تمام إيريني 

قصت تماف إيريني أنها ذات ليلة رأت في حلم أمنا مرتا قد أتت إليها في قلايتها فلما رأتها تماف قالت لها مندهشة ومأخوذة بمنظرها
- أمنا مرتا !!!
- أحسست بكِ تتوقين إلى رؤيتي فأتيت إليكِ 
- أنتِ حقاً وحشتيني يا أمنا . ( كانت أمنا مرتا من بنجة مركز طهطا محافظة سوهاج ، وقد التحقت بالدير عام 1932 م وترهبت عام 1939 م على يد القمص غبريال المحرقي وتنيحت عام 1982 م ) .
وتستطرد تماف إيريني وتقول لما رأيت أمنا مرتا في الحلم هكذا استيقظت من نومي وأوقدت نور قلايتي ، فإذ بي أراها كما رأيتها في الحلم وكانت ترتدي ثياب بيضاء وبدت لي كما لو كانت في الثلاثين من عمرها - مع أنها كانت طاعنة في السن حين رقدت في الرب - ورشمت ذاتها بعلامة الصليب فرشمتُ أنا أيضاً ذاتي بعلامة الصليب أيضاً ، ولبثنا معاً حوالي ساعتين خلالها دار بيننا حديثاً ابتدأته أنا بسؤالي إليها .
- احكي لي عن السماء ... كيف تقضون أوقاتكم هناك ؟ ... أنا أود أن أعرف منكِ عن السماء ما لا أعرفه ... أنتم تقولون أنكم في حالة تسبيح وصلاة دائمة .
قالت تماف إيريني هذا والتزمت الصمت منتظرة أمنا مرتا أن تجيبها عما سألتها ، أما أمنا مرتا فلأنها قد أُرسلت إليها من السماء لتعطيها سؤل قلبها أجابتها قائلة : - نحن نقضي الوقت في التسبيح والترتيل ، ثم نقوم بزيارة القديسين ... فذات مرة نزور السيدة العذراء القديسة مريم ، وأخرى نزور الشهيدة دميانة ، ونقوم بالخدمة أيضاً .        (عاشق الوطن )
هل تخدمون في السماء ؟! ... هل هناك خدمة ؟!.
- نعم نحن نخدم ... وأنا لما أتيتُ إليكِ الآن ، لأجالسك وأجيبك عما ستسألينني ، هذه خدمة ، وحينما تطلبي من أي شهيد يصلي لأجلك ، وهو يطلب من ربنا يسوع المسيح لأجلك حسبما طلبت منه ، وقتئذ يستجيب ربنا له ويكلفه بأن يحقق لك ما سألتِ إياه ... هذه خدمة أيضاً .
استأنفت تماف إيريني حديثها إلى أمنا مرتا وقالت لها .
- حدثيني عن المكان الذي أنتِ فيه في الفردوس .
- أنا في مكان يتناسب وجهادي الذي جاهدته على الأرض وليس بحلو وليس برديء ، إلا أنه مُفرح لي وأنا أشكر ربنا لأجله .
- ما الذي جعلك تحصلين على هذا المكان ؟ .
- ثلاثة أمور هامة أولها : ما كان في يدي حين كنتُ في الجسد ما كان لي ومع أنني كنت آخذ أشياء كثيرة إلا أنني كنتُ أقوم بتوزيعها ، وثاني هذه الأمور : أنني كنتُ أسعى للسلام دائماً ولم أكن أصل بحديث سيء تحدثت به أحداهن عن أخرى كي لا أُحدث غضباً بين احديهن وأخرى . وثالثهما : حينما كنت أغضب من أحد ويأتي إليَّ بكلمة صغيرة ليراضيني بها كنتُ أنسى كل شيء وأصير في سلام معه ، وإن حدث وغضبتُ من أحد وعلمتُ أنه وقع في ضيقة ما كنتُ أنسى كل ما أغضبني به ، وأسرع إلى مساعدته على قد استطاعتي حتى يخرج من ضيقته هذه .(عاشق الوطن )
وما أن انتهت أمنا مرتا من حديثها حول الثلاثة الأمور ، حتى استطردت تماف إيريني وقالت لها :
- هذه قمة المحبة ولكن لماذا لم ينعم اللَّه عليكِ بمكان أفضل مما أنت فيه هناك ؟ .
- لأنني كنتُ أهتم بأمور الدير وقتما أكون في حالة روحية حسنة أما إذا انتابني ضيق ، ما كنتُ أكترث بالدير ولا أهتم به ، ولما أنتقلتُ إلى السماء أدركتُ أن تصرفي الأخير هذا كان يحمل عدم أمانة مني تجاه الدير ، ولأجل هذا حاسبني ربنا يسوع المسيح عليها ، فضلاً عن هذا أنتِ تعرفين عني أنني كنتُ أنتهر بشدة الراهبات اللواتي يقصدنني في شيء ما أو للمعاتبة .
أضف إلى هذا أيضاً أنني طالما كنتُ أضحك وأصرف الوقت فيما لا ينفع ، مع أنه كان الأجدر بي أن أصلي وأعمل أكثر ، على أي الأحوال أنا فرحة مع أني نادمة لكوني لم أسلك بكل وصايا الأنجيل في كل أمور حياتي ، ولو كنتُ قد جاهدت أكثر لذهبت لمكان أفضل مما أنا فيه الآن .
لبثت تماف إيريني تُنصت إلى أمنا مرتا حتى أنتهت من حديثها هذا وسألتها : 
- ماذا يعني ندمك هذا يا أمنا ؟
- أعني أنني حينما أرى القديسين الذين جاهدوا على الأرض ونالوا مجداً أكثر ومكاناً أفضل أُحدث نفسي قائلة : ليتني جاهدتُ أكثر نظير أولئك القديسين ، حقاً أنا راضية وشاكرة وفرحة وهذا حال كل من في السماء إلى أنني نادمة على تقصيري ، فلو كنتُ قد إلتزمت بكل وصية أتى بها الأنجيل لصرتُ في مجد أعظم ، ولكنني على أي حال أشكر ربنا يسوع المسيح لأنني أراه وأرى القديسين أيضاً وهذا يُعزيني ويزيدني فرحاً وشكراً لأسمه القدوس .             (عاشق الوطن )
بعدما قالت أمنا مرتا هذا استرسلت في الحديث وقالت لتماف إيريني : 
- ليتكِ تقولين لكل الراهبات وأحبائك أيضاً ما قلته لكِ وتوصيهم أن يلتزموا بكل وصية في الأنجيل وأوصيهم أيضاً أن يجاهدوا بكل طاقتهم ، وهم متى جاهدوا أكثر سيأخذون أكثر . وصلوا دائماً لأنكم في زمن صعب ، وأعلموا أن الكبرياء والإعتداد بالذات أمران طالما يُغضبان اللَّه من جهتنا ، وذلك لأن الذات تعوق عمل المحبة وتضع حائلاً بين اللَّه والإنسان ، خاصةً حينما يعمل - الإنسان- وهو متكلٌ على ذاته فقط دون أن يترك مجالاً للرب يسوع أن يتصرف بحسب مشيئته ، لذلك ليت كل إنسان قبلما يُقدِم على شيء يصلي ويقول : أعطني يا رب نعمة .... أعطني حكمة وإفرازاً ، وليثق كل إنسان أنه متى صلى هكذا بقلب صادق سيجد الرب يسوع يُسرع في إرشاده نحو الطريق الصحيح والتصرف الأمثل حيث أنه ترك ذاته بجملتها للَّه .
هنا سألت تماف إيريني أمنا مرتا قائلة : 
- ما هو الأمر الهام الذي تنصحينا به ؟ 
- المحبة .... وأن يكون الجميع قلباً واحداً تجاه بعضهم البعض ، وأن يحرص كل أحد أن يجعل من نفسه قدوة صالحة للآخرين ... وأعلمي أن كل راهبة تتعب في عمل الدير فهي تُمجد ربنا يسوع المسيح بعملها هذا ، وأيضاً تمجد شهيده حيث أن اللَّه يحسب للإنسان عمله الذي يعمله بجد وصدق مجداً له .
واسترسلت أمنا مرتا في حديثها إلى تماف إيريني واتخذت مثلاً لحديثها فقالت :   (عاشق الوطن )
- أنت مثلاً يا تماف تتعبين طوال اليوم في الخدمة ، وحينما تصعدين إلى قلايتك وتأخذين في الصلاة إلى اللَّه ، فهو يعزيكِ ويملأك سلاماً ، وتشعرين كما لو كنتِ صليتيِ شهراً وذلك لأنك خدمتِ بقلبك ، لأجل هذا لابد لكل إنسان أن يعمل كل عمل لأجل ربنا وأن لا يصرف وقته فيما لا ينفع . ويثق أن اللَّه سيبارك له في الوقت وسيعزيه في الصلاة ، ويحرص كل إنسان أن يكون حديثه بَنّاء ويُروض ذاته على أن يُصلي مزموراً أو صلاة يسوع ( يا ربي يسوع المسيح إبن الله إرحمني أنا عبدك الخاطئ ) وهو يعمل ، وليعلم كل إنسان يشفق على نفسه أن اللَّه وقديسيه أيضاً لن يشفقوا عليه ، وأن تكون الطاعة للَّه في الأمور الروحية والمادية أيضاً وأعلموا أنكم تعملون في بيت الرب ولأجله أيضاً .

الأم إيريني والبابا كيرلس السادس 


أضافت أمنا مرتا في ظهورها لتماف إيريني وقالت لها : - لابد لكم أن تزيدوا السيدة العذراء القديسة مريم مجداً أكثر لأنكم لا تستطيعون أن تتخيلوا مدى مجدها في السماء ونحن في السماء نمجدها دائماً ، لأنها دائماً تتشفع من أجل العالم ودائمة الطلبة لدى إبنها وإلهها لأجل البشر جميعاً ، وكلما أراد الرب يسوع المسيح أن يُمد يده على مدينة أو قرية تكون قد أغضبته بأعمالها الشريرة ، تُسرع وتتشفع وتقول للرب : أرجوك يا إلهي أرفع غضبك ... أرجع لأجل خاطري لديكَ ومن أجل محبة البشر .
لما انتهت أمنا مرتا من حديثها المُطول هذا سألتها تماف إيريني قائلة :        (عاشق الوطن )
- حسناً قلتِ يا أمنا ، ولكن هل تعرفون أنتم الذين في السماء أخبارنا نحن الذين نحيا على الأرض .
- نحن نعرف كافة أخباركم ، وخاصةً لو إنسان منكم سيتنيح ، ويقولون لنا في السماء سيأتي فلان إلى ههنا ، فنعرف جميعاً بنياحته قبلكم جميعاً .
عادت تماف إيريني وسألت أمنا مرتا : 
- هل هذا يعني أنكم تعرفون أخبارنا ؟ .
- لو كان لديكم أمر هام فنحن جميعاً نعرفه في السماء.
 ثم اخبرت أمنا مرتا تماف إيريني بخبر هام ، كان على سبيل المثال لما أوضحته لها ، حيث قالت لها : 
- كامل شقيقي سيأتي عندنا ، قولي له أن يعترف ويتناول من جسد الرب ودمه .
هنا قالت لها تماف إيريني :
- أفهم من هذا أنكم تتناولون أطراف الحديث مثلنا . 
-كما في السماء كذلك على الأرض .
قالت أمنا مرتا مقولتها هذه وأردفت تقول : 
- لماذا لم تعملي لي قداساً لأجلي ؟.
- ماذا تنتفعين منه ؟           (عاشق الوطن )
- أنا لن أستفيد لأن كل منا قد أخذ بحسب عمله ، لكنني حينما أشعر بتذكاركم لي وصلواتكم لأجلي ، أحضر في وسطكم في الصلاة وهذا أمر يُفرحني ، وأنا أحب أن أكون في وسطكم وأراكم ، وكما أصلي لأجلكم أحب أن أشعر أنكم لازلتم تذكرونني وتصلون من أجلي .
وفيما كانت أمنا مرتا تتحدث إلى تماف إيريني أتى ملاك نوراني ذو وجه جميل وكان مبتسماً ، إلا أن وجهه وجسده كانا لطفل وكان هذا الملاك يرفرف بجناحيه حتى وصل إليهم وملأ المكان كله بالفرح والسلام ، فرشمت تماف إيريني ذاتها بعلامة الصليب وقالت لضيفتها السماوية : 
- باسم الآب والأبن والروح القدس ... هذا ملاك يا أمنا مرتا ، لعلّه قد أتى ليصطحبك معه إلى السماء ! .
أما أمنا مرتا فقد صححت لتماف إيريني ما رأته قائلة : 
- لا  . . . هذا ليس ملاكاً إنه شقيقك " جورج " الذي تنيح وهو لم يكن قد تجاوز عامين ، فالأطفال المعمدون حينما يتنيحون يصعدون إلى السماء ويأخذون صورة الملائكة ، وكل أسرة قد انتقل منها طفل يُعدّ في السماء ملاكاً يشفع عن الأسرة كلها .
ولما علمت تماف إيريني هذا من أمنا مرتا بدأت تُرحب بروح أخيها وتقول له :          (عاشق الوطن )
- أهلاً يا حبيبي . . . تكيف تكون ؟ . .  
أما هو فكان يبتسم دون أن يجيبها بكلمة ، ثم رفرف بجناحيه وطار نحو السماء وللوقت قامت أمنا مرتا وارتفعت نحو السماء هي أيضاً .
وهكذا اختتمت تماف إيريني حديثها حول هذه الرؤيا السمائية .