ولد القديس جيروم بمقاطعة ستريدون بمقاطعة دالمانيا على حدود إيطاليا سنة ٣٤٢ تقريبا ، واسمه بالكامل سفرنيوس أوسابيوس أيرونيموس
+ ذهب الى روما وعمره ثمانية عشر عاماً فى عهد جوليان ( ٣٦١ _ ٣٦٣ ) ، بعدها ذهب الى مدينة تريفى ثم الى اكويليا ومنها مباشرة الى الشرق .
+ توحد بصحراء خالكيس بسوريا بناء على مشورة قديس سائح وتقابل فى أنطاكية مع ملخوس الأسير صاحب هذه السيرة وظل بهذه الصحراء مدة خمس سنوات .
+ سيم كاهنا سنة ٣٧٨م ولكن قيل انه لم يصعد درجة مذبح ابدا ولم يصل اطلاقا قداس .
+ فى سنة ٣٨٠م ارتحل الى القسطنطينية وامضى بها سنتين وتتلمذ على يد القديس أغريغوريوس النيزينزى
+ بعد ذلك ذهب الى روما واصبح سكرتيرا للبابا داماسوس وترجم الكتاب المقدس الى اللا تينية المعروفة بالفولتاجا ، ولولا هذه الترجمة ما عرف الغرب الإنجيل المقدس كاملا .
+ هرب الى روما بعد موت البابا وارتحل الى الشرق وجاءت خلفه الارملة باولا وذهب الاثنان الى مصر سنة ٣٨٥م وزار هو اديرة عديدة خاصة بنيتريا والصعيد .
+ عاد الى أورشليم وأنشأ ديرا له واخر لباولا وكتب فيه الكثير من مؤلفاته من ٣٨٦م حتى ٤٢٠م .
+ تنيحت باولا فى سنة ٤٠٤م ولحقها القديس جيروم فى سنة ٤٢٠م عن عمر يناهز ثمانية وسبعين عاماً
+ تعيد له الكنيسة الغربية فى ٣٠ سبتمبر .
سيرة الراهب ملخوس الاسير .
بينما كنت فى مارونيا وهى كفر صغير على بعد ثلاثين ميلا الى الشرق من أنطاكية بسوريا ، ووقت ان كنت شابا فى سوريا ، انتقلت الى أملاك صديقى الوحيد وقتها الاسقف أفاغريوس والذى أذكر اسمه هنا لأبين مصدر معلوماتى .على كل حال ، كان بالمكان فى ذلك الوقت رجل عجوز متقدما جدا فى السن أسمه ملخوس (ملخوص او ملخس وهذا هو الصيغة العبرية للاسم ملك وهو اسم خادم رئيس الكهنة الذى قطع القديس بطرس أذنه ،يوحنا ١٨:١٠ ، ) ، والذى نسميه ملكا وهو سوريانى الأصل واللكنة .. وفى الحقيقة هو ابن حقيقى للمسيح . رفيقة حياته كانت إمرأة متقدمة فى السن وتبدوا وكانها على ابواب الموت ، وكل منهما كانت له غيرة مقدسة ، كانا يترددان على الكنيسة بانتظام ، ومن الممكن تشبيههما بزكريا واليصابات كما بالانجيل المقدس . إلا انه لم يكن هناك يوحنا لنراه
وكلى فضول سألت المعارف عن الرابطة التى تربطهما ؟ هل هما متزوجان ام اقرباء ، ام هى رابطة روح ؟ الكل اجابوا اجابة واحدة انهما طاعنان فى السن ، سعيدان فى الرب ، كما سردوا لى نقاطاً اخرى غريبة عنهما ، ورغبة منى (اى جيروم) فى معرفة المزيد ، ذهبت الى الرجل مباشرة وسألته بلهفة عن الحقيقة التى سمعتها فأجابنى قائلا :
يا بنى كنت متعوداً على زراعة قطعة صغيرة من الارض فى نصبين ( احدى المدن الواقعة مابين النهرين اى نهر دجلة والفرات ) وكنت وحيداً لوالدى ، وكان والداى يريحاننى كوريث وحيد لهما ، وبما اننى الوحيد والذى سيبقى من بعدهما فى سلالة العائلة ، فقد كانا يأملان بل ويدفعاننى الى الزواج ، ولكننى قلت لهما إننى بالاحرى احب ان اكون راهبا .
للأسف كم هددنى أبى ، وبدأت امى تتملقنى أن اخرج لأخون عفتى ، ولم أجد أمام عينى غير حقيقة وحيدة ثابتة وهى أنى يجب ان أهرب من المنزل ومن الوالدين . لم استطع الذهاب الى الشرق لان مدينة فارس كانت مغلقة وتخومها محاطة بجنود روما ، ولهذا غيرت طريقى الى الغرب آخذاً معى بعض الذاد للرحلة لكنه كان بالكاد يكفى لابعاد الفقر والعوز عنى . وحتى لا أطيل عليك ، اتيت اخيرا الى صحراء خاليكس والتى تقع الى جنوب مدينتى أيما وبيروا ، وهناك وجدت بعض الرهبان فوضعت نفسى تحت إشرافهم وتوجيههم أعمل بيدى وبما يجعلنى اعيش ، لاجما متطلبات الجسد بالصيام الكثير .
وبعد عدة سنوات جاءتنى الرغبة فى العودة الى مسقط رأسى لأبقى مع امى وأشاركها وحدتها بعد ترملها حيث تعيش بعد موت أبى ، وكذلك لأبيع ممتلكاتى وأعطى جزءاً للفقراء ، وكذلك اعطى جزءاً للأديرة ، ولقد أستحيت ان أعترف بضعف إيمانى .. فلقد رغبت أن احتفظ بالبعض لاصرفه على تعزية نفسى .
أبى الروحى بدأ يصرخ بى ويقول 《إنها حيلة من الشيطان ، وانه العدو اللدود القديم ، تحت علة الخوف ، إنه يرشق سنونه تلك التى ينخس بها بطريقة متخفية》 فلم اهتم بما قال على اية حال ، لقد كانت حالتى - كما قال لى هو ذلك- حالة كلب عاد الى قيئه . ورهبان كثيرون ضلوا بمثل هذه الافكار لأن الشيطان لا يظهر حيله ابدا صراحة . وضع امامى أمثلة عديدة من الأنجيل وقال لى إنه حتى أدم وحواء من البداية خدعا على أمل ان يصبحا آلهة . عندما فشل فى إقناعى وقع على ركبتيه متوسلاً ان لا أفارقهم وأخرب نفسى بالنظر الى الوراء بعد ام وضعت يدى على المحراث ... لقد كان لى هلاكا ان أناهض من يرغب لى بالسعادة وينصحنى ، لقد كنت أعتقد أنه لا يريد خلاصى بل راحته الشخصية
. وبعد ، فلقد تبعنى من الدير لفترة سائراً خلفى كما لو كان ذاهباً الى جنازة ، وفى النهاية دعا لى بالسلامة وأخيراً منذراً إياى قال 《 أرى أنك قد حملت علامة إبن الشيطان ( اى العناد ) ، انا لن أسألك الاسباب مرة اخرى بل ولن آخذ باعذارك ، ولكن أعلم : ان الخروف الذى يخرج من القطيع تفترسه الذئاب 》.
+ الأسر .
وفى الطريق من بيروا الى أدسا ، المجاور لطريق مرتفع وواسع حيث كان هذا هو طريق العرب ( الاسماعليين )
الذين يهيمون ويجولون دون مسكن او مأوى ثابت ، وخشية على رحلاتهم بهذه المنطقة الكثيرة العدد ، وكذلك خشية على تجمعاتهم ، كانوا يتبادلون المنفعة وليهربوا بسرعة محتملين المخاطر .انضممت الى قافلة مسافرة وكان رفقتى رجال ونساء ، رجال متقدمون فى السن ، شباب واطفال ، كان يقدر كل عددهم بحوالى السبعين شخصا .
وفجأة هجم علينا الاسماعيليون ممتطين جمالهم راكبين خيولهم وشعورهم مربوطة خلف ظهورهم واجسادهم نصف عارية بأحذيتهم الشبه عسكرية الثقيلة الضخمة وستراتهم تموج خلف ظهورهم ملقين قبعاتهم على صدورهم . لقد كانوا حاملين اقواسهم ويهزون رماحهم الطويلة .. لم يكونوا هادفين للعراك ، بل للسلب والنهب .
لقد وقعنا واصابنا الهلع وهرب كل منا الى مكان . وانا ندمت على تلك الخطوة التى اقدمت عليها وظللت بعد ذلك ولفترة طويلة أجنى الآلام من هذا الميراث الذى ورثته ، وكتبت لى المعاناة لامد طويل بعد ذلك ..
وكان هناك إمرأة اخذوها أسيرة معى الى خدمة سيد ، الذى كان فى نفس الوقت هو المالك لى .
لقد ساقونا بل بالحرى حُملنا عاليا على ظهر الجمل عبر الصحراء الواسعة ، وكنت فى كل لحظة أتوقع الموت ، كنت معلقا استطيع ان اقول اكثر منها جالس ، اللحم النيئ كان غذاءنا ولبن الجمل كان شرابنا ..
وبعد برهة وبعد ان عبرنا نهر كبير وصلنا الى الصحراء الداخلية وتوقفنا . وصلنا اخيراً الى منزل مالكنا ، وبعادة هؤلاء الناس كنا ملزمين ان نبين الاحترام للسيدة زوجته واولادهما السادة فاحنينا رأسينا .
وهنا فى ذلك المكان ، وحيث كنا سجناء ، ابدلت ملابسى وتعلمت ان امشى عاريا ، والحرارة بدت لى شديدة جدا وخاصة فى وقت الظهر . اعطونى بعض الخراف لأرعاها ولقد كانت سبب تعزية لى وسلوى ، وقد كنت نادرا ما ارى سيدى او العبيد الآخرين الرفاق ، كان حالى كمثل يعقوب كما هو مكتوب فى الأنجيل ، وكما ذكرنى بموسى ايضا فالاثنان كانا رعاة غنم فى الصحراء ، ولقد كنت اتغذى على الجبنة البيضاء الطازجة واللبن ، وكنت كل وقت مصليا ، مرتلا المزامير التى حفظتها بالدير سابقا...
التجربة
لقد فرحت بأسرى ، وشكرت الرب لأنى وجدت بالصحراء حياة الرهبنة التى كنت انشدها وفقدتها .ولكن لا وضع ثابت يرضى الشيطان ابدا ويقنعه ، فبكثرة تعايير الماضى يرشق سنونه . ألاعيب شريرة يضمرها لى ليفقدنى تعزيتى ...لقد وجد سيدى ان عدد خرافه يتزايد ، ووجد فى شخصى أمانة ( انا كنت اعمل كما اوصى الرسول ان السادة يجب ان يخدموا كالرب فى الايمان ) .. لقد اراد ان يجازينى بمكافأة على إخلاصى العظيم له فأعطانى أمرأة لتكون لى زوجة ، وهى التى أخذت كعبدة رفيقتى فى اثناء الاسر
. بالرغم من رفضى وقولى انى مسيحى وانه ليس من حقى ان أأخذ أمرأة رجل آخر مادام حياً - اذ كان زوجها أُسر معنا ولكنه كان ملكا لسيد آخر - كان سيدى لا يلين فى غضبه ، فأستل سيفه وبدا كأنه سيعمل به فى جسدى ، وان كانت يداى قد تأخرتا قليلا ولم تشد المرأة وتضعها حاجزا بينى وبينه لكان اصابنى فى مقتل . وحسنا ، لقد عبر مظلم على غير العادة ، وبالنسبة لى كان كل شئ مظلما ، واخذت عروستى الى كهف قديم ولاحظت كماً من الحزن على عروستى ، وانكمشنا كل من الآخر لكننا لم نعترف بهذا لبعضنا البعض . حقيقة لقد احسست بأسرى وانطرحت على الارض وبدأت احزن على الحياة الرهبانية التى فقدتها ، وقلت [ اننى رجل تعيس وبائس ، انا الذى أقدمت على هذا ، هل احضرتنى ضعفاتى وشرورى الى هنا ، هل فى عمرى وشعرى الرمادى هذا على ان اترك بتوليتى وأصبح رجلاً متزوجاً .
ماذا اذا كانت الفائدة من وراء تركى والدي ؟ وطنى؟ أملاكى؟ لو فعلت الشئ الذى من أجله ولأجل الرب تركتهم ؟! قد يكون سبب وجودى هنا بالطبع ، وفى هذا الوضع ، هو اننى تطلعت الى بيتى ، ولكن ماذا نستطيع ان نفعل يا نفسى ؟هل نهلك ام نغلب على امرنا ، هل ننتظر يدى وعمل الرب ، او نطعن انفسنا بالسيف ، اديرى سلاحك فى اتجاه نفسك ، يجب ان أخاف موتك ايها الروح اكثر مما اخاف من موت الجسد .... الطهارة تقدم شهداءها ، لندع شهداء وشهود السيد المسيح يقعون دون دفن فى الصحراء ،وانا ساكون فى الحال المعذب والشهيد ] .
بهذا الكلام وبسرعة استللت السيف الذى معى والذى يلمع حتى فى الظلام وسددت نصله نحو صدرى قائلاً:- حسنا ايها المرأة التعيسة اقبلينى كشهيد لا كزوج .
طرحت المرأة بنفسها عند قدمى وصاحت :
اتوسل اليك باسم السيد المسيح واستحلفك بهذه الساعة المتأخرة من الليل ان لا تسكب دمك ، ويصير ذنبه على ، لو اخترت الموت فحول سيفك اولا ناحيتى ، دعنا اولا نتناقش فى هذه الاقوال :
افترض ان زوجى قد عاد لى ، فسوف اترك العفة التى تعلمتها فى الاسر ، وانى لأفضل الموت على ان اتركها .
لماذا يجب عليك ان تموت ؟ الكى تمنع العيش معى ، لسوف أموت لو فعلت ذلك خذنى انا كشريك عفتك ، حبنى اكثر فى الاتحاد بالروح واكثر مما كنت تستطيع حبه للجسد فقط .
دع مالكنا يعتقد انك زوجى والسيد المسيح يعرف انك أخى ، وسنقنعهم بسهولة اننا متزوجان عندما يروننا طبيعيين.
اعترف انى زهلت ، وبقدر ما ادركت فضيلة المرأة فبقدر ما انا الان احببتها اكثر من زوجة . لم اتفرس فيها ابدا ، لم ألمس جسدها ، لقد كنت خائفا أن افقد فى راحتى وسلامى ماحصلت عليه فى معارك .
بهذا الوضع مرت ايام كثيرة ، ولم يكن هناك شكوك حول زيف زواجنا المزعوم ، احياناً كنت اغيب لمدة شهر تام كراعى يجول بالصحراء .
الهروب
بينما كنت جالسا يوما بالصحراء ، بدأت أسترجع بسرعة الامور فى زهنى ، زكريات مع الاخرون ومنهم اصدقائى الرهبان وبخاصةً أبى الروحى الذى ارشدنى ، وحفظنى ، وفقدنى.
وهنا بدأت اضجر من أسرى وأشتاق الى قلاية الراهب ، عندما عدت قابلتنى زوجتى ، كان منظرى يعكس الحزن المفعم الذى بقلبى ، فسألتنى السبب ؟! وقلت لها وحرضتها على الهرب . لم ترفض هى الفكرة وتوسلت اليها ان تحتفظ بسرية الامر .كنا نتكلم بهمسات واصبحنا نعيش فى أمل وخوف ، كان معى رداءان من جلد غنم كنت قد ذبحتهما ، وصنعت من جلدهم زجاجات ومن لحمهم طعاما للطريق . فى اول الغروب ومالكنا يعتقد اننا عدنا الى الراحة من بعد العمل ، انطلقنا فى رحلتنا ، وعندما وصلنا الى النهر الذى كان يبعد عشرة أميال ، فتحنا الجلود وفردنا ساقينا بداخلهما ، ودخلنا فى الماء ببطء مثبتين اقدامنا بقوة لكيلا يحملنا التيار الى نقطة ابعد من التى حددناها على الضفة الاخرى ، لكن فى اثناء ذلك ابتل بعض اللحم ولم نقدر ان نعتمد عليه اكثر من ثلاث ايام ، وكنا بصفة مستمرة وطوال الطريق ننظر خلفنا متقدمين بالليل اكثر من النهار تحسباً لكمين مفاجئ من العرب الجوالين ومن حر الشمس الشديد ، مرت ثلاث ايام حينما رأينا فى غشاوة الشمس وعلى مسافة منا رجلين يمتطيان جملين ويتقدمان بكل سرعة ، فى الحال شعرت بالارض تميد تحت قدمى وبألم عميق ورهيب ، وبدأت افكر فى انه مالكنا ، وقد جاء وكله رغبة فى قتلنا ... يبدو ان شمسنا قد بدأت تصبح سوداء ثانية .
من خوفنا شعرنا ان خطواتنا بدأت تخوننا على الرمال وفجأة وجدنا على يميننا كهفا ممتدا الى تحت الارض فدلفنا اليه ، ولكننا كنا خائفين من الحيوانات السامة ، مثل الثعابين والعقارب والافعوانات التى قد تجول تبحث عن مكان تستظل فيه من اشعة الشمس الحارقة.
بالكاد دخلنا ووجدنا نقرة مأوى لنا ولم نتحرك خطوة ابعد من هذا لئلا فى طيراننا من موت نهبط الى موت . وكنا نفكر فى انفسنا : لو ان الرب سيساعدنا فى شقائنا هذا لوجدنا النجاة ، ولو تركنا بسبب خطايانا لحتما وجدنا قبرنا هنا .
وكم كان هو فزعنا عندما وجدنا مالكنا والخادم التابع له فى مقدمة الكهف اذ استدلا علينا من اثار اقدامنا التى ساقتهم بسهولة الى الكهف الذى نختبئ فيه . تلعثم لسانى مع الكرب والخوف وبدا انى سمعت صوت سيدى وصعوبة شديدة حاولت الا اصدر صوتا ، وأرسل هو تابعه ليخرجنا ممسكا هو بالجملين بيد وباليد الاخرى ممسكا سيفه منتظرا ايانا لنخرج .
دخل الخادم تلاثة او اربع أذرع ، ونحن فى مكاننا المختبئين فيه رأينا ظهره وهو لم يستطع رؤيتنا لطبيعة العين ، اذ ان الذى يدخل الى الظل قادما من الشمس لا يرى شيئا .. صوته كان يدوى :-
هلما تعالوا خارجا ايها المجرمين ، تعالوا لتموتا ، لماذا تبقيان ؟ لماذا تتأخران ؟ اخرجا خارجاً سيدكم ينادى انه منتظركما بصبر .
لا أتركك لا أهملك عينى عليك
كان مازال يتكلم عندما لمحنا خلال الظلام بالكهف لبوءة هجمت عليه وقتلته وسحبته مغطى بالدم الى الداخل ... يا ربى يسوع كم هو فزعنا الآن .. كم هو نصيبنا سيئ .
ورأينا ان مالكنا لا يعرف شيئا عن ذلك وان عدونا هلك ، فهو عندما لاحظ تأخر عبده ، اعتقد بالعكس ان الهاربين قد يقدما على المقاومة لأنهما اثنان الى واحد ، فأرعد وأزبد وضجر من الانتظار ، وغضب جدا فجاء الى باب الكهف والسيف بيده وصاح كرجل مجنون موبخا تأخر عبده .. ولكن هاجمه الحيوان المفترس قبل ان يصل الى مكاننا المختبئين فيه .
من يستطيع ان يصدق هذا ان الوحش امامنا .. امام اعيننا يدافع عنا ، وزالت اسباب خوفنا ، لكن احتمال الموت قابع وقد يحدث لنا شئ مماثل ، قلبنا أحس بالخوف ، ودون ان نجازف بحركة واحدة انتظرنا النتيجة فليس لدينا حائط دفاع وسط هذا الخطر الكبير ينقذنا .
النجاة
عند شروق الشمس أخذت اللبوءة شبلها بين اسنانها ومضت بعيدا وتركتنا فى عزلتنا ، لم نخرج نحن فى الحال ، فهدوءنا لم يعد لطبيعته سريعا ، فانتظرنا فترة طويلة لئلا نخرج فنجد اللبوءة خارجا فتفترسنا ، اخيرت خرجنا ولكن مساءا عند انتهاء هذا اليوم العصيب ، ورأينا الجملين قابعين هادئين يمضغان العشب ، امتطيناهما وبالمؤن التى وجدناها سافرنا عشرة ايام فى الصعراء، ووصلنا الى معسكر رومانى ، وتقدمنا الى مقر الحاكم وروينا له شئ ومنها ارسلنا الى سابيانوس الذى كان يحكم النهرين وحيث بعنا الجملين هناك .
اخيرا ختم ملخوس حديثه معى قائلا :
أن عزيزى ابى الروحى الكبير يرقد الآن فى الرب وانا اهيم بنفسى الآن الى ذلك المكان عائدا الى الحياة الرهبانية . ولقد وثقت برفيقتى هنا لتعتنى ببعض العذارى .. لقد احببتها كأخت ولم أكن لأئتمنها على نفسى اذ لم تكن اختى
نصيحة القديس جيروم
لقد كنت شابا عندما سرد لى ملخوس هذه الاحداث ، والان انا الذى سردت لك سيرة هذا الرجل العجوز ، ولقد اعتبرتهما مثلا تاريخيا للطهارة والعفة والبتولية..
انا انصحك ....أحفظ طهارتك !
أسرد هذه القصة على الذين يأتون بعدك لكى يدركوا أنه فى وسط السيوف والحيوانات المتوحشة فى الصحراء .. الفضيلة ابداً ما تبدو أسيرة ..
وان ذلك الذى نذر نفسه لخدمة السيد المسيح قد يموت ... لكن لا يمكن أبداً أن يغلب ...
0 تعليقات