ومن ذلك التاريخ بدأت دراسة الكفن علمياً فقامت مجموعة من أساتذة جامعة السوربون بباريس بدراسة صور الكفن واستمرت الدراسة من سنة ١٩٠٠ م إلى سنة ١٩٠٢ م ووجدوا صورة الكفن نسخة مطابقة تماماً لقصة صلب المسيح في الانجيل .
وفي سنة ١٩٣١ م قامت مجموعة من الأوروبيين من تخصصات مختلفة بدراسة الكفن وكان على رأسهم دكتور باربيه الذي قام بدراسة مجموعة حديثة من الصور الفوتوغرافية التي التقطها سنة ١٩٣١ جُسِب آنري .
حتى هذا الوقت كان الكفن قد دُرس بالكامل عن طريق الصور الفوتوغرافية ، وقامت مجموعة من المتحمسين للكفن تدعو إلى دراسة الكفن دراسة علمية ليست من الصور فقط ولكن بدراسة الكفن نفسه .
وقد اُستُجيب لهذه الدعوة وطُرح بعد ذلك الكفن للدراسة العلمية فتقرر في ١٦ يونيو سنة ١٩٦٩ م تكوين أول لجنة علمية لدراسة الكفن ، فاجتمعت جماعة صغيرة أمام المذبح العلوي بهيكل الكنيسة الملكية بتورينو في ايطاليا وصلى الكاردينال القداس وصعد أحد الكهنة درجات السلم الصغير خلف المذبح ليصل إلى مقصورة الكفن ففتح الحاجز الحديدي ثم الخزانة وأخرج الكفن من صندوق وبسطه على مائدة طويلة التف حولها العلماء الذين وقفوا مبهوتين ومندهشين من رؤيته وقد علّق أحد العلماء قائلاً أن مجرد الرؤية تظهر أنه ليس مجرد صورة بل كفن .
وبدأ الفحص العلمي الأول وكان بينهم رئيس معمل الآشعة في تورينو ومدير معهد الطب الشرعي في جامعة ميلانو ورئيس المتحف المصري في تورينو وهو خبير عالمي في دراسة تاريخ المنسوجات ومدير المتحف الفني في بيدمنت ، ولم يكن جميعهم مسيحيين فكان أحدهم ملحداً .
وظل الكفن يومي ١٦ و١٧ يونيو سنة ١٩٦٩ م على مائدة الدراسة التي استخدمت فيها الميكروسكوبات والآشعة تحت الحمراء . وانتهت الدراسة بعقد مؤتمر علمي أعلن فيه أن الكفن في حالة جيدة جدا والمحافظة عليه كانت ممتازة كما أوصى المؤتمر بالدعوة لإجراء سلسلة مستقبلة من التجارب وفي يوم ١٨ يونيو أعيد الكفن إلى خزانته الحديدية فوق المذبح ليركن إلى الراحة لفترة أربع سنوات ، ولم تخرج دراسات سنة ١٩٦٩ م بمعلومات جديدة .
وفي ٢٢ نوفمبر سنة ١٩٧٣ م كان أول عرض تليفزيوني للكفن وأمكن مشاهدته على شاشات التلفزيون في أوروبا وعرضت الأكفان رأسياً في إطار من الخشب فكان من السهل مشاهدة الكفن بألوانه الطبيعية ومما أدهش العلماء أنه كان نظيفاً بدرجة عالية ومازال في نضارته فالنسيج لم يُصب بأي درجة من التحلل ومع أن اللمس كان محرماً لم يستطع العلماء مقاومة الاغراء فلمسوها بلطف وحرص شديد ووجدوها خفيفة وناعمة الملمس كالحرير ، وبعد العرض التلفزيوني العام بدأت الدراسة الشاملة للكفن فانضم إلى اللجنة السابقة علماء آخرون كان يتقدمهم عالم في الطبيعة من تورينو لتقدير عمر الكفن ، وعالم متخصص في تحليل الدم ومدير قسم الكيمياء من جامعة تورينو وعالم ذو خبرة متخصصة في دراسة النسيج.
وبعد دراسة الكفن وفحصه فحصاً علمياً دقيقاً أُخذت عينات من النسيج فأُخذت أقصوصتين وسبعة عشر خيطاً من خيوط الكفن كعينات للدراسة من أماكن مختلفة من القماش بواسطة ابرة دقيقة ومقصات وملاقط ميكروسكوبية معقدة خشية التلوث مع مراعاتهم عدم التسبب في أدنى إتلاف للكفن ، ووضعت العينات في ظروف من البولي ايثلين ( البلاستيك ) عليها بطاقات الفحص وأعيد الكفن إلى خزانته وخُتم بخاتم الكاردينال .
وحصلت هذه الجماعة من العلماء على اكتشافات عديدة مدهشة أثبتت فيها أن الكفن يعود إلى قرون من السنين وكان موجوداً بفلسطين والصورة المطبوعة عليه صورة لم ترسمها يد بشرية ، وقد اعتمدت اختباراتها على دراسة حبوب اللقاح العالقة بقماش الكفن وعلى دراسة خيوط الكفن تلك التي أُرسلت إلى خبير النسيج العالمي بروفسير جلبرت رايس G . Raec بجامعة غنت ببلجيكا لاختبارها .
في ٢٣ مارس سنة ١٩٧٧ م في مدينة البوكيرك Albuquerque في نيو مكسيكو اجتمع أول مؤتمر بالولايات المتحدة الأمريكية لعمل أبحاث على الكفن فاجتمع أربعون من العلماء من كافة التخصصات وكان من بينهم بعض رجال الكنيسة وممثل عن الفاتيكان وآخر عن الكنيسة الأسقفية وثالثاً عن الكنيسة الانجليكانية. وفي هذا الاجتماع بدئ في اتخاذ خطة منظمة لاختبار الكفن علمياً في العام التالي عند عرضه في العرض العام في تورينو ، وبمعاونة الأب بيتر رنلدي Peter Rinaldi وهذا إيطالي الموطن وخدم لسنين عديدة ابروشيته بالولايات المتحدة قبل عودته إلى تورينو والأب آدم اتربين Adam Atterbin وهو عضو متحمس في جماعة الامريكين المهتمين بالكفن أمكن الحصول على تصريح رسمي للدراسة وكان لابد أن يؤخذ تصريح من ملك ايطاليا السابق امبرتو الثاني وهو المالك القانوني للكفن كرأس لعائلة سافوي ، وقد أعطى موافقة من منزله بالمنفى في البرتغال وموافقة بابا روما وموافقة استاسيو باللستريد رئيس أساقفة تورينو وهو المستأمن على الكفن للحفاظ عليه .
وكانت الموافقة بشرط عدم إجراء اختبارات مُتلفة للكفن وهكذا ظهر للوجود مشروع البحث العلمي المتخصص للكفن ، وقد بدأ فريق الباحثين بعمل الترتيبات واعداد الأجهزة العلمية ووضع خطة لاختباراتهم .
في سنة ١٩٧٨ م عُرض الكفن عرضاً شعبياً في الفترة من ٢٧ أغسطس حتى ٨ أكتوبر وفي خلال ستة اسابيع العرض حضر إلى تورينو أكثر من ٣ مليون سائح كان من بينهم عدة مئات من المتحمسين لدراسة الكفن الذين أطلقوا على أنفسهم اسم " المهتمون بالقماش الفاخر Sindonologists " .
وفي مساء الأحد ٨ أكتوبر بعد انتهاء أيام العرض وبمغادرة أخر زائر للكاتدرائية بدأت دراسة الكفن ، وكانت الكاتدرائية تتلألأ بالأنوار الغامرة وفي مكان مرتفع فوق المذبح كان الكفن محفوظ خلف زجاج لا يخترقه الرصاص ، فأُخرج من صندوقه المملوء بالنتروجين ونُقل إلى القصر الملكي الملحق بالكاتدرائية. وفي القاعة المموهة بالذهب والبللور والتي كانت تُستخدم في وقت ما لاستقبال الملوك كان العلماء مجتمعون لدراسة الكفن.
وكان العلماء فريقين ، أحدهما من الإيطاليين ومنضم إليهم خبير سويسري والفريق الآخر من الأمريكيين وقد احضروا معهم ٧٢ صندوق من الأجهزة العلمية الحديثة والمهمات الإليكترونية. وقد عُملت منضدة طويلة مائلة أمكن إبقاء القماش مثبتاً بمغنطيسات وقُمط وما أن تم فرده حتى لوحظ أن النسيج كان جيد الحفظ ومُصاناً باعتناء شديد وله ليونة مدهشة وإن كان لونه يميل للصفرة بفعل سنوات الزمن الطويلة وكذلك يبدو مجعداً وتظهر عليه علامات الثنيات ، وتجمع الحاضرون حول الكفن ولم يكن معظمهم قد رآه من قبل . وفي الليلة الأولى كان الأوروبيين هم المسئولون عن الكفن وكان الأمريكيون يراقبون وفي هذه الدراسة أمكن للخبير السويسري وهو عالم نبات أن يحصل على عينات من التراب والمواد العالقة بالكفن ، وعندما ألصق شريطا لاصقا على سطح الكفن ونزعه لجمع العينات أحدث صوتا مسموعا دون أن يتلف القماش مما جعل الجميع يتحققون أن الكفن بحالة جيدة ويتحمل عمليات الفحص والدراسة.
وحينما أتى دور العلماء الأمريكيين أشرف عليهم دكتور جمبر ودكتور جاكسون وهما من أكثر العلماء تحمسا للدراسة وكانت التجارب لمدة خمسة أيام متتالية ( مائة وعشرون ساعة متواصلة ) واشترك في الدراسة أكثر من خمسة وعشرون باحثا ، وأُخذت العديد من الصور بأجهزة عصر الفضاء والمصممة لدراسة القمر والمريخ ، كما أُخذت عينات من خيوط الكفن عليها آثار الدم لفحصها ، كما أُخذت عينات دقيقة من مساحة تحمل الصورة لتحليلها بواسطة جهاز ( ميكروبروب أيوني) وتحت إشراف دكتور ماك كرون قاموا بتجاربهم لتحديد طبيعة الصورة بمقياس الأطياف ( هذا الجهاز يستخدم لتحليل النظائر على سطح القمر والمريخ لمعرفة وجود سابق وجود ماء من عدمه ) ، وكان من أهم ما حدث حصول العالم ماك كرون على خمسين قطعة من شريط لاصق وضعت في أماكن هامة من الكفن من مناطق تحمل صورة الجسد والدم ومن مناطق أخرى ليس عليها آثار من الصورة وبدراسة الفرق بين عناصر كل هذه العينات أمكن تحديد طبيعة الصورة بعد إجراء التحليلات الطيفية ، وربما لم يتعرض أي موضوع فني أو أثري لمثل هذه الاختبارات المستفيضة ، فقد أطلق العلماء اشعاعا فوق بنفسجي وأشعة اكس وفي هذه الدراسة قاموا بقياس الاختلافات في كيفية انبعاث أو انعكاس الطاقة من الصورة والرسم وأرضية الكفن خلال مجال واسع من الطيف الكهرومغناطيسي ، وعن طريق الآشعة الحمراء والفوق بنفسجية وبالدراسة الطيفية بواسطة جهاز الميكروبروب الايوني أمكن تحديد وجود الدم والقطع بعدم وجود أي صبغات من المستخدمة في التلوين ، وأُخذت صورة دقيقة لكل بوصة مربعة من الكفن للدراسة العلمية التفصيلية.
وانتهى عمل الباحثين مساء يوم الجمعة ١٣ أكتوبر وتم لف الكفن في حرير أحمر ووضع في صندوقه وأعيد إلى الكنيسة ليحفظ أعلى المذبح المرمري خلف الشباك الزجاجي في خزانته حيث كان ماكثا لقرون طويلة ..
وأنكب الباحثون في معاملهم وبأجهزتهم التي تزن ستة أطنان على عملهم الشاق لتحليل البيانات والصور ودراسة العينات لاستخلاص النتائج
النتائج من فحص الكفن بواسطة الخبراء
بعد التقاط أول صورة للكفن في سنة ١٨٩٨ م لفت أنظار دارسي الطب صورة الجسد المضبوط تشريحيا فقامت الدراسات من خلال الصور التي التقطت للكفن ، وقد قام فريق كبير من علماء جامعة السوربون بباريس بدراسة خاصة لصور الكفن مع مطابقتها لأساسيات الطب والطب الشرعي واستمرت هذه الدراسة من سنة ١٩٠٠ الى سنة ١٩٠٢ م من خلال صور بيا .
وفي سنة ١٩٣١ م قام فريق آخر من العلماء من تخصصات مختلفة بدراسة بدراسة صور الكفن التي التقطها جوسيب أنري وكان على رأسهم دكتور باربيه Piere Barbet مدير مستشفى القديس يوسف بباريس وكانت مجموعة كبيرة من العلماء اشتركوا معه في الدراسة ومنهم دكتور فينون استاذ البيولوجي بجامعة باريس ودكتور جيوفاني استاذ الطب الشرعي بجامعة ميلانو وعديد من الأساتذة الآخرين والعلماء المتخصصين ومنهم دكتور فينسانت من مرسيليا ودكتور جيدو من روما وهكذا كان على رجال الطب والجراحة والآشعة والطبيعة أن يقولوا كلمتهم في الكفن .
تتحدث الأكفان أن المسيح صُلب ودُفن وقام فهي تحكي قصة الصلب بدقائقها في آثار الجراحات الخمسة والجلد القاسي والأشواك والحربة وكان أول من أعلن ذلك رئيس بعثة الدراسة الأولى للكفن سنة ١٩٠٠ م استاذ البيولوجي بالمعهد الكاثوليكي بباريس وكان ملحداً وبعد الدراسة التي قام بها للكفن القى محاضرة سنة ١٩٠٢ م عنوانها : " صورة المسيح على الكفن " .
وتجمعت نتائج الدراسات العديدة للكفن بين يدي العلماء فاثبت دكتور باربيه بعد دراسات استمرت لأكثر من عشرون سنة وقد أصدر كتاباً بهذا الصدد يعاد طبعه بين الحين والآخر حتى هذا اليوم أن الجروح على الكفن هي نفسها جروح المسيح يسوع ، وأعلن دكتور هيرمان استاذ الأشعة من كولونيا بألمانيا أن آثار الصلب صحيحة على الكفن .
وفي إيطاليا اثبت استاذ الطب الشرعي بجامعة ميلانو أن الدم النازف من الجسد المعذب قد طبع صورته على الكفن .
وفي سنة ١٩٦٠ م أعلن دكتور دافيد بانجلترا أن المسيح مات مصلوباً بغير جدل معتمداً على دراسة الكفن تشريحياً .
وفي الولايات المتحدة قام دكتور سافا بدراسة جرح الجنب الناتج عن طعنة الحربة وأثبت أنها حربة رومانية طعنت الجسد بعد الموت وهو في وضع معلق وهذا موافق تماماً لحوادث الأنجيل .
وتتبع دكتور بكلن Robert Bucklin أستاذ الباثولوجي المعاصر بجامعة كاليفورنيا مظاهر الصلب على الكفن وقام بدراسة متخصصة أعلن بعدها أن الكفن يحمل لنا آثار الصلب بدقة وبراعة عجيبة إذ يتوائم كل جرح ومسيلات الدم النازفة منه مع طبيعة الأصابة التي نالها .
مسيلات الدم
مما لفت نظر العلماء من دارسي الكفن شكل ( الانسكابات الدموية ) النازفة من الجروح ، فكل جرح سال منه الدم بطريقة تتفق تماماً مع طبيعة الأصابة ، كما أن انسياب الدم من الجروح كان سيله يتبع طريق الجاذبية الأرضية في كل حالة منها موضحاً أنه نازف من جسد معلق على الصليب ، فيظهر في صورة الكفن مسيل الدم من الرسغين والزاوية التي بها الدم ، فالرسغ الأيسر يسيل منه مسيلان هما القريبان لليد وهناك مسيل في اتجاه حافة الذراع الداخلية وهي مسيلات متقطعة تسيل بطول الذراع حتى الكوع وتتساقط على حافة الذراع بزاوية تشبه المسيل العام والمسيلان الأولين ، كما يبعد المسيل عن الآخر بمقدار ١٠° والمسيل الأرفع يعمل زاوية قدرها ٥٥° مع محور الذراع والمسيل الأوسع القريب من اليد يعمل زاوية قدرها ٦٥°. وهذا له دلالات أدهشت العلماء فهي تثبت أن صاحب الكفن مات مسمراً على الصليب وأنه رفع جسده قليلاً بثني كوعه وفعل ذلك عدة مرات طلباً للتنفس وتخفيفاً لآلام جروح القدمين . كما أن هناك مسيلات كثيرة من الدم اللزج في القدمين وعلى الجسد تدل أن الجسد تُرك على الصليب ما يقرب من ساعتين . وهذا نفس ما تخبرنا به الأناجيل المقدسة .
الدراسات التشريحية.
بدراسة كل مجموعة من الجروح على الكفن نجد أن هناك الجروح السطحية على في الوجه والجسم وهو أول ما يلاحظه الشخص العادي . إلا أن الأطباء المدربين لا يخفى عن أعينهم ملاحظة تلك الجروح الغائرة والنافذة في الجسم ويسير بنا الكفن في تناغم شديد مع ما ذكر في الأناجيل
١ - اللكم واللطم
لاحظ الأطباء ثمان جروح وكدمات في منطقة الوجه
١ - كدمات ناتجة عن سقوط مع تورم بسيط
٢ - كدمة في الصدغ الأيمن أسفل العين
( ٣ - كدمة في الصدغ الأيمن ٤ - تورم في الشفة العليا) هذه الاصابات ناتجة عن السقوط
٥ - ورم في الذقن
٦ - دم خارج من جروح أكليل الشوك
٧ - ورم في منطقة الحاجز الأنفي مع كسر غضروف الأنف نتيجة لضربه أو سقوطه.
وصورة الكفن توضح أيضاً أنه كانت هناك ضربة عصا على الوجه وكسر في غضروف الأنف وكانت ضربة العصا غالباً من إنسان كان خلف المسيح ، وكذا تظهر صورة الكفن هذا التعذيب القاسي وهذا ما أوضحه التقرير الطبي الجنائي من أن هناك انتفاخاً في الجفنين مع تمزق الجفن الأيمن وتورم أسفل العين اليمنى وتورم ظاهر مع بطحة في الأنف وتورم الخد الأيسر وتورم في الجانب الأيسر للذقن ، وهذا يتوافق مع ما ذُكر في الأناجيل عن لكم ولطم يسوع ( مت ٢٧ : ٣٠ ، مر ١٥ : ١٩ ، لو ٢٢ : ٦٣ ، يو ١٩ : ٣ )
الجلد
حينما أراد بيلاطس أن يثير شفقة اليهود المشتكين على المسيح أمر بجلده وآثار الجلدات على الكفن تظهر وحشية الجلد وقسوة الجلادين وقد جُلد وهو واقف منحني على عمود قصير وهذه كانت طريقة الرومان في الجلد فكان وجه المجلود محمياً من ضربات الجلد والكفن يُظهر أن عددها فاق بكثير القانون العبراني أي الأربعين جلدة إلا واحدة . وإذا افترضنا أن المسيح جُلد بسوط ذو ثلاثة سيور يكون عدد الجلدات ١٢٠ جلدة أو أن المسيح جُلد بسوط ذو شعبتين ويكون في هذه الحالة الجلادان لم يراعيا القانون اليهودي وكان يقوم بتنفيذ عملية الجلد عساكر رومانيون بوحشية دون أن يحسبوا عدد الجلدات ، وقد جُلد المسيح في جميع أجزاء جسمه تقريباً فيما عدا الوجه والقلب وتركت الجلدات القاسية آثارها فوق الكفن فهي ظاهرة على الأكتاف والظهر والصدر ودارت أفرع السياط حول الأرجل ، ومن دراسة شكل الجروح الغائرة وتجمعاتها أمكن معرفة طول السياط وسمكها ومن دراسة اتجاهها أمكن تحديد أن الجلد كان على مقربة متر تقريباً من المسيح ومن دراسة ميل الجلدات أمكن معرفة أن الجلد غالبا قام به شخصان حيث يظهر في جلدات الأيمن أنها أعلى من نظيراتها على الجنب الأيسر وتفسير ذلك أن الجلاد الأيمن كان أطول قليلاً كما أنه كان يميل إلى الجلد على الساق ، ويبلغ عدد الضربات بين ٩٠ و ١٢٠ طول كل جرح ١/٢ ١ بوصة وتشبه الاجراس الصغيرة أو الكرات المستديرة فأطراف السياط الروماني كانت تنتهي بقطعة من العظم أو بكرتين من الرصاص .
ويبدو أن الدماء التي نزفت من الجسد المجلود كانت غزيرة جداً إلا أن آثار الجراح مكان الجلدات تحمل قليلاً من الدماء النازفة وهذا يتفق بطريقة مدهشة مع ما ذكر في الأناجيل أن المسيح بعد جلده البسوه ثيابه ثانية فامتص الرداء خلال سيره إلى مكان الصلب كثيراً من الدماء النازفة ( مت ٢٧ : ٣١ ، مر ١٥ : ٢٠ )
التتويج بالشوك
يُظهر الكفن أن الدم يسيل من الرأس بغزارة ويأخذ مسيل الدم في الاتساع كلما سال إلى أسفل وسبب على الرقبة من جهة الخلف خطا متوسطا ناتجا ما يشبه تاجا أو عمامة مضفورة من الأشواك وضعت على الرأس ، ومع ميل الرأس عدة مرات كان مسيل الدم يسيل في اتجاه العينين ويختلط بعض منه بالشعر ومما يسترعي النظر مسيل من الدم على شكل " ٤ " وهو فوق الجبهة ويرى علماء التشريح في وجوده قرينة على صحة الصورة حيث أنها تطابق تماماً مكان الوريد في الجبهة فوق العين اليسرى .
وبدراسة هذا المسيل وجد أنه بدأ من جرح منفرد ثم أخذ يسيل إلى أسفل واتسع وقد غير اتجاه مساره مرتين وفي النهاية أخذ يتجمع ويسيل افقياً ، وهذه المنعطفات التي كانت تغير مسار مسيل الدم نتجت عن انقباض عضلات الجبهة الناتجة عن الجروح الثائرة الناتجة عن أكليل الشوك . كما أن هذه الجروح الثائرة سببت تجلطات دم كثيرة مع الشعر .
حمل الصليب
إن لفظة الصليب في اللغة اليونانية Stauros وهي لا تعني بالضرورة حمل الصليب كاملاً كما نفهم الآن ، فكانت تطلق على العارضة الأفقية أو الرأسية وأحيانا على الاثنين معا ، وبذلك يكون المسيح قد حمل العارضة الأفقية للصليب حيث وضعت على كتفيه وربطت مع يديه بواسطة حبل كان يربط في الخصر . وإذا فحصنا صورة الكفن في مكان العظم الكتفي الأيمن كدمتين كبيرتين داميتين سببهما حمل شيء ثقيل وخشن أعاد فتح الجروح التي سببها الجلد فوسعها وشوهها ، وطول الجرح على الكتف ٤ بوصات وعرضه ١/٢ ٣ بوصة كما نلاحظ تسلخات تعلو جراحات الجلد بسبب حمل عارضة الصليب وكان حمل الصليب جزءاً من حكم الصلب فحملها المسيح وكانت تزن حوالي مائة رطل وسار بها وسط سخرية الغوغاء ولم يكن هذا سهلاً على شخص جُلد بقسوة ووحشية فالآلام تضاعفت فسقط جسد يسوع المنهك تحت الصليب عدة مرات وهذا ما تظهره صورة الكفن فنجد جروحاً في الركبتين وتشوه في الأنف ، وهذا ما لم يستطيع أن يدركه الفنانون الذين رسموا صور لصلب المسيح حيث يظهر الكفن بخلاف ما تخيله الفنانون الذين كانوا يرسمون لوحاتهم والمسيح فيها حاملاً الصليب بعارضتيه على الكتف . لكن صورة الكفن تُظهر أنه حمل عارضة الصليب فقط وفوق الكتفين وما خلف الظهر على كاهله وعلى لوح الكتف الأيسر وأعلى الكتف الأيمن بميل ٢٠° حيث يظهر الجرحان الناتجان خلف الكتفين مما يجعل الكفن أعجوبة فريدة .
الصلب
إن الظاهرة الأكثر عجبا في صورة الكفن هو مكان المسمار في اليد فيظهر في الصورة أنه في المعصم وليس في الكف ، لقد تعود الفنانين على رسم صورة المسمار في راحة اليد والأناجيل تذكر أن ثقوب المسامير كانت في اليدين وكلمة يد في اليونانية Cheir وهي تعني أيضاً المعصم والساعد .
والرومان قد تعلموا بالخبرة أن المسمار في المعصم يمكنه من تعليق الجسد فوق الصليب ، ولقد أجرى الدكتور باربيه بمستشفى القديس يوسف بباريس تجاربه على ذراع بشرية بُترت حديثا وحينما طرق المسمار في منطقة المعصم عند العصب المتوسط nerf médian طرقا شديداً تحول إلى أعلى ونفذ في المعصم دون أن يكسر العظم مخترقاً فراغا في المعصم يسمى في الطب بفراغ دستوت Destot ومما زاد باربيه دهشة أثناء تجربته على اليد المبتورة وحين طرق المسمار شاهد انقباض الإبهام نحو راحة اليد مختفياً تحتها أثناء طرق المسمار فقد وجد أنه مس العصب الأوسط وعاد باربيه بسرعة يتأمل صورة الكفن فوجد أن الإبهام غير ظاهر في الصورة فقال على الفور هل يستطيع فنان تخيُل هذا الأمر ليرسم الصورة ؟! .
وفي الأبحاث الأخيرة شوهد الإبهام مختفياً داخل راحة اليد ، أما عن القدمين فقد وضعت القدم اليسرى فوق اليمنى فنرى القدم كاملة والأصابع واضحة ويظهر خط من الدم ناتج عن وضع الرجلين في الكفن وهما مرطبتان بالدماء ، ووجد باربيه أن المسمار مثبت في القدم بين عظام الميتاترسا Metatarsas ومرة ثانية أجرى تجاربه على قدمين بُترا حديثا وطرق مسمار بين العظمة الثانية والثالثة من العظام التي تقع أسفل مفصل ليسفرانك كما هو ظاهر في صورة الكفن وفي هذا المكان ينفذ المسمار دون الحاجة إلى استخدام قوة كبيرة. وبهذه الطريقة أيضاً لا يستطيع المصلوب أن يخلص نفسه .
وبالدراسة الدقيقة لصورة الكفن وجد العلماء أن القدم اليسرى قد تحركت وهي داخل الكفن فوق القدم اليمنى أى أنها عادت إلى الوضع الذي كانت عليه فوق الصليب وذلك دليل على تيبسها بسبب موت المسيح على الصليب.
الطعن
كان القانون الروماني يقضي بأن يترك المصلوب فوق الصليب حتى يهلك جسده ولم تكن الأجساد تزال إلا بأمر من السلطات المسئولة لكن قانون العقوبات في فلسطين حسب شريعة موسى النبي كان يقضي بأن تزال الأجساد المصلوبة حيث كان في تقدير اليهود أن الآلام الرهيبة للصلب كانت تقضي على المصلوب قبل الغروب وإن لم يمت تكسر سيقانه حتى لا يستطيع التنفس بمحاولة رفع جسده وارتكازه على الأرجل فبكسر الأرجل يحدث إنهيار اثرستاتيكي من هبوط الدم مندفعا إلى الجزء الأسفل من الجسم فيموت المصلوب ، أما في حالة السيد المسيح فإنه مات بعد ثلاث ساعات نتيجة أن الجسم كان مرهقاً جداً بسبب الآلام فأصبح غير قادر على الارتفاع لأعلى لأخذ شهيق فمات نتيجة الاختناق Asphyxia ، كما لاحظ العلماء انتفاخ في البطن وهو ما يصاحب الموت بالاختناق ، وحيث أنه مات سريعا فلم يكسر العسكر ساقيه بل طعنه قائد المائة وكانت الطعنة بعد موت المسيح بساعة تقريباً وهذا يتوافق مع النبوات عن المسيح
" يَحْفَظُ جَمِيعَ عِظَامِهِ. وَاحِدٌ مِنْهَا لاَ يَنْكَسِرُ.مز 20:34 " ، «وَأُفِيضُ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ وَعَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ رُوحَ النِّعْمَةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، الَّذِي طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ، وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ هُوَ فِي مَرَارَةٍ عَلَى بِكْرِهِ. زك 10:12
لأَنَّ هذَا كَانَ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ:«عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ». وَأَيْضًا يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ:«سَيَنْظُرُونَ إِلَى الَّذِي طَعَنُوهُ». يو 37-36:19
ويظهر في صورة الكفن جرح في الجنب الأيمن بين الضلع الخامس والسادس ويبلغ طول الجرح ٣/٤ ١ بوصة وعرضه ٧/١٦ بوصة وهذه الأبعاد تتفق مع أبعاد الحربة الرومانية المسماة Lancia ، وهي عبارة عن مساحة من الدم تتخللها مساحات صافية أما صورة الظهر ففيها مسيلان من الدم عبر الوسط واضح أنهما ينسابان من الصدر الأيمن ويختلطان بسائل صافي وواضح أن هذا المسيل الثاني سال من الجنب بعد إنزال الجسد عن الصليب ووضعه افقياً في الكفن ، وهذا يتوافق مع ما قاله يوحنا الأنجيلي " لكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ. يو 34:19
وأن الطعنة كانت من الناحية اليمين من الجسم وبتصويرها بالآشعة وجد أنها اخترقته لمسافة ٨ سم في العمق ولو أن الطعنة كانت وُجهت إلى الجانب الأيسر من الجسم لأصابت البطين الأيسر وهو فارغ من الدم بعد الموت ولكن الأذين الأيمن Right Auricle يكون ممتلئ بالدم السائل كذلك فإن جدرانه الرقيقة وخاصة من الجهة التي صنعتها الطعنة وهذا يتفق مع ما يتوقعه علماء الطب من طعنة في الجنب الأيمن لجسد معلق عقب الموت فتمزق غشاء القلب ( التامور ) وخرج منه الدم.
أما عن الماء فيقول العلماء أنه سائل محيط بالقلب وهو قليل في الحجم ولكنه إزداد بسبب الجلد كذلك انسابت تجمعات من سائل دموي نتيجة للكدمات في القفص الصدري وهذه ناتجة عن ضربات السياط التي انهالت كالمطر على الصدر عبر الظهر مسببة كدمات نتجت عنها كميات كبيرة من سائل دموي لا يتجلط في الفجوة البللورية وكان ذلك هو السبب الرئيسي في سرعة موت السيد المسيح بالإضافة إلى أسباب الصلب الأخرى والمعروف أن هذا السائل لا يتجلط ويترسب فيعلوه سائل خفيف وقد برهن دكتور أنطوني سافا الأمريكي أنه حدث نزيف داخلي من سطح الرئتين نتج عنه تجمع سائل دموي داخل التجويف البللوري Pleural Carity المحيط بالرئتين فرسبت الطبقة الكثيفة الحمراء من الدم غير المتجلط يعلوها السائل الصافي ولذلك حين صُوبت طعنة الحربة من أسفل الجسم المعلق على الصليب خرج أولاً الدم المترسب ثم خرج بعده الماء الذي يعلوه . وهذا ما ذكره يوحنا الحبيب . لأن الجرح المفتوح الذي يظهر في الكفن هو دليل على أن ضربة الحربة كانت بعد الموت ويُظهر الكفن أن انسياب الدم الذي تجمد في الظهر في منطقة الوسط قد تشبع به رباط الوسط الذي حمل الجسد أثناء نقله فتبين دراسة الصورة أن حافتي جرح الجنب المطعون لم تلتحما معا عكس جروح الجلدات مما يدل على أن الطعنة كانت بعد الموت وهكذا أجمع العلماء أنه هو الكفن الذي لُف به جسد الرب يسوع المسيح بعد موته
عدم تحلل الجثة
رَجل الكفن إنسان ميت لأنّ تصلّب الجثة rigidité cadavérique واضح، لكنّه لا يوجد على الكفن أي أثر لاهتراء الجسد، ما يعني أنّ الجسد غادر الكفن بسرعة، وذلك قبل بدء عمليّة التَحلّل
إذا تفحصنا الأكفان التي تَلفّ أجساد الأموات، نرى في جميعها، بقايا الجسد المتحلّل. أمّا في كفن تورينو، فلا نجد فيه شيئًا من هذا القبيل، ولا أدنى أثر للإفرازات وللمواد المعروفة التي تبقى عادة بعد تحلّل الجسد. رغم وجود ما يثبت علمياً وجود دماء حيث تُشاهَد، على نسيج الكفن، خاصّة عند الرأس والظهر والمعصمين وأسفل الرِجلين، بقع قرمزيّة اللون من مختلف الأحجام، كان الدكتور باربيه عاينها عن كثب، وأَكّد أنَّها بقع دم. ثمّ أتى العالمان جون هيلِر John Heller، وآلان آدلِر Alan Adler ، اللذان أخذا عيّنات من هذه البقع، وقاما بتحليلها في المختبرات الأميركيّة المتطوِّرة، وأكَّدا أنَّها فعلاً بقع دم إنسان. حيث أن الدم لا يتبخَّر، وقد وجدت مادة البورفيرين Porphyrine في أصفاد متحجرة، يعود تاريخها إلى خمسة ملايين سنة، والمادة المذكورة هي أساسيّة في تكوين الدم. ثمّ ذهب الإيطالي بيار لويجي بولوني Pierr Luigi Bolloni إلى أبعد من ذلك، إذ أكّد أنّ هذا الدم هو من فئة AB، وقد وافق الأميركيّان على فحوصه. وهذا منافٍ لكل ماهو معروف وطبيعي فلو جدلاً سلمنا بإمكان رسام من القرون الوسطى أن يقوم بتزوير أو رسم صورة مزيفة للكفن من أين له الإلمام الكامل بكل علوم التشريح والطب الشرعي إنّ الرجل الذي لُفَّ به كفن تورينو، تمكّن من الإفلات من الموت قبل أن تبدأ عمليّة تبريد الجسد، ثمّ تفكّكه وتحلّله، فغادر الكفن، بطريقة غير مألوفة، تاركًا شكل جسده الكامل، وآثار الجروحات التي عليه. وهذا لا يتوافق إلا مع الوحيد الذي هو باكورة القائمين من الأموات
كانت هذه نتائج دراسات علم التشريح والطب الشرعي التي تمت على الكفن وحتى لا يطول المقال أكثر من ذلك وحتى لا يتشتت القارئ سنجعل باقي النتائج للعلوم الأخرى ونتائج الكربون ١٤ في مقال آخر بنعمة المسيح
أقرأ أيضأ رحلة الكفن المقدس من أورشليم حتى تورينو
أقرأ أيضاً كيف تكونت صورة السيد المسيح على كفن تورينو
0 تعليقات