Ad Code

الكفن المقدس رحلة الكفن من أورشليم حتى تورينو



ربما لم تسمع به قبل الآن ، إنه الكفن المحفوظ بكنيسة يوحنا المعمدان بمدينة تورينو في إيطاليا ، ذلك الكنز الذي يوقره الملايين وقد حفظته العناية الإلهية خلال عشرون قرناً من دمار الحروب والفيضانات والنار وانقذته من أحقاد البشر وإتلاف الإنسان. 
والكفن من أكثر الأمور حيرة وغموض ، ومما ساعد العلماء في دراسته واعطاهم بعض المفاتيح لحل لغز الكفن هو دراسة السياط الروماني ( الكرباج ) ، ومجاميع حبوب اللقاح الزابلة على سطح الكفن ، وعظام من مدفن في أورشليم ، وصورة فوتوغرافية مكبرة التُقطت بأجهزة حديثة . لكن المفتاح الأساسي هو تلك الصورة الواضحة على الكفن ، وهي صورة شبحية بالحجم الطبيعي لرجل لا يلبس شيئاً وله ذقن وشعر طويل ، ويعبر وجهه عن هدوء عجيب بالرغم من العلامات المخيفة لأثار التعذيب على الجلد والجسد وآثار المسامير وجروح الشوك والحربة ، فتظهر صورة شخصية دقيقة عند مطابقتها مع حوادث صلب المسيح المدونة في الأناجيل ، لتكون بمثابة إنجيل خامس يعلن أن هذه القطعة من الكتان هي نفسها التي كفن بها القديس يوسف الرامي جسد السيد المسيح قبل وضعه في قبره المنحوت في الصخر قرب الجلجثة منذ حوالي الفي عام . 

وصف الكفن 

يبلغ طول الكفن ١٤ قدماً ( ٤,٣٦ متر ) وعرضه ٣ أقدام وسبع بوصات ( ١,١٠ متر ) وحافة عرضها ٣ بوصات حيكت معه أما لونه فهو مائل للصفرة ، والصورة مطبوعة على الكفن بلون ذهبي ويظهر الدم فيها بلون اغمق ، وتوجد في وسط الكفن صورتان للمسيح لا يستطيع من يشاهدهما أن يخفي دهشته وإعجابه. 
وتظهر على الكفن صورة شبحية ( نيجاتيف ) وتظهر اليمين في جهة الشمال وبالعكس كما في مرآة، وهي بالحجم الطبيعي أمامية وصورة خلفيه بالحجم الطبيعي ، والرأس فيهما متقابلتان وهي لشخص قوي البنية لا يلبس شيئاً ، له لحية وشعر طويل على شكل ضفيرة خلف الرأس ، وهو في وضع الدفن اليهودي حيث أن اليدين متشابكتان فوق الحوض ويبدو الوجه في الصورة الأمامية منفصلاً عن الجسم لاختفاء الكتفين ، وتبدو الساقان فيما أسفل الركبتين باهتتين ، وتظهر صورة الظهر أكثر تكاملاً .
ويلف الجسم كله العلامات المخيفة للجلد وتظهر مسيلات دم كثيرة في الرسخين والقدمين والجنب به جرح بيضاوي يبلغ اتساعه حوالي بوصتين يظهر مقابله قدر من الدم في جهة الظهر . أما عن الرأس فهي تحمل آثار أشواك نافذة فالدم ينزف من أماكنها .
أما عن الدم عامةً فهو يظهر رقيقا على الكفن وهو ما يجعل الصورة لغزاً محيرا للعلماء 
من الوهلة الأولى التي تقع عينيك فيها على الكفن لا يساورك الشك في أن هذا الكفن هو للسيد المسيح وبقي أن يقول التاريخ والعلم كلمتيهما  .

تاريخ الكفن 

ظهر الكفن أولاً على مسرح التاريخ في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي ( ١٣٥٧ م) في مدينة ليري Lirey بفرنسا وكان مالكه هو الفارس الشهير جيوفري دي شارني لورد ليري ولكن لا أحد يعرف كيف حصل على هذه الذخيرة المقدسة ، لكن ايان ولسون Ian Wilson المؤرخ الإنجليزي المعاصر أعلن مستشهداً بالاصول التاريخية تتبعه لرحلة الكفن على طول الطريق من أورشليم إلى اديسا في تركيا ثم في القسطنطينية وبعدها في ليري بفرنسا ، كما أوضح في كتابه كيف تنازلت مارجريت حفيدة شارني عن مقتناها النفيس إلى الأمير لويس دوق سافوي حيث صار مملوكاً لعائلة سافوي منذ ذلك الوقت أما دوق سافوي فقد نقله إلى تورينو مكانه الحالي ، ولكي نتتبع تفاصيل هذه الرحلة الشيقة علينا أن نبدأ من فجر الأحد يوم قيامة الرب يسوع من الأموات .

مع الرسل
يحدثنا يوحنا الأنجيلي عن هذا اليوم الذي عاين فيه الاكفان فيقول " فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ وَأَتَيَا إِلَى الْقَبْرِ. وَكَانَ الاثْنَانِ يَرْكُضَانِ مَعًا. فَسَبَقَ التِّلْمِيذُ الآخَرُ بُطْرُسَ وَجَاءَ أَوَّلاً إِلَى الْقَبْرِ، وَانْحَنَى فَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَلكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ.  ثُمَّ جَاءَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَتْبَعُهُ، وَدَخَلَ الْقَبْرَ وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَالْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعًا مَعَ الأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفًا فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ. فَحِينَئِذٍ دَخَلَ أَيْضًا التِّلْمِيذُ الآخَرُ الَّذِي جَاءَ أَوَّلاً إِلَى الْقَبْرِ، وَرَأَى فَآمَنَ يو 8-3:20 ".
وبذلك يكون تلاميذ السيد المسيح هم أول من إكتشف صورة يسوع المسيح على الأكفان ولا شك أنهم قد اعترتهم الدهشة وقتها فاحتفظوا بها مقدمين لها كرامة عظيمة .

في اديسا Edessa

اديسا هي مدينة في اورفا الحالية بتركيا وكانت مملكة مستقلة خارج الإمبراطورية الرومانية وهي تقع في منطقة عبور التجار لذلك نشطت الحياة فيها واذدهرت تجارتها ، وكانت تتكلم السريانية . وتخبرنا السجلات التاريخية لمدينة اديسا ومخطوطات وادي النطرون والسنكسار الكنسي أن أبجر ملك اديسا ( ١٣ - ٥٠ م ) آمن بالمسيحية بواسطة تداوس الرسول ، فيذكر يوسابيوس أسقف قيصرية ( ٣٢٥ م ) في كتابه تاريخ الكنيسة أن أبجر كان قد أصيب بمرض الشلل وأرسل إلى أورشليم يدعو المسيح ليشفيه من مرضه بعد سماعه عن معجزات الشفاء التي كان يصنعها يسوع ، ولكن يسوع لم يذهب ووعده بأنه سوف يرسل واحدا من تلاميذه ليشفيه وقد روى يوسابيوس الرسائل المتبادلة بين السيد المسيح  وأبجر حيث كانت مسجلة في سجلات اديسا الرسمية   
ولكن كيف انتقلت الأكفان من أورشليم إلى اديسا ببلاد الرها ؟! .
بعد صعود المسيح إلى السماء وفي القرن الأول الميلادي كانت الأكفان في حوذة الرسل وكانوا يحرصون عليها ، وكان اليهود حديثو الإيمان بالمسيحية مازالوا متأثرين ببعض العادات اليهودية ومنها أن لمس الميت أو أكفانه ينجس الإنسان ، لذلك رأى التلاميذ أن يرسلوا الأكفان إلى الملك أبجر إتماماًً لوعد المسيح له ولابعادها عن هؤلاء اليهود ، وعلى ذلك حملها تداوس الرسول إلى اديسا ، ولكنه رأى أن عرضها وهي منبسطة أمام الملك ، وتحمل آثار الموت بهذه الطريقة الشنيعة قد يثير عدم تقبل الملك ، فقرر القديس تداوس بمعاونة صانع الأقمشة الملكية أن يطووا الأكفان بحيث لا يظهر منها سوى صورة الوجه فقط كما قام باحاطتها بإطار من القماش .
وعندما دخل القديس تداوس أمام الملك وكان رافعاً الأكفان فوق رأسه أن انبعث منها نور عظيم وهاج انبهر الملك حين رآه كما أحس أن قوة الشفاء قد سرت في جسده فآمن بالمسيحية هو ومملكته وأمر فناني المملكة أن يصنعوا من الصلصال المحروق تشابه صورة وجه السيد المسيح على الأكفان ووضعت فوق بوابة المدينة الغربية وكتبت تحتها عبارة " المسيح الرب ... من يؤمن به لا يخزى " .
وظلت اديسا تتمتع بالإيمان المسيحي حتى اعتلى العرش مانو السادس ابن الملك أبجر وهذا ارتد إلى الوثنية واثار اضطهادا على المسيحيين ، وفي ذلك الوقت خشى اسقف اديسا على الأكفان وكانت ذات شهرة عظيمة بين أهالي اديسا وكانت تعرف باسم " الصورة التي لم ترسمها يد إنسان " ، فاخفاها في أعلى البوابة الغربية للمدينة وهو أعلى مكان مرتفعفي المدينة وبنى فوقها بالطوب ووضع أمامها مصباحاً ( وتوجد في قصر بكنجهام بانجلترا صورة أثرية تمثل هذه التخبأة) ، ومات الأسقف فجأة دون أن يخبر أحداً بمكانها إلا أن سكان اديسا ظلوا يقدسون تلك البوابة على أنها هي التي دخل منها تداوس الرسول حاملاً بشارة الإيمان دون أن يعلموا أن الأكفان مخفاه داخلها .
وظلت الأكفان محفوظة في أعلى البوابة وفي سنة ١٧٧ م تولى أبجر الثامن عرش اديسا وجدد التسامح مع المسيحيين ، فظهر الصليب على تاجه في صورته المنقوشة في عملات تلك الأيام ، ولكن مكان الكفن ظل مجهولاً ، فكان تركيز الاهتمام على الرسائل المتبادلة بين السيد المسيح وابجر ، وظل الكفن مجهولاً لعدة قرون ومحفوظاً في مقصورته بأعلى البوابة الغربية للمدينة . وكان ذلك بتدبير من الله حيث نجت الأكفان من دمار الفيضانات الثلاثة التي أغرقت المدينة في سنة ( ٢٠١ ، ٣٠٣ ، ٤١٣ م ) وكان اخطرها طوفان عام ( ٥٢٥ م ) والذي تسبب في هدم العديد من القصور والكنائس والأماكن الأخرى ، ولم يكن ممكناً أن تنجو إلا في المكان الذي وضعت فيه لأنه أعلى موضع في المدينة .
وأعيد اكتشاف الأكفان فوق بوابة المدينة أثناء مهاجمة كسرى ملك الفرس لبوابة المدينة وكانوا يلقبون الأكفان بالمنديل ( Mandylion ) وكانوا يثقون أن الأكفان هي سبب نجاتهم .
وعقب فيضان ٥٢٥ م والذي هُدمت فيه كاتدرائية اديسا الكبرى بنى المسيحيون كاتدرائية عظيمة في أيام الملك جستنيان على طراز اجيا صوفيا حُفظت فيها الأكفان في مقصورة خاصة عن يمين الكنيسة كانت تفتح مرتين في الأسبوع للزائرين ليشاهدوا صندوق الأكفان الموضوع خلف حجاب حديدي ، وكان الصندوق يخرج من خزانته مرتين كل عام ويُحمل في احتفال عام يطوفون به الكنيسة ثم يعاد بعد الاحتفال إلى مكانه في الهيكل ، وكان الأهالي يرددون تسبحة خاصة بالكفن وهي ( كيف نستطيع نحن بعيون مائتة أن نتطلع إلى هذه الصورة .... التي لا تتجرأ طغمات الملائكة في السماء أن تتطلع إلى بهائها... الساكن في السماء تنازل اليوم ، أن يزورنا في هذه الصورة ...الجالس على الشاروبيم يزورنا اليوم في صورة ... رسمها الآب بيده الطاهرة التي بلا دنس ... بطريقة لا يمكن إدراكها ، ونحن نسجد لها بخوف ورعدة..) .
أما عن الأكفان نفسها فلم يكن يُسمح لأحد برؤيتها سوى رئيس الأساقفة في نهاية قداس الإحتفال فكان يمسحها برقة باسفنجة يغمسها في ماء ويرش به على المصلين ، وفي سنة ٦٣٩ م استولى المسلمون على اديسا من البيزنطيين ، من سنة ٧٢٣ م إلى ٨٤٢ م كانت حركة تحطيم الصور لكن الكفن نجا من حركة التحطيم بوجوده في كنيسة أم الإله لليعاقبة.  

الأكفان في القسطنطينية. 
ظلت الأكفان محفوظة على مدى أربعة قرون في اديسا وظلت تعرض على الشعب حتى سنة ٩٤٣ م ، وحينما صارت اديسا جزءاً من بلاد الخلافة العربية رأى الامبراطور رومانوس أن ينقل الأكفان إلى القسطنطينية عالماً أن أهل مدينته سوف يدينون له بالثناء على جلب هذا الأثر المسيحي الهام فأرسل أكفأ قواده في أغرب الحملات التاريخية الناجحة حيث توجه القائد كوركواس بجيشه مخترقاً الأراضي الإسلامية حتى قرب حلب وحاصرها سنة ٩٤٣ م ولم يكن من الهين على أهالي اديسا تسليم الأكفان لكنهم خضعوا تحت تهديد الوالي المسلم الذي سلم الأكفان للقائد كوركواس وهذا لم يتسلمها بنفسه بل أناب الأب ابراهيم أسقف ساموساطا والذي تحقق من الأكفان كما تسلم نسخة من مراسلات الملك أبجر ، ومما لا شك فيه أن ذلك كان بتدبير من العناية الإلهية للمحافظة على الأكفان فقد استولى الأتراك فيما بعد على مدينة اديسا ونهبوها وهدموا المدينة وخربوها سنة ١١٤٦ . 

وصلت الأكفان إلى القسطنطينية في ١٥ أغسطس عام ٩٤٤ م وكان ذلك اليوم موافقا لعيد صعود جسد السيدة العذراء فطافوا بالاكفان وهي في صندوقها حول المدينة يتقدمهم الملك والكهنة وهم سائرون على الأقدام وهم يرتلون المزامير واستقرت الأكفان في هيكل الفنار وهو جزء من حجرة العرش بالقصر العظيم في الجنوب الشرقي لمدينة القسطنطينية القديمة وكان أشبه بالحصن ونظام الحراسة فيه كان مشددا وكان محفوظا فيه بعض أدوات الصلب وجزء من خشبة الصليب ، ولم يكن يسمح بزيارة هذه الآثار المقدسة إلا لمن يدعوه الإمبراطور فكانت المشاهدة محصورة بين العائلات الملكية واعداد محدودة من أفراد الحاشية ، ولم تكن المحافظة على هذه الآثار هي الاعتبار الوحيد لتشديد الحراسة بل أن تقديس هذه الآثار المقدسة عن أن تكون نهباً لنظر الناس وفضولهم حسب ما كانت العقلية البيزنطية تميل إلى الاحتفاظ بالأشياء المقدسة في سرية كاملة .
وإن كانت هناك إشارات إلى أن الأكفان حُملت في مواكب أحدها في سنة ١٠٣٦ م أيام الامبراطور ميخائيل بافلاجوس حيث عرضت معها نسخة من خطاب السيد المسيح إلى الملك أبجر ، ومرة أخرى سنة ١٠٥٨ م ولكن في جميع هذه العروض لم تخرج الأكفان من صندوقها .
كانت صورة وجه السيد المسيح على الأكفان موضع اهتمام وتقديس عظيمين في القسطنطينية وكانت موضع إلهام للفنانين وقد سجل أحد الفنانين صورة وجه السيد المسيح في أيقونة وجدت بدير سانت كاترين بسيناء ، وظلت صورة وجه السيد المسيح على الكفن الذي يخفي في طياته الصورة الكاملة للسيد المسيح طيلة هذه القرون .
وإذ أراد أحد المسيحيين الأتقياء أن يجدد الإطار قام بفك خيوط الذهب التي حيكت بها وفك ضفائر النسيج على حافتها وقام بفرد الكفن . وكانت المفاجأة إذ لأول مرة منذ أيام الرسل رأي أمامه صورة كاملة للمسيح من الأمام والخلف ، وانتشر الحديث عن الكفن لا عن صورة لوجه المسيح بل أيضا عن صورة الجسد كاملة .
ومما جاء في كتابات رجال ذلك العصر أن صورة المسيح على الأكفان ظهرت للجسد كله بطريق
بطريقة إلهية حتى أن كل من لم يرى السيد المسيح نفسه يستطيع أن يرى صورته على القماش .
وفي بداية القرن الحادي عشر ظهرت صورة لدفن المسيح تظهر فيها قطعة من الكتان يبلغ طولها ضعف طول السيد المسيح وواضح في الصورة أنها الأكفان وتنتشر هذه الصورة في كافة كنائس واديرة انجلترا وروسيا وسويسرا ويوغوسلافيا كما توجد هذه الصورة في كتب الصلوات الكنسية وفي سنة ١٠٩٣ م وردت قائمة المخلفات الدينية بالقسطنطينية وذكرت من بينها اكفان السيد المسيح .

سنوات الاختفاء ( ١٢٠٤ - ١٣٥٠ م )
كتب روبرت دي كلاري Robert de Clari مؤرخ أخبار الحروب الصليبية الرابعة أنه شاهد الكفن سنة ١٢٠٣ م ولكنه اختفى في العام التالي حينما استولى الصليبيون على العاصمة البيزنطية ، ونهب رجال الحملة الصليبية الرابعة القسطنطينية ونقلوا كثير من آثارها وكنوزها المسيحية إلى أوروبا ويضيف بقوله " ليس يوناني أو فرنسي يعلم بما حدث للكفن بعد أن أُخذت المدينة " .
فأين كانت الأكفان في هذه الفترة ؟! ، يجيب ايان ولسون المؤرخ والباحث المعاصر أنه كانت توجد مجموعة من الفرسان الفرنسيين أطلقوا على أنفسهم فرسان المسيح أو فرسان المعبد حيث أقاموا لهم مقرا بقطعة أرض ملاصقة لهيكل سليمان في أورشليم وكانوا أغنياء حيث انضم إليهم ملوك ونبلاء فحصلوا على ثروات طائلة كما ساندهم بعض الباباوات . وكونوا لهم حامية عسكرية فازدادوا قوة حيث أنهم استطاعوا تمويل الحملة الصليبية الرابعة التي هاجمت القسطنطينية وذاع صيتهم واشتهروا بأنهم فرسان صليبيون باسلون وامتدت جماعتهم فبنوا حصون كثيرة في أوروبا والشرق أيضا ، واتجهوا إلى تجارة الآثار التي بيعت كغنائم من الحرب الصليبية الرابعة وفي هذه الأونة حصلوا الأكفان وتمكنوا من حراستها حراسة محكمة حيث توافرت لديهم إمكانيات إخفائها لمدة طويلة ولم يكن أي جرم على اجتماعاتهم النهارية لكن اجتماعاتهم في منتصف الليل وراء ابواب مغلقة بإحكام كانت مثار شكوك وريبة . وكان على الاعضاء الجدد الذي ينضمون إلى الجماعة أن يتعهدوا بأن لا يكشفوا عن تفاصيل المراسيم المتبعة لانضمامهم . فشاع عنهم في بدء القرن الخامس عشر أنهم يخفون رأساً يقدسونها إلى حد العبادة ، فيسجدون أمامها ويقبلونها ويدعونها مخلصهم وكانوا يتمنطقون بحبال بعد أن يربطوها حول الرأس المقدسة.  ولم تكن هذه الرأس سوى صورة السيد المسيح على الكفن فإنهم كانوا قد حصلوا على الأكفان مطوية فلم يظهر منها سوى صورة وجه السيد المسيح ، وكانت رؤية الصورة امتيازا خاصا لدائرة ضيقة من فرسان المعبد وكانت عبادتهم السرية هي تكريم صورة مخلصنا على الكفن ولكن السرية الشديدة أثارت الشكوك والشائعات حولهم مما جعل الملك فيليب ملك فرنسا ينتهز هذه الفرصة فيتهمهم بعبادة الأوثان متخذاً ذلك سببا للهجوم عليهم وباغتهم في يوم ١٣ أكتوبر عام ١٣٠٧ م وأصدر أمرا بالقبض عليهم في سائر الولايات ونهب ثرواتهم وقدم قادتهم لمحاكم التفتيش وحكم عليهم باحكام التعذيب والموت .
وكان الفرسان قد تمكنوا من إخفاء الكفن الذي كانوا يحتفظون به في خزائن عكا حتى سنة ١٢٩١ م وبعد سقوط عكا نقلوه إلى صيدا ومنها بالبحر إلى قبرص . وفي سنة ١٣٠٦ نقله جاك دي موليه إلى مارسيليا ومنها إلى باريس حيث وضع في معبد الفرسان في ذلك الحصن المقابل للقصر الملكي وقد نجحوا مرة أخرى في تهريب الأكفان بعد نزع إطارها بواسطة رئيس المنظمة في نورماندي وهو جيوفري دي شارني قبل أن يقبض عليه الملك مع زميله دي موليه ويحكم عليهما بالموت حرقاً في سنة ١٣١٤ م ومصادرة املاكهما .

الكفن في ليري Lirey

جيوفري دي شارني من ليري بفرنسا سنة ١٣٣٧ ، وهو غير جيوفري دي شارني من نورماندي السابق ذكره والذي مات حرقاً وإن كانت بينهم صلة قرابة ، فورث عنه الكفن فكان أول من امتلك الكفن في أوروبا الغربية وكان من أعظم قواد فرنسا وكان مستقيما شجاعا . وبذل جهدا عظيما حتى حصل على تصريح من ملك فرنسا جون الطيب Gohn the Good ببناء كنيسة في ليري ، وبالفعل تم بناؤها في سنة ١٣٥٦ م ونقلت إليها الأكفان . لكن جيوفري مات في معركة بواتييه فورثت ارملته هذا الأثر المقدس ؛ وبسبب حاجتها إلى المال اتفقت مع كهنة الكنيسة على عرضه على الشعب فاجتذبت جماهير كثيرة لأنه عرض بطوله الطبيعي وليس مطوى ولا في صندوق بالرغم من الاحتياطات التي اتخذتها لعدم لمسه أو العبث به ، كما سكت ميداليات تذكارية له .
لكن أسقف بواتييه التابعة له الكنيسة أمر بإيقاف العرض وظلت الأكفان في مقصورتها ولا يراها أحد من الشعب . حتى حصل ابن جيوفري على إذن بعرضها سنة ١٣٨٩ م وبعد موته انتقلت الأكفان إلى ملكية ابنته مارجريت وهذه عرضتها في ميلانو وفي تورينو عرضا عاما . وقد عين البابا يوليوس يوم ٤ مايو عيدا سنويا للكفن المقدس ، ولأسباب غير معلومة تنازلت مارجريت حفيدة شارني عن مقتناها النفيس إلى لويس دوق سافوي سنة ١٤٥٣ م ، ربما لأنها رأت أن عائلة سافوي قوية وغنية وجديرة بحماية الكفن . فصار الكفن من ذلك الوقت في حيازة عائلة سافوي ، وبنى الدوق لويس كنيسة خاصة بالكفن في تشامبري Chambery سميت الكنيسة المقدسة La Sainte Chapelle وفي سنة ١٤٦٤ م ذاعت شهرة الأكفان حيث زار الكنيسة الراهب اللاهوتي فرانسيسكو الذي قال في مقالة عنها أنها مازالت تحمل دم السيد المسيح. 
وبعد موت لويس دوق سافوي سنة ١٤٧١ م امتلكها ابنه فقام بعمل توسعات في الكنيسة ، وأقيمت احتفالات عظيمة أودعت بعدها الأكفان في خزانتها الحديدية خلف المذبح المرتفع واُحكم إغلاق أبوابها .

حريق مروع 

في ليلة ٣ ديسمبر سنة ١٥٣٢ م حدث حادث مؤسف هو أنه اندلعت النيران في غرفة الأشياء المقدسة وملابس الكهنة في الكنيسة ( وإن كان هذا الحادث أضفى أهمية عظيمة على الدراسات الحالية للكفن حيث ألقى الأضواء على طبيعة الصورة المطبوعة على الكفن وامدنا بمعلومات كثيرة في الأبحاث ) ، ونجح اثنان من الرهبان الفرنسيسكان في إخراج صندوق الكفن خارج الكنيسة وصبوا كثيرا من الماء فوقه ، ولكن بعض قطرات الفضة المنصهرة من شدة النيران تساقطت من الصندوق واحدثت حروقا بين طيات الكفن ، والصورة نفسها قد نجت بمعجزة ولكن الماء المستخدم في الاطفاء ترك بقعاً واسعة فوق قماش الكفن.  وقد رتقت أماكن التلف بواسطة راهبات كلاريس في تشامبري مستخدمات كسوة المذبح وزودنه ببطانة من قماش خاص .
وشاع في هذه الفترة بين الناس أن صورة الكفن قد أتلفتها النيران فدحضاً لهذه المزاعم عُرض الكفن في سنة ١٥٣٤ م عرضاً عاماً للشعب . وفي سنة ١٥٣٥ م نُقل الكفن إلى بيدمنت وعُرض في تورينو في ٤ مايو من نفس السنة ، وعُرض عرضاً آخر في سنة ١٥٣٦ م بميلانو. 

الكفن في تورينو Turin 

تعرضت الدوقية للغزو من فرنسا فنُقلت الأكفان إلى نيس سنة ١٥٤٩ م وعادت مرة أخرى سنة ١٥٦٠ م وعُرضت على الشعب وسط احتفال بهيج استقرت بعده في مقصورتها بكنيسة تشامبري .
وفي سنة ١٥٦٨ نقل إيمانويل فيلبرت دوق سافوي عاصمته من تشامبري إلى تورينو ونقل الأكفان معه إلى عاصمته الجديدة تورينو في منطقة بيدمنت Piedmont في شمال غرب إيطاليا. 
وعرضت الأكفان في تورينو عدة عروض في السنوات ١٨٠٤ ، ١٨١٥ ، ١٨٤٠ ، ١٨٦٨ ، وفي سنة ١٨٩٨ م حيث التقط بيا Pia أول صورة للكفن وفي سنة ١٩٠٢ م كانت أول دراسة علمية للكفن من دراسة الصور وفيها أعلن دكتور يفز ديلاج Dr. Yves Delage في جامعة السوربون وهو استاذ ملحد صحة الكفن .
ومن ٢٤ سبتمبر إلى ١٥ أكتوبر سنة ١٩٣٣م عُرض الكفن في تورينو بمناسبة السنة المقدسة وذكرى مرور تسعة عشر قرنا على صلب المسيح.  وبذلك استقرت الاكفان في تورينو حتى يومنا هذا فيما عدا فترة سبع سنوات خلال الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٣٩ م حيث نقلت إلى اديرة جبل فيرجينية لضمان سلامتها ثم اعيدت إلى تورينو ، حيث استقر الكفن في نهاية رحلته ملفوفاً بالحرير وموضوعاً في صندوقه ومحفوظاً في خزانته وسط المذبح المرتفع في كنيسة يوحنا المعمدان في تورينو .

كان هذا تاريخ رحلة الكفن من أورشليم إلى تورينو مكانه الحالي انتظروا قريبا رأي العلم في الكفن 

















إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu