابقة .

ولكن صاحب الأمير اتجه نحو القديسة قائلاً :

- أيتها الفتاة الصغيرة ما هي الفائدة التي تعود عليك من قتل هؤلاء ؟ وكيف تتحملين دماؤوهم ؟! 

- أنت إذا أردت أن تدخل إلى ملكك هذا الحانق الزائل فتقدم أمامك هدية ليكون دخولك مقبولاً .. فكم بالحري يجب علي أن أقدم هدايا ناطقة ، ذبائح مقبولة أرسلها إلى السماء وهم الآن قدام منبر المسيح منتظرين أن الحقهم في خير ونعمة وأنا أسأل من الله القادر أن يكملني مثلهم وأحظى بالإجتماع بهم في ذلك المكان الذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد حيث يمسح الرب كل دمعة من عيوننا .

فتعجب الأمير ورجاله من كلامها وأمر بحبسها ريثما يتفنن في كيفية تعذيبها لعلها تُردع وتسجد لآلهته .

٤ - تقوير رأسها وقلع عينيها 

بعد يومين أمر الأمير باحضار القديسة دميانة ، ثم بدأ تملقها بعذب اللسان قائلاً : 

- مرحبا بدميانة شريفة الجنس ، كريمة الأصل التي تكلم عنها سائر الناس بفضائلها حيث اشتهرت بطهارتها وعفافها . أما طاب قلبك بعد لنا يا سيدتي حتى تسجدي لآلهة الملوك وتخلصي من هذا التعب كله ؟!!.

- إن الإنسان الحكيم أيها الأمير لا يقبل المجد والسبح الباطل كقول سيدنا يسوع المسيح " ويل لكم إذا قال الناس فيكم حسناً فاعلموا أنكم قد أخذتم أجركم " . وأنا لا أطيع مشورتك الرديئة لأن بداخلها سم الموت وهذه هي الخطية لأن الخطية هي الموت . الخطيئة خاطئة جدا تركت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء وعاقبتها نار جهنم ... أما كفاك أنت ؟ أما أرتدعت بما فعله معي إلهي من العجائب القوية ؟ ..أين هي قوة آلهتك التي لا تقدر أن تتحرك من موضعها . فكيف تقدر أن تعين غيرها ؟ فأخزى أيها الجاهل وأفتضح فأن إلهي يسوع المسيح ضابط أقطار الأرض كلها والمسكونة بأسرها .

تكدر الأمير وأمر جنده باحضار قادوم نجار ثم قوروا رأسها ثم غلوا زيتاً وزفتاً ورصاص وصبوه في مكان التقوير ثم قلعوا عينيها وسلخوها . فأحست القديسة بالآلام الشديدة حتى صرخت قائلة :" ياربي يسوع أنت قوتي وتسبحتي وقد صرت لي خلاصاً مقدساً . يا أيتها الممتلئة نعمة ومجد العذراء والدة الإله أم النور الطاهرة مريم إشفعي فيَّ " . وأحست القديسة كأن روحها تخرج منها .وسريعاً استجابت السماء وللوقت ظهر طير كحمام أبيض وحلق فوق رأسها ورفرف بأجنحته عليها وعلى عينيها فقامت في الحال معافية ليس فيها جرح ولا ألم .

أما الوقوف ففرحوا قائلين :" المجد للرب الذي أظهر عجائب في قديسيه ، الذي خلص هذه القديسة العذراء دميانة من الموت والعذاب ، اطلبي من المسيح إلهك أن يقوينا لنأخذ أكليل الشهادة على أسمه القدوس ." .. ثم صرخوا في وجه الأمير قائلين : أخزى أيها الأمير الجاحد وملكك مع أوثانكم النجسة التي ليس لها قوة . نحن نؤمن بالرب يسوع إلهاً ." 

فأمر الأمير بقطع رؤوسهم جميعاً فنالوا أكاليل الشهادة وانضموا إلى اخوانهم الشهداء .

ثم قال الأمير لرجاله : خذوا هذه الفتاة التي أخربت البلاد علينا وجعلت كل أهل المنطقة يعبدون المصلوب إلهها حتى قتلناهم جميعاً . وأودعوها في حبس مظلم ومعها العذارى الأخريات وأغلقوا عليهن بالأقفال المحكمة .

٥-  تقطيع جسدها والقاءها للوحوش

بعد عشرة أيام دعاها الأمير لعلها تكون قد انثنت عن رأيها وتعبد آلهة الملوك ، وعندما ذهب الجند وفتحوا أبواب السجن أضاء نور في وجههم فسجدوا على أقدام القديسة دميانة قائلين : الأمير يدعوك للحضور .

وللوقت قامت معهم وما أن مثلت لديه حتى قال لها : 

- أيتها الفتاة العفيفة هيا أطيعي هذه المرة واسجدي لآلهة الملك وأنا أعطيك كرامات كثيرة وهدايا ملكية .

- لقد احتار عقلي في أمرك لأن كلمة واحدة تكفي العاقل . وأنا لي زمان أقول لك أني لا أعبد آلهتك النجسة وأوليتني عذاباً شديداً ومن جميعها أنقذني الرب إلهي .

وفي الحال أمر الأمير أن تربط بين أربعة أوتاد طوال وتشد أعضاؤها حتى تنقطع . فنظرت القديسة تجاه الشرق وصلت قائلة :" يا إله القوات المسيح إلهنا . قوني يا سيدي على احتمال هذا العذاب أيضاً على اسمك القدوس لأنه يليق بك مع أبيك الصالح والروح القدس المجد والتسبيح الدائم آمين " 

ثم التفتت إلى العذارى وقالت لهن :" أذكروني يا أخواتي لكي يقويني المسيح على هذا العذاب ." 

تقدم الجنود وشدوا الأوتاد فتقطع جسدها كله وأسلمت روحها الطاهرة ، ثم ألقوها للوحوش الضارية لتأكلها فلا يكون لها أثر ولكن الوحوش لم تقترب منها .

 الرب يقيمها من الموت 

ثم حدث رعد وزلزال عظيم أرعب الكل فسقطوا جميعاً كأموات ونزل رب المجد يسوع المسيح على مركبة الشاروبيم بمجد عظيم ومعه أمه العذراء الطاهرة مريم وحوله رؤساء الملائكة الأطهار ، ونظر إلى أعضاء القديسة المقطوعة والمطروحة أمام الوحوش وقال لها :" لك أقول أيتها الأبنة المباركة دميانة قومي من غير فساد ." .... وفي الحال قامت وسجدت للرب فقال لها ثانية :" تقوي أيتها المختارة هوذا الآن أعددت لك أكليل عرسك السمائي في فرحي الدائم وقد بقي لك هذه المرة أيضاً وتكملي جهادك الحسن وتأخذي الأجر التام وهأنذا أجعل أسمك ينادى به بالعجائب في هذا الموضع الذي تبنى فيه كنيسة بأسمك وتأتي الجموع من كل مكان وتحل بركتي وبركة والدتي العذراء مريم في هذا المكان الى الأبد ." ... ولما قال لها المخلص هذا الكلام أعطاها السلام وصعد بمجد عظيم إلى علو السموات .

أما القديسة فأيقظت العذارى والحاضرين ومضت سريعاً إلى الأمير في مجلس حكمه وكان جميع أهل البلاد حاضرين من البرلس والزعفران والبلاد المجاورة وصرخت بصوت عظيم :" المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة ، مبارك وممجد ومستحق كل تمجيد اسم إلهي الذي أقامني من الموت بعدما تقطع جسدي تماماً ، ها أنا أمامك الآن صحيحة الجسم والعقل ، فأخزى مع آلهتك النجسة البكماء وملكك الحاقد ." 

فلما رآها الحاضرون صرخوا بفم واحد " مبارك هو إله العفيفة دميانة مؤمنون به إلهاً ورباً " .

أما الأمير فتشاور مع كبار جنده ورجاله في أمر القديسة بعدما باءت جميع محاولاتهم لترهيبها أو ثنيها عن إيمانها بالفشل ومدى احتمالها وانقاذها من العذابات المختلفة حتى أصبح لا حيلة له ولا قدرة على الاستمرار . فأشار عليه أحدهم بأخذ رأسها بحد السيف .. فاستحسن الأمير هذا الرأي وفي الحال كتب قضيتها مع الأربعين عذراء وكل الذين آمنوا بواسطتها وأمر بأخذ رؤوسهم جميعاً بحد السيف .

ونالت القديسة دميانة الأكاليل النورانية لأجل بتوليتها واحتمالها العذاب وأيضاً شهادتها ..  ويقدر عدد الذين نالوا الشهادة بسبب القديسة دميانة نحو ٤٠٠ نفساً .

رجع الأمير في خزي شديد الى الامبراطور دقلديانوس مع جنوده . ثم جُمعت اجساد الشهداء الأطهار الى حين انتهاء زمن الاضطهاد حتى تولى الملك قسطنطين الحكم وأمر ببناء الكنائس واكرام أجساد الشهداء .

اهتمت القديسة هيلانة والدة الملك قسطنطين بجسد القديسة دميانة حيث أخذته ولفته في أكفان غالية الثمن ذات اللون الاخضر ووضعتها على سرير وحولها الأربعين عذراء أسفل قبر خاص لها ثم بنت فوق القبو كنيسة باسمها .

وتحتفل الكنيسة بعيد شهادة القديسة دميانة في الثالث عشر من شهر طوبة وبعيد بناء أول كنيسة على اسمها في منطقة الزعفران في الثاني عشر من شهر بشنس ويحتفل ديرها إلى الآن بهذا العيد لمدة خمسة عشر يوماً وتتوافد على الدير مئات الألوف لنوال البركة .

بركة صلواتها وشفاعتها تكون مع جميعنا آمين 


أقرأ أيضاً سيرة العذراء الطوباوية مهرائيل




إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu