Ad Code

السيدة العذراء تكريمها - صعودها - ظهورها حسب الكنيسة الأرثوذكسية 1

كاتب هذه المقال نيافة العلامة الكبير الأنبا لوكاس مطران كرسي منفلوط الأسبق .
ولد عام 1900 من أسرة عريقة متدينة ، حصل على شهادة البكالوريا عام 1916 ، وفي نفس السنة إلتحق بدير المحرق ، رُسم مطراناً عام 1930 على كرسي منفلوط وأبنوب ، أجاد اللغات القبطية واليونانية والإنجليزية والفرنسية 
تكريمها 
من أسباب ثورة لوثيروس " لوثر" زعيم الإصلاح البروتستانتي في القرن الخامس عشر على تعاليم كنيسة رومية ما تكدس في صميم هذه التعاليم من الخرافات والسخافات والأباطيل الماسة بكرامة مبادئ الفداء ، ومن بين هذه الخرافات السخيفة الباطلة الماسة بكرامة الفادي ومبادئ تعاليم الفداء ، خرافة " فائض إستحقاقات القديسين ، للتعاون بها على التكفير عن الخطاة التأبين ، وأستهلاك أسهم صكوك الغفران ؟؟ وإسعاف النفوس في المطهر المزعوم ؟ إلخ " وعلى رأس هؤلاء القديسين طبعاً " السيدة العذراء " بوصفها والدة الإله .
فأساءت كنيسة رومية بخرافاتها هذه إلى السيدة العذراء والشهداء والقديسين ، وقد نشأ عن هذا الإنحراف من كنيسة رومية عقيدة " عبادة مريم " ، الأمر الذي على مثاله لما حدث لبولس وبرنابا " فَالْجُمُوعُ لَمَّا رَأَوْا مَا فَعَلَ بُولُسُ، رَفَعُوا صَوْتَهُمْ بِلُغَةِ لِيكَأُونِيَّةَ قَائِلِينَ:«إِنَّ الآلِهَةَ تَشَبَّهُوا بِالنَّاسِ وَنَزَلُوا إِلَيْنَا». فَكَانُوا يَدْعُونَ بَرْنَابَا «زَفْسَ» وَبُولُسَ «هَرْمَسَ» إِذْ كَانَ هُوَ الْمُتَقَدِّمَ فِي الْكَلاَمِ. فَأَتَى كَاهِنُ زَفْسَ، الَّذِي كَانَ قُدَّامَ الْمَدِينَةِ، بِثِيرَانٍ وَأَكَالِيلَ عِنْدَ الأَبْوَابِ مَعَ الْجُمُوعِ، وَكَانَ يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَ. فَلَمَّا سَمِعَ الرَّسُولاَنِ، بَرْنَابَا وَبُولُسُ، مَزَّقَا ثِيَابَهُمَا، وَانْدَفَعَا إِلَى الْجَمْعِ صَارِخَيْنِ وَقَائِلِينَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ، لِمَاذَا تَفْعَلُونَ هذَا؟ نَحْنُ أَيْضًا بَشَرٌ تَحْتَ آلاَمٍ مِثْلُكُمْ، نُبَشِّرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا مِنْ هذِهِ الأَبَاطِيلِ إِلَى الإِلهِ الْحَيِّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، " أع 15-11:14 " 
هكذا ثورة لوثيروس وجماعته كانت في الأصل تهدف إلى إعلان هذه الحقيقة اللاهوتية الخالدة ، القائلة بأنه ليس في السماء وعلى الأرض بل في الكون بأسره بشري مستحق للعبادة إلا حمل الله رافع خطايا العالم ( يو 1 : 29 , 36 ) الإله المتأنس عمانوئيل إلهنا الله الظاهر في الجسد ( رؤ 5 : 1 - 14 , أش 7 : 14, 9 : 6 , 1 تي 3 : 16 ) . أما المفديون فليس فيهم مستحق بالذات ، بل هم يقررون بالإجماع أنهم خطاة غسلوا ثيابهم وبيضوها في دم الحمل ( رؤ 7 : 14 ) وأنهم بالنعمة مخلصون ( أف 2 :8 ) وهكذا ترنمت السيدة العذراء على رأس جميع المفديين بوصفها والدة الإله المتأنس " تبتهج روحي بالله مخلصي " ( لو 1 :47 ) .
ففي ثورة " لوثيروس " هذه قام هو وجماعته في غضبتهم البشرية وبيدهم معاول التحقير والتفريط ، كرد فعل لأخطاء كنيسة رومية في المبالغة والإفراط ، ممزقين ثياب الكرامة الأكتسابية التي أُسيء إستغلالها فتشوه جمالها ، وكشفوا في قسوة جامحة عن عورة ضعف الطبيعة البشرية تحقيراً وإذلالاً لها ، وهكذا أعثرت كنيسة رومية أولادها فأفشلتهم " أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم لئلا يفشلوا " ( كو 3 : 21 ) ، " ويل للعالم من العثرات .... ولكن ويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة " ( مت 18 : 7 ) .
مما تقدم تدركون جيداً أن البروتستانت ، لا يكرهون السيدة العذراء ولا يحقرونها بالذات ، بل في الأصل كانت تحدياتهم تهدف إلى هدم مبالغات تعاليم كنيسة رومية التي لا شك أغضبت السيدة العذراء نفسها كما أغضبت إبنها الحبيب مصدر نعم وبركات سر الفداء ، بل أغضبت جميع المفديين من شهداء وقديسين سواء أكانوا على الأرض أم في السماء .
ولما حط الأمريكان رحالهم في البلاد المصرية زعموا أن الكنائس التقليدية في الشرق والغرب تترنم معاً في تقليدها وكافة تعاليمها ، ولهذا نظروا إلى كنيستنا القبطية الأرثوذكسية نظرتهم إلى كنيسة رومية نظرة كلها حذر وحظر ولكنهم بطول الزمن وإندماجهم في الأوساط الكنسية وترددهم على الكنائس القبطية وحضورهم حفلاتها الدينية في شتى الظروف والمناسبات ، كالمواسم والأعياد والأفراح والجنازات ،أتيحت لهم الفرصة السانحة لإدراك أستقامة تعاليم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وسلامتها التامة من كافة إنحرافات كنيسة رومية ، ولمسوا ضمناً تقدير الكنيسة للسيدة العذراء في كيفه وكمه ، وكيف أنها في عقيدتها الأرثوذكسية تنظر إلى السيدة العذراء نظرة أرثوذكسية مستقيمة ، تنأى بها عن طرفي النقيض ، طرفي التفريط والإفراط ، الطرف الأول في نظرته إلى العذراء البتول كغلاف حوى جوهرة حصلنا عليها وألقينا بالغلاف ، والطرف الآخر بنظرته إليها كرابوع للثالوث الأقدس مستوجب للعبادة والتأليه ، أما نظرة الكنيسة القبطية فتسمو بالسيدة البتول عن التفريط في حقارته وبؤسه ، وتنزهها عن الإفراط في جنونه وطيشه ، فتحيطها بهالة التكريم في لمعانه ورزانته ووقاره ، بوصفها والدة الإله الجديرة بالتعظيم " فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني لأن القدير صنع بي عظائم ...." ( لو 1 : 48 ) .
وفي لمس الأمريكان بل والمتأمركين أيضاً لسمو تقدير الكنيسة القبطية للسيدة البتول ، بل وفي لمسهم لكافة عقائد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، أكبروا فيها رسوخها المكين ، وأصلها العريق الكريم ، وأسلوبها في التعليم الوقور الحازم الحكيم .
قال لي مرة أحد أعلامها اللاهوتيين " إني موقن بأنه لو علم لوثيروس في وقته بلمعان أرثوذكسية الكنيسة القبطية ذات التعاليم الطاهرة والعبادة الجميلة والطقوس الحية الرائعة ، لتعلق بأهداب كرازتها الرسولية ، بوصفها حقاً الكنيسة الإنجيلية نصاً وطقساً ومعنى ، إذ هي التي أعلت من شأن الأنجيل ، وتلك أثارها التاريخية تدل عليها ، كمعلمة الكنائس في جميع أجيالها 

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu