Ad Code

سيرة الأنبا صموئيل المعترف

كاتب هذه السيرة المباركة الانبا أسحق من دير القلمون ، وزمن كتابة السيرة القرن التاسع الميلادي ، ويذكر الانبا أسحق أنه نقل هذه السيرة من تلاميذ الانبا صموئيل الذين رأوه بأعينهم وعايشوه بانفسهم ، وقد قاموا بنقل السيره الى ابنائهم الروحيين ، وأبناء أبنائهم الذين هم آباء الكاتب أي أن سيرة القديس الانبا صموئيل كتبت بعده بأربعة أجيال، في القرن التاسع تقريباً .
ولد القديس في قرية دكلو التابعة لمدينة بلهيب سنة 597 م من أبوين تقيين وكان أسم أبيه سيلاس ( شاول ، المسئول ) وكان قساً للقرية وأمه أسمها قسمياني ( كلمة قبطية بمعنى زينة ) ، وكان أبواه غنيين محبين لأعمال الرحمه وأضافة الغرباء . ولم يكن لهم ولد ، فكانا دائمي الصلاة لله ليرزقهما بنسل صالح ، وسمع الله لطلبتهما ورزقهما بأبن في شيخوختهما فسمياه صموئيل ، ورعياه أحسن رعاية ، وربياه تربية مسيحية سليمة ، فكان ينمو في القامة وفي المحبة للرب يسوع المسيح .
اهتم والد الأنبا صموئيل بتعليمه فن نساخة الكتب ، إذ كانت هذه هي الوسيلة الوحيدة لنشر الكتب قبل ظهور الطباعة ، وعلمه طقوس الكنيسة وقوانينها وكان القديس منذ صباه يحب قراءة الكتاب المقدس ويجاهد في تنفيذ وصاياه ، فحفظ أجزاء كثيرة من الاسفار المقدسة عن ظهر قلب ، وكان وهو في الثانية عشرة من عمره يصوم كل يوم حتى المساء ، مما جعل أسقف مدينته يقوم برسامته قارئا .
لما كبر صموئيل أراد والداه أن يزوجاه ، فأعرض عن ذلك مؤكداً رغبته في حياة النسك والعبادة ، وقد رأى والده القس سيلاس رؤيا وأذا ملاك الرب يقول له " سيصير أبنك صموئيل راهباً مختاراً ، ويقبل الآلام من أجل الرب ويكون له أولاد روحانيون كثيرون " .
فكانت هذه الرؤيا سبباً في عزاء كبير وفرح جزيل لوالديه المسنين ، وحين كان عمره ثمانية عشرة سنة  تنيحت والدته ، وبعد فترة قصيرة تنيح والده أيضاً .

رهبنته 
أحب الشاب صموئيل الرهبنة اذ رآها دعوة أنجيلية له من الله وكان قد سمع بفضائل الرهبان وعظم تقواهم ، فوزع أمواله على الفقراء والمساكين ، وسار في طريق الرهبنة ينشد الكمال المسيحي ، وخرج من العالم باختياره قبل أن يخرج منه مكرهاً .
وقصد أن يذهب إلى برية شيهيت ولأنه لم يكن يعرف الطريق صلى لكي يرشده الله ، فأرسل له الرب ملاكاً في شكل شيخ راهب ، فلما رآه القديس صموئيل سأله عن الطريق فقال له الشيخ أنا ذاهب إلى شيهيت ، ورافقه في الطريق ، وكانا يتحدثان عن الرهبنة وعظمة الحياة مع الله ، حتى وصلا إلى مغارة القديس الأنبا أغاثون ببرية شيهيت ، فأمسك الملاك بيد القديس صموئيل ودخل به إلى المغارة وقال للشيخ الانبا أغاثون " إقبل اليك هذا الشاب واسمح له أن يتتلمذ لم ، وألبسه أسكيم الرهبنة ، علمه آدابها لكي يكون لك عكازاً في شيخوختك " ثم اختفى بمنظر نوراني فعرفوا أنه ملاك الرب .
حينما دخل القديس صموئيل مغارة الناسك الشيخ أغاثون أحس بمزيج من الرهبة والحب لهذا الشيخ الوقور ، وفتح الشيخ المبارك فمه وقال له " حسناً مجيئك إلي يا عبد الله صموئيل ، وأنا أشكر الرب يسوع المسيح الذي أرسلك إليّ لتعين ضعفي في زمان شيخوختي " وكلمه الشيخ بكلام روحاني وزوده بنصائحه ، فتعزى الشاب وامتلاء قلبه سلاماً وفرحاً روحياً . وكان الأنبا صموئيل ينمو في الفضيلة ويتشبه بأبيه الروحي في الأيمان والمحبة والوداعة والصلاة والتأمل والنسك والسهر ، ثم ألبسه الأنبا أغاثون الأسكيم وقال له : " إله أبينا القديس أنبا مقار وأنبا أنطونيوس يكون معك لتصير تلميذاً لهم ".
بعد ثلاث سنوات تنيح الأنبا أغاثون بعد مرض دام ثلاثة شهور كان فيها الأنبا صموئيل يأخذ بركة رعايته في مرضه وبعد نياحة أبيه الروحي ضاعف صلواته وجهاده وكان يصوم يومين يومين ، وفي مدة بسيطة ذاع صيته بين الرهبان ، فصار لهم معلماً ومرشداً الى الفضيلة وكان الشيوخ يأتون إليه فيكلمهم عن خلاص نفوسهم ، ولما كانوا يعاينون نعمة الله الكائنة فيه ، ونظراً لذلك رسموه قسيساً على كنيسة أنبا مقار ، فكان مداوماً على خدمة الرهبان ورعايتهم وإرشادهم .
هاجمت جماعة من البرابره كانوا مجتازين قلاية الانبا صموئيل ويسطس تلميذه وهم يظنون إن معهم أموال البيعة فأمسكوهما وعذبوهما عذاباً شديداً وضربوهما بالسياط التي كانوا يضربون بها الأبل ثم ربطوهما في أذناب الخيل وكانوا يجرونهما على الصخور وبعد ذلك ربطوا القديسين والقوا عليهما الزيت وأشعلوا فيهما النار حتى كادا يسلمان الروح ، لكن الله عطف قلوب البرابرة فأخرجوهما من النار وتركوهما قريبين من الموت ، ومكث القديسان ثلاثة أيام وهما مطروحان في ذلك الموضع فلما رأى الرب صبرهما أرسل ملاكه فقواهما وشفى أجسادهما وأرشدهما إلى مكانهما في برية شيهيت .
والقديس يسطس كان من أنطاكية من العائلة المالكة ، وفي العشرين من عمره ترك العالم ومضى إلى الأسكندرية كعبد ، وظل أكثر من عشر سنوات يعاني من التجارب والآلام وكان شاكراً لله عالماً أن آلام هذا الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد ، وقد أعطاه الرب موهبة شفاء الأمراض وبعد أن شفى زوجة السيد الذي أشتراه ، سمح له بأن يمضي الى جبل شيهيت حسب رغبته ، وهناك التقى بالقديس الأنبا صموئيل وصار تلميذاً مطيعاً وإبناً مباركاً مملوءاً من كل فضيلة ، حتى أن شيوخ شيهيت ألبسوه أسكيم الرهبنة بعد حوالي ستة شهور من وصوله ، فزاد القديس من نسكه وجهاده .
فيما بعد حدث أن أحد الرؤساء من مدينة أنطاكية تمت له معجزة شفاء على يدي أسقف المدينة التي نشأ فيها الأنبا صموئيل ببركة صلاة القديس يسطس ، هذا جاء وأخبر القديس يسطس أن الملك يدعوه لكي يمضي إلى قصره ، فبكى القديس ثم ترك المكان وهرب لئلا يأخذوه قهراً إلى الملك ، وبغتة وجده بعض البربر المجتازين فأمسكوه وسبوه معهم إلى كورتهم .
ولقد أخبر ملاك الرب القديس الأنبا صموئيل بقرب نياحة تلميذه يسطس وأمره أن يمضي إلى جبل البهنسا فمضى اليه وألتقى القديس العظيم بتلميذه الجليل الصابر مثل أيوب من أجل ملكوت السموات .
وتحدث القديسان بعجائب الله التي صنعها معهما ثم قال الأنبا صموئيل لتلميذه يسطس :" يا ولدي الحبيب نعمة ربنا يسوع المسيح كائنة معك فقد أبطلت كل سهام الشيطان ونزعت سلاحه الذي جرحك به ، حاربت وصرت أبناً لأنطونيوس ومقاريوس ، صرت مثل أيوب في صبره ، مبارك أنت يا أبني الحبيب لأنك صبرت على هذه الأوجاع ".
حينئذ بكى القديس يسطس وقال بأتضاع :" أغفر لي يا أبي فقد أعطاني الرب نعمة بصلواتك لكي أحتمل الآلام ". وبعد أيام تنيح القديس يسطس ، وكان هذا في اليوم العاشر من شهر طوبه المبارك ، ثم عاد الانبا صموئيل إلى برية شيهيت بعدما أخبر أسقف البهنسا بسيرة القديس يسطس وجهاده .
دفاعه عن الإيمان 
كان الأمبراطور هرقل حاكماً لمصر فهزمه الفرس وأجلوه عنها ، وبعد ست سنوات أستطاع هذا الأمبراطور أن يستعيد مصر لحكمه مرة أخرى ولما كان أباطرة القسطنطينية خلقيدونين ، ولما كانت كنيستنا القبطية قد رفضت الأعتراف بمجمع خلقيدونية وبالإيمان الذي أعلنه المجتمعون فيه فقد رأى هرقل أن يفرض قرارات هذا المجمع المشئوم على القبط بالقوة ، وللوصول إلى هذا الغرض عيّن قورش (المقوقس) والياً وبطريركاً على مصر في آن واحد أي أنه خول له السلطتين المدنية والدينية معاً وأوصاه بضرورة إخضاع المصريين بكل الوسائل .
حاول قورش بكل ما يملك من سلطان أن يجبر المصريين على قبول قرارات المجمع الخلقيدوني فكان يعذب بعضهم ويغري البعض الآخر ، ويمكر بالبعض ويخدعهم ولكن على الرغم من عنف الإضطهادات وكثرة الآلام التي عاناها المؤمنون ظلوا ثابتي الإيمان مرفوعي الرؤوس .
كانت برية وادي النطرون ودير الأنبا مقار من أهم مراكز القيادة الروحية في الكنيسة في ذلك الوقت ، لذلك أرسل المقوقس القائد ماجيستريانوس ومعه مئتي جندي وبمجرد وصوله أحتل كنيسة أنبا مقار وأعطى أوامره بإجتماع الرهبان وقرأ عليهم طومس لاون ( الرسالة العقيدية الي بعث بها البابا لاون Leo وأخذها المجمع الخلقيدني أساسا لعقيدتهم والتي تقول بطبيعتين للمسيح ، وكانت نسطورية التعبير ) ، ورسالة المقوقس بوجوب قبول عقيدة المجمع الخلقيدوني وطالبهم بالتوقيع على الطومس وعلى قرارات المجمع وعندما سمعه الشيوخ عز عليهم ما فيه من عقيدة فاسدة .
وإذ كان الأنبا صموئيل هو الأب الروحي لهذه الجماعة بعد أسر القديس يؤنس قمص شيهيت غار القديس غيرة الرب وصاح قائلاً :" محروم مجمع خلقيدونية ، ومحروم لاون المخالف ، وكل من يؤمن بأمانته الفاسدة ،ونحن لا ندين بالولاء لغير أبينا العظيم الأنبا بنيامين " جن جنون القائد وقال " أقسم بعظمة الإمبراطور أنني سأقطع رؤوسكم جميعاً إن لم تبادروا بالتوقيع على هذه الرسالة " ، حينئذ خاطبه الأنبا صموئيل بهدوء قائلاً " أرني رسالتك هذه " فسلمها له القائد ظناً منه أنه قد تأثر من تهديداته ؛ وما كاد الأنبا صموئيل يمسك بالطومس حتى مزقه وألقاه وأكد على حرمان كل من يؤمن بما فيه من عقيدة فاسدة . 
وحينما رأى القائد ما فعله القديس وسمع ما قاله ثارت ثورته وأمر جنوده بتعذيب القديس ، فأنهالوا عليه ضرباً بالسياط ، وأثناء ضربه أصابت عينه اليمنى ضربة مما جعل الدماء تسيل على وجه القديس وفقد احدى عينيه ، ووقع على الأرض فتركوه بين حي وميت ، وأمر القائد بطرده من الدير ، فخرج أربعة رهبان من تلاميذه هم يعقوب ويوسف وسليمان وسلوانس ، حاملينه إلى مغارة قريبة إذ كان فاقد الوعي .
ظهر ملاك الرب للقديس وقال له " لا تخف . قم أمضي إلى الوجه القبلي جهة الفيوم وأسكن هناك وكما أخذت أكليل الإعتراف بالأمانة المستقيمة التي لآبائك القديسين في جبل شيهيت هكذا تأخذ اكليلاً آخر في الفيوم ، وأكليلاً ثالثاً في بلاد بعيدة ، وبعد هذا تكون لك كرامة عظيمة " فمضى مع تلاميذه وعاشوا في مغاره بالقرب من دير النقلون ، وكانوا مواظبين على الصلاة والتسبيح والشكر لله ليلاً ونهاراً ومنحه الرب موهبة شفاء المرضى فكان يشفي كل من يأتي إليه .
أمر المقوقس بنشر قرارات مجمع خلقيدون بين رهبان أديرة الفيوم وإذ سمع الأنبا صموئيل بذلك جمع الرهبان ، ووعظهم وطلب منهم أن يتفرقوا خارج الدير ويختفوا عدة أيام حتى يخلصهم الرب من اضطهاد المقوقس فأطاعوا نصيحته وأختفى هو أيضاً مع بعض تلاميذه ، في صباح اليوم التالي حضر جنود المقوقس لتمهيد الطريق لزيارته فلم يجدوا أحداً من الرهبان سوى البواب ، فأمسكوه وضربوه وعذبوه ليقر بسبب أختفاء الرهبان ، فأخبرهم بأن الأنبا صموئيل هو الذي نصحهم بالاختفاء ، فلما سمع المقوقس هذا الكلام أمر بالبحث عن الأنبا صموئيل وإحضاره إليه فلما وجدوه إقتادوه وهو مكتوف اليدين ومقيد بالحديد ، وكان وجهه يتلألأ بالنور السمائي وكان يقول لنفسه " لعلي في هذا اليوم أكون مستحقاً لسفك دمي على إسم المسيح " ، ولما وقف الأنبا صموئيل أمام المقوقس قال له المقوقس :" يا صموئيل ، أيها الناسك الشقي ، من ذا الذي أقامك مدبراً للدير حتى تعلم الرهبان أن يلعنوني ويحرمون مذهبي ؟...لقد غرك أن رهبانك يُجلونك ويمدحون زهدك ، ولهذا تجرأت وقويت بنفسك ، ولكني سأعرفك أثر سبابك للعظماء إذ سولت لك نفسك ألا تؤدي لي ما ينبغي عليك لتؤديه لرئيس الأساقفة وكبير جباة المال والمقدم على جميع مملكة مصر " 
فأجابه القديس قائلاً :" ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس وينبغي لنا أن نطيع رئيس أساقفتنا الأنبا بنيامين ، لا أن نطيعك وأيمانك الفاسد أيها المعاند وضد المسيح " . ولما سمع المقوقس هذا الكلام قال له : " سأعذبك حتى تتكلم جيداً لأنك لم تستح مني وأنا بطريرك ومقدم على كل مملكة مصر " .
ثم أمر الجند أن فضربوه على فمه وعذبوه عذاباً شديداً وأراد المقوقس أن يقتله لولا أن أراخنة الفيوم أستعطفوه وخلصوه من يديه ، فأمر المقوقس بطرد الأنبا صموئيل من الدير قائلاً :" انفوه عنا بعيداً لأنه لم يشترك معنا في إيماننا " وقال له " إن أنا رأيتك غداً في هذا المكان فإنك موتاً تموت " .
فرحل مع تلاميذه من جبل النقلون بعد أن امضى ثلاث سنوات ونصف ، ومضى جنوباً إلى أحد الجبال القريبة من جبل القلمون وهو جبل تاكيناش وقضى ستة شهور 
على الرغم من الآلام والعذابات التي قاساها الأنبا صموئيل فأنه كان يعزي تلاميذه ويواظب معهم على الصلاة والتسبيح والشكر لله ، وبينما كان الانبا صموئيل يصلي في أحد الأيام ظهر له ملاك الرب وقال له :" أخرج من هذا الموضع وأترك هنا تلاميذك وتعال إلى الموضع الذي أريه لك على الجبل " .
فترك تلاميذه وأمرهم أن لا يبحثوا عنه وعزاهم ووعدهم أن يعود إليهم ، وسار مع الملاك فأرشده إلى دير القلمون وهناك وجد كنيسة قد تغطت بالرمال لأنه لم يدخل فيها أحد منذ زمن طويل فأقام في ذلك المكان أياماً كثيرة وهو يجاهد فيها حتى نظفها ، ووجد بجوارها مساكن قليلة للرهبان الذين كان قد أرسلهم الأنبا أنطونيوس من قبل إلى هذه المنطقة وكانت أيضاً مغطاة بالرمال ، فنظفها جميعاً وكان يقتات من ثمار النخيل ويشرب من ينبوع ماء كان هناك .
الهجوم الأول للبربر على دير القلمون 
بعد أن أنتهى من تنظيفى الكنيسة ومساكن الرهبان بأيام قليلة ، هجم البربر على الكنيسة ولنا رآهم القديس رفع قلبه بالصلاة فسمع صوتاً يقول له :" لا تخف بل أدخل الكنيسة ولا تتكلم فأني لا أدعهم يرونك " ، ففعل كما قيل له ولكنه عندما رأي انتهاكهم للمقدسات أخذته الغيرة ونهض من مخبأه ووبخهم ، فأمسكوا به وضربوه ضرباً شديداً وعذبوه حتى أشرف على الموت ، ثم جروه إلى موضع جمالهم وأخذوه أسيراً ، وبينما هم سائرون به في الطريق ظهر له ملاك الرب قال له :" لماذا خالفت كلام الرب إذ قال لك أدخل الكنيسة ولا تتكلم ؟" فبكى بكاءاً مراً وقال :" بالحقيقة إنني أخطأت ، لكن أرجو من تحنن إلهي أن يغفر لي ويسامحني " ، وعندما قال هذا توقفت الناقة عن السير ، وضربوها فلم تتحرك من مكانها ، فحملوا القديس إلى ناقة أخرى فحدث لها كما للأولى ، وإذ رأى البربر ما حدث ألقوا به على الأرض وتركوه بين حي وميت .
تحامل القديس على نفسه حتى وصل إلى الدير بعد مسيرة أربعة أيام ، وعلى الرغم من شدة آلامه كان يشكر الله ويمجده بكل قلبه قائلاً " من سيفصلني عن محبة المسيح ؟ .. أشدة أم ضيق ... أم إضطهاد ... أم جوع ... أم عري ... أم عذاب ... أم سيف ؟ كما هو مكتوب إننا من أجلك نمات اليوم كله ، قد حسبنا مثل غنم للذبح ، أشكرك وأسبحك يا إلهي فأنت وحدك غايتي وقوتي ".
الهجوم الثاني للبربر على دير القلمون 
ثم هجمت على الدير جماعة أخرى من البربر المجتازين البرية فأمسكوا بالقديس وضربوه وربطوه وحملوه معهم وأخذوه إلى كورتهم وهناك باعوه لكبيرهم في نفس القرية التي بيع فيها الأنبا يؤنس قمص شيهيت ولكن في قبيلة أخرى ، وكان الأنبا يؤنس كان قد وقع في الأسر ثلاث مرات ، وكان الأسر الثالث سنة 631 م قبل قدوم المقوقس الوالي الخلقيدوني إلى برية شهيت بقليل ، لأنه عندما أحس الأنبا يؤنس بقرب قدوم البربر حمل أواني البيعة وأموالها المخصصة لعمارة الدير وخرج ليدفنها تحت الصخرة بقرب البحيرة الداخلية ولكنه فوجئ بالبربر فأخذوه أسيراً إلى بلادهم وبينما كانت المدة التي قضاها الأنبا صموئيل في الأسر قصيرة ، ( حوالي ثلاث سنوات ) نجد الفترة التي قضاها الأنبا يؤنس في الأسر كبيرة تمتد إلى حوالي عشر سنوات ، وقد تلاقى القديسين بعد أربع سنوات من أسر الأنبا يؤنس ( أي حوالي سنة 635 ) ، بينما كان الأنبا يؤنس يرعى الجمال دبرت العناية الإلهية أن يلتقي مع الأنبا صموئيل بينما كان هو يرعى الجمال أيضاً ، فتباركا من بعضهما البعض وجلسا يتحدثان بعظائم الله والشدائد التي أعانهم الرب يسوع المسيح على إحتمالها وشكرا الله شكراً جزيلاً لأنه جمعهما معاً في كورة واحدة ودبر لهما هذا اللقاء الذي كان سبب تعزية روحية كبيرة لكليهما ، وقد عرّف الأنبا يؤنس الأنبا صموئيل بكل ما حدث له من البربر وعرّفه عاداتهم ، ونصحه قائلاً :" يا أخي صموئيل إنتبه ولا تغفل لئلا يرغمك هؤلاء القوم على السجود للشمس معبودهم ، وأطلب معونة الرب يسوع المسيح ولا تسمع لهم ، فقد ضربوني ضرباً شديداً لهذا الغرض ولم أزعن لهم ، تقو يا أخي وتشدد بالرب فهو معين الملتجأين إليه في زمان الشدائد ".
رياح التجارب
ملأ الشيطان قلب الزعيم الذي بيع إليه القديس الأنبا صموئيل ، فكان يرهقه بأشغال شاقة ، وذات يوم أمره أن يسجد للشمس إله البربر ، فلما رفض إنهالوا عليه ضرباً وطرحوه على الأرض وأوثقوه وتركوه ملقى بين الجمال خمسة أيام بدون طعام أو شراب ، على أن هذه الآلام التي قاساها على يد البربري لم تزعزه عن الإيمان أو ترهبه ، فلما فكوا وثاقه أمضى القديس أسبوعين وهو راقد مطروح في الكوخ الذي يقطنه متألماً من أثر الجراحات الكثيرة التي أصابته فلما رأى إلهنا القدوس أمانته وصبره وشكره أرسل له ملاكه فشفاه وعزاه بكلام روحاني ، فإبتهجت نفس القديس وتعزى عزاء عظيماً ، وبترتيب من الله الرحيم المتحنن كان يجتمع الأنبا يؤنس مع الأنبا صموئيل أثناء رعاية الجمال ، وكانا يتحدثان بعظائم الله ويشددان ويشجعان بعضهما بعضاً .
ولما لم يُجدِ تعذيب الجسد مع القديس أرشد الشيطان الزعيم البربري إلى طريقة يُتعب بها القديس روحياً ، وذلك أنه أراد أن يزوجه من إحدى جواريه لكي ينجب له عبيداً آخرين ، لكنه رفض الزواج منها وقال للبربري :" أنا عبد سيدي يسوع المسيح إله السماء والأرض وقد نذرت أن أحيا بتولاً من أجل الله ولا أعرف إمرأة قط ، والأفضل لي أن أموت ولا أكسر نذري وأجحد أسكيم رهبنتي " فقال له البربري : لقد جلبت على نفسك حكم الموت ، ولن أعذبك ولكني سأتركك مربوطاً إلى شجرة السنط هذه حتى توافق على الزواج من الجارية أو تموت . وهكذا ربطه في الشجرة وتركه بلا أكل ولا شرب يتحمل برد الليل وحر النهار .
وإذ رأى الشيطان عدو كل بر القديس المجاهد الأنبا صموئيل شاكراً منتصراً على حيله حسده ، وظهر في شكل شيخ كبير غريب ونزل ضيفاً في بيت الزعيم وفي الصباح وقف يتفرس في شجرة السنط المربوط فيها القديس وقال مخاطباً مضيفه : لماذا أرى هذا العبد مربوطاً في الشجرة وقد أشرف على الموت ؟ 
أجابه البربري : إنه يعصى أوامري ولا يريد أن يتزوج من جاريتي ، فقال له الشيطان ناصحاً إياه : لماذا تتركه يموت وتخسر ثمنه ؟ إنني لما كنت صغيراً أشترى أبي راهباً مثل هذا وأراد أن يزوجه مثل ما صنعت فلم يستطع وعاقبه بأنواع عذابات كثيرة ولكن لم ينثن عن عزمه ، ولم يقوى عليه إلا عندما قّيد الراهب مع الجارية وأرسلهما لرعاية الجمال في الليل والنهار ، حتى حبلت الجارية وولدت ستة أولاد يخدمون في بيت أبي . ففرح الزعيم جداً بهذه النصيحة الشيطانية ، وأسرع إلى تنفيذها ، وربط القديس مع الجارية بقيد حديدي وتركهما مربوطين يرعيان الجمال نهاراً وليلاً ، وكانت الجارية قوية أما القديس فكان جسده واهناً متعباً من عظم الآلام التي قاساها فكانت تجره من مكان إلى آخر بلا شفقة وبلا حياء وكانت تغريه بوقاحة لكي ينفذ رغبة سيدها ، وكانت هذه التجربة من أقسى التجارب على قلب هذا المجاهد العظيم الذي نذر أن يحيا بتولاً للرب يسوع المسيح الذي أحبه بكل قلبه وكان القديس يرفع قلبه لله بالصلاة ويبكي بكاءاً مراً ويقول :" إسمع يا رب صلاتي وأنصت إلى تضرعي إسمع يا رب تنهدي وخلصني من هذه التجربة القاسية التي لا يقوى على إنقاذي منها سوى ذراعك القوية وقوتك العظيمة أصنع معي رحمة يا رب وخلصني " فأستجاب الله لصلاة قديسه المختار الأنبا صموئيل.

 الرب يكافئ القديس على أمانته
ولقد كان في المكان مقعد مولود من بطن أمه هكذا وآخر أخرس معه يسألان كلاهما صدقة ، فظهر لهما ملاك الرب في شكل إنسان وقال لهما : إمضيا إلى صموئيل المربوط مع الجارية وأطلبا منه أن يصلي من أجلكما ويمنحكما الشفاء .
ففرحا جداً وذهبا إلى القديس فشفاهما بقوة الرب يسوع المسيح ، وشاع خبر هذه المعجزة التي صنعها بين أهل تلك الكورة ، ثم أتت إليه إمرأة عجوز ومعها طفل ست سنوات ، أصابع يديه ملتصقة ببعضها وكان أبكم لا يتكلم منذ ولادته فصلى عليه القديس فشفاه الرب كما فكّ عقدة لسانه ، ثم شاء الآب السماوي أن ينحل الحديد من رجلي القديس وسقط على الأرض تلقائياً ، أما الجارية فخرست وأصابها مرض عضال أفقدها قوتها فخاف أهل القرية عندما رأوا هذه المعجزات المتوالية ، أما الزعيم الذي أشترى القديس فقد صار في خوف عظيم وأخذ القديس بإكرام إلى بيته وكان أهل القرية يقولون عن الأنبا صموئيل إنه رجل سمائي هبط إليهم من السماء .
إشتد المرض على الجارية وإنتابها وجع مؤلم ، وكانت تقول في نفسها ، إن كل ما أصابني هو بسبب الشر الذي فعلته مع الرجل صموئيل ، وفي أحد الأيام زادت آلام الجارية حتى أصبحت لا تُحتمل ، فذهبت إلى القديس الأنبا صموئيل متوجعة باكية وأمسكت بقدميه التي كان آثار جراح السلسلة التي ربط بها معها مازالت باقية بها وقبلتهما باكية متوسلة إليه أن  يشفيها فصلى على ماء ورشها به ، فنالت الشفاء بقوة الرب يسوع المسيح وبصلوات قديسه الأنبا صموئيل وحينما كان البربر يرون هذه المعجزات الباهرة تتم أمامهم كانوا ينظرون إلى القديس بكل إكرام وتوقير .
ثم مرضت زوجة زعيم البربر مرضاً شديداً وأمتلأ جسدها بالقروح وكانت تصيح إلى حد أن عبيدها كانوا يحملونها على سرير ويضعونها أمام إلههم الشمس لكي يشفيها ، ولكن جهودهم ضاعت عبثاً ، بلا فائدة ، وإذ طال عليها المرض طلبت إلى زوجها أن يستدعي صموئيل لعله يشفيها كما شفى المقعد والأخرس والجارية وكانت جموع كثيرة من البربر محيطة بزوجة زعيمهم المريضة ، ولما دخل الأنبا صموئيل إليها أمسكت بيده ووضعتها على رأسها فقال لها القديس :" ربي يسوع المسيح يشفيك من مرضك " فبرأت لوقتها .
وعندما رأى الزعيم زوجته وقد برئت من مرضها صرخ قائلاً : واحد هو الله إله رجل الله صموئيل . ثم قال له : أرجو أن تسامحني عن كل ما فعلته بك فعظيم حقاً هو إلهك وقادر على كل شئ .
وفي الوقت عينه كانت زوجة الزعيم عاقراً ، فطلبت إلى القديس أن يصلي من أجلها فقال القديس لزوجها :" أتؤمن بإلهي وأنه قادر على أن يعطيك نسلاً ؟ " 
فأجابه قائلاً : أؤمن أنك تقدر أن تصنع كل شئ بأسم الهك . فقال له القديس :" ربي وإلهي يسوع المسيح يعطيك كإيمانك " وعندها وعده الزعيم أن يعتقه إذا رُزق نسلاً ، وحبلت زوجة البربري بصلاة القديس الأنبا صموئيل ولما كملت أيامها ولدت ولداً ، وكان فرح عظيم في بيت الزعيم فضاعف في إكرام القديس وتوقيره ، بل إنه قبل وكل بيته وكل قبيلته سر العماد المقدس على يدي القديس الذي علمهم أيضاً حقائق الإيمان المستقيم ، بعد ذلك طلب القديس من الزعيم البربري أن يفي بوعده ويتركه ليعود إلى ديره .
إلا أن هذا الزعيم كان قد أصبح يحب رجل الله فأخذ يطلب إليه بالحاح أن يبقى معهم ، ولكنه في النهاية وافقه على طلبه ، وقبل عودته إلى ديره ذهب القديس الأنبا صموئيل إلى القديس الأنبا يؤنس وأقام عنده خمسة أسابيع ، وكان الأنبا صموئيل لا يشاء أن يتركه في تلك الكورة مع عبدة الأوثان ، على أن الأنبا  يؤنس قال له :" لا تؤجل عودتك إلى ديرك فأني لا أريد أن تبقى في هذا الموضع من أجلي وأنا أؤمن أن الله بصلاتك يعتقني ويخلصني أنا أيضاً " ، وكان وداعاً حاراً بين هذين القديسين ، وأنهمرت دموعهما لتعبر عن المحبة الروحانية العميقة التي كانت تربطهما في المسيح يسوع ربنا وقال له الأنبا يؤنس :" إمضي إلى مسكنك بسلام وأذكرني دائماً في صلواتك المقدسة فقد لا نرى بعضنا بعضاً في الجسد " فأجابه الأنبا صموئيل :" إن كنا لا ننظر بعضنا بعضاً بعين الجسد فإننا نرجو من الله أن نتلاقى مع بعضنا البعضَ في الملكوت بصحبة جميع القديسين " ، ثم صليا صلاة قلبية عميقة وقّبلا بعضهما بعضاً بقبلة المحبة الأخوية الروحية وإفترقا وقلباهما متألمان حزينان على مفارقة أحدهما لأخيه .
ثم مضى الأنبا صموئيل إلى الزعيم وطلب منه أن ينفذ وعده له بالعودة إلى ديره فأعطاه جملاً ليركب عليه وغلماناً لكي يرشدوه في طريق العودة إلى ديره الحبيب يحملون معهم الهدايا الوفيرة ، وقد أستغرقت الرحلة سبعة عشر يوماً حتى وصلوا منطقة واحة سيوة ثم تركه المرشدون ليكمل الطريق وحده إلى القلمون .

في دير القلمون
ما أن وصل القديس الأنبا صموئيل إلى ديره حتى دخل البيعة ورفع يديه إلى الله وصلى قائلاً : " أشكرك يا ربي وإلهي ومخلصي يسوع المسيح لأنك جعلتني أهلاً أن أدخل إلى هذا الموضع المقدس مرة أخرى . تباركك نفسي الضعيفة وتسبحك يا إلهي القدير ، يا من لم ترد وجهك عن صلاتي ولم تُبعد عني مراحمك " .
وبينما كان القديس يصلي ظهرت له السيدة العذراء مريم ببهاء عظيم ، وفي يدها قصبة ذهبية وحولها رجال ذو هيبة ووقار ، فأمسكت القصبة التي بيدها وحددت بها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وبعد ذلك رأى كرسياً عظيماً في وسط الموضع الذي قاسته العذراء القديسة مريم والدة الإله وسمعها تقول :" هذا المسكن أحل فيه لأني أحببت المقام مع أبني صموئيل من أجل طهارته وصبره ، وسأبقى معه ومع أولاده الروحانيين الذين فيهم خشية الله وطاعته إلى نهاية الدهر " ، ووعدته العذراء القديسة مريم بأن لا يعود البربر يغيرون على هذا الموضع كل أيام حياته . 
وعندها غمر القديس فرح روحاني عجيب وشملته سعادة لا توصف وأبتهجت نفسه بهذه الرؤيا ، ومضى الأنبا صموئيل إلى جبل تاكيناش حيث أوصى تلاميذه بالبقاء ولما علم رهبان دير النقلون بعودة الأنبا صموئيل مضى أربعة عشر راهباً منهم ومكثوا معه في القلمون وبعد ذلك بنى الأنبا صموئيل كنيسة على أسم السيدة العذراء مريم في المكان الذي حددته بالقصبة الذهبية .
وقد أعد الأنبا صموئيل كل شئ لبناء الكنيسة بمساعدة الأنبا يوساب أسقف الفيوم وساعدهم الرب في كل ما يحتاحون إليه وكان المسيحيون في جميع أنحاء مصر يرسلون لهم كل ما يحتاجونه لبناء الكنيسة ، وقد أرسل مينا رئيس أرخن من مدينة بلهيب (مسقط رأس القديس ) سفناً محملة بمواد البناء ثم بعد الأنتهاء من بناء الكنيسة عزم الأخوة على تكريسها على أسم الأنبا صموئيل ولكنه رفض وقال لهم :" لا ينبغي أن يكون هذا يا أولادي بل نكرسها على أسم السيدة العذراء القديسة مريم " ، وقد تنبأ الأنبا صموئيل بأنه بعد نياحته بأربعة أجيال يرسل الرب من يبني الكنيسة على أسمه بالدير ، حضر الأنبا يوساب أسقف الفيوم بفرح وعندما رأى الكنيسة قال :" حقاً إن هذا هو مكان المغفرة ، هذا مسكن الله وملائكته ، هذا هو المسكن الذي طهره الله وحل في وسطه " . ثم كرس الكنيسة ورسم لها قسوساً وشمامسة .
وذاع صيت قداسته وتكاثر عدد تلاميذه وجددوا الدير ، وإجتهدوا في عمارته ، وبدأوا يعتنون بعيون الماء والزراعة وشملتهم بركة عظيمة من قبل الرب ، وكان المؤمنون يأتون من كل مكان ملتمسين بركة المجاهد العظيم الأنبا صموئيل وكان المرضى اللذين بهم أرواح شريرة يأتون إليه أيضاً فينعم عليهم الرب بالشفاء بصلواته وطلباته وإتخذ القديس مغارة في الجبل شرقي الدير على مسافة ثلاثة أو أربعة كيلو مترات كان يختلي فيها للصلاة والتأمل 
معجزات القديس بعد عودته إلى ديره 
أقامة راهب من الموت
كان أخوان راهبان اسم أحدهم يؤنس والآخر أندراوس ، أرسلهما القديس الأنبا صموئيل للحصاد مع الأخوة فمرض أحدهما وهو أندراوس وكان الأخوة متألمين من أجل مرضه ؛ وعندما أرادوا أن يحملوه على الدابة إلى الدير لم يستطع الركوب من شدة الآلام فأرسلوا الراهب يؤنس مع أثنين منهم ليبلغوا الخبر للقديس فلما أعلموه بما كان ، أمرهم أن يذهبوا إليه ويقولوا له : " إن أباك يريد أن يراك فقم وأحضر بسرعة " . وما أن خرج الأخوة من عنده حتى بدأ القديس الأنبا صموئيل  يصلي بإجتهاد ويطلب إلى الله أن يشفي ولده الراهب أندراوس وفيما هو يصلي ظهرت له القديسة مريم وقالت له :" لماذا أنت متوجع القلب تصلي من أجل شفاء إبنك أندراوس وتطلب من الله أن تراه ها أنا أخبرك أنه قد تنيح ولكن الرب يسوع المسيح الإله القادر على كل شئ سيقيمه لك من الأموات ويأتي به إليك فتراه أنت وجميع الأخوة فيكون لكم في رؤيته عزاء ، وبعد ذلك يتنيح بسلام " .
في هذه الأثناء وصل يؤنس إلى أخيه فوجده قد تنيح فسجد إلى جانبه باكياً وقال له : إن أباك الأنبا صموئيل يقول لك قم وتعال معنا لأنه يريد أن يراك وهوذا قد وجدناك تنيحت فماذا نفعل الآن ؟! ، فللوقت قام أندراوس ومضى أمام الأخوة إلى الدير وكان الأنبا صموئيل قد جمع الأخوة إلى البيعة ، وعندما وصل الراهب أندراوس إليهم سلم على أبيه وأخوته الرهبان وخاطبهم قائلاً :" إني قد أُخذت إلى الفردوس . رأيت نفوس الشهداء والقديسين في راحة وسعادة عظيمة لا يعبر عنها فرحين ومتهللين بالرجاء الأكيد في الملكوت الأبدي السمائي الدائم إلى الأبد ، ولقد قال لي هؤلاء القديسين هذا مسكن الأنبا صموئيل وأولاده الذين فيهم خشية الله وطاعته ". ثم أسلم روحه الطاهرة ، فخر الأنبا صموئيل على وجهه باكياً وقال لهم يا أولادي الأحباء طوبى للأموات اللذين يموتون في الرب منذ الآن نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم ( رو 14 : 13 ) . " طوباك أنت يا أبني فقد فزت .. جاهدت وتكللت " ، ثم جمع الأنبا صموئيل الأخوة فصلوا جميعاً عليه ودفنوه كعادة الرهبان .
كشف خطايا مستترة 
كان قائد من مدينة البهنسا مستمراً في الخطية ولما سمع بصيت القديس الأنبا صموئيل أراد أن يراه فلما تقدم الى القديس إنتهره بشدة على الخطايا التي كان يرتكبها ولم يعترف بها فأنتابه خوف عظيم وإنطرح عند قدميه تائباً معترفاً بخطيئته وقال أنني لن أعود أرتكب هذه الخطايا مرة أخرى .
شفاء أسقف القيس
سمع الأنبا أغريغوريوس اسقف القيس ( بني مزار محافظة المنيا) وأنبا يعقوب تلميذه وأهل مدينته بفضائل القديس الأنبا صموئيل فذهبوا إليه وكان الأسقف مريضاً وما إلتقى بالقديس حتى زال عنه المرض وقد كلمهم القديس الأنبا صموئيل بكلام روحاني وأعطاهم نصائح كثيرة وأخبرهم بما سيحل بالمسيحيين في أواخر الأيام من متاعب ومظالم من أجل الخطايا التي يصنعونها حتى أن الأنبا أغريغوريوس بكى بكاءاً مراً على المزمع أن يحل بالمسيحيين في ذلك الزمان وبعد أن عاد إلى بلدته أرسل عطايا كثيرة للدير .
أخراج الأرواح النجسة 
كان أخ به روح نجس وكان يصرعه ليلاً ونهاراً فأحضروه للقديس أنبا صموئيل ليصلي من أجله فقال له القديس ألم تسمع قول الرب إن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم ؟ فلماذا رفضت هذا الكلام ؟ ثم قال له تحفظ منذ الآن وداوم على الصلاةوالصوم ، والرب يسوع يمنحك الشفاء ، فسمع لنصيحة القديس وفي تمام ثلاثة أيام أعطاه الرب يسوع نعمة الشفاء .
وكان الرب يشفي بصلاة القديس كل من إعتراه روح نجس .
إنقاذ أخ من فخ إبليس.
مضى أحد الأخوة إلى إحدى القرى في مهمة للدير وكان في تلك القرية أمرأة شريرة فتكلمت معه بمكر وقالت له : أصنع محبة وتعالى إلى منزلي لتصلي من أجل زوجي المريض ولأعطيك آنية للدير .
فتبعها الأخ المحب لله فمضت إلى منزلها وأغلق الباب وبدأت تصوب نحوه سهامها الرديئة فصرخ من كل قلبه وقال : " يا إله أبي القديس الأنبا صموئيل أعني ولا تدع جهاد رهبنتي يضيع اليوم " ، وللحال أصاب المرأة شبه ذهول وخلص بمعونة الرب ومضى إلى ديره شاكراً الله الصانع العجائب الممجد في قديسيه .
لقائه مع الأنبا موسى السائح 
ولد القديس الأنبا موسى السائح في نواحي الأسكندرية فلما بلغ الثالثة عشرة من عمره مضى إلى برية الأسقيط وسكن في قلاية صغيرة وتعلم الفضيلة فلما بلغ العشرين من عمره دخل البرية الجوانية وعاش فيها خمسة وثلاثين لا يرى وجه إنسان وكان يقتات من الأعشاب الجبلية وكان الله يجعل مرارتها حلوة في حلقه وكان يلبس ثياباً يصنعها من ليف النخيل ويشرب مياه الأمطار التي تتجمع في كهوف الجبال والأودية وكان يتآنس بالوحوش ، ظهر له الشيطان في هيئة شيخ وقاده من خدعة إلى خدعة حتى أخرجه من البرية وأتى به ضيعة بالقرب من مدينة الأسكندرية وقاده من خطية إلى خطية ، أعاده الشيطان ثانية إلى مكان مقفر في البرية وتركه الشيطان في هذا المكان بعد أن أظهر له أنه هو الذي خدعه وأسقطه في هذه الخطايا مريداً بذلك أن يلقيه في هوة اليأس .
عاد القديس إلى نفسه وبكى على خطاياه تائباً ومتضرعاً إلى الله أن يقبله ويغفر له آثامه وإذ رأى الله توبته القلبية الصادقة أرسل له ملاكاً عزاه وقال له بعد ثلاثة أيام تتنيح وأنا أرسل لك عبدي صموئيل .
إلتقى القديس الأنبا موسى مع الأنبا صموئيل المعترف وأعترف عليه بكل خطاياه ثم ذهبا إلى كنيسة يصلي فيها الأباء السواح وصلى الأنبا صموئيل القداس الإلهي وناوله من الأسرار المقدسة   
كانت إلى جوار الكنيسة مقبرة للأباء القديسين فدخل إليها الأنبا موسى ليتبارك منهم وسجد وبعد مدة دخل الأنبا صموئيل إليه فوجده قد تنيح فصلى عليه وتبارك منه وكتب سيرته المباركة .
محاربات الشياطين له في أيامه الأخيرة 
أشتد المرض على القديس قرب نياحته حتى أصبح لا يستطيع الخروج فأجتمعت جماعة من الشياطين وأتوا إلى مغارته وكانوا يصرخون حوله قائلين : هلموا ننتقم الآن منه لأنه وقع في أيدينا . لقد تركه إلهه وليس من يعينه ؛ وتقدموا إليه وبأيديهم سيوف مسلولة ، وكانوا يقولون بعضهم لبعض هلموا ندخل إليه ونقتله ، وجماعة أخرى منهم كانت تقول : لا بل نتركه ليموت وحده . وكان القديس يرفع قلبه إلى الرب يسوع المسيح الذي أحبه بكل قلبه وبكل قدرته ويقول : " إليك يا رب رفعت نفسي إلهي عليك توكلت فلا أخزى . ولا يقترب إلي الشر . لا تفرح بي أعدائي لأن جميع الذين يتكلون عليك يخزون " وكانت الشياطين تصير كالدخان أمام هذه الصلاة العميقة ، وأعطاه الرب قوة فأستطاع السير ونهض وخرج من مغارته قاصداً الدير .
وإذا بالشيطان يظهر له على شكل دب مخيف يُخرج من أنفه ناراً ، وتقدم نحوه وكان منظره مفزعاً جداً ، فصلى القديس قائلاً :" أمل يا رب أذنك وأسمعني فإني مسكين وبائس أنا ، أحفظ نفسي لأني ضعيف يا إلهي ، خلص عبدك المتكل عليك أرحمني يا رب فإني إليك صرخت اليوم كله " ( مز 85 ) , وبينما كان القديس يصلي صار الشيطان مثل الدخان وأختفى .
نياحة القديس 
بينما كان القديس يصلي ظهر له ملاك الرب وأعطاه السلام وقال له :" بعد ثمانية أيام ينجيك الرب من سائر أتعابك وتنال جزائك ، وتجد نصيباً مع جميع القديسين " ، وأعطى الرب للأنبا صموئيل قوة عظيمة فلم تنقص قوته على السير أو الوقوف أمام الله ، ولم تتغير ذاكرته بل كان كلامه بقوة ، وكان مواظباً على الصلاة والصوم بإجتهاد ، ولم يكن يدع أحد يخدمه ولا حتى يسقيه ماء ، ولم يكن أحد يسبقه إلى البيعة جميع أيام حياته .
ثم شعر الأنبا صموئيل بحمى شديدة في جسده وكان يشكر الله وينتظر الوقت المعين لإنتقاله وأجتمع حوله الأخوة وطلبوا إليه أن يزودهم بنصائحه الروحانية وقبل نياحته نهض بإجتهاد ومكث الليل كله يكلمهم بكلام روحاني ، فأيقظ قلوبهم وشجعهم على النمو في محبة الله ومحبة الأخوة والصلاة والإتضاع أمام الله بمحبة روحانية والنسك بإفراز وسائر الفضائل المسيحية ، ولما فرغ من وصية أولاده عيّن لهم تلميذه أبوللو أباً روحياً ورئيساً للدير خلفاً له ، ولما كان الثامن من شهر كيهك خُطف عقله إلى السماء فأخذ يتكلم بكلمات روحانية . وكان الأب أبوللو وجميع الأخوة حوله باكين فقال لهم :" لماذا تبكون يا أولادي إني ماضٍ إلى الرب " ، وسأله إبنه أبوللو لماذا ظللت شاخصاً هذا الوقت ولم تكلمنا ؟ ، فقال لهم رأيت القديسة مريم وجمعاً كبيراً بملابس بيضاء فأبتهج قلبي وبقيت شاخصاً إليهم ؛ وأشرق وجهه بضياء عظيم مبتهجاً وفاح منه طيب كثير ثم أسلم القديس العظيم والمعترف الجليل والقوي المجاهد الأنبا صموئيل روحه الطاهرة بيد الرب الذي أحبه وصبر على الأتعاب والآلام حتى الموت بفرح من أجله وكان عمره ستة وتسعين عاماً عاش منها أربعة وسبعين عاماً راهباً مجاهداً .

وبعد أن تنيح الأنبا صموئيل دخلوا به إلى البيعة يقبلونه واحداً واحداً ، وكان مرتل الدير راهباً كفيفاً من مدينة البهنسا أسمه خريستوفوروس وكان الأنبا صموئيل يحبه لنشاطه وفضائله الكثيرة وكان له في الدير أربعة عشر سنة مشهوداً له من جميع الأخوة بالقداسة والفضل ، فإقتادوه الأخوة ليتبارك من جسد القديس أبينا الأنبا صموئيل ويقبله ، ولإيمانه بقداسة أبيه الأنبا صموئيل أمسك بيده ووضعها على عينه فأبصر لوقته ، فسبح الأخوة الله وشكروه ومجدوا أسمه العظيم القدوس .

أقرأ أيضاً  سيرة ‏الأنبا ‏شنودة ‏رئيس ‏المتوحدين

.

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu