Ad Code

حافظ إبراهيم شاعر النيل وشاعر الشعب


من المؤكد يا صديقى أنك سمعت سيدة الغناء العربى كوكب الشرق أم كلثوم وهى تغنى أغنيتها الخالدة مصر تتحدث عن نفسها وكم من مرة وجدت نفسك تدندن بكلمات هذه الأغنية التى تنشر الطاقة الإيجابية وتشق ظلال إحباطات وتحديات الحاضر بنظرة مشرقة إلى غداً أفضل مثلما كان الماضى مجيد ومصر قد إختارت واحد من أبناءها وهمست فى قلبه بهذه الكلمات فكان شاهداً وخاطاً على صفحات التاريخ الحديث أن مصر كانت وماذالت وستظل تبنى وتؤسس وتشيد قواعد المجد .

من هو حافظ إبراهيم


حافظ إبراهيم(1872 - 1932م). شاعر مصري حديث من الرّواد الأوائل في عصر النهضة، ومعاصر  لأمير الشعراء أحمد شوقي، حيث شاركه مسيرة الإحياء والتجديد في الشعر العربي التي كان محمود سامي البارودي قد حملها في مصر والعالم العربي في مطلع القرن العشرين، ولًقب بشاعر النيل وشاعر الشعب
               
(عاشق الوطن )
ولد لأبٍ مصري وأم تركية في بلدة ديروط بأسيوط بصعيد مصر. توفي والده وهو في الرابعة من عمره، فانتقلت به أمه إلى القاهرة عند أخيها، ولكن حافظًا بعد أن وعى الحياة، أحس بثقل مؤونته على خاله، فقرر الهرب من البيت والاعتماد على نفسه.
وترك له رسالة كتب فيها:
ثقلت عليك مؤونتي     إني أراها واهية
فافرح فإني ذاهب    متوجه في داهية
اتسمت حياته في إحدى مراحلها بالوحدة والمعاناة والألم، فكان لذلك صدى في شعره، وعرف بوطنيته وشعوره القومي، وحبه للغة العربية.

واشتغل بالمحاماة فترة من الوقت متنقلاً من مكتب إلى آخر، حتى انتهى به المطاف في المدرسة الحربية، حيث انخرط في صفوفها وتخرج فيها بعد أربع سنوات عام 1891، فعمل في وزارة الحربية ثم الداخليةملاحظاً لمركز بنى سويف ومركز الإبراهيمية
 ثم عاد إلى الحربية، فأرسل إلى السودان ضمن الجيش المصري عام 1898م.

            (عاشق الوطن )
أحيل إلى التقاعد عام 1903م بناءً على طلبه، وبعد سنوات من الفراغ عُيّن رئيسًا للقسم الأدبي في دار الكتب الوطنية وظل يعمل بها حتى وفاته.

عاش حافظ فقيرًا، لا يستقر المال في يده بسبب كرمه وحبه لملذات الحياةومما يروى عن غرائب تبذيره أنه أستأجر قطر كامل ليوصله بمفرده إلى محل سكنه بحلوان   
ومضت حياته في ظلال من الحزن والأسى، بسبب كثرة من فقد من أصدقائه وأصحابه، وانعكس ذلك على نتاجه الشعري، حيث تُمثل المراثي جزءًا كبيرًا من ديوانه، وقد عبّر عن ذلك بقوله:



إني مللت وقـوفي كل آونةٍ             أبكي وأنظم أحزانًا بأحــــزان


إذا تصفَّحْتَ ديواني لتقرأني           وجدت شعرالمراثي نصف ديواني

              
(عاشق الوطن )

وكان حافظ قريبًا من عامة الشعب قادرًا على التعبير عن أحاسيس الجماهير الوطنية التي كانت متأججة ضد الإنجليز آنذاك فلُقب لذلك بشاعر النيل .

سكتُّ فأصغروا أدبى 
                     وقلت فاكبروا أربي
يقتلنا بلا قود ولا دية ولا رهب
ويمشى نحو رايته فنحميه من العطب
فقل للفاخرين : أما لهذا الفخر من سبب؟
أرونى بينكم رجلاً ركيناً واضح الحسب 
أرونى نصف مخترع أرونى ربع محتسب ؟
أرونى نادياً حفلاً بأهل الفضل والأدب ؟
وماذا فى مدارسكم من التعليم والكتب ؟
وماذا فى مساجدكم من التبيان والخطب ؟
وماذا فى صحائفكم سوى التمويه والكذب ؟
حصائد ألسن جرّت إلى الويلات والحرب
فهبوا من مراقدكم فإن الوقت من ذهب
وقد تزوج حافظ بعد عودته من السودان من إحدى قريبات زوجة خاله ولكن لم تطق طبيعة حافظ المنطلقة قيود الزوجية فإنتهى الأمر بالفرقة بين الزوجين ولم يعد بعد هذه التجربة مرة أخرى الى الزواج 

(عاشق الوطن )
والمال إن لم تدخره محصناً بالعلم كان نهاية الإملاق
والعلم إن لم تكتنفه شمائل تعليه كان مطية الإخفاق 
لا تحسبن العلم ينفع وحده ما لم يتوج ربه بخلاق
من لى بتربية النساء فإنها فى الشرق علة ذلك الإخفاق
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا بالسري أورق أيما إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الألى شغلت مآثرهم مدى الآفاق
أنا لا أقول دعوا النساء سوافراً بين الرجال يجلن فى الأسواقِ
يدرجن حيث أرَدن لا من وازع يحذرن رقبته ولا من واقي
يفعلن أفعال الرجال لواهيا عن واجبات نواعس الأحداق
فى دورهن شؤونهن كثيرة كشؤون رب السيف والمزراق
تتشكل الأزمان فى أدوارها دولا وهن على الجمود بواقي
فتوسطوا فى الحالتين وإنصفوا فالشر في التّقييد والإطلاق
ربوا البنات على الفضيلة إنها فى الموقفين لهن خير وثاق .
(عاشق الوطن )

ومن أشهر قصائده قصيدة اللغة العربية تنعى حظها بين أهلها، وفيها دفاعٌ عن اللغة العربية ضد الذين يحاولون النيل منها فيرمونها بالضعف تجاه اللغات الأخرى ومطلعها:


رجعت لنفسي فاتّهمت  حصاتي       وناديت قومي فاحتسبتُ حياتي



ويقـول فيهـا على لسـان اللغة العربيـة
وَسِـــعْتُ كتاب الله لفظًاوغاية         وماضـــقت عن آي به وعظات
فكيف أضيقُ اليوم عن وصفِ آلةٍ     وتنســــيق أسماءٍ لمخُترعاتِ
أنا البحر في أحشـائه الدُّرُّ كامنٌ       فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي


ومن أشهر قصائده قصيدة مصر تتحدث عن نفسها التى شدت بها كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي أم كلثوم ، وهى تُبرِزُ كم كان الشاعر يكن من الحب لمصر ما جعله يشعر بما كان يجول بخُلد مصر أرضاً وشعباً 

                  (عاشق الوطن )

وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعاً كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي

وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِفِ الدَهرِ كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّي

أَنا تاجُ العَلاءِ في مَفرِقِ الشَرقِ وَدُرّاتُهُ فَرائِدُ عِقدي

أَيُّ شَيءٍ في الغَربِ قَد بَهَرَ الناسَ جَمالاً وَلَم يَكُن مِنهُ عِندي

فَتُرابي تِبرٌ وَنَهري فُراتٌ وَسَمائي مَصقولَةٌ كَالفِرِندِ

أَينَما سِرتَ جَدوَلٌ عِندَ كَرمٍ عِندَ زَهرٍ مُدَنَّرٍ عِندَ رَندِ

وَرِجالي لَو أَنصَفوهُم لَسادوا مِن كُهولٍ مِلءِ العُيونِ وَمُردِ

لَو أَصابوا لَهُم مَجالاً لَأَبدَوا مُعجِزاتِ الذَكاءِ في كُلِّ قَصدِ

إِنَّهُم كَالظُبا أَلَحَّ عَلَيها صَدَأُ الدَهرِ مِن ثَواءِ وَغِمدِ

فَإِذا صَيقَلُ القَضاءِ جَلاها كُنَّ كَالمَوتِ ما لَهُ مِن مَرَدِّ

(أَنا إِن قَدَّرَ الإِلَهُ مَماتي لا تَرى الشَرقَ يَرفَعُ الرَأسَ بَعدي)

(ما رَماني رامٍ وَراحَ سَليماً مِن قَديمٍ عِنايَةُ اللَهُ جُندي)

(كَم بَغَت دَولَةٌ عَلَيَّ وَجارَت ثُمَّ زالَت وَتِلكَ عُقبى التَعَدّي)

(إِنَّني حُرَّةٌ كَسَرتُ قُيودي رَغمَ رُقبى العِدا وَقَطَّعتُ قِدّي)

(وَتَماثَلتُ لِلشِفاءِ وَقَد دانَيتُ حَيني وَهَيَّأَ القَومُ لَحدي

(قُل لِمَن أَنكَروا مَفاخِرَ قَومي مِثلَ ما أَنكَروا مَآثِرَ وُلدي)

(هَل وَقَفتُم بِقِمَّةِ الهَرَمِ الأَكبَرِ يَوماً فَرَيتُمُ بَعضَ جُهدي)

(هَل رَأَيتُم تِلكَ النُقوشَ اللَواتي أَعَجَزَت طَوقَ صَنعَةِ المُتَحَدّي)

(حالَ لَونُ النَهارِ مِن قِدَمِ العَهدِ وَما مَسَّ لَونَها طولُ عَهدِ)

(هَل فَهِمتُم أَسرارَ ما كانَ عِندي مِن عُلومٍ مَخبوءَةٍ طَيَّ بَردي)

(ذاكَ فَنُّ التَحنيطِ قَد غَلَبَ الدَهرَ وَأَبلى البِلى وَأَعجَزَ نِدّي)

(قَد عَقَدتُ العُهودَ مِن عَهدِ فِرعَونَ فَفي مِصرَ كانَ أَوَّلُ عَقدِ)

(إِنَّ مَجدي في الأولَياتِ عَريقٌ مَن لَهُ مِثلَ أولَياتي وَمَجدي)

(أَنا أُمُّ التَشريعِ قَد أَخَذَ الرومانُ عَنّي الأُصولَ في كُلِّ حَدِّ)

(وَرَصَدتُ النُجومَ مُنذُ أَضاءَت في سَماءِ الدُجى فَأَحكَمتُ رَصدي)

(وَشَدا بَنتَئورَ فَوقَ رُبوعي قَبلَ عَهدِ اليونانِ أَو عَهدِ نَجدِ)

(وَقَديماً بَنى الأَساطيلَ قَومي فَفَرَقنَ البِحارَ يَحمِلنَ بَندي)

(قَبلَ أُسطولِ نِلسُنٍ كانَ أُسطولي سَرِيّاً وَطالِعي غَيرَ نَكدِ)

(فَسَلوا البَحرَ عَن بَلاءِ سَفيني وَسَلوا البَرَّ عَن مَواقِعِ جُردي)

(أَتُراني وَقَد طَوَيتُ حَياتي في مِراسٍ لَم أَبلُغِ اليَومَ رُشدي)

(أَيُّ شَعبٍ أَحَقُّ مِنّي بِعَيشٍ وارِفِ الظِلِّ أَخضَرِ اللَونِ رَغدِ)

(أَمِنَ العَدلِ أَنَّهُم يَرِدونَ الماءَ صَفواً وَأَن يُكَدَّرَ وِردي)

(أَمِنَ الحَقِّ أَنَّهُم يُطلِقونَ الأُسدَ مِنهُم وَأَن تُقَيَّدَ أُسدي)

(نِصفُ قَرنٍ إِلّا قَليلاً أُعاني ما يُعاني هَوانَهُ كُلُّ عَبدِ)

(نَظَرَ اللَهُ لي فَأَرشَدَ أَبنائي فَشَدّوا إِلى العُلا أَيَّ شَدِّ)

(إِنَّما الحَقُّ قُوَّةٌ مِن قُوى الدَيانِ أَمضى مِن كُلِّ أَبيَضَ هِندي

قَد وَعَدتُ العُلا بِكُلِّ أَبِيٍّ مِن رِجالي فَأَنجِزوا اليَومَ وَعدي

أَمهِروها بِالروحِ فَهيَ عَروسٌ تَسنَأُ المَهرَ مِن عُروضٍ وَنَقدِ

وَرِدوا بي مَناهِلَ العِزِّ حَتّى يَخطُبَ النَجمُ في المَجَرَّةِ وُدّي

وَاِرفَعوا دَولَتي عَلى العِلمِ وَالأَخلاقِ فَالعِلمُ وَحدَهُ لَيسَ يُجدي

وَتَواصَوا بِالصَبرِ فَالصَبرُ إِن فارَقَ قَوماً فَما لَهُ مِن مَسَدِّ

خُلُقُ الصَبرِ وَحدَهُ نَصَرَ القَومَ وَأَغنى عَنِ اِختِراعٍ وَعَدِّ

شَهِدوا حَومَةَ الوَغى بِنُفوسٍ صابِراتٍ وَأَوجُهٍ غَيرِ رُبدِ

فَمَحا الصَبرُ آيَةَ العِلمِ في الحَربِ وَأَنحى عَلى القَوِيِّ الأَشَدِّ

إِنَّ في الغَربِ أَعيُناً راصِداتٍ كَحَلَتها الأَطماعُ فيكُم بِسُهدِ

فَوقَها مِجهَرٌ يُريها خَفاياكَم وَيَطوي شُعاعُهُ كُلَّ بُعدِ

فَاِتَّقوها بِجُنَّةٍ مِن وِئامٍ غَيرِ رَثِّ العُرا وَسَعيٍ وَكَدِّ

وَاِصفَحوا عَن هَناتِ مَن كانَ مِنكُم رُبَّ هافٍ هَفا عَلى غَيرِ عَمدِ

نَحنُ نَجتازُ مَوقِفاً تَعثُرُ الآراءُ فيهِ وَعَثرَةُ الرَأيِ تُردي

وَنُعيرُ الأَهواءَ حَرباً عَواناً مِن خِلافٍ وَالخُلفُ كَالسِلِّ يُعدي

وَنُثيرُ الفَوضى عَلى جانِبَيهِ فَيُعيدُ الجَهولُ فيها وَيُبدي

وَيَظُنُّ الغَوِيُّ أَن لا نِظامٌ وَيَقولُ القَوِيُّ قَد جَدَّ جِدّي

فَقِفوا فيهِ وَقفَةَ الحَزمِ وَاِرموا جانِبَيهِ بِعَزمَةِ المُستَعِدِّ

إِنَّنا عِندَ فَجرِ لَيلٍ طَويلٍ قَد قَطَعناهُ بَينَ سُهدٍ وَوَجدِ

غَمَرَتنا سودُ الأَهاويلِ فيهِ وَالأَمانِيُّ بَينَ جَزرٍ وَمَدِّ

وَتَجَلّى ضِياؤُهُ بَعدَ لَأيٍ وَهوَ رَمزٌ لِعَهدِيَ المُستَرَدِّ

فَاِستَبينوا قَصدَ السَبيلِ وَجِدّوا فَالمَعالي مَخطوبَةٌ لِلمُجِدِّ

أخيراً ستظل قصيدته مخلدة فى صفحة الأغانى الوطنية وسيظل التاريخ يحتفظ بإسم حافظ إبراهيم كشاعر للنيل وللشعب وللأجيال القادمة وسيظل نبراثاً يقصد إليه كل من كان عاشقاً للوطن

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu