Ad Code

إختبار مثقف روسي إجتاز الموت وعاد مرة أخرى للحياة

هذا الإختبار الذي مَنّ الله به على صاحب هذه التجربة ، تعد بجدارة إفتقاد من الرب لخروف كان قد ضل الطريق تماماً ، إذ ترك التسعة والتسعين باراً الذين لا يحتاجون إلى توبة ، وراح يسعى إليه كطبيب نحو مريض ، وكإله رحيم وأب حنون وعطوف نحو خاطئ في حاجة إلى التوبة ، وهي تعد بمثابة رسالة من السماء إلى كل من يطالعها ، تحثه على اليقظة والرجوع إلى الله والثبات فيه ، والحرص على عدم الضلال عنه ثانية حتى يخلع الجسد وينطلق بروحه نحو خالقه الرحوم .                (عاشق الوطن ) 
قصة هذه التجربة يختص بها شاب روسي وقد جرت أحداثها في أواخر القرن التاسع عشر ، ونُشرت في جريدة روسية تدعى " جورنال موسكو " وفيما بعد أعاد نشرها رئيس أساقفة روسيا في ذلك الوقت ويدعى " نيكون " نظراً لمنفعتها البالغة الأهمية لخلاص كل نفس .
أما عن هذا الشاب فقد كان مسيحياً ينتمي إلى أسرة مسيحية أرثوذكسية متدينة جداً ، ومع هذا فقد كان إيمانه هشاً ومعرفته عن المسيحية ضحلة وفوق هذا كله لم يكن يبالي بعدم إيمانه ، ولا يعتبر هذا شئ ذو أهمية ، وهو على حد تعبيره عن نفسه أنه كان حالة بين الإلحاد والإيمان إلا أن كفة إلحاده كانت راجحة عن كفة إيمانه .
يروي هذا الشاب الروسي عن نفسه أنه قد أضطره عمله للسفر بعيداً عن بلدته ، وهناك أعتراه مرض شديد على إثره ذهب إلى المستشفى حيث أنه كان يقطن بأحد فنادق هذه البلدة التي سافر إليها ، وهناك شخّص طبيبه المرض الذي ألّمَّ به " التهاب رئوي " فإستهان في بادئ الأمر بمرضه ، لكن لما أرتفعت درجة حرارته بشدة آثر أن يلزم فراشه بالمستشفى حتى يتم علاجه .
هذا وقد طالت فترة علاجه مدة طويلة خلالها سئم البقاء بمفرده في المستشفى ووقتها كان الشتاء قارص البرودة ولياليه طويلة ، وطالما كان يتطلع إلى بزوغ الفجر طوال ساعات الليل الطويلة والمرضى نيام حوله وليس هناك من يؤنس وحدته من أقاربه ، حتى خيل له أنه يسكن المقابر .            (عاشق الوطن ) 
تأخرت حالة هذا الشاب جداً ، ولم يعهد في جسده هذا المرض العنيف نظراً لبنيته القوية ، ورغم سوء حالته الصحية لم يطرق الموت باب عقله مطلقاً .
ولم يسبق له أن فكر فيه حتى لبثت حرارته مرتفعة وظلت تتأرجح ما بين الأربعين درجة والواحدة والأربعين درجة ، الأمر الذي جعله يتحسر على نفسه ويندب حاله ، وأخذ اليأس يزحف ناحيته من جهة شفائه ، وذات ليلة ساءت حالته جداً من جراء الحمى الشديدة التي شملت جسده كله ، وكان يتنفس بصعوبة ولبث هكذا حتى أشرقت الشمس بعدها راح في نوم عميق ساعات طويلة ، ولما أستيقظ تحسنت حالته جداً ولما عايده طبيبه وقاس له حرارته وجدها طبيعية جداً إذ إنخفضت حتى السابعة والثلاثين فاصل واحد .
لكن الذي حدث له فيما بعد لم يكن يبعث على الأمل في شفائه إذ إمتلأت رئتاه بالبلغم ، وتعثر أن يتنفس طبيعياً حتى أسرعوا إليه بأسطوانة أكسجين وهرول إليه فريق من الأطباء المتخصصين لأجل تطبيبه ، إلا أن كافة محاولاتهم باءت بالفشل وأضحت نهايته أمامهم قاب قوسين أو أدنى .  (عاشق الوطن ) 
وفي مساء ذات الليلة التي تألم فيها هكذا وفيما هو راقد على فراشه شعر بإغماء وفقدان للوعي ، فإستدعى الطبيب الذي لما دخل الحجرة ووجده هكذا إستدعى بدوره لفيفاً آخر من الأطباء للنظر في أمره ، أما هو فإنتابه إحساس بعدم الإكتراث بما يحل بجسده ، وشيئاً فشيئاً إبتدأ يشعر بواحدانية ذاته وقد صارت ثنائية ، إحداها يخص هذا الجسد السقيم وثانيها يتمثل في نفسه التي كانت بكامل وعيها لكل ما يدور حوله ، وكان دليله على صحة وعيه بهذه الثنائية التي صار فيها أنه رأى الطبيب يأخذ يده ليسمع نبضه ، لكنه ما كان يشعر مطلقاً بلمسات يد الطبيب على يده ورأى الأطباء يرفعون جسده ويجلسونه على السرير ، ويدقون بأيديهم على ظهره حيث الإرتشاحات التي تجمعت عليه ومع هذا كله ما كان يشعر تابتة بأيديهم على جسده .
لقد عبر هذا الشاب الروسي على حالته التي أصبح فيها بعبارة إتسمت بالقوة والبلاغة والوضوح والدقة في التفاصيل قال فيها بالنص : " لقد أحسست كأن كائنين أو جوهرين ظاهرين فجأة فيّ : أحدهما مختفٍ في موضع عميق بداخلي ، وكان هذا الجزء الأساسي مني والآخر خارجي وواضح أنه أقل أهمية ، كما بدا لي آنذاك أن الرباط الذي يربط الجوهرين أحدهما بالآخر قد أحترق أو ذاب ، فأنفصل الجوهران ، كنت أشعر أن الأقوى منهما أكثر حيوية وأعظم حقيقة ، وأن الأضعف - وهو الجسد - أخذ في أن يصبح موضعاً لعدم الإكتراث " ( هذا الشاب خلال وصفه لحالته قد جاز الموت ، إذ أنفصلت روحه التي نعتها بالجوهر الأقوى والأكثر حيوية عن جسده وهو الجوهر الضعيف على حد تعبيره ، وضمناً تعرض في عبارته هذه إلى النفس التي قال عنها الرباط الذي يربط الجوهرين أحدهما بالآخر كأنه إحترق أو ذاب ، وهذا هو مصير النفس حين الموت حيث الجسد يودع في التراب والروح تصعد إلى الله الذي أعطاها أما النفس فهي تفنى أو تتلاشى بالموت )         (عاشق الوطن ) 
عودة مرة أخرى إلى هذا الشاب الروسي المثقف لنستأنف معه مجريات الأحداث حول تجربته ، إذ شعر فجأة بأن روحه تهبط بقوة إلى مكان سفلي في باطن الأرض وكأن قوة لا تضاهى تجتذبه نحو باطن الأرض ، رغم هذا كله كان واعياً لكل ما يدور حوله في الحجرة التي كان سريره بها ، ووقتئذ سمع الأطباء يعلنون موته وهم يصرخون بأصوات مسموعة دون تحفظ ، حيث أيقنوا أنه مات بالفعل ، وهم يقولون " أنه نزاع الموت ... لقد مات بالفعل " وبدأ يتحدث مع نفسه : " هل هذه سكرات الموت التي يقولون عنها " وأخذ يستجمع كافة معارفه حول الموت تلك التي وعاها في عقله إذ كان وقتها يتساءل مع نفسه هل الموت مؤلم للجسد أم لا ؟! ولكنه إختبر بنفسه أنه ليس هناك أدنى أحساس بالألم البدني بل غاية ما هنالك الإحساس بالإنجذاب نحو أقسام الأرض السفلى ، والظلمة الحالكة السواد التي حاطت به من كل جهة حتى تهيئ له أنه على وشك أن يلمسها ، غير أنه لبث محتفظاً بكامل وعيه لكل ما يدور حوله وهو مسجى بالجسد على سريره بحجرة المستشفى ، واِلتقاط أذنه لكافة العبارات التي كان الأطباء يتفوهون بها حول حالته التي تسببت في موته الذي أصبح في حكم المؤكد .  (عاشق الوطن ) 
وأخذ هذا الشاب يترجم أحاسيسه حيال هذا الوضع الذي صار فيه إذ كتب يقول : 
" لم أعد أرتعد من الموت مطلقاً ، ولم يعُد للموت مفهومه الذي كان لديَّ عما سبق ، وقلتُ في نفسي ليكن ما يكون ، وأحسست بالأرض تجذبني نحوها ، لست أنا بكليتي بل ما يخصها فيَّ وهو جسدي الذي عشت فيه زماناً هذا مدته أما روحي فليس للأرض فيها شئ ، إذ هي نفخة من خالقي ولن تسكن ولا تستريح إلا فيه " وأضاف قائلاً :
" فيما كنت مُفتكراً هكذا في نفسي أحسست بالهدوء يملأ كياني كله ولما فتحت عينيَّ إذ بي أرى نفسي واقفاً في حجرة بمفردي ، وعن يميني فريق من الأطباء الذين كانوا يعالجونني واقفين على شكل نصف دائرة وهم ملتفون حول شئ ما لم أستطع أن أراه في بادئ الأمر ، ولمحت كبير هذا الفريق الطبي واقفاً واضعاً يديه خلف ظهره وهو يحدق بعينيه نحو شئ أمامه لم أره ، حيث أن جميعهم أحاطوا بهذا الشئ فلم أتمكن من رؤيته ورأيت خلف كبير الأطباء هذا طبيبي الشاب مطأطئاً رأسه نحو الأسفل ، وبالقرب منه شاهدت أحد الممرضين وكان شيخاً حاملاً بيديه أسطوانة أكسجين وهو في حيرة شديدة ولا يدري ماذا يفعل ! وكأن لسان حاله يقول هل أحمل هذه الأسطوانة بعيداً أم أحتفظ بها قريبة لعلها تكون ذات نفع في لحظة ما ؟! أما أنا فلما أعدت المحاولة لأرى ما هو هذا الشئ الذي كانوا هم ملتفين حوله هكذا ، وقد بدا لي أنه موضوع إهتمامهم وفيما أنا أميل يميناً وأجئ يساراً ، أستطعت أن أرى هذا الشئ الذي كانوا يحيطون به وهو سرير والراقد عليه كنتُ أنا .          (عاشق الوطن ) 
ولما أدركتُ هذا أقتربتُ من جسدي هذا وشرعتُ أن أمسك بيديَّ ذراعيَّ الممدودتين على جانبي جسدي ، وأضاف قائلاً : فوجدت يديَّ تخترق ذراعيَّ دون عائق حاولتُ أن ألمس متني فاخترقت يدي جسدي كله وكأنني صرت هواءً ، فلما وجدت الأمر هكذا خطوتُ خطوات قليلة نحو طبيبي الشاب هذا ، فإذ بي أشعر بقدميَّ لم تلمسا الأرض مطلقاً إلا أنني كنت أتحرك في الإتجاه الذي أريده ، ولما دنوتُ من هذا الطبيب لمستُ كتفه بيدي ليلتفت نحوي ولكن يدي اخترقت كتفه ولم يشعر بي مطلقاً فقلتُ في نفسي دعك من لمسه وتحدث إليه مباشرةً ، فلما شرعت في مخاطبته لم يلتفت جهتي ولم يسمعني ولم ينتبه لي بالكلية وكأنني لا شئ أمامه ، مع أنني أدرك وجودي بينهم تمام الإدراك وإستطعت أن أرى ما يرونه وأسمع ما يتهامسون به ، بل إستطعت أن أقرأ أفكارهم كأنها كلمات نطقوا بها ، أما هم فلم يشعروا بوجودي البتة " (عاشق الوطن ) 
لقد أوجز هذا الشاب حالته التي قد أضحى عليها بموته في هذه الصياغة : " حاولت مراراً كثيرة أن ألمس جسدي ولكن جازت يدي في الهواء ...لكنني لست روحاً صرفاً أنني أحس وأعي ذاتي كما أن جسدي حقيقي وليس نوعاً من السراب الخادع وكنت أفكر وأنظر لنفسي بتركيز فصرتُ مقتنعاً أن جسدي هو جسد حقاً ، لأنني كنت أستطيع أن أراه وألاحظ أدق تفاصيله - حتى النقطة الصغيرة فيه - بوضوح كامل ، ولقد كان مظهره الخارجي باقياً على ما كان عليه قبلاً لكن كان من الواضح أن خواصه قد تغيرت لقد إستحال لمسه ، كما أن الهواء المحيط بجسدي هذا قد أصبح كثيفاً للغاية وهو ذاك الهواء عينه الذي كنتُ وأنا في الجسد الكثيف أتحسسه فقط دون أن أرى له لوناً ، وقد إستحال عليَّ ليس لمس جسدي اللطيف هذا فحسب أنما أيضاً التلامس مع أي شئ آخر أراه .
ووقتئذ أشرقت في ذهني فكرة فحواها " ألعل هذا ما يسمونه بالجسد النوراني ؟! ..ثم قلت لنفسي : لكن لماذا هذا ؟ وماذا حدث لي ؟ " هكذا تساءلت مع نفسي محاولاً أن أستعيد إلى ذاكرتي ما أدركته عن خصائص مثل هذه الحالات من التجلي وذلك إبان المرض ويضيف هذا الشاب أنني فيما كانت هذه الأفكار تخالجني سمعتُ الطبيب الشاب وهو يلوّح بيديه في يأس شديد قائلاً : " لقد إنتهى - قال هذا ومضى بعيداً عن السرير الذي كان يرقد عليه جسدي الذي خلعته - ، ولما نظرتُ الشحوب والإصفرار يعلوان وجه هذا الجسد الذي كان ممداً دون حياة والشفتلن مطبقتان ومزرقتان ، وهي الصورة التي رأيتها أكثر من مرة على المرضى الذين كانوا يحتضرون ، وقتئذ قلتُ في نفسي لعل هذا الذي حدث لجسدي المسجى هو ما يسمونه - في لغة الأحياء بالجسد - الموت "     (عاشق الوطن ) 
إستأنف الشاب حديثه قائلاً :
لقد تعمدت أن أروي لسامعي أدق تفاصيل تجربتي هذه حتى أنزع كافة الشكوك ، التي قد تنتاب أي من يسمعني أو يقرأ لي عما مررت به خلال ساعات موتي ، ولكن ما سبق سرده شيئاً وما سأقصه لكم شيئاً آخر .



لقراءة الجزء الثاني من هنا


إرسال تعليق

1 تعليقات

Close Menu