Ad Code

اختبار مثقف روسي إجتاز الموت وعاد مرة أخرى للحياة 2

لقد تعمدت أن أروي لسامعي أدق تفاصيل تجربتي هذه حتى أنزع كافة الشكوك التي قد تنتاب أي من يسمعني أو يقرأ لي عما مررت به خلال ساعات موتي ، ولكن ما سبق سرده شيئاً وما سأقصه لكم شيئاً آخر فلقد ترك الأطباء الحجرة التي بها سريري ، بينما وقف مساعدا الطبيب يحاولان أن يشرحا تطورات حالتي التي آلت إلى موتي .
وفي هذه الأثناء رأيت ممرضة عجوزاً قد وقفت أمام الأيقونة وأرتشمت بعلامة الصليب وصلت بصوت مسموع هكذا : " ليتك يا رب تجعله مستحقاً أن يرث ملكوت السموات وينال السلام الأبدي "
ولم تكد هذه العجوز أن تفرغ من صلاتها حتى ظهر عن يميني ويساري ملاكان ، ولشئ ما في داخلي عرفتُ أن أحداهما هو ملاكي الحارث أما الآخر فكان مجهولاً لديَّ 
هذان الملاكان أخذ كل منهما بذراعي وحملاني مخترقين -بروحي- كافة حوائط وأسقف المستشفى .
ولما خرجا بي إلى الشارع رأيت الظلام قد أسدل ستاره على الأرض والثلج قد أخذ يتساقط بهدوء على شكل رقاقات كبيرة ورغم هذا لم أشعر بالبرودة اطلاقاً ، ولا حتى باختلاف درجة حرارة جو الشارع عن جو الحجرة التي كنت فيها منذ قليل ، بعدئذ أخذنا نصعد ثلاثتنا -الملاكان وانا- بسرعة فائقة إلى فوق وكان كلما صعدنا كلما إزداد الفضاء المكشوف أمام أعيننا إمتداداً ، إلى أن اتخذ أخيراً أبعاداً هكذا شاسعة ومهولة حتى تملكني الخوف لما أدركت ضآلتي إزاء هذا الفضاء الكوني اللانهائي .               (عاشق الوطن )
وقتئذ انتبهت إلى حاسة بصري إذ صار في إمكاني أن أرى كل شئ بوضوح تام في الظلام وأدركت إتساع مجال الرؤية لديَّ حتى شمل امتدادات شاسعة ، الأمر الذي يختلف شكلاً وموضوعاً مع قدرات نظري حين كنت في الجسد حيث كانت الرؤية محدودة للغاية بالقياس إلى ما أصبحت الآن ، وللوقت أدركت مدى تفاهتي وعلمت كم أنا فانٍ وأمست قيمتي لديَّ كذرة تراب ليس لها أدنى قيمة ، وحسبتها ذرة سواء لبثت ظاهرة أم اختفت هي كلا شئ بالنسبة لهذا الفضاء الكوني الذي لا يُدرك له بداية ولا نهاية من فرط اتساعه وامتداده .
احسست وقتها بالخوف الشديد لئلا أضيع وأُبتلع من هول الشسوع الكوني الهائل وقد تلاشى عندي الإحساس بالزمن إبان صعودنا ، ولست أدري كم من الوقت استغرقنا في صعودنا وفيما نحن لازلنا نصعد سمعت اصوات مختلطة تلتها صرخات ثم ضحكات فظة ومُريبة وشامتة ولا أدري مصدرها ، وفجأة دنا منا حشد من كائنات بشعة ومخيفة إرتعدت منها فرائصي ، وأدركت أنها أرواح شريرة وكانت تضحك وتسخر مني بشدة وتصورت أمامي بصورة مخيفة ومرعبة ، لكنني فيما كنت أراها أيقنت في نفسي أن هذه الكائنات الشريرة ليست بهذه الصور التي ظهرت لي إنما تتخذ هذه الأشكال لإثارة مخاوفي ، ولما أدركتُ هذا صغرت تلك الأرواح في عينيَّ ، وذكرتني بما كنا نصنعه نحن الكبار بصغارنا حين كنا نلبس أقنعة لإخافتهم ، لكن لم ينته الأمر عند هذا الحد ، بل أحاطت بنا الأرواح الشريرة من كل جهة ، وأخذت تصرخ وتولول طالبة من الملاكين أن يسلماني إليهم .   (عاشق الوطن )
كما حاولوا إنتزاعي من الملاكين عنوة وبقوة لكنهم لم يستطيعوا ذلك مطلقاً بالطبع ، وقد أستطعت أن التقط من صرخاتهم وأصواتهم البغيضة بعض العبارات التي قالوها مثل : " أنه لنا لقد أنكر الله " 
أما أنا فلما سمعت أتهامهم هذا شرعت أن أدافع عن نفسي ، وأردت أن أقول لهم : " هذا كذب أنه غير صحيح " لكنني وللأسف الشديد تذكرت حادثة حدثت لي خلال سنى دراستي ، وهي إنني ذات يومٍ كنت أستذكر مواد دراستي لدى أحد أصدقائي في بيته ووقتها تناولنا معاً أطراف الحديث كسابق عادتنا حول فلسفة وجود الله ، وشرع صديقي هذا يؤكد لي بالمنطق والفلسفة أنه قد يوجد في الكون قوة غير طبيعية كامنة رغم عدم رؤيته لها ، وقد تكون هذه القوة قد تآلفت مع أنواع أخرى من القوى وأحدثت هذا الكون كأثر لها ، أما أن نؤمن بوجود إله فهذا شئ يختلف مع العقل والمنطق ، وبالتالي ليس هناك وجود لله ، ولما قال هذا أمَّنتُ أنا على فكره بقولي : " ربما لا يوجد إله" ، لقد كانت كلمة بطالة تفوهت بها ولا تتفق مع إيماني بوجود الله بالفعل ولما تذكرت هذا صمتُ .
أما هذه الأرواح الشريرة فظلت تتهمني بهذا الاتهام القوي الذي كان دون تبرير مني ، ومن ثم شرعوا يهجمون عليَّ وهم يصرخون بشدة وأحاطوا بنا بغية أعاقتنا من الصعود ، ووقتئذ بدأت أصلي بما كنت أحفظه طالباً المعونة من الله ، وأستشفع بالقديسين الذين تذكرت أسماءهم ، لكنهم لم يأبهوا إلى صلاتي هذه .                 (عاشق الوطن )
فأُلهمتُ في روحي أن أستشفع بالعذراء القديسة مريم والدة الإله التي بمجرد ما ذكرت إسمها ، ظهر للوقت شبه سحابة بيضاء وإلتفت حول جمهور هذه الأرواح الشريرة ، حتى سقطوا بعيداً عني وأختفوا تماماً عن عينيَّ إلا أن جلبتهم وزئيرهم عليَّ لبثا مدويا في أذنيَ فترة طويلة ، لكن بقدر ما خفتُ منهم أُعطيتُ قوة جعلتني أدرك أن هذه الحرب الضروس التي أعترضت طريق صعودنا قد إنتهت تماماً .
ومن فرط الخوف الشديد الذي تملك عليَّ ، لم أستطع أن أدرك ما إذا كنت مستمراً في تحليقي مع الملاكين إلى فوق أم مازلت واقفاً في البقعة التي دارت فيها هذه المعركة الروحية الرهيبة التي كان طرفاها قوات الظلمة التي إعترضت طريقنا والملاكين الذين يصعدان بي ، لكنني لما رأيت اتساع الفضاء الكوني اللانهائي ينتشر من جديد أيقنت أن الملاكين قد استأنفا بي الرحلة إلى فوق ، ولعلهم لم يقفوا البتةً إبان هذه الحرب بل كانت تدور فيما نحن صاعدون ، حتى اعترضت صعودهم والدة الإله العذراء القديسة مريم .
وحدث أنه لما عبرنا مسافة من هذا الفضاء الشاسع أني رأيت نوراً ساطعاً فوقي ، وقد لاح لي كما لو كانت الشمس ، لكني تحققت أن هذا النور يفوق نور الشمس بأضعاف مضاعفة ، وهنا أدركت في نفسي أنه لابد من وجود نوع ما من ملكوت النور - وقد عبر عنها بأنها " ملكوت مملوءة من قوة النور " - وقد أتاني فكري بهذا التعبير لأنني لم أرى ظلاً لهذا النور فتسألت في نفسي كيف يكون نور بلا ظلً ، وللوقت حُملتُ بواسطة الملاكين إلى داخل مجال النور ، الذي لما عاينته كاد أن يفقدني البصر الأمر الذي أضطرني أن أغلق عينيَّ وليس هذا فحسب أنما جعلت أستر وجهي بيديَّ ، لكنه لم يقني تصرفي هذا من شدة توهج النور ، حيث لم تستطع يداي أن تحجبا النور عن عينيَّ .
                       (عاشق الوطن )
فصحتُ في نفسي :" يا إلهي ما هذا ؟... أي نور من النور هذا ؟ .... ولماذا يكون لي بمثابة ظلام دامس ؟.... إنني لا أستطيع أن أنظر وكأنني في ظلام مدلهم ولم أعد أستطيع أن أبصر شيئاً " ، وأخذتُ أفكر في نفسي ماذا سيكون لي فيما بعد وفيما أنا مفتكر هكذا إذا بصوت دوى في الأعالي وكان ذو جلال وقوة وسلطة وحزم ولكن دون غضب يقول : " غير مستعد " 
ولما سمعت هذا الصوت أحسست أن كل شئ في الكون بل كل حبيبة تراب بل أصغر ذرة تتجاوب مع هذا الصوت ، وكانت ملايين الأصداء تُكرر هذه الكلمة : " غير مستعد " وقد قيلت بلغة تفوق طاقة الأذن في السمع والعقل في الفهم والإدراك ، ومع هذا فهي تُدرك وتُفهم بالقلب والعقل وإدراكي لها اتفق مع صحة وقوة وعدل هذا القرار الذي صدر بشأني  
وعقب صدور هذا القرار حدث أن توقفنا للتو عن صعودنا السريع وأخذنا نهبط بذات السرعة التي صعدنا بها ، ووقتئذ لم أدرك أن معنى هذا الحكم الذي صدر يتحتم عليَّ بمقتضاه أن أهبط إلى الأرض ثانية لأستأنف الحياة في الجسد مرة أخرى ، وقد لبثت في عدم إدراكي هذا حتى رأيت فيما أنا أهبط كما في ضباب الصباح حدود مدينة ، حتى بدت لي بوضوح شوارع تلك المدينة المعروفة لديَّ ، ثم رأيت فيما بعد مبنى المستشفى وتعرفت عليه ، وبذات الطريقة التي خرجت بها ولجتُ المستشفى مخترقاً الأسقف والحوائط والأبواب مغلقة ، وأنا محمولاً بواسطة الملاكين حتى غرفة بدت لي مجهولة تماماً وفي هذه الغرفة رأيتُ بعض الموائد المطلية بطلاء قاتم اللون ، وعلى أحدي هذه الموائد رأيت جسدي ممدداً ومغطى بملاءة بيضاء وكان قد تيبس بالموت .
                        (عاشق الوطن )
وكان بالقرب من المائدة التي جثماني مسجى عليها شيخ قصير القامة وطاعن في السن وقد غطى شعر رأسه الشيب ، وكان يرتدي سترة بنية اللون وممسكاً بشمعة يحركها بمحاذاة سطور ذات أحرف كبيرة في كتاب المزامير ، وفي الجهة الأخرى لمحت شقيقتي تجلس بجوار جثماني ، لعلها أُبلغت بوفاتي وقد وصلت لتوها ، وكان زوجها يهمس في أذنيها بكلمات مهدئة ، هذا وقد قادني ملاكي الحارس الذي لم يكن أنبث معي ببنت شفة حتى هذه الساعة ، لكنه عندئذ خاطبني قائلاً : " هل سمعت قرار الله ؟" ، وبعدما كلمني هكذا أشار بيده نحو جسدي الذي كان مسجى على المائدة ، وقال لي : " أدخل وأعدد نفسك " وللوقت اختفى الملاكان تماماً وللوقت أفقت فوجدت نفسي راقداً على سرير في عنبر المستشفى .

انتظروا قريباً الجزء الثالث 

لقراءة الجزء الأول من هنا

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu