Ad Code

اختبار مثقف روسي إجتاز الموت وعاد مرة أخرى للحياة 3


وللوقت أفقت فوجدت نفسي راقداً على سرير في عنبر المستشفى ولما فتحت عينيَّ رأيتُ جمهوراً من الناس الفضوليين محيطين بي وكانوا يرمقونني ويحدقون فيَّ وهم مزهولون ومندهشون ، كانوا ينظرون إلي وعلى وجوههم علامات الخوف والرعب والحيرة والشك وعدم التصديق ، كانت أفواههم فاغرة ونظراتهم متشتتة في جميع أرجاء الحجرة ، كانت كلماتهم مبهمة ومتقطعة ولا يُفهم منها سوى غرابة ما حدث ،ولكنك لو جمعت كل كلماتهم لن تعلم عن ماحدث سوى القليل،فلم تكن عقولهم قادرة على أن تستوعب قيام أحد من رقاده في هذه الحجرة خصيصاً ،فلم تكن هذه الحجرة في المستشفى معدة لقيام أحدمطلقاً.

                            (عاشق الوطن )
وبعد قليل حينما إنتشر خبر قومي من رقادي ، وبالقرب من سريري جلس رئيس الأطباء على كرسي منخفض دون مسند وهو يحاول أن يخفي إندهاشه كالباقين ليحتفظ بهيبة منصبه وليقنع نفسه والآخرين أن ما حدث لي أمراً عادياً ، وليس محل للإندهاش إلا أن عينيه كانتا تُبديان إرتباكاً ملحوظاً ، وكان جلد وجهه يرتعش بطريقة لا إرادية من كثرة ما يستميت في إظهار تماسكه ورباطة جأشه ، أما الطبيب الشاب فقد نسى أنه طبيب وثبت عينيه في وجهي وجعل يرمقني ويتفرسني حتى كاد يخترق أعماقي بناظريه .
ولدى مؤخرة سريري كانت شقيقتي تقف بثياب حدادها السوداء وهي شاحبة ومنفعلة بما صرت أنا فيه لتوي وبجوارها وقف زوجها مشدوداً وقد إنعقد لسانه ولم يستطع أن يعلق عما رآه بكلمة يتفوه بها فمه ، وخلف شقيقتي لمحت الممرضة وقد بدت بوجه هادئ ومستريحة لما حدث ، ووراؤها رأيت مساعد الجراح الشاب الذي كان مرتعباً للغاية يغوص في عرق غزير جاحظ العينين معقود اللسان ، وأحسست إزاء مظاهر الإندهاش والتعجب هذه بأنني قد أتيتُ إليهم من كوكب آخر ، وقد أضحت الأرض بالنسبة لي أنها لم تعد الكوكب الذي عشت على بقعة من سطحه طوال سنى عمري التي مضت .       (عاشق الوطن )
ولما أفقتُ تماماً حييت شقيقتي التي هرولت نحوي وعانقتني ثم أطلقت العنان لبكائها ، وهنا إلتفت إليَّ الطبيب الشاب وحدثني قائلاً :" حسنا أيها الصديق العزيز لقد أفزعتنا حقاً بعودتك للحياة هكذا ؟!....
أه لو علمت بما حدث لك ؟! ، أما أنا فأجبته على الفور بما أدهشه حيث قلت له : " أنني أذكر كل ما حدث لي " ، فشمله الذهول قائلاً لي :" كيف وأنت كنت فاقد لوعيك تماماً ؟! " فقلت له بهدوء شديد :" صدقني لم أفقد وعيي البتة " .
ووقتئذ هذا الطبيب نحو رئيسه وقال لي :" كيف وأنت كنت ميتاً بالفعل !!؟" ، قلت له :"رغم هذا كنتُ أرى وأسمع وأدرك كل شئ " ثم عاد وسألني ونبرة صوته قد إنخفضت حتى بالكاد إستطاعت أذناي إلتقاط همساته :" هل رأيت كيف غسلوك وكفنوك ؟!" 
هنا قاطعته قائلاً :" لا لم أشعر بجسدي وما حدث له لأنني كنت خارجاً عنه ، أعني كياني العاقل الذي كان حياً ويستأنف وظائفه على المستوى الباطني ، وقد دخلت بكياني العاقل هذا في إختبار آخر بعيداً عن جسدي وعن المستشفى بل عن الأرض كلها ".
أما طبيبي الشاب هذا واصل حديثه معي وقال :" كيف كنت تستأنف حياتك على المستوى العقلي كما كنت تقول وأنت رُحت في غيبوبة دامت ست وثلاثين ساعة ، حيث أمسيت جثة هامدة ومتجمدة "
ولكنني لما رأيت هذا الطبيب مستسلماً للشك الذي ملك عليه ، حتى أنه سخر مني بين الحين والأخر ، فاجأته قائلاً :" هل تريد أن أطرح أمامك وصفاً تفصيلياً للمشرحة التي وضعتم فيها جسدي ، تلك التي لم يسبق لي دخولها طوال حياتي ؟ ؟.... (عاشق الوطن )
هل تريد أن أخبرك من منكم كان واقفاً وماذا كان يفعل لحظة موتي وما بعدها ؟"
ومن ثم طفقت أسرد له كافة التفاصيل وأخذتُ أروي له أنني فيما كنت ميتاً شاهدتهم يحركون جسدي ذات اليمين وذات اليسار ، هذا الذي أضحى بالنسبة لي بمثابة ثوب كنت أرتديه وقد طرحته عني ، وأوضحت له أنني حينما شرعت ألمس أحدهم كي أجذب أنتباهه ناحيتي ليسمعني ، لم أستطع حيث أن الهواء وقتئذ قد صار كثيفاً لدرجة أنه أعاقني عن لمس الأشياء التي كانت محيطة بي .
ولما أنتهيتُ من حديثي مع هذا الطبيب رأيته وإذ به فاغر الفم ومتسع العينين حتى أنه حالما أنتهيت من روايتي له ، عجلّ بالمضي عني إلى حيث الفريق الطبي الذي كان يعالجني ليقص عليهم كل ما قلته له حتى يستطيعوا يشاركوه دهشته بهذه الحقيقة المثيرة ، وقد ترتب على هذا أن أجتمع بي كل أولئك الأطباء ، وكانوا يسألونني تارة وأنا أسألهم تارة أخرى حتى سلموا بصحة التجربة التي جزتها ، وسلامتها من أي شائبة .

لقراءة الجزء الأول من هنا
لقراءة الجزء الثاني من هنا

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu