Ad Code

رؤية ملحد صربى سابق عن السماء والجحيم والقيامة


إن الإختبار الذى بين يديك هو لشخص إسمه دوسان يوفانوفيتش صربى كان ملحداً ولكن لنقاوة قلبه سمح له الرب ان يرى السماء والجحيم وقد تغيرت حياته بعد هذا الإختبار ، كان دوسان مريض حرب وكان ذاهب الى مدينة غير التى يقطن بها للعلاج وفى الطريق أكمل عملاً يدل على محبة غير عادية ، لأنه كان عادلاً شفوقاً ، مما جعله يكافأ برؤية للسماء والجحيم وكان قد أخبر تجربته لشخص قام بترجمة الأختبار من اللغة الصربية الى اللغة الإنجيليزية وقد تُرجم الى العربية بعد ذلك .
سأكتب الإختبار كما هو حتى لا أقف عائقا أمام ما يريد الرب أن يقوله على لسان صاحب الإختبار
الإختبار 
سأحاول بقدر ألمستطاع ، أن أجعل روايتى عن الخبرة التى إجتزتها فى ١١ يوليو ١٩٢٦ م كاملة ، وذلك عندما كان عمرى ٤٨ سنة ، وكنتيجة لهذا الإختبار تغيرت حياتى تغييراً كاملاً .              (عاشق الوطن )
كنت أذهب كمريض مصاب فى الحرب ، كل سنة إلى أحد مستشفيات المياه المعدنية للعلاج ، وقد إخترت فى هذه السنة ، ينبوع المياه المعدنية فى المنطقة التى تسمى ، "ماتاروسكا بانيا" ، للعلاج فى الفترة من أخر شهر يونيو حتى منتصف شهر يوليو ، حيث كنت أقيم فى فندق زيشا .
وبعد عشرة أيام من العلاج ، كان على أن أنقطع عن العلاج لأعود الى مدينة كراجوبفاك لأجل حضور الذكرى السنوية الأولى لرحيل أحد الأقارب ، فسافرت يوم ٩ يوليو لحضور أحتفال الذكرى ، وفى يوم ١١ يوليو نحو الساعة العاشرة صباحاً ، بدأت سفرى مرة أخرى فى طريق العودة إلى "بانيا" بعربتى لإستئناف العلاج  ولما وصلت الى الكوبرى الذى على نهر "ايبار" فى "كراليفو" توقف المرور بسبب حادث بجوار محطة البنزين التالية على الطريق المؤدى الى دير زيشا ( أُسس سنة ١٢١٩ وكان كرسى أول رئيس أساقفة صربى ) وكان شرطى المرور يسمح بحركة بطيئة للمرور حول موقع الحادث ، وبعد أن عبرت الكوبرى اتخذت الممر الأيمن فى الطريق الذى يؤدى إلى "زيشا" . وعلى بعد عشرة أمتار من الكوبرى توجد محطة أتوبيس للمسافرين إلى "زيشا" والى "ماتروسكا بانيا" وكان هناك حوالى عشرين شخصاً منتظرين الأتوبيس ، وكان بينهم راهب وراهبة مثيران للإنتباه بسبب مظهرهما المبهج.
فى هذه البقعة بالذات ، كانت الأرض لها تل منحدر بلطف ، مما كون أمامى منظراً حسناً لما يحدث هناك .
ولما تقدمت بالعربة ببطء ، نظرت إلى الراهب الذى بدا متوسط الطول ، عمره حوال  سبعين سنة ، له لحية بيضاء مجعدة ، ولكن ليونة حركاته جعلته أكثر إحتمالاً ان يكون فى الخمسين من عمره فقط وكان يرتدى "فاراجية" جديدة سوداء ، وغطاء على رأسه ، وشالاً اسوداً يتدلى على ظهره ، ومعلق على صدره صليب لامع بسلسة أو حبل ، وتحمل سلسلة أخرى شيئاً مثل ميدالية أو أيقونة صغيرة بها صورة تشبه والدة الإله حاملة طفلاً .                        (عاشق الوطن )
والراهبة التى كانت واقفة بجواره ،كانت ترتدى ثوباً طويلاً أسود ، وعلى رأسها نفس غطاء الرأس مع إختلاف واحد هو ان الطرحة كانت تصل إلى كتفيها فحسب ، طولها متوسط ، وعيناها كبيرتان مستديرتان ، ومنظرها جميل جداً ، وكانت تلبس حول عنقها هى ايضاً صليباً لامعاً وميدالية ( أو أيقونة مماثلة للراهب ) وكل هذه الأشياء كانت براقة تعكس ضوء الشمس ، وانا حينئذ لم أكن أفرق بين الرتب الرهبانية ، لذلك فإن وصفى هذا يعتبر ناقصاً .
حاول الراهبان إيقاف أية سيارة بإشارة من يديهما أثناء التدفق البطئ للسيارات ، ولكن بلا طائل ، لم يرغب أى واحد أن يتوقف لهما ، رغم أن عربات كثيرة كانت لديها مكانان أو أكثر للمسافرين ، وقد أدنت فى قلبى هؤلاء السائقين ، الذين لم يتوقفوا لهما ، فقلت فى نفسى : لماذا ؟! أليس الرهبان هم بشر مثلنا ؟! فلماذا يشيح كل منهم بوجهه عنهما ؟! إن هذا النفور الشائع من الرهبان ، شعرت أنه أكثر من أن يُحتمل .
وهكذا قررت عندما اقترب من الراهبين أن أتوقف ليركبا معى ، إن لم يفعل ذلك أى واحد قبلى .
لم يقف لهما أحد  .. ولما إقتربت منهما لوحا بيديهما لى ، فتركت خط سيرى وإنحرفت إلى جانب الطريق ، فأقترب الراهب من سيارتى وحيانى قائلاً " الرب يحفظك " فأجبت " الله يعينكما" لم يكن من عادتى أن أحيى الناس بهذه الطريقة ، لأنى لم أكن مؤمن بالله ، إننى أردت أن أُسر قلب الراهب فحسب ، ثم سألنى إن كان يمكننى أن آخذهما معى إلى دير "زيشا" فأجبت بأنه يمكننى ذلك ، وفتحت لهما باب السيارة ، ثم دفعت المقعد الأمامى للأمام  لكى يجلس أحدهما فى المقعد الخلفى ، ثم جائت الراهبة وحيتنى بنفس الطريقة فأجبتها بنفس التحية ، ثم دخلت وجلست خلفى ، ثم تبعها الراهب وجلس بجوارها فى المقعد الخلفى ، وخوفاً من عدم إرتياحهما سألتهما : لماذا تضايقا بعضكما بعضاً فى المقعد الخلفى ، فى حين أنه يوجد مكان فى المقعد الأمامى ؟ 
فأجاب الراهب : إننا لسنا متضايقان يا دوسان قد السيارة ولا تهتم .                 (عاشق الوطن )
إزاء هذه الإجابة سكت أنا ، ثم أغلقت الباب بإحكام، وبينما كنت أبحث عن ثغرة أدخل منها الى خط مرور السيارات ، سألنى الراهب " يا دوسان ...أأنت قادم من كرابجويفاك من ذكرى وفاة قريبك ؟! فى الواقع فى هذا السؤال قد أجاب على نفسه لكنى كنت مندهشاً ! كيف عرف إسمى والمكان الذى أتيت منه ؟! وفى حيرتى قلت نعم انا قد آت من كرابجويفاك ، وبالأمس كانت الذكرى الأولى لرحيل أحد أقاربى . أصغى هو إلى ثم قال : وكيف تذهب الى "بانيا" وأنت لم تستحم فيها إطلاقاً ؟! 
فأجبته إنى أخاف ان أستحم لأن مياه "بانيا" ساخنة جداً ، وربما آخذ برد مما يجعلنى فى حالة أردأ من التى أتيت بها .
وبمجرد ان توقف الراهب عن الكلام . سألتنى الراهبة : دوسان ...أين والدت ؟ فى زاكوتا ؟ وهى أيضاً أجابت على نفسها كما فعل الراهب ، ثم أكملت كلامها : يا دوسان جميع أفراد أسرتك على قيد الحياة وهم بخير ،والدك ديمترى ووالدتك دارنكا وأختك دوسانكا وأخيك دراجيوب إنهم يؤمنون بالله ويحتفلون بالسلافا ( slava أى اليوم الخاص بأسم القديس الذى تختاره الأسرة ليكون شفيع لها عند الرب يسوع المسيح والاحتفال بالسلافا هو أهم شئ يعبر عن الإيمان الأرثوذكسى عند الشعب الصربى ) إلا أنهم غير ثابتين ومترددون ، وعندما يغضبون يشتمون جميع الكائنات السماوية ، وأخوك ميلوفان عنده شهادة عالية فى مجال تخصصه ولكنه من كبار غير المؤمنين .
ولما سكتت الراهبة ، أكمل الراهب : وانت يا دوسان .. أنت أقرب ميلاً إلى أن تؤمن أن الإنسان خلقه الله ، بدلاً أن تؤمن أنه من سلالة القرود ( حسب نظرية داروين ) ، إلا أنك لا تصلى ولا تتجه نحو الله إطلاقاً ، رغم أن قلبك طَيع ، ولك إحساس بالكرامة ، فى ثلاث مرات كان يمكنك أن تحصل على ثروة كبيرة ، لكنك لم تفعل لأنها كانت بوسائل غير شريفة ، إنك متحنن نحو الشيوخ والبؤساء ، إن طبيعتك النبيلة دفعتك إلى أن تقف لنا وتتجاوب مع تحيتنا الإلهية ، وتأخذنا فى سيارتك ، أنت مبارك لوقوفك هذا ، ولكن الويل لأولئك الذين لم يريدوا ، الذين أشاحوا برؤوسهم عنا وبصقوا كان خيراً لهم لو لم يولدوا .       (عاشق الوطن )
إن المعنى من كل هذا لم يكن خافياً على تماماً ، إلا أننى شعرت بخوف شديد وبدأت أرتعد ، وهنا أشار أحد السائقين فى خط المرور المقابل مما جعلنى أتحرك بسرعة ، ثم عبرنا للحال عل  مكان الحادث ، وكنت على وشك أن أزيد من سرعتى لكى أصل الى الدير بأسرع ما يمكن ، عندما خرجت شاحنة محملة بالطوب وأدوات  البناء فجأة من طريق جانبى أمامنا ، فأجبرتنى على الإبطاء مرة أخرى ، وظلت الشاحنة تسير بكا بطء فى نفس إتجاهنا ، ولم أستطع أن أتجاوزها بسبب المرور المتواصل من الإتجاه الآخر . وبسبب بطء الشاحنة كان على أن أقود سيارتى بكل عناية ، وكنت كثيراً ما أنظر فى المرآة الأمامية لأجل السائقين غير الصابرين الذين خلفى ، وحينئذ رأيت فجأة فى المرآة منظراً لم يكن متوقعاً ، رأيت وجهى الراهب والراهبة الجالسين فى المقعد الخلفى منيرين ببريق ، وحولهما هالتان من نور مصمت (أى غير منفذ ) ، فإرتعبت من الخوف إذ رأيت أنهما ليسما من البشر العاديين .       (عاشق الوطن )
بسبب هذه الإختبارات الفائقة التى كنت أمر بها مع رفيقى فى السفر ، بدأ إنتباهى لقيادة السيارة يضعف ، وصرت أقودها بصعوبة ، وقد أبطأت بأكثر مما تسمح به حالة المرور ، وفى هذا الوقت ، تناوب الراهب والراهبة مع بعضهما فى إستعارة رواية حياتى كلها حتى هذا اليوم ، لقد رويا لى كل شئ فعلته ، صالح وردئ ، حتى تلك المخططات التى لم يكن يعلم بها أحد ، والتى كنت قد تخليت عنها فى وقتٍ ما .
وكانت دهشتى ...هى من ان كل ما روياه كان مضبوطاً بدقة كأنهما يقرآن من كتاب .
وقد مدحانى على الأمور الصالحة ، أما الأمور المخزية فقد عاتبانى عليها بطريقة رقيقة ، أما أنا.... فمن الخوف والخجل لم أعرف ماذا أفعل مع نفسى ، لقد تمنيت لو إنفتحت الأرض وإبتلعتنى ، أو يحدث أى شئ لمجرد أن أهرب من معاناة الإصغاء إليهما ، ولكنه لم يوجد مفر فكان على أن أصغى وأحتمل كل هذا .
لا يمكننى أن أتكلم هنا عن الأمور السيئة جداً والمخزية التى عاتبانى عليها لأنها ذات طبيعة خاصة جداً -وقد إعترفت بها بعد ذلك وتبت عنها - ولكننى سأذكر بالتفصيل -كدرس نافع للآخرين- أحد الأمور التى عاتبتنى عليها الراهبة : دوسان .. لماذا لم ترغب أن تكلم والدك عندما كنتما معاً فى عيد ميلاد إبن عمك "ديسا" ؟ فأجبت هنا بما حدث بالفعل : لقد تجاهلنى أبى بالمقارنة ببقية أولاده ، إنه لم يكن له موقف صائب نحونا ، لذلك فأنا بهذا التصرف أردت أن أظهر له كم إننى إشمأززت من ذلك .          (عاشق الوطن )
فأجابت الراهبة قائلة : من أنت ومن نحن حتى تدين؟  الله الذى يدين ويحكم بالعدل ، ومن وصايا الله أن نكرم الأب والأم ، وقد وعد بمكافأة لمن يحفظ وصيته هذه ، بأن تطول أعمارهم ويعيشون حياة سعيدة على الأرض ، إن الوالدين هم بمثابة ذخيرة أرضية لأولادهم ولكنه شئ مبارك أن يكون لك قلب ليِّن ، فعندما شعرت بالأسف نحو والدك ذهبت إليه فى اليوم التالى وإحتضنته وقبلته وطلبت منه الغفران ، فصاح والدك بفرح وقال " سامحتك يا إبنى " 
إننى ظللت صامتاً ، لأن كل ما ذكرته كان صائباً تماماً . وعندما وصلنا للكوبرى الذى يسبق دير "زيشا" .
قال لى الراهب : دوسان ... إن ما حدث لك الآن ، وما سيحدث لك اليوم ، لا تخبر به أحداً لمدة ثلاثة شهور وبعد هذه المدة يمكنك أن تخبر به أصدقائك وأسرتك فقط ؛ فقلت بإقتضاب حسنا . ثم نظرت الى المرآة مرة أخرى ، فصُعقت ودُهشت لرؤية الهالتين حول رأسيهما!!
من كل هذه الأحداث ، كانت حالتى الذهنية مجهدة بشكل خطير ، وشعرت بإلحاح لا يُقاوم بمفارقة هذين المسافرين بأسرع ما يمكن .           (عاشق الوطن )
كانت هناك عربات قليلة فى الموقف أمام الدير ، وكانت هناك  مجموعة كبيرة من السياح الزائرين ، فأوقفت العربة أمام سور الدير وخرجت منها لكى أفتح بابها لرفيقى فى السفر ، ولم أكن مهيأً لما حدث حينئذ وجعلنى أُصعق : لما نظرت داخل العربة لم أجد أحداً !! وهكذا هزتنى موجة أخرى من الخوف . وظللت أنظر إلى الباب المفتوح والباب الآخر المغلق فى الجانب الآخر ، ولم أستطع أن أصدق عينى ، ونظرت مرات أخرى بكل عناية ولكن لم يوجد أحد فى العربة ، فإنتابتنى ريبة وخوف ورعدة سيطرت على كيانى كله ، وملكت على نفسى نوبة من الشك وعدم التصديق ، وخفت أن أكون قد جننت ، ولكى اتأكد اننى فى عالم الحقيقة ( وليس فى حلم ) بدأت أعضّ زراعىّ وأشد شعرى وأضرب على وجهى بشدة . وأثناء رعبتى هذه ، لم أدرِ أن جمهوراً من الناس قد إلتفوا حولى ، وإستطعت أن أسمع بعضهم يسألوننى عما حدث ، ولماذا أضرب وأعضّ نفسى ؟! لقد كنت فى حالة مرعبة ، وكنت أرتعش كما من حمى عنيفة ، وكل ما قلته لهم " إبتعدوا عنى من فضلكم "              (عاشق الوطن )
مشيت بعيداً عن هؤلاء الناس ، رغبة منى فى أن أخلوا بنفسى لعل ذهنى يجد بعض الهدوء ، وفى عزلتى نظرت إلى ساعتى فوجدتها تشير إلى الحادية عشر والنصف صباحاً ، وبدأت أستعيد كل كلمة قالها لى هذان الرفيقان منذ اللحظة التى أخذتهما معى فى السيارة حتى هنا حيث أختفيا بطريقة لا يمكن تفسيرها ، وكان أكثر شئ لصق بذهنى إننى لمدة ثلاث شهور يحب ألا أخبر أحداً ولا عما سيحدث خلال ذلك اليوم . وفى هياج شديد بدأت أكلم نفسى بصوت عالى " يا إلهى ماذا يمكن أن يحدث لى أيضاً ؟ سأذهب إلى بانيا ولم آكل سأذهب مباشرة إلى الفراش لأستريح فماذا يمكن أن يحدث لى؟ ألعلى سأموت ؟ ولكننى تذكرت حينئذ أن الإنسان الميت لا يمكنه أن يتكلم ، وقد قالا لى فعلاً ألا أخبر أحداً بذلك إلا بعد ثلاث شهور ، وقد جعلنى هذا الإستنتاج أشعر ببعض الراحة ، بل إننى شعرت كأنى أضحك على نفسى ، لأننى منذ لحظة كنت خائفاً خوف الموت على حياتى ، لقد كنت فى حالة غير ملائمة لإدراك أى شئ من هذا ، ولا لأن أشرح لنفسى ما قد حدث بالفعل .         (عاشق الوطن )
وبعد راحة قصيرة إستأنفت رحلتى الى ماتاروسكا بانيا ، وحتى يومنا هذا لا أعرف كيف أمكننى وانا فى هذه الحالة من الإضطراب أن أكمل الرحلة من زيشا إلى بانيا وقد وصلت إلى بانيا بسلام رغم شعورى بالقلق وتفكك الأوصال والتعب الشديد ، وعندما وصلت إلى فندق زيشا كان الوقت ظهراً ، ورأيت بعض الغرباء يدخلون قاعة الطعام لتناول الغداء ، ومع ذلك ...فلم أشعر بالجوع ، فقد كان كل ما أبغيه هو الراحة والإنفراد لكى أتمكن من التفكير .
إضجعت على السرير دون أن أخلع ملابسى ، وبسرعة شعرت بألم عنيف وسط صدرى ، وتبع ذلك شئ مثل  وخز الإبرة فى قلبى ، ثم غلبنى النعاس بالكامل حيث رُحت فى غيبوبة ، وما حدث بعد ذلك كان حقيقياً وأعظم من أى حقيقة أخرى ، لقد فُتح باب حجرتى بكل سعته ، وإستضاءت الحجرة بنور قوى ، ودخل فيها ملاك بجناحين ، لقد كان ذا جمالٍ فائق ويرتدى ثوباً طويلاً مشعاً ، وفوقه ثوباً آخر أكثر إشعاعاً وبلا أكمام (كالبرنس ) ، وينتعل صندل فى قدميه مثل الرسل ، 
جاء الملاك إلى وقال : يا دوسان قم ... إننا ذاهبان فى رحلة . فأطعت وقمت ، وعندما كنا على وشك الرحيل قال لى الملاك : يا دوسان ..هذا حظك لأنك كنت متفتحاً لله ، وإنك وقفت للراهب والرهبة ، أتعلم من هما اللذان كانا معك فى السيارة ؟ .    (عاشق الوطن )
فهززت كتفى ولما كنت على وشك أن أقول لا أعلم ، قال الملاك : لقد كنت تصطحب معك بطرس الرسول والقديسة بتكا راسكيفا شفيعتكم ! ( القديسة بتكا من مواليد الصرب مدينة إيبفات ، وهى أخت الأسقف الشهير ماديتسكى ، بدأت جهادها النسكى فى بيت والديها اللذان كانا فى مخافة الرب ، ثم أكملت جهادها فى برية الأردن  حيث ظلت فيها حتى شاخت ، ثم تلقت وصية أن تعود إلى مسقط رأسها ، فقضت سنتين أخرتين وتنيحت بسلام فى القرن الحادى عشر ورفاتها الأن فى مدينة ياسو فى رومانية)
فتذكرت فى الحال أن والدى يحتفل بالقديسة "بتكا " ، وصار الشخصان اللذان كانا فى سيارتى واضحين أمامى . ثم إقتادنى الملاك إلى خارج الغرفة ، وبدأنا نصعد التل الذى على يسار الآتى من زيشا إلى بانيا ، ثم سرنا مدة قصيرة صامتين ، ولكن بعد قليل بدأ الملاك يتكلم : يا دوسان إنك تعمل بين الناس ، وانت كثيراً ما تكون فى صحبة آخرين ، وأنتم جميعاً تقولون أن كل ما للإنسان هو ما يأكل ويشربه ويلبسه ويسره أثناء حياته ، وعندما يموت فكل ما يحتاجه هو متران فى الأرض مع قليل من التراب فوقها ، وهذا كل شئ ، إننى أريدك أن تعلم يا دوسان أن الموت ليس هو نهاية الحياة ، إنه فقط باب وموقف ( محطة ) يجب أن يمر به كل إنسان . الله خلق الإنسان من تراب ونفخ من روحه فيه ، فصار الإنسان نفساً حية . ولما وصل الملاك الى نهاية هذا الكلام كنا قد وصلنا إلى قمة التل ، وفى نفس اللحظة نزلت أمامنا سحابة سميكة على الأرض وقادنى الملاك داخلها ، وبدأت السحابة فى الحال ترتفع إلى أعلى ، وبينما كانت السحابة تحملنا ، إستأنف الملاك كلامه قائلاً  : يا دوسان ... إنك بقلبك الطيب الذى يحب العدل والإخلاص قد وجدت رحمة عظيمة أمام الله ، حتى أن الطريق الحقيقى الوحيد إلى الخلاص سوف يُظهر لك  .                     (عاشق الوطن )
وبعد هذه الكلمات توقفت السحابة عن الحركة ، وقال الملاك : أُنظر إلى الأرض ، فنظرت فقال لى الملاك :ماذا ترى ؟ فقلت أرى الأرض كلها الدول والمدن والقرى والانهار والبحار والحيوانات والناس ووجوههم ، يمكننى أن أرى كل هذا بوضوح ، ثم إتجهت نحو الملاك ، ورأيت خلفه ثلاث صفوف من الملائكة ، وفى أيديهم أبواق ، وكانوا يشعون بنور فائق مصمت ، ويستحيل وصف جمالهم  .
ثم قال لى مرشدى : يا دوسان أنظر نحو الأرض 
والعلامة التى على أبواق الملائكة ، وانت سترى ما تشبه به قيامة الموتى عندما يأتى ربنا يسوع المسيح إلى الأرض ، ليدين الأحياء والأموات ، فلما نظرت نحو الأرض بوق الملائكة ، وفى تلك اللحظة بدأت قبور الأرض كلها تتفتح ، وبدأ الموتى يخرجون منها فإندهشت !! ولكن دهشتى صارت بلا حدود عندما رأيت إناساً . نساءً ورجالاً وأطفالاً يخرجون من الأنهار والبحار والبحيرات والنيران ومن أفواه الحيوانات ومن جميع الطرق الأخرى التى ماتوا بها . لم أستطع أن أتكلم إزاء هذا المنظر ، ولكن الملاك صاح بى قائلاً : يا دوسان لماذا أنت متعجباً ؟مهما كانت الطريقة التى مات بها أى شخص على الأرض ، هكذا سيعود إلى الحياة على صوت الأبواق ، بصرف النظر عما إذا كان قد إبتلعته الماء أو إحترق بنار أو أكلته حيوانات لأن كل شئ ممكن لدى الله ، لأن عند الله لا يوجد أموات بل الجميع عنده أحياء .
وقد تعجبت من شئ آخر لاحظته ، إذ كانت على رأس كل واحد من الذين قاموا الأموات ، قطعة ورق عليها كتابة معينة ، وبعضها مكتوب فيها أكثر من غيرها ! فتعجبت وتساءلت عما يمكن أن يكون مكتوب على رأس كل واحد .                   (عاشق الوطن )
ورغم إننى لم أسأل ولكن الملاك أجاب سؤالى إذ قال : هذه هى أعمالهم منذ الوقت الذى عاشوا فيه على الأرض ، وبهذه الأعمال يأتون أمام الرب يسوع المسيح وبناءً عليها سيحاكمون ! كما إنه ذكرنى أن حتى أفكارهم مكتوبة فى هذا الورق وأنه لا شئ يمكن أن يُخفى . وبين الذين خرجوا من القبور رأيت أقربائى وأصدقائى وجيرانى وكثيرين ممن تعرفت عليهم وتذكرتهم ، لقد كنت سعيداً برؤيتهم وكذلك هم ، وقدموا أزرعتهم وكلمونى ولكننى لم أفهم كلامهم ! ولما نظرت إلى أقاربى وأصدقائى ، إستنتجت أن الأسر كانت على مجموعات ، أى أن أفراد كل أسرة معاً ، لأنهم كانوا يقفون وراء بعضهم بعضاً . 
ثم قال لى الملاك : سنتحرك الآن إلى أبعد من ذلك ولكننا سنعود إلى هذا المكان .

 بنعمة المسيح الجزء الثانى (السماء)

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu