Ad Code

The ‎Shroudكفن ‏تورينو ‏معجزة ‏حيرت ‏العلماء

كفن تورينو معجزة كفن المسيح the shroud





 السندونولوجيا

إنّ عِلم الكفن أو السندونولوجيا هو علم حديث العهد ، ويشمل العديد من الاختصاصات ، ويتطوَّر بسرعة ، وقد غدا مادّة تدريس في معاهد اللاهوت والجامعات في أوروبا وأميركا .
وقد تحدثنا في مقال سابق عن المؤتمرات العلمية التي تمت على كفن تورينو والتي انبثق منها هذا العلم ومنذ ظهور الكفن للعلن حتى اليوم لايزال كل يوم هناك الجديد في العلم وهناك دراسة جديدة تنشر عن الكفن هنا أو هناك ، تعود الدراسة الموضوعيّة الأولى عن كفن تورينو إلى رئيس أساقفة بولونيا Bologna في إيطاليا، ألفونسو پاليوتو Alfonso Paleotto، أصدرها عام 1598، شرح فيها طبيعة الجروحات البادية على رَجل الكفن، مقارنًا إيّاها بما جاء على لسان الأنبياء والآباء، ومتوقِّفًا عند بعض التفاصيل الطبيّة، كمكان غرز المسامير في الجسم وعددها.

سِكُندو بِيّا

مَرَّت ثلاثة قرون دون صدور أيّ بحث علمي جديد، إلى أن جاءت الصور الأولى التي التقطها سِكُندو بِيّا، في العام 1898، لتثير اهتمام العِلم الحديث، وتضع العلماء أمام تساؤلات جديدة، اختلفوا فيما بينهم على تقديم الإجابات عنها. فبعد أن كان كفن تورينو محطة للحجّاج ولممارساتهم التقويّة، أصبح مادّة بحث للعلماء وللنقد العلميّ.
في العام 1900، أي سنتين فقط بعد البلبلة التي أحدثتها صور سِكُندو بيّا، قام الراهب الفرنسيّ المؤرِّخ أُليس شوفالييه Ulysse Chevalier 1923 بعرض بعض الوثائق التي اكتشفها، واستنتج منها أنّ الكفن من صُنع أحد الرسّامين وهذا ما يتمسك به الرافضين. لكنّ المعاينات المباشرة للكفن، بالإضافة إلى الصور العديدة التي التُقطت له لاحقًا، أثبتت عدم وجود أيّ مادة تلوينيّة اصطناعيّة على النسيج.
العالم الفرنسي إيڤ دولاج

وفي العام 1902، قام البروفسور إيف دولاج Yves Delage 1920، المنتمي إلى مذهب اللاأدريّة Agnosticisme، بتقديم بحثٍ له إلى الأكاديميّة الفرنسيّة للعلوم، يشير فيه إلى قناعته بأنّ كفن تورينو هو نفسه الكفن الذي لُفَّ به جسد المسيح. أثار هذا البحث اعتراض زملائه، وعلى رأسهم أمين سرّ الأكاديميّة، العالم الملحد مارسيلان بِرتيلوه Marcelin Berthelot 1907، الذي طالب دولاج بإعادة صياغة بحثه، وحذفْ كلّ ما له علاقة بكفن تورينو، كي يحظى بالموافقة المطلوبة لنشره في التقرير الرسميّ للأكاديميّة. لكنّ دولاج دافع عن وجهة نظره، قائلاً بأنّ هدفه هو إظهار الحقيقة فقط، حتى ولو كَلَّفه ذلك خسارة أصدقائه.

وفي العام 1931، بدأ بيار باربيه Pierre Barbet 1961، الطبيب الجرّاح في مستشفى مار يوسف في باريس، بإجراء الاختبارات على جثث طازجة، والبحث في تاريخ الصَلب وعِلم الآثار، بعد أن عاين الكفن عن قريب، خلال العرض العلني الذي جرى في تلك السنة. وبعد عشرين سنة من الاختبارات، أصدر كتابه الشهير الذي لم يزل، حتى اليوم، يحظى بالاقبال، ويُعاد طبعه من حينٍ إلى آخر.
وفي العام 1938، أَصدر البروفسور پول فينيون Paul Vignon 1943، أستاذ علم الأحياء في المعهد الكاثوليكي في باريس، كتابًا هامًا قَدَّم فيه نتائج أبحاثه عن الكفن، من النواحي العلميّة والتاريخيّة، بالإضافة إلى الإيقونوغرافيا( علم الأيقونات) وعلم الآثار والمنطق.
وبعد فترة من الزمن، بدأ يسطع اسم العالِم الفرنسيّ انطوان لوغران Antoine Legrand 2002 الذي عاين الكفن عن قرب خلال العروضات العلنيّة التي حصلت في العام 1931 و 1933 و1978. 
لكنّ ذروة الاهتمام العلميّ كانت في العام 1978، حين قام فريقٌ مؤلَّف من أكثر من أربعين عالِمًا، معظمهم أميركيّون، سُمِّي ستارب STURP أي ( Shroud of Turin Research Project) بمعاينة الكفن عن كثب، بالعين المجرّدة والمعدّات المتطوّرة، خلال خمسة أيّام متتالية، قاموا بعدها بنشر النتائج التي توصّلوا إليها. إنّ المجتمع العلمي لا يزال يعوِّل على هذه الأبحاث 
الكربون 14 
في العام 1988 تم اقتطاع جزء من الكفن وتقديمه لثلاث مختبرات بحثية لمعرفة عمر تقديري للكفن ومن ذلك الوقت حتى اليوم تظهر ورقة بحثية هنا للتأكيد على نتيجة الكربون 14 وورقة بحثية هناك لمناهضة نتيجة الكربون 14 

الكفن وعلم النسيج 
كشف البروفيسور جلبرت رايس Gilbert Reac وهو خبير نسيج بلجيكي في دراسة له ، بعد أن حصل على عدد من الخيوط من الكفن المقدس سنة 1973 ، أنه عادة يكون النسيج ( 1 : 1 سداه ولحمه) ولكن نسيج الكفن منسوج بطريقة ( 3 : 1 وهو ما يعرف بعظم السمكة ) وهذه الطريقة لا توجد في طرق نسج الكتان ولكنها متبعة في الحرير وهذا جعل الباحث متشكك في قماش الكفن لكنه بعد أن فحص الألياف التي حصل عليها من الكفن ووضعها تحت الميكروسكوب وسلط عليها الآشعة بالطريقة المتبعة في الدراسات الحديثة وجد أن المستخدمة في الكفن هي ألياف الكتان فعلاً واستنتج أن نسجها بطريقة عظم السمكة يدل على أنها كانت من الكتان الفاخر جداً ، وهذا ما ذكره الانجيل على أن يوسف الرامي كان غنيا فأشترى قماشا كان نادرا في ذلك الوقت .
كما وجد جلبرت مفاجأة أخرى تحت المجهر ، فقد وجد آثارا من القطن تظهر بدرجة واضحة ، فتأكد له أن النسيج صُنع على آلات نسج القطن والقطن كما هو معروف كان منتشرا في فلسطين أيام المسيح .
لذلك أجمع خبراء النسيج باتفاق واحد على أن الكفن من قماش الكتان النادر وصُنع في عهد المسيح وهو من انتاج بلاد فلسطين ومنسوج بطريقة عظم السمكة بواسطة نول ذي أربعة أرجل ، أما عن الخيوط فتبدو أنها غُزلت يدويا وهي طريقة قديمة وهذه الطريقة لم تكن معروفة في أوروبا كما أن خيوط النسيج قد بُيضت قبل نسجها وهي طريقة قديمة أيضا .
الكفن وعلم النبات
لقد سُمِحَ لعالم سويسري متخصص في العلم الجنائي وهو ماكس فري Max Frei  بأن يضغط شريطا لاصقا لزجا على الكفن ليحصل على تراب وجزيئات أخرى للتحليل المعملي ، وبعد دراسة طويلة وجد فري تحت الميكروسكوب 48 عينة من حبوب لقاح النباتات بعضها زغبي والآخر شوكي وثالث محزز وقد وجد عدد منها من المنتشر في فرنسا وإيطاليا ووجد سبع نباتات مقاومة للملوحة وهي التي توجد في الأراضي الملحية مثل أراضي البحر الميت وبعض نباتات خاصة بفلسطين والأناضول وكان اكتشاف حبوب اللقاح لهذه المجموعات من النباتات برهانا لخط سير رحلة الكفن بين فلسطين وتركيا وفرنسا وإيطاليا حيث كان الكفن يتعرض للهواء في هذه البلدان فتساقطت هذه المجموعات من حبوب اللقاح خلال القرون الماضية في رحلة الكفن وتنقلاته .

الكفن وعلم الأجناس البشرية ( الانثروبولوجيا )

إن علم الأجناس البشرية يدرس الصفات الجسمية للإنسان فيحدد بذلك الجنس والمنطقة التي ينتمي إليها الشخص فعن طريق دراسة طول الهيكل العظمي وملامح الوجه وشكل الرأس يحدد الجنس الذي ينتمي إليه الشخص ، وبدراسة الكفن دراسة علمية دقيقة استطاع العلماء تكوين معلومات دقيقة عن الصفات الجسمية للسيد المسيح ، فطول الجسم ما يقرب من خمس أقدام و11 بوصة أي ما يقرب من 180 سم ويعتبر هذا الطول أنه أطول قليلاً من متوسط الطول بين شعوب البحر المتوسط ، وله بنية قوية متناسقة وأطراف رشيقة ليس بها تشوهات تلك التي تنتج عن إرهاق في العمل اليدوي ، ومما استرعى انتباه العلماء ملاحظة انخفاض الكتف الأيمن عن الأيسر وهو ما يبدو واضحا في صورة الظهر أكثر من الصورة الأمامية مما يدل على أن صاحب الصورة قد اشتغل في مهنة النجارة فترة من الزمن مما يُكسب أحد الكتفين قوة أكثر من الآخر ، وهذا ينسجم مع ما ذكره الانجيل عن نشأة السيد المسيح في بيت يوسف النجار. 
وتمكن أحد المصورين أثناء دراسة الكفن من تصوير منظر جانبي لوجه السيد المسيح في حجمه الطبيعي وظهرت في الصورة ملامح دقيقة واضحة ومحددة وكانت الملامح جميلة وتوضح انطباقها على نفس الملامح اليهودية ، وقد شهد دكتور كوون Carlton Coon وهو أشهر العلماء المعاصرين في علم الأجناس البشرية في العالم البروفيسور بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة قائلاً " أن ملامح رجل الكفن تثبت أنه يهودي لا غش فيه " ، فصورة الكفن تُظهر شعر الرأس على شكل ضفيرة متدلية خلف الرأس على مستوى الكتفين ، كان هذا شائعا بين اليهود في تلك الآونة وكانوا في فترات الأعياد يضفرون الشعر جديلة يلفونها تحت غطاء الرأس ، كما أن وجود منطقة شهباء في منطقة من الشعر يرجع إلى الطيب الذي كانت تُدهن به من قبل وسكب الطيب على الناس كان عادة شائعة عند اليهود ( لو 7 : 46 ) وهذا دليل قاطع أن صاحب الصورة كان يهوديا من القرن الأول ووجود اللحية دليل آخر على أن صاحبها كان يهوديا حيث تميز اليهود منذ عصر موسى النبي بإطلاق لحيتهم . كما بين يفيز ديلاج عالم التشريح أن صاحب الصورة كان في الثلاثين من عمره وهذا ما تخبرنا به الأناجيل المقدسة. 
الكفن وعلم الحفريات ( الاركيولوجي ) 

في سنة 1968 أثناء التنقيب عن مدفن في أورشليم وجد الحفريون بقايا عظام لرجل مات مصلوبا يدعى يوحنان كُسرت ساقاه كما كانت العادة المتبعة في الصلب ، ومازال جزء من عظام الكعب ملتصقا بقطعة من خشب الزيتون من الصليب بواسطة مسمار طوله 7 بوصات والأكثر أهمية هو أن المسمار الذي دق في اليد اليمنى قد ترك تآكلاً واضحا في عظمة الساعد القصيرة Radius قريبا من الرسغ وهذا يتفق تماما مع الكفن حيث أن المسمار دق في منطقة المعصم وليس في الكف كما هو في الرسومات التقليدية للصليب .
أما دراسة شكل السياط الرومانية فتكشف لنا دليلا عجيبا من صورة الكفن ، فالجروح الظاهرة على الجسم والناتجة من عملية الجلد الوحشي تدل على أن السياط كانت ذات ثلاثة فروع ينتهي كل منها إما بقطعتين من العظام على شكل الجرس أو كرتين متماثلتين من الرصاص ، وهذا النوع المخيف من السياط لم يستخدمه من شعوب العالم القديم سوى الرومان وبدراسة أنواع الحراب التي كانت تستخدمها شعوب العالم القديم نجد تماثلها مع جرح الجنب في الصورة فهي تتوافق تماما مع شكل الحربة الرومانية ذات النصل المميز وهي التي كانت تستخدمها الحامية الرومانية التي كانت تقوم بالحراسة حول أورشليم وقت صلب المسيح ، ومن أبرز الأدلة التي تركتها جروح يسوع المطبوعة على الكفن آثار الجروح العديدة على الرأس الناتجة عن الأشواك التي كُلل بها رأس يسوع إذ هي تُعد وثيقة تأكيد أنه هو كفن المسيح بكل يقين لأن عملية صلب المسيح هي الوحيدة في تاريخ الصلب التي انفردت بهذه الخطوة القاسية ، فالذين قبضوا على يسوع جمعوا حزما من فروع الأشواك المنتشرة بكثرة في هذه المنطقة حيث كان الشتاء والبرد قارسا والخشب نادرا في منطقة أورشليم وكان عليهم أن يجمعوا هذه الأشواك ليستخدموها في التدفئة ، وحين أرادوا أن يتوجوا المسيح باكليل شوك لم يدرون آنذاك أن هذه العمامة المميتة من ضفائر الأشواك ستكون من أقوى الأدلة على صحة كفن تورينو وعلى حد قول المؤرخ هوبرت فورستون : أنني لا أشك أنه كفن المسيح فالجروح الخشنة والجلد الوحشي والثقوب المحيطة بالرأس ، كيف تجتمع هذه العلامات في أي شخص ؟ أنها لا تجتمع إلا في يسوع المسيح !
ثاني شيء لفت أنظار علماء الأركيولوجي هي طريقة الدفن فالصورة على الكفن تُظهر طريقة الكتفين والدفن حسب العوائد اليهودية ، فقد بُسطت الأكفان فوق حجر التكفين ووضع الجسد عليها ثم بُسط النصف الباقي للأكفان وثُني من جهة الرأس ليغطي الجسد من أعلى مارا بالرأس حتى القدمين .
وكانت عادة غسيل جسم الميت من عادات التكفين اليهودي ثم يلبس ملابس كتانية وهي الملابس البيضاء التي كان يلبسها في الأعياد ثم يُربط بأربطة حول الذقن والمعصمين والقدمين وهذا ما يظهر جليا في الصورة ، فالجسد وضع ممددا في القبر وكانت اليدين متقاطعتين حول الحوض والفراغ الظاهر في الصورة حول منطقة الرأس يدل على وجود رباط الذقن وفي منطقة الرسغين نجد آثار رباط اليدين الذي كان ضروريا لمنع رجوع اليدين إلى وضعهما السابق على الصليب ، وفي منطقة القدمين يظهر أيضا أثر الرباط الذي رُبط به القدمان. 
وتبين الصورة أن جسد المسيح لم يُغسل حسب الطقس اليهودي في الدفن ، فأين الماء الدافيء لغسل الجسد من الدم ، وكيف الحصول عليه في مكان الجلجثة خارج أسوار أورشليم ؟ ، وهذا يتطابق بشكل فريد مع الانجيل الذي ليس به نص يدل أن الجسد قد غُسل .
فإذا رجعنا إلى الأناجيل عرفنا الأسباب التي دعت إلى عدم إمكانية إتمام التكفين بالتفصيلات والمراحل المتعددة حسب العادة الشائعة ، فيسوع مات في الساعة التاسعة اليهودية ( الثالثة بعد الظهر ) ، وارتاع التلاميذ من هول الحادثة وخافوا حيث كانوا في اضطراب فلم يفكروا في إنزال المسيح ودفنه ، وهنا تقدم يوسف الرامي ليأخذ على عاتقه هذا الأمر ، وكان ذلك عشية السبت وهذا السبت كان عظيماً ، فكان عليه أن ينزل الجسد من فوق الصليب ويدفنه ويكون ذلك قبل غروب الشمس لأن العمل يتوقف في الساعة الثانية عشر ( السادسة مساءا ) عشية السبت ، وهذا معناه أن يذهب بسرعة إلى حصن انطونيا ويقدم طلبا لبيلاطس الوالي يستأذنه في دفن المسيح ، ولا نغفل أن الشوارع كانت شديدة الازدحام بالجموع الكثيرة بسبب العيد وكان ذلك يؤخر الوصول بسرعة إلى بيلاطس ، كما أن الدخول إليه يستلزم وقتا آخر وفوق ذلك مرت فترة أخرى ذهب فيها قائد المائة ليتأكد من موت المسيح ، كما أن إعداد الأوراق الرسمية لتسليم الجسد إلى يوسف الرامي استلزمت هي الأخرى وقتا آخر ، وكذلك مضى وقت آخر لعودته إلى موضع الجلجثة حيث إنضم إليه نيقوديموس الذي كان قد اشترى الحنوط من مر وعود وأخذا جسد يسوع ولفاه بأكفان مع الأطياب ووضعاه في القبر الجديد المنحوت في الصخر ( يو 19 : 40 , 41 ) والعجيب المبهر أن الصورة تنطق ببراعة وهي تحمل آثار الصلب بدليل متوافق مع الانجيل في أن الجسد لم يُغسل .
أما عن الحنوط وعوائد التكفين اليهودي فيخبرنا يوحنا البشير ( يو 19 : 39 ) أن نيقوديموس أحضر مزيجا من مر وعود ثمنها مائة منا ( المنا = 100 درهم والدرهم = خمسة قروش ونصف ) أي ما يزيد عن خمسة جنيهات ، وكان وزن الحنوط ما يعادل مائة رطل ( قريب من الخمسين كيلو جرام ) وهذه لفت مع الجسد في عملية التكفين ، فلو كانت وضعت فوق الجسد لكان قد ظهر أثرها في صورة الكفن ، لكنها كانت عبارة عن مجموعة من القوالب من هذه الأمزجة العطرية رُصت على جانبي الجسد ووضعها هكذا يفسر لنا عدم وجود ثنيات في صورة الكفن .
ومن العوائد اليهودية أيضا دفن الميت في ملابس العيد ولكن هذا لم يحدث في دفن المسيح حيث يذكر الانجيل أن الجند قسموا ثيابه بينهم .
الشيء الثالث الذي يتوافق مع الحفريات في أورشليم هي وصف قبر المسيح ، ففي مكان كان قريبا من الصليب كانت مقبرة يوسف الرامي وكانت جديدة لم يدفن فيها أحد ومنحوتة في الصخر ، وتتفق الحفريات الحديثة مع صحة الموقع الحالي لقبر المسيح الذي قامت عليه كنيسة القبر المقدس في أورشليم ، وكان هذا المكان في زمان المسيح خارج أورشليم ، وإن كان قد تلاشى مظهره الأصلي كقبر بسبب بعض الظروف التي مرت به ومنها ما حدث أيام الملك البار قسطنطين 325 م حيث أمر بإزالة معظم الصخور المحيطة بالمكان ليقيم كنيسة ضخمة وفاخرة تضم القبر المقدس والجلجثة معا ، وما حدث بأمر أحد الخلفاء المسلمين 1006 م حيث أمر بمحو الموقع بالفؤوس والمطارق ، لكن مازالت توجد بالمنطقة بعض المقابر المتبقية من أيام عصر المسيح ولكل منها مدخل منخفض يسدونه بحجر صخري كبير وله درجات تهبط منها من الحديقة إلى مدخل القبر وعلى الجانب الأيمن تشاهد مصطبة صخرية بجانب القبر يرقد عليها الميت لإجراء لوازم التكفين وهذه كلها تُشاهد في قبر المسيح حيث كُفن ودُفن وهذا ما يحدثنا به يوحنا الحبيب ( يو 19 : 38 , 42 ) والصورة على الكفن تُظهر تيبس الجسد والرأس المنكسة نتيجة الموت ، وفي القيامة دخل بطرس ويوحنا القبر ، فنظر الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعا مع الأكفان بل ملفوفا في موضع وحده ( يو 20 : 5 , 6 ) ، فقد تأكد الرسل من حقيقة القيامة وأن الجسد لم يسرق فقد شاهد الرسل الأكفان موضوعة ومرتبة كما هي فالجسد قام وانسحب منها دون أن يمس ترتيبها ، كما دخل بنفس الجسد القائم من الأموات والأبواب مغلقة ، فتحققا من قيامة المسيح تاركا الأكفان مطبوعا عليها صورته بطريقة معجزية ، أما التلاميذ فاحتفظوا بسر الأكفان المقدسة فلم يستطيعوا أن يشيروا إليها أو يجاهروا بها تحفظا من اليهود الذين كانوا يعتبرون أن لمس الميت أو أكفانه كسر للناموس .

الكربون 14

تتألّف ذرّة الكربون الطبيعي أو الكربون 12 من العناصر التالية: إلكترون عدد 6 ، بروتون عدد 6 ، نيترون عدد 6. تقوم الأشعّة الكونيّة برشق الغلاف الجوّي للأرض، ما يؤثّر على تركيبة غاز النيتروجين أو الأزوت، وهو أكثر الغازات وفرًا في الجو، فيخسر أحد البروتونات، ويكتسب نيترونًا واحدًا، فتتحوّل ذرّة النيتروجين إلى ذرّة مختلفة، سمّيت كربون 14، تتألّف من العناصر التالية: إلكترون عدد 6، بروتون عدد 6، نيترون عدد 8.

 لاحظ العلماء أنّ الكربون 14 الذي يتكوّن في الغلاف الجوّي، هو نظير مشعّ isotope radioactif للكربون 12، ويمتصّه الجسم البشري والحيوانات والنباتات على الأرض، في عمليّة توازن محدّدة.

لَمّا يمتصّ النبات الكربون 14، يتحوّل إلى الكلوروفيل. ولَمّا يمتصّ الإنسان والحيوان الكربون 14، يتحوّل إلى النفايات العضويّة، فيعود إلى الأرض. نتيجة هذا التوازن والتبادل، يحمل الإنسان والحيوان والنبات نسبة ثابتة من الكربون 14، تبدأ بالهبوط مع موت الإنسان والحيوان وقلع النبات من التراب. يتمّ الهبوط بحسب دورة مقدارها 5570 سنة، أي أنّ كميّة الكربون 14 تهبط إلى النصف بعد مرور 5570 سنة على الموت أو القلع. عندما يقوم علماء الآثار مثلاً، بقياس كميّة الكربون 14 الموجودة في الأشياء القديمة، التي غالبًا ما تكون مطمورة، يقومون بعمليّة حسابيّة لإيجاد عمر هذا الشيء.

 شكّل هذا الاكتشاف ثورة فعليّة في الطرق العلميّة المعتمدة في علم الآثار، لتأريخ بقايا الأجسام المطمورة. يعود الفضل في هذا الاكتشاف إلى العالم الأميركي ويلارد ليبي Willard Libby الذي عمل عليه في جامعة شيكاغو، منذ الخمسينيّات، وحصد عليه جائزة نوبل في الفيزياء، العام 1960.

 تزامن اكتشاف ليبي مع العثور على مخطوطات قمران، على ضفاف البحر الميت، فتلقّف المجتمع العلمي هذه المصادفة للقيام باختبار عملي لنظريّة ليبي. أرسلت إلى ليبي قطعة من الكتّان الذي لفّت به إحدى المخطوطات لإجراء فحص الكربون 14 عليها. قام الدكتور ليبي بما عليه، وقدّم النتيجة التالية: يعود عمر الكتّان إلى ما بين العام 168 ق. م. و 233 ب. م. أتت النتيجة متوافقة مع المعلومات التاريخيّة والأركيولوجيّة الأخرى، فقبلها المجتمع العلمي، وشكّلت مؤشرًا إيجابيًا للبدء بتعميم طريقة ليبي على المختبرات العالميّة.

  الكربون 14 وكفن تورينو

 ما إن شاع خبر اكتشاف ليبي وتطبيقه بنجاح على مخطوطات قمران، حتّى بادر الأب آدم أوتربايمAdam Otterbeim . رئيس رابطة الكفن الأميركيّة، بترتيب اجتماع بين الدكتور ليبي والملك أومبرتو الثاني ، مالك الكفن آنذاك ، للبحث في إمكانيّة إجراء فحص الكربون 14 على الكفن . في العام 1950. طلب الدكتور ليبي الحصول على قطعة من نسيج الكفن بحجم كفّ اليد، وأضاف بأنّه سيحتاج إلى قطعة ثانية مماثلة لمقارنة النتائج. بعد المداولات، قام الدكتور ليبي بإسداء النصيحة التالية: «لا فائدة من إتلاف الكفن كي نثبت صحّته» . وافق الجميع، وتأجل المشروع بانتظار التطورات اللاحقة. ما إن عرف بعض المراقبون بأنّ الكنيسة الكاثوليكيّة أرجأت القيام بفحص الكربون 14 على كفن تورينو حتّى قاموا بحملة من الاتهامات والإهانات والشماتات بحقّها، متّهمين المسؤولين فيها بالخوف من العلم، والهرب من نتيجة لن تكون لصالحهم.

 لكنّ هذا التريّث له ما يبرّره. فالكنيسة الكاثوليكيّة عملت بنصيحة الدكتور ليبي، وهو المرجعيّة العلميّة الأولى في هذا الأمر. ثمّ أنّ المسؤولين في الكنيسة ، لا يمكنهم إتلاف جزء كبير من الكفن من أجل اكتشاف يبحث عن إثبات نفسه في الوسط العلمي ، حتى ظهر تطوّر ملحوظ في تقنية الكربون 14

 ما أن انتهى العرض العامّ للكفن في العام 1978، حتى دُعي العلماء لمؤتمر في تورينو، حيث قام الدكتور هاري غوف Harry Gove من جامعة روشستر في أميركا، بتقديم طريقة جديدة لفحص الكربون 14، أفضل من طريقة ليبي. فبينما عُرفت طريقة ليبي بـ PCM أو Proportional Counter Method ما يعني «طريقة التعداد التناسبي» سُمّيت طريقة غوف بـ AMS أو Accelerator Mass Spectrometer ما يعني «مطياف تسريع الكتلة».

شكّلت الطريقة الجديدة تقدّمًا ملحوظًا، إذ باستطاعتها الاكتفاء بعيّنة صغيرة للفحص لا يتعدّى وزنها بضعة ميلليغرمات، كما أنّها تعطي النتيجة بمدّة لا تتعدّى البضعة أسابيع، في حين كانت طريقة ليبي تحتاج إلى عيّنة كبيرة، ولا تعطي النتيجة قبل عدّة أشهر. إنّها الطريقة المنتظرة والمناسبة لتطبيقها على الكفن! ومع هذا، آثر المؤتمرون التريّث، ريثما يتمّ اختبار الطريقة الجديدة والتعرّف إليها بشكل أفضل.

 في  العام 1985، إنعقد المؤتمر الدولي للراديوكربون في مدينة تروندهايم – ألمانيا، حيث قدّمت عدّة مختبرات أعمالها التي اعتمدت فيها طريقة AMS ، مكتفية بعيّنات صغيرة الحجم، ومعطية نتائج دقيقة وسريعة. وقد قام ستة مختبرات بتأريخ قطع من القماش يعود عمرها إلى حوالي الألفي سنة، وتوصّلوا إلى نتائج مرضية، وكان لديهم نيّة الحصول على شرف تأريخ كفن تورينو.

 كان لهذا المؤتمر وقعًا إيجابيًا في نفوس المسؤولين عن كفن تورينو، فبدأوا يعدّون العدّة لتطبيق الطريقة الجديدة على الكفن، فقاموا بدعوة 22 عالما إلى تورينو لدراسة الأمر ، وعقدوا ورشة عمل برئاسة رئيس أساقفة تورينو، الكردينال أنستازيو باليستريرو، يعاونه مستشاره العلمي البروفسور لويجي غونيلا، وأدار الحلقات البروفسور كارلوس شاغاز، رئيس الأكاديميّة البابويّة للعلوم.

 بعد أربعة أيّام من العمل المتواصل، تمّ الاتفاق على جميع الإجراءات: مكان اقتطاع العيّنة، الطريقة التي يجب اعتمادها (PCM أو AMS )، من يقوم باقتطاع العيّنة وكيف، من يوضّب العيّنة وكيف، ومن يختمها، وكيف يتمّ نقلها إلى المختبرات، وكيف يتمّ إعلان النتائج، وغيرها من التفاصيل. وأهمّ شيء هو أنّ المساحة المقتطعة ستكون بحدود العشرة سنتيمترات مربعة، وسيتمّ العمل تحت إشراف المتحف البريطاني، بعد أن تمّ اختيار سبعة مختبرات أثبتت جدارتها بفحص العيّنات الصغيرة، ولكن وقع  الإختيار على ثلاثة مختبرات وتم استبعاد الأربعة الآخرين .

 بعد ثلاثة أيّام على انتهاء المؤتمر، أعطى البابا يوحنا بولس الثاني الإذن للبدء بالتحضيرات التي استمرّت سنة كاملة. وفي العام 1987 تلقّى الكردينال باليستريرو، من أمانة سرّ الڨاتيكان، الموافقة على الإجراءات التي سبق واتفق عليها مع المختبرات، ووقع اختيار الكردينال على مختبر جامعة أريزونا، ومختبر جامعة أوكسفورد، ومختبر معهد زوريخ، كلّها تعتمد طريقة واحدة هي AMS .

 أثارت عمليّة تنحية بعض المختبرات العالميّة عن المشاركة في فحص الكربون 14 انتقادات واسعة في صفوف المسؤولين عن هذه المختبرات، لا يخلو بعضها من التجريح الشخصي بحقّ الكردينال ومستشاره العلمي.

 بعد أخذ وردّ واتصالات ومشاورات إجتمع ممثلو المختبرات الثلاثة المختارة في المتحف البريطاني، في 22 يناير عام 1988، بحضور البروفسور غونيلا، مندوبًا من الكردينال باليستريرو، والدكتور تايت، مندوبًا من المتحف البريطاني، وقرّروا السير بالمشروع المقترح، وتحضير العدّة لليوم المعقود.

 في 21 أبريل عام 1988 باشر عشرون عالمًا وشاهدًا في عمليّة اقتطاع عيّنة من الكفن وإخضاعها لفحص الكربون 14. على رأس المجتمعين، الكردينال باليستريرو، ومستشاره غونيلا، وممثلين عن المختبرات الثلاثة المختارة، وعن المتحف البريطاني، ومعهم البروفسور فرنكو تستوري Franco Testore ، خبير النسيج في معهد البوليتكنيك في تورينو، وغبريال فيال Gabriel Vial خبير المتحف التاريخي للنسيج في ليون – فرنسا، والدكتور جاك إيفان Jacques Evin ، من جامعة  كلود بيرنار في ليون – فرنسا، والبروفسور جيوفاني ريجي دي نومانا Giovanni Riggi di Numana الذي سبق وشارك في اختبارات العام 1978 مع فريق ستارب، وهو يشغل منصب المدير المسؤول عن مكتب ستارب في تورينو، وكان هو من قام بنفسه وبيده باقتطاع العيّنة المطلوبة من الكفن لإجراء فحص الكربون 14 عليها.

في ذلك اليوم، تمّ اقتطاع جزء من الزاوية الشمالية العليا للكفن، حيث لا آثار بادية للجسم، تلافيًا لإزالة أيّ أثر، فبلغ طول الجزء المقتطع 7،8 سنتيمتر، وعرضه 2،2 سنتيمتر. بعد التبصّر بالجزء المقتطع، إرتأى المسؤولون إزالة بعض الخيوط غير الصالحة ليصبح الطول النهائي 7،3 سنتم، والعرض النهائي 1،7 سنتم. ثمّ قُسم هذا الجزء إلى قطعتين، واحدة سُلّمت إلى الكردينال لحفظها بعناية، تحسبًا لإخضاعها لاختبارات لاحقة، أصبحت تُعرف بالـ Riserva، وأُخرى قُسمت إلى ثلاثة أجزاء، سلّمها الكردينال إلى ممثلي المختبرات الثلاثة،كما سلّم المسؤولون ثلاث عيّنات أخرى لكلّ مختبر، تعود إلى مواد معروفة التاريخ، قدّمها المتحف البريطاني للاستعانة بها للتدقيق والمقارنة، من دون أن يعرف أي من المختبرات التاريخ الفعلي لكلّ عيّنة، إذ بقي التاريخ معروفًا فقط من منسّقي العمليّة.

 تمّت العمليّة بسريّة كاملة، لكنّه تمّ تصوير العمليّة بالفيديو والصور الثابتة، ولو بشكل ناقص، بخاصّة لَمّا تمّ توضيب العيّنات في السكرستيا. عند الانتهاء، عاد كلّ مندوب إلى بلاده، حاملاً معه العيّنات الأربع، وعاقدًا العزم على البدء بالفحص ومعرفة النتيجة.

 في 26 أغسطس 1988، وقبل الموعد الرسمي لإعلان النتيجة، ورد خبر في جريدة لندنية London Evening Standard ، على لسان الدكتور ريشار لاكيت Richard Luckett ، من جامعة كامبريدج، يقول فيه بأنّ الكفن يعود إلى العام 1300 : «...إنّ البراهين العلميّة أصبحت جاهزة... الكفن مزيّف... هناك بعض الأشخاص الذين لن يصدّقوا هذا الخبر، لكنّه يبدو بأنّ الإختبارات تشير إلى العام 1300... المختبرات هي أمكنة مثقوبة (أي تسرّب منها الأخبار)».

  أمّا المختبرات الثلاثة فقد تنصلوا من هذا الخبر المنشور في الجريدة اللندنيّة. لكنّ مختبر زوريخ كان قد سمح لأحد مناهضي الكفن اللدودين، وهو القسّ داڨيد سوكس David Sox ، بحضور الاختبارات، وتلمّس النتائج المحتملة، ما أدّى إلى اتهامه بالمسؤوليّة عن تسريب الخبر قبل الإعلان الرسمي، لا بل حتّى قبل أن يبدأ مختبر أوكسفورد باختباراته.

 أشاع هذا الأمر جوًّا من الانزعاج والريبة بين المختبرات والسلطات المسؤولة عن الكفن في تورينو التي اتهمت المختبرات بمخالفة البروتوكول المتفق عليه، والقاضي بعدم إعلان أي شيء من قبل المختبرات قبل استلام الكردينال للنتائج النهائية، وهو وحده المخوّل إعلانها إلى العالم.  أدّى هذا الاتهام إلى ردود مماثلة من قبل المختبرات كادت أن تقضي على العمليّة برمتها.

 على أثر ذلك، بدأت بعض الأصوات ترتفع لتقول بأنّه تمّ استبدال عيّنة الكفن الأصليّة التي كان من المفروض تسليمها إلى المختبرات بعيّنة أخرى، عن طريق الاحتيال، بغية الحطّ من قيمة الكفن وما يمثله. وهذا شبه مستحيل من الناحية العمليّة، إذ يتطلّب اتفاقًا مسبقًا وتواطئًا بين الكردينال والإختصاصيين، ما يصعب القبول به. وقد أصدروا نفيًا قاطعًا لهذا الأمر على لسان الدكتور غونيلا، أعلنه في مؤتمر روما عام 1993.

 ظلّت الأوضاع على هذه الحال من الترقّب والتكهّن إلى حين الموعد الرسمي لإعلان النتيجة.

 في 13 أكتوبر عام 1988، عقد الكردينال باليستريرو، رئيس أساقفة تورينو، والحافظ البابوي للكفن، مؤتمرًا صحفيًا، أعلن فيه النتيجة التي سلّمه إيّاها المختبرات الثلاث، وتلى البيان التالي:

 في ٢٨ أيلول( سبتمبر) ١٩٨٨، قامت المختبرات في جامعة أريزونا، وجامعة أُكسفورد، ومعهد البوليتكنيك في زوريخ، بإعلام الحارس الرسولي للكفن، عن نتائج أعمالها النهائيّة المتعلِّقة بتأريخ نسيج الكفن، بواسطة الكاربون المشعّ، وذلك عن طريق منسِّق المشروع، الدكتور تايت، من المتحف البريطاني.


يوضح هذا المستند أنّ تاريخ نسيج الكفن يعود إلى ما بين العام ١٢٦٠ والعام ١٣٩٠، وهو موثوق به بنسبة ٩٥٪ . سوف تقوم المختبرات المشار إليها، مع الدكتور تايت، بنشر المعلومات المفصّلة والدقيقة في مجلّة علميّة، والنصّ قيد التحضير.

من جهته، قام البروفسور ماي May، من معهد علوم المقاييس والموازين ج. كولوناتي G. Colonnetti في تورينو، المسؤول عن مراجعة التقرير العام الذي قدمَّه الدكتور تايت، بالتأكيد على التوافق في النتائج التي توصَّلت إليها المختبرات الثلاث، فتكون صحّتها ضمن الحدود التي تسمح بها الطريقة المستعملة.

بعد إبلاغي الكرسي المقدَّس، صاحب الكفن، أُعلنُ للعموم ما أُبلِغتُ به.

في الوقت الذي يُعطى إلى العِلم تقييم هذه النتائج، تعود الكنيسة وتؤكِّد احترامها وإكرامها لأيقونة المسيح الموقّرة هذه، التي تبقى موضوع تكريم المؤمنين، وذلك انسجامًا مع الموقف الذي طالما عُبِّر عنه بخصوص الكفن، وهو أنّ قيمة الصورة بحدّ ذاتها هي أكبر من قيمتها كمستند تاريخي، وهذا الموقف يُبطل الحسابات الوهميّة، ذات الطابع اللاهوتي، التي قُدِّمت في إطار بحث أُريد منه أن يكون فقط بحثًا علميًّا دقيقًا.

في الوقت ذاته، تَبقى المسائل المتعلّقة بأصل الصورة، وكيفيّة المحافظة عليها، غير محلولة بعد، بشكل كبير، وهي تتطلَّب أبحاثًا ودراسات لاحقة ستُظهر الكنيسة تجاهها انفتاحًا مماثلاً، يوحي به حبّ الحقيقة ذاته الذي برهنَت عنه من خلال سماحها لإجراء تأريخ الكفن بواسطة طريقة الكربون المشعّ، منذ اللحظة التي عُرض عليها برنامج معقول للعمل.

إنّي آسف، شخصيًّا، للأمر المزعج المتمثِّل بنشر الأخبار المتعلِّقة بهذا البحث العلمي قبل أوانها، في الصحافة، خصوصًا تلك الناطقة باللغة الإنكليزية، إذ ساهم ذلك في الإيحاء، غير البريء، بأنّ الكنيسة تخاف العِلم، وتحاول إخفاء النتائج. إنّ هذا الاتهام يتناقض، بشكل واضح، مع الموقف الحازم الذي اعتمدته الكنيسة، في هذه المناسبة.

ما أن أُعلنت النتيجة حتى نشرتها وسائل الإعلام كالبرق، فتلقَّفها المتحمِّسون للكفن بخيبة أمل، وارتاح لها المشكِّكون. لكنّ الكردينال بالِستريرو أرفق إعلانه بالملاحظة التالية:
"ليس باستطاعة أحد إرغامي على الموافقة على هذه النتيجة. العِلم هو الذي سيحكم على العِلم. إنّ هذه الفحوص لا تُنهي فصول الكتاب حول الكفن، وهي ليست إلاّ فصلاً آخَر يُضاف إلى قصّة الكفن أو، كما يقول بعضهم، إلى ألغاز الكفن. وبعد كلِّ هذه الأبحاث، ليست لدينا أجوبة لتفسير كيفيّة حدوث صورة المسيح هذه".
أثارت النتائج انتقادات علميّة عديدة، وتساءل العلماء الذين لم يشاركوا في فحوص المختبرات الثلاثة: هل تَمَّ تنظيف العيّنات من آثار التلوّث المتراكم على سطح النسيج، بطريقة جيّدة؟ وما كان تأثير حرارة الحريق الذي تعرَّض له الكفن، العام 1532، على كميّة الكاربون 14 في النسيج؟ ولماذا لم تؤخذ العيّنات من أماكن مختلفة من الكفن، بدل أن تؤخذ كلّها من مكان واحد مشكوك بأمره؟ أوَ لم يكن من الأفضل توكيل الفحوصات إلى عدد أكبر من المختبرات؟ وإذا كانت النتيجة فعلاً صحيحة، كيف نفسِّر جميع الدراسات العلميّة الأخرى التي سبق ذكرها، بالإضافة إلى الحجج التاريخيّة والكتابيّة الداعمة لصحّة كفن تورينو؟
العالم الفرنسي أرنو أوبنسكي Arnaud Upinsky ، الاختصاصي في الرياضيّات، قال: «إذا كانت جميع الاثباتات العلميّة حتّى العام 1988 هي خاطئة، بالاستناد إلى نتيجة الكربون 14، فلا وجود لأيّ إثبات علمي صادق. فالذي هو على المحكّ الآن ليس صدقيّة الكفن بل صدقيّة العلم».
ظلّ الوضع على حاله، بين أخذٍ وردّ، إلى أن نشر راي روجرز، في المجلّة الأميركيّة المتخصِّصة Thermochimica acta، العدد 425، العام 2005، بحثا حاسمًا، بَرهن فيه أنّ المكوّنات الكيميائيّة للعيّنة التي اقتُطعت من الكفن لإجراء فحص الكاربون 14 عليها، تختلف عن المكوّنات الكيميائيّة لباقي نسيج الكفن، وأنّ عمر النّسيج الأساسيّ يتراوح ما بين 1300 سنة و3000 سنة. فاستنتج المجتمع العلمي أنّ عيّنة الكربون 14 لم تكن جزءًا من الكفن في الاساس، وربّما أُضيفت لاحقًا بطريقة حذقة وغير مرئية! ومع أنّ راي روجرز لم يكن له متَّسع من الوقت لتأكيد هذا الاستنتاج، إذ وافته المنيّة بعد أسابيع معدودة، بسبب معاناته من مرض السرطان، لكنّ دراسته الرصينة، والمشهود لها من المجلّة العالميّة، لاقت تجاوبًا سريعًا من المجتمع العلميّ، وأعادت الأمل إلى مناصريّ صحّة الكفن.

واخيرا حساب الاحتمالات
أراد بعض العلماء إجراء حساب الاحتمالات لمعرفة احتمال كون الكفن لشخص آخر غير يسوع المسيح، فقاموا بمعاينة مراحل التعذيب التي مرَّ بها رجل الكفن، وقارنوها مع ما يُحتمل أن يكون محكوم غيره قد مَرَّ به: الجَلد القوّي بالمقارنة مع الجَلد الخفيف، وإكليل الشوك الفريد من نوعه، ودقّ المسامير بالمقارنة مع الربط بالحبال، وعدم كسر الساقين كما كانت العادة، وطعنه الحربة مع خروج الدم والماء، واللفّ بالكفن بدل الرمي في الحفرة العموميّة، ومغادرة الكفن دون ترك أيّ أثر لاهتراء الجسم، وغيرها من الأحداث التفصيليّة.
إنّ فرنسيس فايلاس حصل على احتمال 1 على 10 بقوّة 26 ( ضرب العدد في نفسه 26 مرة ). أمّا برونو باربيرس Bruno Barberis فحصل على احتمال1 على225 مليار. أمّا كينيت ستيفنسون Kenneth Stevenson، الناطق الرسمي باسم الستارب، فتوصّل إلى احتمال 1 على 83 مليون، وهو أكبر نتيجة بالإمكان الحصول عليها.
تُشير جميع هذه الحسابات إلى أنّه من المستحيل، علميًّا، أن يكون كفن تورينو يخصّ شخص آخر غير يسوع المسيح







إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu