كاتب هذه المقال نيافة العلامة الكبير الأنبا لوكاس مطران كرسي منفلوط الأسبق .
ولد عام 1900 من أسرة عريقة متدينة ، حصل على شهادة البكالوريا عام 1916 ، وفي نفس السنة إلتحق بدير المحرق ، رُسم مطراناً عام 1930 على كرسي منفلوط وأبنوب ، أجاد اللغات القبطية واليونانية والإنجليزية والفرنسية
ظهورها
أما ما جاء في سنكسار 16 مسرى حول أن التلاميذ رأوها في الجسد ، فالقصد منه " مجرد الرؤيا في المظهر الجسدي المألوف " ذلك لأن الروح نفسها لا يمكننا مشاهدتها بأعيننا الحسية ، ولكن الله تعالى يسمح بظهور شهدائه وقديسيه " في هيئتهم الجسدية " ولكن " ليس في أجسادهم بالذات " التي كانت لهم قبل الإستشهاد أو النياح .
فمار جرجس مثلاً يظهر لناظريه فارساً كما كان قبل الإستشهاد ، مع أن الواقع في الرؤيا التي يشاهدها الناظرون ليس هناك فرس بالذات ولا جسد بالذات ولا حربة بالذات لمار جرجس ، بل هي الرؤيا التي تسمح عناية الله بها للشهداء والقديسين بأن يتراءوا فيها ظهوراً حسياً ، لإمكان الأعين الحسية التأثر بالمشاهدة ، حتى أن الملائكة نفسها - وهي بطبيعتها أرواح لا أجساد لها - عند ظهورها تتراءى في هيئة جسدية مألوفة للبشر .
وهناك ظاهرة رائعة سجلتها الكتب المقدسة عن ظهور إلهنا له المجد " ... ظهر الرب لإبرام ..." ( تك 17 :1-2 ) 1 وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً، 2 فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأُكَثِّرَكَ كَثِيرًا جِدًّا».
( تك : 18 : 1-3) وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ النَّهَارِ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا ثَلاَثَةُ رِجَال وَاقِفُونَ لَدَيْهِ. فَلَمَّا نَظَرَ رَكَضَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ، وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَلاَ تَتَجَاوَزْ عَبْدَكَ.
مع أن إلهنا لم يكن قد تجسد بعد ، وقد جاء في سفر الخروج ( خر 24 : 9 - 11 ) ثُمَّ صَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو وَسَبْعُونَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ، وَرَأَوْا إِلهَ إِسْرَائِيلَ، وَتَحْتَ رِجْلَيْهِ شِبْهُ صَنْعَةٍ مِنَ الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ الشَّفَّافِ، وَكَذَاتِ السَّمَاءِ فِي النَّقَاوَةِ. وَلكِنَّهُ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى أَشْرَافِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَرَأَوْا اللهَ وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا.
ولم يكن إلهنا تجسد بعد ، وجاء في ( دا 7 : 13 - 14 ) «كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ. مع أن الإنسان ( مت 11 :19) فادينا الحبيب ( أش 47 : 4 ، 1بط 1 : 18 ، 1يو 4 : 19 ) في وقت دانيال لم يكن قد تجسد بعد ، ولكن أقتضت حكمته له المجد أن يكون ظهوره بالهيئة الجسدية المألوفة للبشر لتمكينهم من المشاهدة الرمزية ، وفي هذا يقول الرسول الإنجيلي (يو 1: 18) اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ.
فبعد أن خبرنا له المجد بالرؤى والمشاهدات الرمزية خبرنا أخيراً بشخصه الإلهي المتجسد ( عب 1 : 1 - 4) " ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله إبنه مولوداً من إمرأة ...( غل 4 : 4 ) " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد .
فالسيدة العذراء عند ظهورها للرسل لم يكن ذلك في جسدها الطاهر الذي رقد في الرب وأصعده الله من القبر وأودعه حجب الغيب ليظل هناك راقداً إلى أن يستقيظ عند البوق الأخير في القيامة العامة ( 1كو 15 : 52 ، 1تس 4 : 15 - 16 ) ، أنما ظهورها - لا للرسل فقط بل حتى الآن وسيظل ظهورها للموعودين بذلك من قبل الرب - في هيئتها الجسدية المألوفة ، لكي تتمكن الأعين الحسية من التأثر بالمشاهدة المحسوسة ، سواء أكان ذلك في الرؤى أو الأحلام ، بحسب ما تقتضيه إرادة الرب صانع العجائب في قديسيه ( مز 77 : 14 ، مت 17 : 3 ) .
0 تعليقات