Ad Code

عالم مخ وأعصاب يتعرض لتجربة فائقة للطبيعة



صاحب هذه التجربة شخص لا يتمتع بثقافة مسيحية واسعة فنحن لسنا أمام كاتب يسطر لنا كتاباً في فرع من فروع المعرفة المسيحية ، بل نحن أمام شهادة عالم من علماء الطب يروي لنا عن أختباره الشخصي ، ورغم بساطة الرؤية التي شاهدها د/ إبين ألكسندر بالمقارنة باختبارات أخرى لآخرين حول العالم الميتافيزيقي إلا أن أختباره يمتاز بمزج ما هو علمي مع ما هو شخصي أو أختباري ، وكنا قد تطرقنا في مجال بحثنا في نظرية التطور للروح ككيان وللعقل البشري ككيان لا يحده المخ فقط ، كعضو من أعضاء الجسم البشري ، وهذا ما يطرحه د/ أبين في بساطة ومنطقية شديدة فكأنه يقول : ما دمت قد امتلكت وعياً ذاتياً في ظل حالة طبية يستحيل معها علمياً امتلاك هذا الوعي ، إذا فمصدر هذا الوعي ليس بيولوجياً نابعاً من خلايا الجسد ، بل من مصدر آخر أكثر سمواً وعظمة .
وفي إختباره تجنب د/أبين استخدام تعبيرات أو مصطلحات دينية بصفة عامة ومسيحية بصفة خاصة لكي لا يتحول كتابه إلى كتاب ديني وهو ما يراه قد يعطل وصول الفكرة لغير المتدينين ، لذلك يستخدم مصطلحات كودية ليصف بها ما يريد ، فمثلاً يستخدم تعبير ( OM ) لوصف الله، وتعبير الكائنات الفوقية لوصف الملائكة كما أنه يصف السماء بالمركز ويصف الروح الإنسانية بأنها الوعي .
وهذا الأختبار شهادة رجل علم وليس مجرد اختبار لشخص طبيعي يمكن اتهامه بالسذاجة أو البساطة الزائدة ، وما يجعل الأمر مشوقاً أن مرضه كان في مجال تخصصه الطبي. 

البداية

صاحب هذا الأختبار عمل أكاديمياً لأكثر من عشرين عاماً كجراح مخ وأعصاب ، درس بأستفاضة كيف يعمل هذا الجهاز الدقيق ، وأجرى أدق العمليات الجراحية به.
يقول عن نفسه : أنا جراح مخ وأعصاب ، تخرجت من جامعة شمال " كارولينا" في " شابل هيل " عام ١٩٧٦ . تخصصت في الكيمياء ، كما درست بجامعة " دوك " عام ١٩٨٠ . وخلال الإحدى عشرة سنة التي درست فيها الطب وتدربت فيها في " دوك " وفي مستشفى ماساتشوستس العام وفي " هارفارد " ، قمت بالتركيز على علم التفاعل العصبي للغدد الصماء ، الذي يتناول التفاعلات بين الجهاز العصبي والغدد الصماء وهي مجموعة من الغدد التي تفرز هرمونات تقوم بتوجيه معظم أنشطة الجسم . كما أمضيت سنتين ، أبحث في التداعيات السلبية على الأوعية الدموية للمخ ، عندما يحدث بها نزيف نتيجة ما يُسمى بالأنورسما ، أي التمدد بالأوعية الدموية ، وهو ما يعرف بالتشنج الوعائي المخي .
بعد أن أنهيت الزمالة في قسم جراحة الأعصاب للأوعية المخية في " في نيوكاسل تاين " بالمملكة المتحدة ، أمضيت خمسة عشر عاماً في كلية الطب بجامعة هارفارد كأستاذ مساعد في الجراحة ، متخصص في جراحة المخ والأعصاب . خلال تلك الفترة أجريت جراحات عدة ، لحالات معظمها حرجة وتهدد الحياة .
اشتملت معظم أبحاثي على تلك التقنيات الطبية الحديثة مثل الجراحة الإشعاعية ، وهي تقنية تسمح للجراحين بتوجيه الإشعاع بشكل مباشر إلى مناطق عميقة في المخ دون تأثير على المناطق المجاورة . 
كما ساهمت في تطوير العلاجات التي تعتمد على الرنين المغناطيسي لعلاج الحالات المخية الحرجة مثل الأورام واضطرابات الأوعية ، كما ألفت وشاركت في تأليف أكثر من مئة وخمسين فصل وبحث لمجلات طبية ، وقدمت اكتشافاتي في أكثر من مئتي مؤتمر طبي حول العالم .
باختصار كرست نفسي للعلم . مستخدماً سُبل الطب الحديث لمساعدة وعلاج الناس . وكانت كل أمنيتي في الحياة أن أعرف المزيد والمزيد عن جسم ومخ الإنسان.
وبينما كنت متزوج من عملي في كثير من الجوانب ، إلا أنني لم أهمل عائلتي ، فقد كانت لدي زوجة جميلة وطفلين رائعين . حقاً كنت رجلاً محظوظاً في أمور كثيرة . وكنت أعلم ذلك .

ما لم يكن في الحسبان
في العاشر من نوفمبر عام ٢٠٠٨ ، حيث كنت في الرابعة والخمسين من عمري بدأ الحظ يفارقني . إذ أصابني مرض نادر ، أدخلني في غيبوبة لمدة سبعة أيام ، توقف فيهم الجزء الخارجي من المخ عن العمل تماماً .
عندما يتوقف المخ عن العمل ، يصير الإنسان أيضاً غائباً . وخلال فترة عملي كجراح مخ وأعصاب ، سمعت العديد من القصص لمرضى - عند إصابتهم بسكتة قلبية عادةً - عن سفرهم لمناطق طبيعية غريبة ورائعة ، وعن تحدثهم إلى موتاهم ، وحتى عن مقابلتهم لله نفسه .
لا شك أنها أمور رائعة ، لكنها في نظري لم تكن سوى مجرد خيال لمرضى ، معظم هذه الخبرات حدثت لأشخاص توقف قلبهم لوهلة ، فتوقف السطح الخارجي للمخ عن العمل بشكل مؤقت ، لكنه لم يتلف تماماً ، بشرط إنعاش القلب والرئتين بتدفق الدم المؤكسد فيهما خلال أربع دقائق . لكن في حالتي ، كان السطح الخارجي للمخ قد تلف فعلاً . كنت أواجه عالم من اللاوعي التام .
هذا لأن المخ هو الآلة التي تنتج الوعي . عندما تتعطل هذه الآلة ، يتوقف الوعي . فبالرغم من قدرات العقل اللانهائية ، إلا أن الأمر في جوهره بسيط . أسحب القابس فينطفى التلفاز ، أو هذا هو ما كنت أعتقد فيه قبل أن يتعطل عقلي أنا شخصياً .
كانت تجربتي تجربة عودة من الموت حقيقية . وكجراح مخ وأعصاب متمرس ومتمرن ، فأنا أُقدِّر من يحكم على حقيقة ودلالات ما حدث لي . وقد أظهرت لي تجربتي أن موت الجسد والعقل ليس هو النهاية ، فالتجربة الإنسانية تستمر إلى ما وراء القبر . والأهم ، أنها تستمر تحت رعاية إله يحب كل إنسان ويهتم به ، بل ويهتم بالكون نفسه وما فيه من مخلوقات .
المكان الذي ذهبت إليه بعد الموت كان مكاناً حقيقياً . لدرجة تجعل الحياة التي نعيشها الآن تبدو وكأنها حلم إذا ما قورنت به . لكن ذلك لا يعني أنني لا أقدر قيمة الحياة التي أعيشها الآن . بل في الحقيقة أقدرها الآن أكثر مما قبل . وذلك لأنني أراها الآن على حقيقتها . فالحياة ليست بلا معنى . لكننا عادةً لا ندرك قيمتها .
ما حدث لي في الغيبوبة هو بلا شك أهم قصة سأرويها على الإطلاق . فبمجرد أن أدركت الحقيقة التي وراءها ، علمت أنه ينبغي علي أن أرويها ، فصارت هذه رسالتي الأساسية في الحياة . لا أعني بذلك أنني قد تخليت عن عملي كطبيب وجراح ، بل لأنني الآن أدركت أن حياتنا لا تنتهي بموت الجسد أو العقل ، فأنا أراه واجبي ورسالتي أن أخبر الناس بما رأيت وراء هذا الجسد وهذه الأرض . وأنا شغوف بشكل خاص أن أروي قصتي لمن قد سمعوا من قبل قصصاً مشابهة لقصتي وأرادوا تصديقها ،لكن لم يتمكنوا من ذلك تماماً . هي قصة غريبة لأنها ليست معتادة . أحلل فيها ما حدث تحليلاً طبياً أطبق فيه كل ما عرفت وما درست .
أوجه هذا الأختبار وما يحمله من رسالة إلى هؤلاء ، أكثر من أي أحد آخر وما لدي لأخبرهم به هو مهم وحقيقي للغاية .

لينشبرج ، فرجينيا - ٢٠٠٨
كان عملي في مؤسسة الجراحة بالموجات فوق الصوتية في " شارلوتفيل" . حيث كنت أقود سيارتي لمدة سبعين دقيقة من بيتنا في " لينشبرج " بفرجينيا للذهاب إلى عملي .
كنت قد انتقلت مع زوجتي " هولي " وباقي عائلتي إلى فرجينيا الجبلية قبل سنتين في عام ٢٠٠٦ ، بعدما أمضيت ما يقرب ما يقرب من عشرين سنة في جراحة الأعصاب الأكاديمية في منطقة " بوسطن" .
تقابلت أنا وهولي في أكتوبر ١٩٧٧ . كانت هولي تقوم بتحضير الماجستير في الفنون الجميلة . وأنا كنت أدرس في كلية الطب . تزوجنا في يونيو ١٩٨٠ بكنيسة القديس توما الأسقفية في " ويندسور " بشمال كارولينا وبعدها بمدة قصيرة انتقلنا إلى شقق " البلوط الملكي " ، السكنية في " دورهام " ، حيث كنت في فترة تخصصي بالجراحة في " دوك " . لكن لم يكن بيتنا ملكياً ، ولا رأينا أي بلوط هناك . كنا نملك القليل جداً من المال لكننا كنا سعداء للغاية كوننا مع بعضنا البعض . فلم يشغلنا الأمر .
أخذت الدكتوراه في الطب عام ١٩٨٠ ، في الوقت الذي نالت فيه هولي درجتها العلمية وبدأت عملها كفنانة وأستاذة . قمت بأول عملية جراحية بالمخ منفرداً في  " دوك"  عام ١٩٨١ . ولِد ابننا البكر " إبين الرابع " عام ١٩٨٧ في مستشفى الأميرة ماري للولادة في " نيوكاسل " بشمال إنجلترا أثناء زمالتي بالأوعية الدموية المخية . وولد ابننا الأصغر " بوند " عام ١٩٩٨ في مستشفى " بيرغهام " بوسطن .
احببت عملي بكلية الطب في " هارفارد " وفي مستشفى بيرغهام لمدة خمسة عشر عاماً . وتحمل عائلتي أجمل الذكريات لتلك السنوات التي قضيناها في بوسطن الرائعة . لكن في عام ٢٠٠٥ اتفقت أنا وهولي على العودة لنكون قرب عائلتينا ، ولأمارس مهنتي بشكل مستقل . وهكذا في ربيع ٢٠٠٦ ، انتقلنا إلى " لينشبرج " في فرجينيا الجبلية لنستمتع بحياة أكثر هدوءً في الجنوب .



لقد تعرفنا في هذا الجزء على من هو دكتور إبين الكسندر وسنجعل اختباره في جزء آخر حتى لا تطول المقال ولا يتشتت القارئ .


لقراءة الجزء الثاني المرض النادر من هنا






إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu