الحادثة
في صبيحة يوم الجمعة خرج الخادم من بيته متوجها إلى منزل أبيه ليقدم له هدية عيد الميلاد المجيد ، وبعدما خرج من عند أبيه استقل سيارته وقادها بسرعة فائقة حتى يمكنه أن يصل إلى منزله قبل أن يسدل الليل ستاره ، وفيما كان يقود سيارته في طرق وسط مدينة نيجيريا الحافلة بالمطبات الوعرة، إضطره الطريق أن يقود سيارته في مدق ترابي وجعل يتوخى الحذر جداً ، إذ كان يمر بطريق يعج بالأهالي سكان المنطقة، وفجأة فيما هو في الطريق رأى ما إضطره أن يهدئ سرعته فضغط على مكابح السيارة ولكن دون جدوى ، حاول مراراً وتكراراً وكان التوتر قد أخذ منه مأخذه ولكن دون جدوى ، ومن ثم أيقن أن مكابح سيارته قد حدث بها عطل وما هي إلا مسألة وقت حتى يحدث الإصطدام الذي مع هذه السرعة يعني موته لا محالة ، فلبث ضاغطا على آلة التنبيه طوال الطريق محذراً المارة حتى لا يصطدم بأحدهم ، وما مر إلا وقت قليل قبل أن يصطدم بإحدى البنايات التي كانت على جانبي الطريق ، وللوقت تجمهر الناس حوله وأخرجوه من السيارة وعلى الفور نقلوه بسيارة الإسعاف إلى مستشفى " برونيو " حيث ادخلوه إلى غرفة العناية المركزة، ولعل المارة عرفوه أنه هو خادم الكنيسة فهرول أحدهم وأخبر زوجته التي هرولت إليه فوجدته على قيد الحياة، ولكنه رفض أن يخضع لعلاج الطبيب وطلب أن يُنقل إلى طبيبه الخاص في منطقة " أوويري " بنيجيريا ، ولما رأى الطبيب أن زوجة الخادم تسايره في رغبته إنفرد بها وأخبرها أنه أصيب بإرتجاج في المخ وإن هي خضعت لرغبته سيموت في الطريق ، لكنها لم تأبه لكلامه رغم إلحاحه الشديد عليها للعدول عن خضوعها لمشيئة زوجها ، ولما فشل في منعها طلب إليها أن توقع له على ما يفيد أنها أخذت زوجها من المستشفى على مسؤوليتها، فوقعت له ونقلت زوجها في عربة الإسعاف متوجهة به إلى " أوويري " حيثما أراد زوجها .
في سيارة الإسعاف
فيما كانت الزوجة مع رجلها المصاب في عربة الإسعاف طلب إليها أن تهتم بالكنيسة والخدمة فيها وأن تسهر على رعاية الأولاد، ثم سكت عن الكلام وكانت عينيه شاخصتان إلى سقف عربة الإسعاف، جعلت الزوجة تحرك رأسه يميناً ويساراً دون أن ينتبه لها ، وقتئذ أدركت أنه فارق الحياة ولكنها إلتمست من سائق الإسعاف أن يسرع في طريقه إلى المستشفى التى يعمل بها طبيبه الخاص حسبما طلب قبل أن تخرج روحه ، وحدث أنهم وصلوا إلى الطبيب الذي تفحصه كليا ثم خرج بعد دقائق وتأسف لزوجته جداً كونه لم يستطع إنقاذه وكتب لها شهادة وفاة ، وحرر لها مستنداً آخر لنقله إلى مستودع الجثث بمقتضاه.
التجربة
يحكي الخادم عما مر به فيقول ، بينما كنت أطلب إلى زوجتى أن تهتم بالكنيسة والخدمة فيها وأن تسهر على رعاية الأولاد، رأيت ملاكين فأُخذت بصورتهما وحاولت أن أنبه زوجتي إليهما ولكن أحدهما أشار إلي بالصمت ، في هذا الوقت كانت زوجتي تحرك رأسي جهة اليمين واليسار وقد أحسست بها إلا أنني لم أستطع أن أنبث ببنت شفة ، إذ بعدما أشار إليَّ الملاك بالصمت فقدت القدرة على الحديث معها تماماً ، وللوقت دنى مني الملاكان وحملاني من ذراعيَّ وأخرجاني من جسدي واخترقا بي سيارة الإسعاف، ولم تمضي بُرهة حتى وجدت نفسي أمام جمهور كبير لا يُحصى عدده من الملائكة ، إذ هكذا ظننتهم في بادئ الأمر حيث كانوا جميعهم مُنيرين جداً ، لكن الملاك الذي رافقني قال لي :- هؤلاء ليسوا ملائكة بل جمهور قديسين .
وقتئذ رأيت أولئك يتعبدون لله ويسبحونه بأصوات غاية في الروعة والجمال وكأنهم خورس واحد ، وقد سمعت هناك أصوات آلات موسيقية لم يسبق لي أن سمعت مثلها على الأرض من جهة رقتها وعذوبتها.
وتُقتُ أن أنضم إليهم فلما هممت من الإقتراب استوقفني الملاك وقال لي :- لا تذهب لديَّ الكثير لأريكَ ، ثم أعطاني كتاباً وطلب مني أن أكتب فيه كل ما سأراه ، وأنا فيما كنتُ أمعن النظر فيما كان جمهور القديسين يتطلعون ، أيقنت أنهم كانوا يشخصون نحو نورٍ كان يسطع أكثر من الشمس أضعافاً مضاعفة وأدركت أن هذا النور هو المصدر الوحيد للنور هناك .
وكان هذا النور هو شخص رب المجد يسوع المسيح وهم كانوا مسبيين به وفيه ، ولكني لم أستطع أن أنظر نحوه نظراً لشدة النور الصادر عنه الذي كاد أن يفقدني بصري ، ثم دنا مني الملاك ثانية وقال لي:- هيا معي لنزور القصور التي أعدها يسوع لخاصته .
فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا
يو 14 : 2
وإذ بي أرى قصوراً كثيرة تصدر عنها أشعة مُنيرة وذلك في مرمى بصري . وكانت هذه القصور لا يُضاهيها شيئٌ على الأرض مطلقاً إذ لم تدخلها آية مواد أرضية ، لكنها كانت تشبه المباني الأرضية مع أن تشييدها لم يكن بالأمر المتعارف عليه لدينا ، وبدت لي - القصور - متحركة ومتوهجة جداً ، حينئذ قال لي الملاك :- يسوع قد أنهى عمله ، القصور مُعدة لكن القديسين لم يستعدوا بعد .
ولما قال لي الملاك هذه الكلمات سمعتُ أصوات تسبيح تصدر عن هذه القصور التي لا تُعد ولا تُحصى من الكثرة ، وكانت كلها متباينة فبعضها كانت شاهقة جداً في ارتفاعها وبعضها كان عُلوها في مرمى البصر والبعض الآخر منها كانت فيما تشبه الأبنية التي من دور أو دورين أو ثلاثة .
غير أن ما شدني نحو القصور أنها كانت حية بل مفعمة بالحياة كان النور المتوهجة به ينشر فرح وسلام وسكينة ويجعل في النفس غبطة تُترجم لا إرادياً إلى تسبيح بعظمة ورحمة وعطف يسوع .
بعدئذ سار بي الملاك في طريق طويل جداً كما لو كان وادياً وعلى جانبيه جنات من الزهور البديعة الشكل والرائحة ، وفيما كنت أمشي معه سمعت أصوات ترانيم جميلة جداً لكنني لم أعلم مصدرها . وإذ بالملاك يهمس في أذني قائلً ا:- صوت الترانيم التي تسمعها الآن صادرة عن الزهور التي تراها .
فالتفت نحوها وإذ بها تتمايل جهة اليمين واليسار في تناسق حركي وبدت لي كما لو كانت تصفق وتهتف مُسبحة الله ، وقتئذ قال لي الملاك :- إنها تنتظر القديسين .
لم يخطر يوما في بالي على الأرض أن أقف وأسمع مجموعة من الزهور تترنم أهذا هو الذي قال عنه معلمنا بولس ما عين رأت وما أذن سمعت وما لم يخطر على قلب بشر ؟ ، ربما وقفت مشدوهاً ذات يوم أمام عظمة الخالق وأنا أنظر جمال وتناسق ألوان الأزهار على الأرض ولكن هذه مختلفة كلياً إنها تنشر مع عبق رائحتها نوعٍ من التسبحة لا يُضاهيها شيء على الأرض ولا يستطيع اللسان أن يُترجم ما تشعر به قبالة الأزهار إلى كلمات يستوعبها عقل بشري ولا يسوغ للسان أن ينطق بها إنها خارج مفردات اللغة بكل معنى الكلمة .
أه يا لعِظم محبتك يا رب مَن مِن الناس مستحق هذه المحبة الفائقة ! يا لعِظّم وغبطة سكان هذه القصور
ثم أضاف قائلًا بعدما أراني الملاك الذي استلم روحي من جسدي الفردوس قال لي : والآن سنزور الجحيم
لقراءة الجزء الثاني لعازر الجديد .. قام من الموت بعد ثلاثة أيام.. الجحيم
أقرأ ايضا رؤية الأب بطرس المقارى كاملة
0 تعليقات