Ad Code

لعازر الجديد .. قام من الموت بعد ثلاث أيام .. الجزء الثاني الجحيم


صاحب دار الجنازات 

لم يهنأ صاحب دار الجنازات بنوم في ذلك اليوم ، إذ أنه بعد يوم عمل طويل كان يعد نفسه بمكافأة من النوم الطويل من أول المساء وحتى وقت متأخر صباحا نظير المجهود الذي قام به ، وكان عمله تحضير الموتى ليظهروا في أبهى صورة قبل دفنهم ، وهي تحتاج إلى أن يبذل كل جهده حتى ينعم أهل المتوفى بنظرة وداع لائقة سوف تُحفر في قلوبهم قبل ذاكرتهم وهو كان ضليع في ذلك بل كان يعتني بزبائنه أكثر مما تعتني الأطباء بمرضاهم ، كان يشعر بنشوى حين ترتسم ملامح السعادة على وجه أهل المتوفى حين رؤيته في كامل زينته وكأنه عريس على موعد مع عروسه ، وكان قد استلم أمس صندوق به شخص مات أثر حادث أليم ، كان قد فقد السيطرة على سيارته ولم يستطع الأطباء إسعافه ، يقولون أنه كان شخص محب ووديع وكان يعمل خادم لكلمة الله ، لابد أن الكثيرين سوف يلقون عليه نظرة الوداع ، لقد حقنه بالفورملين حتى لا يتخثر ولا تقربه آكلة ، وكان ينوي العمل عليه حين يستيقظ من نومه ، ولكنه ما لبث أن يغلق عينيه حتى سمع صوت موسيقى شجية تصدر من بعيد ، ظن في بادئ الأمر أنه ربما يكون هناك إحتفال في القرية وصوت الموسيقى يصل إليه ، ولكنه بعد تركيز كثير وجد أن الصوت يأتي من المكان حيث يحفظ فيه الجثث ، فقام منتفضاً خشية أن يكون هناك من يحاول أن يسرق الجثة التي يحتفظ بها عنده .
أخذ مصباح يدوي وذهب متلصصاً حتى لا يصدر صوت يحذر اللصوص ، طاف في كل مكان حول القاعة ، لكنه لم يجد أثر لأي إنسان في المكان أو حوله ، بحث جيدا عن أي سماعات أو أجهزة تصدر عنها هذه الموسيقى لكنه لم يجد أيضا ، كانت الموسيقى واضحة ، هي موسيقة ترانيم غير أنه لم يكن هناك كلمات مع اللحن بل همهمات منتشية بجمال اللحن ، مما ألقى في قلبه رهبة حينما تذكر أن الجثة التي في التابوت هي جثة شخص خادم لله ، وأقترب من الصندوق وقد إرتعدت فرائصه وأرهف السمع فوجد أن الصوت يصدر عن الصندوق ، فتمالك شجاعته وهم أن يفتح الصندوق ولكنه ما أن وضع يده عليه حتى توقف الصوت فجأة وهبط على المكان صمت مطبق ثقيل كأنه سحابة غيوم حجبت شمس الظهيرة .
فترك الصندوق وشأنه وخرج من القاعة متوجها إلى مكان نومه وهو يلوم نفسه على قبوله هذه الجثة ، لكنه ما أن دخل غرفته التي تفصل بينها وبين القاعة حديقة ذات شجيرات قصيرة حتى بدأ الصوت في الظهور ثانية على نحو منخفض جدا حتى إنك لابد من حبس أنفاسك حتى تسمعه وما لبث أن أرتفع تدريجياً كالمرة السابقة .
ويح هذا الميت ، ألا يعلم أن من كلاسيكيات الموت أن لا يصدر أصوات ، إن الموت كلمة مقترنة بعدم القدرة على فعل أي شيء إنه الجمود إنه عدم وجود حياة .

من النور إلى الظلمة

بعدما أراني الملاك الذي استلم روحي من جسدي الفردوس قال لي: " والآن سنزور الجحيم " . ثم أتى بي إلى مكان مظلم حيث وجدت نفسي أمام بوابات ضخمة وقال لي: " هل ترى أبواب الجحيم؟ " ووقتئذ رفع الملاك يده ولما أنزلها انفتحت أبواب الجحيم وللوقت سمعت أصوات بكاء ونحيب وعويل كثيرين لكني لم أكن أرى أحداً ، لذا أنار لي الملاك ظلمة الجحيم قليلاً لأرى بوضوح ما عليه أولئك الذين في الجحيم. 
فلما اتضحت الرؤية هالني ما رأيت ، لقد رأيت جمهوراً كبيراً من الناس ينتمون لأجناس وحضارات وعرقيات متباينة ، واستطعت أن أحدد معالم كل واحد فيهم وبدا كل منهم محصوراً في عذابه الخاص به الذي سيمكث فيه إلى الأبد،  وكانوا لا يستطيعون التواصل مع الآخرين ، وكانت أصوات الأنين والنحيب والبكاء والعويل تصمُّ الآذان ، وفجأة أخذ الذين يتعذبون في الجحيم ينتبهون لوجودي فطفقوا يستغيثون بي لأجل أن أنقذهم مما هم فيه ولم يستنجدوا بأحد سواي حيث أنهم لم يكونوا يروا الملاك الذي أتى بي إلى الجحيم إذ كان قد أُخفي عنهم .

كان خادم لله 

وللوقت استنجد بي أحد المُعَذبين في نار الجحيم وقال : " أرجوك ساعدني . أنا كنت خادم مثلك وقد سرقت أموال الكنيسة،  وكذبت .. ولكني مستعد للتعويض وجعل يصرخ بألم وحسرة ونفس كسيرة ويقول : أرجوك إنقذني مما أنا فيه إنقذني .. إنقذني " ولما نطق هذا الخادم بهذه الكلمات تضاعفت آلاماته وعذاباته لأنه كان يعلم إنه لا سبيل للتوبة والرجوع عن الخطية الآن فكانت مشاعر اليأس والندم تضاعف من آلامه. ( مت 15 : 19 - 20 ) - ( رو 2 : 21 ) .

السحرة 

وإتضح لي جلياً أن أولئك الناس كانوا بلحم دون دم ولكنهم كانوا يحترقون دون أن تفنيهم النار ، ورأيت بعض أولئك وهم يأكلون لحوم أنفسهم ويتقيئون ما أكلوه ثم ينمو لحمهم ثانية وبدا لي أن دوامة هذا العذاب لهؤلاء غير متناهية وأدركت أنهم سيدومون في هذا العذاب والصراخ والبكاء والنحيب ألى الأبد ، وقتئذ قال لي الملاك : " هؤلاء الذين رأيتهم يأكلون لحوم أنفسهم كانوا يزاولون أعمال السحر على الأرض واختصوا بأكل لحوم البشر والآن هم سيأكلون لحوم أنفسهم إلى الأبد ، إنهم يحصدون ما زرعوه " . ( رؤ 21 : 7 - 8 ) .

أَمْوَاتَهُنَّ بِقِيَامَةٍ

في هذه الأثناء كانت أرملة دانيال تبكي في بيت أبيه ، لم تكن قادرة على النوم ، كانت تأنب نفسها أنها لم تفعل أكثر لترضيه ولا يموت وهو غاضب منها ، فقامت وأحضرت الأنجيل وتذكرت كم كان دانيال يحبه ويقضي الكثير مـن الوقت في قراءته وكان كلما يُعجب بآية يستدعيها ليتلو لها هذه الآية ويشاركها متعته بها ، لن يتشاركا هذه اللحظات بعد فقد تركها دانيال تقاسي فراقه وتأنيب الضمير لأنه مات وهو غاضب منها ، ففتحت الكتاب وجاء على رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين فبدأت القراءة وكانت تريد أن تتقوى بكلام الله وتجد لها تعزية تُخرجها مما هي فيه ، حتى وصلت إلى الأصحاح الحادي عشر والآية الخامسة والثلاثون التي تقول الرسالة إلى العبرانيين الأصحاح أَخَذَتْ نِسَاءٌ أَمْوَاتَهُنَّ بِقِيَامَةٍ. وأخذت تكررها مرارا وتكرارا حتى أصبح لديها يقين أنها تملك من الإيمان ما يكفي ليُقيم دانيال من الموت ، ثم ذهبت إلى غرفة والد دانيال واستأذنت للدخول وخاطبته إنها لديها إيمان أن الراعي إن صلى لدنيال فإنه سيقوم من الموت ، فهدأ حماها من روعها وطلب منها العودة إلى غرفتها وصباحاً سيرى ما يمكنه فعله .

اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ. لو 37:6

ضاقت روحي في هذا المكان الكئيب وتمنيت الخروج بأسرع وقت فقد كان ألم هؤلاء الناس يبعث في نفسي مزيج من الحزن والكآبة وقلة الحيلة إذ أدركت عجزي على مساعدتهم البتة ، ولكن ما حدث بعد ذلك كان أسوأ مما كنت أتوقع بل كان بمثابة كابوس مفجع ومؤلم كاد أن يحطمني تماما وكانت كل كلمة تخرج من فم الملاك كسيف يمزق قلبي ونفسي وروحي فقد قال لي الملاك : " لو أن سفر حياتك أُغلق اليوم لكان هذا مكانك " صدمتني الدهشة من كلماته وحاولت استجمع أشلاء فكري وقد أخذتني رعدة ورعب وجعلت أبكي وأصرخ قائلًا للملاك : " لا .. لا .. أنا خادم .. أخدم الله .. وقد كرزت في البلاد التي أعيش فيها .. هذا مستحيل .. لا .. لا " هنا قطع الملاك نحيبى وبكائي ولوعة ندمي المشوبة بشئ من التشبث ببعض الأمل في المغفرة وقال لي : " كفى لقد عاندت ولم تسامح زوجتك ، سألت الله أن يغفر لك لكنك لم تغفر لزوجتك لذا لم تُغفر لك ذنوبك ، أنت تحصد ما زرعته ، لا يمكنك زرع عدم مغفرة لزوجتك وتحصد مغفرة من الله " . (مر 11 - 25 - 26 )
ولما قال لي الملاك هذا اقتنعت في روحي بأن الحكم الصادر ضدي كان عادلاً ولم أستطع أن أقل لا لأنني أدركت أنني كننت فب قلبي لزوجتي حقداً وغضباً ولأجل هذا قاطعتها ، وفي ليلة الخميس قرعت بابي وأنا لم أُرِد أن أفتح لها مطلقاً وفي صبيحة الجمعة قرعت بابي ثانية فلم أفتح لها أيضا . لكنها لما رأتني خارجاً من حجرتي حيتني قائلة لي صباح الخير ، إلا أنني عاندتها وآثرت الصمت وغادرت المنزل دون أن أقبل اعتذارها لي ودمت مصراً على خصومتها ، إذ أنها بعدما أساءت إليَّ غضبتُ منها فلبثت على عنادي هذا ولما استقللت سيارتي وقع لي حادث خطير أودى بحياتي وكان ذلك نهار يوم الجمعة هذا .

 فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَهُ.  مر23:11

في الصباح باكرا جدا جاء صاحب دار الجنازات وطلب من والد دانيال أن يأتي ليأخذ جثة إبنه وأنه على إستعداد أن يرد له المُقدم الذي تقاضاه منه ، وشرح له أنه هناك أمور غريبة تصدر من هذا الصندوق الذي يقبع إبنه داخله وإنه لا يريد أن يقوم بهذا العمل ، وكانت أرملة دانيال تسمع ما يدور فأيقنت أن هذه علامة على إمكانية قيامة دانيال وأن إيمانها ليس وليد فترة حزن عابرة ، وطلبت من والد دانيال أن يذهبوا ليحضروه من دار الجنازات ويذهبوا به إلى الراعي القادم ليقود مؤتمر الصلاة وإنها على إيمان أنه لو صلى له الراعي سيقوم .
احضروا الصندوق وتوجهوا به إلى مؤتمر الصلاة ، ولكن رجال الأمن المُكلفين بتأمين المكان عاملوهم بقسوة وفتشوا الصندوق بعناية حتى يتأكدوا إنه لا يحوي متفجرات أو أي شيء يستهدف الجموع الذين يزيدون عن الثلاثة آلاف نفس ، وكانت أرملة دانيال في نظرهم هي امراءة فقدت عقلها بسبب الحزن على فقّْد رجلها ولكن أمام إصرارها على الدخول وعدم وجود سبب يمنعها وافقوا مضطرين ، وكان مع مرور الوقت بدانيال خارج ثلاثة حفظ الموتى أنه بدأ يتخذ ليونة في أعضاءه وبدأ التيبس والتخشب الذي يرافق الموتى يتركه رويدا رويدا وبدأت أرملته والحاضرون يقوم بالتهوية على جثمانه ، وذهبت أرملته إلى الراعي بعدما أنهى عظته وقالت له إنها لديها إيمان أنه لو صلى لزوجها فسيعود للحياة مرة أخرى فذهب معها الراعى وبدأ في الصلاة وطلب من جميع الموجودين أن يصلوا وطلب من أرملته خصيصا أن تصلي وتضرع إلى الله أن يُعيد دانيال لها مرة أخرى ، وفجأة  بدأ دانيال في التنفس وسرعان ما تزايدت وتيرة تنفسه ثم بدأ يحرك أطرافه وما لبث أن قام وجلس على المنضدة التي كان جسده مسجى عليها وهو لا يعلم أين هو أو ماذا يحدث ولماذا هو عاري الصدر وسط هذه الجموع الذين كانوا يباركون عودته مرة أخرى للحياة وسط الكاميرات التي سجلت كل ما حدث لحظة بلحظة .
وصار لدانيال رسالة يجب أن يُبلغ بها كل أحد 
أحذر الوقت يمضي 
الفردوس والجحيم حقيقة
الله مُحب وعادل 
تمت بنعمة المسيح 







إرسال تعليق

1 تعليقات

Close Menu