Ad Code

سيرة الشهيدة الطوباوية العذراء مهراتي ( مهرائيل)

كاتب هذه السيرة هو الأسقف أنبا " فيلبس " أسقف مدينة منف ( قرية ميت رهينة مركز البدرشين حالياً ) ، التي كانت تتبعها قرية طموه في هذا الوقت ، التي نشأت فيها هذه الشهيدة ، بصفته أسقف الإيبارشية وبصفته كان معاصراً لكل أحداثها ، وقد وضعها بناء على رغبة شعبه المُلحة لسماع هذه السيرة العطرة كما ذكر هو ذلك في بداية المخطوط .
وقد ورد خبر الشهيدة بأسم ( مهراتي Mahraati / مهرابيل Mahrabil ) فيقال مهراتي أو يقال مهرابيل التي من طموه ، ومعنى الإسم إيريني Irene أي السلامة أو السلام .      (عاشق الوطن )
أبوي هذه القديسة كانا من المسيحيين الخائفي الله وكان والدها قساً أسمه " يؤانس " وأسم والدتها " إيلاريا " ولم يكونا قد رُزقا خلفاً قط ، وكانا حزانى لأجل ذلك ولم يعلما بالنعمة التي كانت حالة عليهما ، وكان الأب الأسقف القديس أنبا أبصادي أسقف منف والتابعة لها طموه في ذلك الوقت ، يحب القس " يؤانس" والد هذه العذراء " مهراتي " لأجل تواضعه وسكونه وخدمته للهيكل .
ولما كان عيد السيدة العذراء الطاهرة مرتمريم ( كلمة مرت كلمة سريانية معناها السيدة والذكر منها مار ، مثل مار جرجس ، مار مينا ) الذي هو الحادي والعشرون من شهر طوبه صلى القس " يؤانس " وقال : إلهي وسيدي يسوع المسيح إذا ما سمعت صلاتي وأعطيتني زرعاً ذكراً كان أم أنثى أي عطية كانت ، أعطيه لك ليكون لك خادماً ومن جملة أبرارك ، وأنت المتطلع على خفايا القلوب ، سيدي يسوع لا تزدني فيما سألتك فيه أنا الخاطئ ولا تتركني لأن لك المجد والقوة إلى الأبد أمين .          (عاشق الوطن )
وفي تلك الساعة سمع صلاته السيد المسيح ، الذي قال وقوله الحق " كل ما سألتم الآب فيه بأسمي فأنا معطيكم إياه " ( يو 16: 23 ) ، فلما إنقضى القداس خرج القس "يؤانس" من البيعة ومضى إلى منزله وفي تلك الليلة نظرت زوجته حلم عظيم عجيب ، عند ذلك حدثت به زوجها قائلة : رأيت إنسان نوراني في الشرق من مرقدي رشمني بعلامة الصليب ثلاثة دفوع وناداني بإسمي قائلاً تثبتي وتقوي يا إبنتي فإن السيد المسيح قد سمع صلاتك وصلاة زوجك وقبل سؤالكما ، وإذا ما أصبحتي بمشيئة الله وحسن توفيقه أتركي عنك كل هم وغم وأمضي إلى الأب الأسقف في البيعة ليصلي عليك وبعد ذلك عرفيه حزنك .
فلما سمع ذلك القس المبارك " يؤانس" زوجها أجاب قائلاً : ليكن ما يختاره الرب في كل شئ بل مهما قال لك أفعلي فإنه ليس في الصلاه خطية .
في الصباح مضت " إيلاريا" إلى الكنيسة مسرعة إلى الأب الأسقف أنبا " أبصادي " أسقف منف ، فلما إجتمعت به سجدت عند قدميه وهي باكية وقالت : أسأل أبوتك المقدسة يا سيدي أن تسأل السيد المسيح الذي أنت له خادماً لأنك قريب منه لأجل طهرك وأفعالك الحسنة أن يسمعني أنا البائسة بصلواتكم ، لأنه ما الفائدة أن أكون في بيت رجل وعلى أسم الزيجة وأنا بغير ثمرة ، مثل الشجرة التي لعنها الرب في الأنجيل المقدس ، بمحبتك لله يا أبي ، إذا ما رفعت يديك للرحوم السيد المسيح من أجلي فأنا أؤمن أنه يسمع صلواتكم إذ كان قد سمع إبراهيم البطريرك ووهب له إسحق فلاسيما أنتم أيها الشعب الأرثوذكسي فإنه يستجيب كل طلبة صالحة تسألونها فيمن تسألونه فيه ، فلما سمع الأب الأسقف ذلك تعجب من أيمان تلك المرأة وجودة إعتقادها ثم قال لها : الرب يعطيك طلبتك في كل شئ ، جيد لك أن تكوني قوية القلب وثابتة الإيمان وإن أعطاك فبإرادته وإن لم يعطي فبإرادته أيضاً ، فالآن لا تقلقي في أفكارك فأنا أعتقد أن الذي آمنت به وجعلتِ رجاك عليه السيد المسيح لا يردك خائبة بل يصنع معك كإرادته . فالآن إمضي بسلام وأنا أسأل السيد المسيح أن يعطيك ما طلبتي .
فلما سمعت " إيلاريا" ذلك من الأب الأسقف تباركت منه وقالت له : يا سيدي الأب أنا لا أبرح هذا المكان إلى أن تقول لي بالحقيقة إن كنت سأرزق نسلاً أم لا .
فأما الأب الأسقف الذي هو شبه نبي روحاني فإنه قال لها : السيد المسيح يعطيك طلبتك وأنا أؤمن أنه يخرج منك ثمرتين وينالا الإكليل في أورشليم السمائية .
فلما سمعت ذلك من الأب الأسقف فرحت وظنت أنه قال لها عن أكليل عرس هذا العالم الذي يهلك ويضمحل بعد قليل ولم تعلم أنه قال لها عن عرس الشهادة الذي يدوم إلى الأبد ، وعند ذلك تباركت منه وخرجت من عنده فرحة مسرورة ومضت إلى منزلها ، وبعد أيام قلائل حبلت وتمت أيامها لتلد فولدت صبية وأسمتها " مهراتي " وكان لها فرحاً عظيماً وسرور كبير لميلادها فلما بلغت الطفلة ثلاثة سنوات حبلت أيضاً وولدت غلام وأسمته على أسم جده لأبيه " هور " وتربيا معاً على الفضيلة المسيحية .  (عاشق الوطن )
فلما بلغت الصبية "مهراتي" إثنتي عشر سنة وهي تنمو بطهارة ونعمة الله حالة على وجهها وكانت تتعلم في الكتب الإلهية بغير ملل فقد قال السيد المسيح له المجد " إنه كما في السماء كذلك على الأرض " كما أن الأباء على الأرض إذا بلغوا أولادهم وإستحقوا الزواج بحثوا في المدن والقرى إلى أن يجدوا بنات عقلاء عذارى فيدهنوهم بزيت أملاك الزيجة( عقد كان يعمل قديماً يساوي الخطوبة حالياً ) وهم في بيت أبائهم ثم يأخذونهم إلى بلادهم لإتمام الأكليل المقدس ، كذلك السيد المسيح أرسل والدته السيدة العذراء واليصابات نسيبتها إلى الناحية المعروفة بطموه حتى يدهنوا هذه الصبية " مهراتي " بدهن أربون روح القدس حتى يحين زمان الإضطهاد ليمضوا بها إلى مدينة أنصنا لتنال إكليل الشهادة هناك .
وذلك أن السيدة العذراء ظهرت للقس يؤانس وقالت له : أيا يؤانس القس أنا جئت إليك بسبب إبنتك "مهراتي " أدعوها إلى عرس ولدي إلى مدينة أورشليم التي ليس فيها جوع ولا عطش ولا تعب ولا عُري بل تكون في الفرح وفي السرور الدائم وتستريح مع جميع القديسين .فأجاب القس يؤانس وقال كيف كيف لي أن أفعل هذا وأسلم إبنتي إلى أرض بعيدة غريبة وتتوفى في مدينة أنصنا هذه التي ليست هي مدينتها ، ويفترق جسدها عنا ، وأنا قرأت في توراة موسى أنه عندما حضر يعقوب إسرائيل الوفاة في أرض مصر دعى إبنه يوسف وقال له إذا ما توفيت تحملني إلى أرض آبائي وتدفنني في القبر الذي إشتراه أبي إبراهيم من حبرون الذي دفن فيه سارة وابراهيم وأبي إسحق ورفقة والدتي ، ويوسف أيضاً صار ملك مصر وتزوج ورزق أولاداً ونال مجد عظيم ، عندما حضرته الوفاة دعى إخوته وقال لهم : أنا أعلم أن الرب يأخذني إليه والرب يخرجكم من هذه الأرض ويعيدكم إلى أرض أبائكم ، فإذا خرجتم أحملوا عظامي معكم إلى أرض آبائي ولا تدفنوني في أرض غريبة وتمضوا .     (عاشق الوطن )
فإن كان ذلك الملك قال لإخوته هذا القول ولم يختار أن يكون جسده في أرض غريبة وإذا كانت أرض مملكته فكيف أفعل هذا بإبنتي التي وهبها لي الرب بعد سؤال كثير وطلبات متواترة في الليل والنهار وأسلمها فتمضي عني إلى أرض غريبة وتتوفى في ذلك الموضع ويفترق جسدها عن أجساد آبائها ! .
فأجابت السيدة العذراء الطاهرة مرتمريم وقالت : حي هو الرب الإله ضابط الكل إذا ما توفيت إبنتك أرسلت بجسدها إليك لتدفنها في أي موضع تختاره .
فلما سمع الأب يؤانس ذلك أمتلأ من الروح القدس وقال : لتكن إرادة الله ، وكل موضع تشرق عليه الشمس فهو للسيد المسيح وكل مدينة وكورة وضَيعة يكون فيها كنائس الأرثوذكسيين ويحمل فيها البخور ويقام فيها القداس بأسم السيد المسيح فإن النعمة حالة فيها.
فلما أتم القس يؤانس كلامه أخرجت السيدة الطاهرة مرتمريم إناء به عطر وسكبته على رأس الصبية العذراء مهرابيل وقالت لها ها هوذا قد دهنتك بدهن اربون روح القدس إلى يوم العُرس وسوف آتي وآخذك إلى مدينة أورشليم وأجعل عليك الأكليل مع عريسك في ملكوت السموات ويقربك السيد المسيح القربان الروحاني في كنيسة الميلاد الأول في أعلا السموات ، وعندما قالت السيدة العذراء الطاهرة مرتمريم هذا خرجت من عندهم هي واليصابات نسيبتها .
ومن ذلك اليوم لم تنم الطوباوية "مهراتي" على فراش ولم تأكل حتى تغيب الشمس كل يوم وكانت لا تأكل أي طعام مطبوخ على النار ولا أي شئ يخرج منه دم وما كان طعامها إلا خبز وملح ، وكانت تسير بطهر ووداعة وإبتهال إلى الله الليل والنهار .(عاشق الوطن )
معجزات تمت على يديها وهي في الجسد .
لما دُهنت القديسة بدهن أربون روح القدس كان الله يصنع بها العجائب وكان كل من به علة من العلل إذا ما صّلت على يسير من زيت وتدهن به العليل كان يبرأ من وقته ، ولما كان في أحد الأيام أخذت القديسة مهرابيل جرتها التي تملأ بها الماء وخرجت إلى النهر وكان عمرها إثنتي عشر عاماً وكان أخوها "هور " إبن تسع سنوات خرج معها إلى النهر وإذا مركب راسية في الموردة ( الميناء ) وفي المركب نظرت القديسة نساء حزانى وواحدة منهن تبكي بحرقة قلب وحزن عظيم وتصرخ صراخ شديد فلما نظرتها العذراء مهرابيل قالت لها : يا أختي ما الذي حل بكِ وأنتِ بهذا الحزن الشديد والعظيم هكذا ؟ فأجابت المرأة : يا بنيتي ما رزقت إلا إبنة واحدة وقد زوجتها ولما حبلت وحضرت وقت ولادتها صارت في تعب وتعسرت جداً وهوذا لها أربعة عشر يوماً في شدة عظيمة وتعب كثير الليل والنهار حتى أن كل من يشاهدها يقول أن الأصلح موتها ولا حياتها بهذا العذاب . ولما شاهدها قوماً قالوا لي أحمليها إلى مدينة منف فإن هناك إنسان مبارك يصلي على قليل ماء ويسقيها فإنها تلد ، فحملتها في هذا المركب لأمضي بها إلى مدينة منف فلما وصلت إلى ههنا وقعت في نزاع الموت فلما نظرها النواتية ( البحارة) قالوا بعضهم لبعض نرسي ههنا لئلا تموت قبل أن نصل إلى مدينة منف فإذا ماتت دفناها ههنا ، فلما سمعت القديسة مهرابيل ذلك توجع قلبها جداً وأخذت قليل زيت ورفعت عيناها إلى السماء وقالت : يا سيد يسوع المسيح إبن الله الحي الأزلي الذي كان مع أمنا حواء حتى ولدت شيث تكون مع أمتَك هذه التي في التعب العظيم ، يالذي كان مع سارة زوجة ابراهيم حتى ولدت ابنها أسحق تكون مع عبدتك ، يالذي كان مع حنه النبية حتى ولدت صموئيل النبي تكون مع عبدتك هذه البائسة ، يالذي كان مع اليصابات حتى ولدت يوحنا الصابغ تكون مع عبدتك التي في هذا التعب العظيم لك المجد أيها الثالوث الأقدس إلى آباد الدهور كلها آمين .
فلما تمت الصبية العذراء القديسة مهراتي صلاتها رشمت على الزيت الذي أمامها بعلامة الصليب المقدس ودهنت به الصبية بيدها عند ذلك فتحت عيناها وشعرت بالعافية التي نالتها وولدت طفلين ذكراً وأنثى ولما نظر الناس الذين في المركب ما جرى صرخوا وقالوا واحد هو إله هذه الصبية ومباركة هي الساعة التي أرسينا فيها بمركبنا في هذا الموضع ، ثم أنهم عمدوا إليها وقبلوا يديها ورجليها ، عند ذلك أخذت يد أخوها " هور " وتركت جرتها التي تملأ بها الماء ورجعت إلى بيتها ولم تذهب إلى النهر في ذلك اليوم لتهرب من مجد الناس الفارغ وبعد ساعة نزلت صبايا عذارى إلى النهر ليملئن ماءاً فسألهن ركاب المركب هل تعرفن الصبية صاحبة هذه الجرة ؟ فقلن لهم : هذه جرة مهرابيل أبنة يؤانس القس الذي لبلدنا .
فعرفهم ركاب المركب بكل ما فعلته ، عند ذلك رجعن البلدة وعرفوا أهل البلدة بكل ما فعلته القديسة مهرابيل وشاع خبرها في جميع البلاد المحيطة .
وكان في بلدتها صبية وقد تربيتا معاً فأما تلك الصبية فأنها تزوجت برجل من أهل مدينة منف وولدت غلام فلما ولدت جاءها ألم شديد في صدرها مصحوباً بورم ولم تقدر أن ترضع أبنها من ثدييها وأشتد عليها المرض حتى قاربت الموت فلما سمعت والدتها بالعجائب التي تحدث من القديسة مهراتي في طموه نقلت إبنتها إليها ودخلت إلى موضع القديسة وسجدت على قدميها إلى الارض وقالت أنا أسألك يا سيدتي أرحمي أختك البائسة وهي أيضاً جارتك التي تربيتي معها وهوذا لها شهر وعشرون يوماً في الألم الشديد ، وأبنها على كتفي أطوف به على نساء مدينة منف ليرضعوه ، أرحميني يا سيدتي وأرحمي ولدها الصغير لئلا يموت بالجوع .
فلما سمعت القديسة مهراتي هذا الكلام ، أخذت قليل زيت ورفعت عينها إلى السماء وصلت قائلة : يا سيدي يسوع المسيح إبن الله الحي الأزلي الذي شفى المرضى والمفاليج ومن هو في الضربات الشديدة ، إسمع صلاتي أنا عبدتك مهرابيل وأرسل ملاكك الجليل يرسم علامة الصليب المقدس على ثدي هذه الصبية لتُشفى بأسمك القدوس لأن لك المجد أيها الآب والإبن والروح القدس إلى أبد الأبدين آمين .   (عاشق الوطن )
فلما تمت صلاتها رشمت على الزيت بعلامة الصليب المقدس بأسم الآب والإبن والروح القدس ودهنت ثدي الصبية ففي تلك الساعة زال عنها الورم ورضعت إبنها بيسر وسهولة وعادت إلى بيتها ممجدة الله وشاع في مدينة منف ما صنعه الله بصلوات القديسة مهراتي .

وكان صبي في ناحية تسمى طرا ( بجوار المعادي وحلوان) شرق النهر أسمه جرجس وهو أبن عم العذراء مهراتي وكان عمره عشر سنين وإذا به في أحد الأيام قد صعد إلى سطح بيته يلعب مع الفتيان أمثاله وإذا الشيطان يظهر له بشبه إنسان أسود ودفعه من على السطح فرمى به أسفل الأرض فتكسرت يده ورجله فحملوه إلى بيته وبكوا عليه وحزنوا حزناً عظيماً وظنوا أنه سوف يموت للوقت ، عند ذلك أرسل والده وأحضر القس يؤانس والد العذراء مهراتي ووالدتها إيلاريا فلما وصلا إليهم نظرا والد الصبي وأمه وهم في حزن عظيم وبكاء مرير وقد قارب إبنهم الموت فقالت والدته للقس يؤانس : يا سيدي أصنع معي رحمة بحمله إلى أخته مهرابيل لتصلي على قليل زيت وتدهنه وأنا مؤمنة أن الرب ينعم عليه بالعافية مثل كل من صلت عنه وعوفي .
فأجابها القس يؤانس وقال لها : إن الرب القادر يهب له العافية مثل غيره . عند ذلك حملوه وعبروا به النهر إلى القديسة مهرابيل وهي في بيتها فلما دخلت إليها والدة الصبي سجدت على قدميها وقالت : يا سيدتي أرحمي أخوك ، لتصلي للرب عنه ليهبه العافية .
فأجابت القديسة وقالت لها : كيف يتم لبائسة مثلي أن تفعل شئ يجري هذا العمل ؟ (عاشق الوطن )
فقال لها والدها يا إبنتي هو أخوكِ وأبن عمك صلي على زيت وأدهنيه فإن عاش فهو لله ويكون ما يختاره الرب ، فأجابت القديسة وقالت لوالدها : دعه يستريح قليلاً لأنه تعب قبل أن يصل إلى ههنا . عند ذلك تركوه ومضوا ، فلما كان نصف الليل قامت الصبية القديسة مهرابيل وبسطت يديها وناجت الإله في صلاتها حسب عادتها وأخذت قليل زيت وحولت وجهها إلى الشرق وصلت لله قائلة : أيها الرحوم وحده ضابط الكل الذي خلق السماء بحكمته وثبت الأرض بقدرته وخلق الإنسان من أربعة عناصر على ما إقتضاه بحكمته أنا أسألك أن تمد يدك المقدسة الطاهرة وتعافي هذا الصبي ، أطلب إليك يا سيدي يسوع المسيح عندما أمد يدي على هذا الصبي أن تمد يدك الطاهرة وتعافيه يا إله الآلهة ورب الأرباب لأنه يجب لك المجد والأكرام مع الآب الرحوم والروح القدس إلى الأبد آمين .
وعندما تمت القديسة مهرابيل صلاتها رشمت الزيت قائلة بأسم الآب والإبن والروح القدس ، وعمدت إلى الصبي تدهنه عند ذلك أرسل الرب ملاكه وجعل يده على جميع جسده فعوفي لوقته حتى كأنه لم يتوجع البته ، وكان الصبي نائماً عند ذلك فتنبه من النوم فوجد نفسه عوفي فصرخ قائلا تبارك الرب الإله الذي ذكرني في مرضي الذي كنت فيه ، فلما سمعت والدته صراخه وهو يُسبح الله ويباركه قامت بفرح عظيم وضمته إليها وقبلته وسألته عما حل به فأجابها أختي مهرابيل وإنسان نوراني له أجنحة جعل يده على جميع جسدي وقال لي هوذا قد عوفيت قم وأمضي إلى والدك وعرفه ما حل بك فلما سمعت والدته ذلك مضت إلى والد الصبي فوجدته في حزن عظيم عند ذلك ناداه الصبي وقال له قم يا أبتي ، فإنتبه ونظر إلى الصبي وقد عوفي فتعجب جداً ومجد الله ، وفي الصباح جاء أهل طرا بلدهم ليتفقدوا حال الصبي لأنهم عبروا به النهر من عندهم وهو على وشك الموت فلما رأوه عوفي وقصت عليهم والدته ما حدث مجدوا الله الصانع العجائب وحده .      (عاشق الوطن )
أكليل العُرس السمائي 
في زمن الإمبراطور دقلديانوس ( 284 - 305 ) أرسل أوامره إلى سائر العالم للقبض على المسيحيين وتعذيبهم بأنواع العذابات الشديدة وقتلهم ، وأن تهدم الكنائس وتخرب الأديرة وتفتح أبواب البرابي ( المعابد الوثنية مفردها بربا ) فوصلت الأوامر إلى والي الأسكندرية وإلى بلاد مصر جميعاً فقبضوا على كل من وجدوه من المسيحيين وأوثقوه بالسلاسل والأغلال وسيره إلى الولاة الذين هم في المراكز فأتفق أن أحد الحجاب ، المندوب إلى مدينة أنصنا أوثق مراكب كثيرة وأرسى في ساحل الناحية المعروفة بطموه وكان معه أساقفة وشمامسة وإيبودياكونيين ( وكيل شماس ) وأغنسطسيين ( قارئ) ورهبان وجمع كبير من رجال ونساء في المراكب ، فلما رست المراكب ، نزلت السيدة العذراء الطاهرة مريم من السماء ومعها اليصابات نسيبتها وست عذارى ودخلن بيت مهراتي بهيئة بنات ذاهبات ليستقين وقلن لها : مهرابيل تعالي معنا لنملأ الجرار بالماء ، عند ذلك إمتلأت مهرابيل من الروح القدس وأخذت جرتها وخرجت معهن إلى النهر ليملأن الماء فأجتمعن أيضاً بصبايا من البلد قدامها قد خرجن إلى الماء فلما وصلن إلى ساحل النهر نظرت القديسة مهراتي المركب واقف وفيه ذلك الجمع العظيم رجال ونساء مربوطين بأيديهم وأرجلهم بسلاسل حديد ، فقالت السيدة مرتمريم للقديسة مهراتي لنمضي وننظر هؤلاء الناس فمضت معها وأليصابات نسيبتها وقالت لهم : يا أبائي ما الذي حل بكم ، حتى رُبطتم بهذا الرباط وأنتم بهذا الضيق العظيم ، أترى عليكم خراج ( ضرائب ) للسلطان ؟ .    (عاشق الوطن )
فأجاب أسقف من الذين في المركب وقال ليس علينا شئ لملك الأرض بل علينا ذنوب قد فعلناها فَسقنا ، وسرقنا ، وحلفنا بإيمان كاذب ، وتقربنا من الأسرار المقدسة جسد ودم ربنا يسوع المسيح ونحن غير مستحقين ، ونحن مسوقين نموت عن خطايانا .
فلما سمعت القديسة مهرابيل ذلك قالت وأنا أيضاً أسير معكم لأُظهر ذنوبي ثم أنها سألت الحاجب وقالت له أربطني مع عذارى المسيح فربطها معهن ، فنادت برفيقاتها البنات اللائي نزلن معها ليستقين الماء وقالت لهن يا أخواتي الرب يعوضكم خذن جرتي معكن وأعطوها لأبي وأمي وقلن لهما قالت أبنتكما مهرابيل قد ظفرت بعريسي ومضيت معه لآخذ أكليل الشهادة .
ولما قالت لهن ذلك إذا بريح عظيم قامت بتدبير الله فأقلع المركب للوقت ووصلوا إلى مدينة آنصنا ، وأرسوا في ساحل المدينة وعرفوا القائد أنه قد وصل مركب ملئ بالمسيحيين مربوطيين فأمر بأعتقالهم بالسجن وقال غداً أسمع خطابهم في الصباح .
ولما كان الغد جلس في موضع الحكم وعرضوا عليه القديسين وهم مربوطين والطوباوية مهرابيل معهم فلما تطلع القائد نظرها وهي إبنة إثنتي عشر سنة ، تعجب وهو ينظرها وهي فرحة مسرورة فدعى الحاجب وقال ما الداعي أن تحضر هذه الصبية ؟ .
فأجابت القديسة وقالت له أنا صغيرة في السن والقامة وكبيرة بروح القدس . فأجاب القائد وقال لها : معك روح كثرة الكلام . ثم قال لجلسائه أنا أشتهي أن أطلقها وأنا أخاف من هؤلاء المربوطين فلما علمت الصبية أنه يريد أن يطلقها قالت له : ملعون أنت وملكك الكافر وآلهتك المرزولة . فلما سمع منها ذلك إمتلأ غضباً من أبوه الشيطان وأمر أن تُعذب عذاباً شديداً ففعلوا بها ذلك ولما علم القائد أنها قد قهرته ولم تبالي بالعذاب ، ولم يقدر أن يفعل معها شيئاً .(عاشق الوطن )
فأمر أن يحضروا إليه حاويين من الذين يصيدون الحيات والثعابين وأمرهما أن يصيدوا له سائر أجناس الدبيب من الحيات والثعابين والأفاعي والعقارب ..
وبعد أن جهزوا كل مطلبه جعلوهم في مزود ( قفص ) كبير ووضعوا الطوباوية مهرابيل معهم فيه وربطوا فمها ويديها وسلمها إلى أربعة من الجند وقال لهم اذهبوا في مركب وإنحدروا بها إلى أن تموت ثم ألقوها على أقرب بر .
ظهور السيد المسيح لها ووعوده لها
ولما أخذها الجند حسب ما أمرهم القائد ظلوا ثلاثة أيام وثلاثة ليال منحدرين وهم يسمعونها تُسبح الله وهي مع الأفاعي والثعابين والعقارب ، فلما كان اليوم الرابع ظهر لها السيد المسيح له المجد وقال لها : 
السلام لك يا شهيدة يا قديسة يا عذراء مهرابيل هوذا قد أوصلتك إلى بيت أبيكِ حسب ما وعدت والدتي العذراء يؤانس والدك أنني سأرسل إليك جسدها حيث تجعله في الموضع الذي تختاره والعطر الذي سَكَبته والدتي على رأسك أنا أجعل رائحته في جسدك إلى إنقضاء أجيال الأرض . سلامي يكون معك أقول لك يا مصطفيتي مهرابيل وسيكون أسمك شائعاً في كل مكان وكل من يبني كنيسته على أسمك أنا أخزق رق ذنوبه وأغفر له جميع خطاياه وكل كنيسة يطلقوا أسمك عليها أجعل ملائكتي يحفظونها إن ساروا أهلها بالإيمان الجيد . وأمنوت ( بواب ) كنيستك إذا خدم كنيستك كما يجب أنا أبارك عليه وعلى منزله ، والأمنوت الذي يرفض كنيستك ولا يقوم بخدمتها كما يجب أنا أعاقبه بالمرض الشديد وقسوس كنيستك وشمامستها إن لم يكونوا أطهاراً مباركين ويتمموا صلواتهم ليلاً أهلكهم مثل أولاد عالي الكاهن ، والشعب كله يكونوا أطهاراً إذا ما تناولوا من السرائر المقدسة . الويل ثم الويل لمن جحد المعمودية المقدسة . كل من يزرع كرم أو أرض زراعية ويسمي أسمك عليها فإني أباركها وكل من يُسمي أسمك على أولاده أنا أجعل بركتي في ذلك البيت . والذي يكتب سيرة شهادتك ويجعلها في كنيسة أنا أباركه وجميع منزله وأكتب إسمه في سفر الحياة ومن يرفع قربان لكنيستك أنا أجعلهم يقربوه في كنيسة الميلاد الأول ومن يكون في ضيقة في البراري والقفار أو في الحبس ويدعوني بأسمك فأنا أفرج عنهم في شدتهم . وأجعل شجرة عند باب بيعتك المقدسة بغير زرع ولا تكريم وكل من يصل إلى كنيستك وبه علة رديئة ويقبل جسدك ويأكل من تلك الشجرة فإنه يُعافى وأي إمرأة عاقر نذرت بأسمك أنا أعطيها طلبها .
هذا ما قاله السيد المسيح للقديسة الطوباوية العذراء مهرابيل وكان كل من بالمركب يشتم رائحة عطر ولا ينظروا أحداً بل سامعين الصوت فقط ولا يعرفوا تفسير الكلام فلحقهم لذلك خوفاً عظيماً وجزّع وصاروا كالأموات ، ومن بعد ذلك بقليل إنتقلت روحها إلى يدي الله وتنيحت الطوباوية الشهيدة العذراء مهرابيل وقت الصباح في الرابع عشر من شهر طوبه بين الحيات والأفاعي والعقارب . وأخذ السيد نفسها ولفها في لفائف النور وصعد بها السموات بمجد عظيم .
ثم أن الجند أستيقظوا بخوف عظيم ولم يعودوا يسمعوا صوتاً عند ذلك ، فعلموا أنها قد تنيحت وهم في وسط النهر ما بين طرا وطموه فقال الجند لبعضهم بعضاً : نرميها في بر طرا فقال رفقائهم بل في طموه وحدث نقاش بينهم . عند ذلك أنزل الله ريح شرقية من السماء وحمل المركب إلى طموه عند ذلك نزل الجند وحملوا المزود ( القفص) الذي فيه القديسة إلى البر ورفعوا الشهيدة منه وخلعوا بعضهم ثيابهم وجعلوها عليها ودفنوها في ذلك الموضع وذهبوا إلى الضيعة التي هي طموه وأشتروا ما يحتاجون إليه ونزلوا ليركبوا المركب عند ذلك نظروا وإذا نور عظيم في الموضع الذي دفنوها فيه فلما شاهدوا ذلك خافوا خوفاً عظيماً ثم عادوا إلى البلدة وقالوا لأهل طموه جميع ما حل بالقديسة العذراء مهرابيل من بداية أمرها مع القائد إلى أن صارت شهيدة عظيمة وقالوا : تعالوا الآن لتأخذوا جسدها وتدفنوه كما يجب لأستحقاق هذه الشهيدة وكرامتها ..عند ذلك نزل أبوها وأهل البلد إلى النهر ونظروا إلى الموضع الذي جعلوا جسدها فيه وعليه نور عظيم فصرخ جميعهم الصغار والكبار بفرح قائلين : قد نالنا اليوم نعمة في بلدنا لأننا أستحققنا جسد شهيدة معنا في بلدنا .(عاشق الوطن )
فلما نظرها القس يؤانس عرفها أنها إبنته فبكى بكاءاً عظيماً وأرسل فأحضر والدتها فلما نظرتها بكت بكاءاً مراً وحزنت فلما نظر الشعب ما نزل بهم من الحزن عزوهم وقالوا لهما أن الرب قد صنع معكما خيراً عظيماً لأنه خرج من زرعكما شهيدة وصارت من جملة القديسين في ملكوت السموات والواجب عليكما أن تفرحا فرحاً عظيماً فأنكما تدعوا أبوي شهيدة وبذلك سلوهم عن حزنهم وبعد ذلك أحضروا شمعاً ومصابيح ومجامر وبخور وإجتمع كهنة المنطقة والأراخنة وجميع الشعب وصبايا عذارى من أهل ضيعتها وصاروا يرتلون ويقرأون قدامها قائلين : " يدخلن الملكة بالعذارى خلفها .....( مز 44 )." إلى أن أوصلوها بيت والدها الذي أخرج ثيابها وأحضر أهل البلد أيضاً ثياب طائلة وبخور وعطور وكفنوا جسدها بجلال عظيم .
وكان لما أجتمع الشعب لتكفين جسدها المقدس كان في بلدها إنسان جليل ، وكان غني بالذهب والفضة وكان مريضاً بالعلة التي يسموها الأطباء الشقيقة وهي ضربان في نصف رأسه مع نصف وجهه حتى كان يحس بعينه اليمنى أنها قد إنفقعت ، فلما سمع بتكفين الشهيدة دخل إلى الموضع الذي يكفنوها فيه وهو في شدة عظيمة من الوجع ولما دخل نظر إلى خرقة ( قطعة قماش) عند رأسها قد وضعوها لحين الأحتياج إليها فدخل وأخذها بأمانة مستقيمة وشد بها رأسه ، وفي تلك الساعة عوفى من شدة الضربان فبارك الله وقال واحد هو إله الشهيدة العذراء مهرابيل الذي يصنع العجائب في قديسيه وقام للوقت ومضى إلى مدينة منف وسأل عن نجار صانع جيد وقال له أريد منك أن تعمل لي تابوت جيد لأجعل فيه جسد هذه الشهيدة القديسة العذراء مهرابيل أبنة القس يؤانس بطموه كمقدار كرامتها ، ثم مضى معه إلى الموضع الذي يبتاع فيه الأخشاب وأبتاع أفخر الأنواع وعمل تابوت جميل صرف عليه ذلك الذي عوفي مالاً كثيراً هذا الوقت لأجل صناعته صناعة جميلة ، ولما فرغ من صناعته جعل جسدها فيه لأنهم خافوا يبنوا لها كنيسة في هذا الوقت لأجل الشعب لئلا يسمعوا الملوك الكفرة بذلك لأن الأوامر كانت تقضي بهدم الكنائس لا ببنائها ، فجعلوا الجسد في موضع مخفي لا يعلم به أحداً إلا أهل بلدها فقط وكان إنسان أسمه " أبامون " وقع عليه الإختيار فأقاموه على خدمة جسدها المقدس وإيقاد قنديل الزيت الذي أمامها في الوقت الذي يجب وأوصوه أن يحتفظ بها وأن لا يدع غريب يدخل إليها غير أهل بلدها لئلا يتصل خبرها بالملوك فيحرقوا البلد بسببها .
وكانت العجائب تظهر من الجسد بكثرة .....







إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu