سِكُندو بِيّا
مَرَّت ثلاثة قرون دون صدور أيّ بحث علمي جديد، إلى أن جاءت الصور الأولى التي التقطها سِكُندو بِيّا، في العام 1898، لتثير اهتمام العِلم الحديث، وتضع العلماء أمام تساؤلات جديدة، اختلفوا فيما بينهم على تقديم الإجابات عنها. فبعد أن كان كفن تورينو محطة للحجّاج ولممارساتهم التقويّة، أصبح مادّة بحث للعلماء وللنقد العلميّ.
في العام 1900، أي سنتين فقط بعد البلبلة التي أحدثتها صور سِكُندو بيّا، قام الراهب الفرنسيّ المؤرِّخ أُليس شوفالييه Ulysse Chevalier 1923 بعرض بعض الوثائق التي اكتشفها، واستنتج منها أنّ الكفن من صُنع أحد الرسّامين وهذا ما يتمسك به الرافضين. لكنّ المعاينات المباشرة للكفن، بالإضافة إلى الصور العديدة التي التُقطت له لاحقًا، أثبتت عدم وجود أيّ مادة تلوينيّة اصطناعيّة على النسيج.
العالم الفرنسي إيڤ دولاج
وفي العام 1902، قام البروفسور إيف دولاج Yves Delage 1920، المنتمي إلى مذهب اللاأدريّة Agnosticisme، بتقديم بحثٍ له إلى الأكاديميّة الفرنسيّة للعلوم، يشير فيه إلى قناعته بأنّ كفن تورينو هو نفسه الكفن الذي لُفَّ به جسد المسيح. أثار هذا البحث اعتراض زملائه، وعلى رأسهم أمين سرّ الأكاديميّة، العالم الملحد مارسيلان بِرتيلوه Marcelin Berthelot 1907، الذي طالب دولاج بإعادة صياغة بحثه، وحذفْ كلّ ما له علاقة بكفن تورينو، كي يحظى بالموافقة المطلوبة لنشره في التقرير الرسميّ للأكاديميّة. لكنّ دولاج دافع عن وجهة نظره، قائلاً بأنّ هدفه هو إظهار الحقيقة فقط، حتى ولو كَلَّفه ذلك خسارة أصدقائه.
وفي العام 1931، بدأ بيار باربيه Pierre Barbet 1961، الطبيب الجرّاح في مستشفى مار يوسف في باريس، بإجراء الاختبارات على جثث طازجة، والبحث في تاريخ الصَلب وعِلم الآثار، بعد أن عاين الكفن عن قريب، خلال العرض العلني الذي جرى في تلك السنة. وبعد عشرين سنة من الاختبارات، أصدر كتابه الشهير الذي لم يزل، حتى اليوم، يحظى بالاقبال، ويُعاد طبعه من حينٍ إلى آخر.
وفي العام 1938، أَصدر البروفسور پول فينيون Paul Vignon 1943، أستاذ علم الأحياء في المعهد الكاثوليكي في باريس، كتابًا هامًا قَدَّم فيه نتائج أبحاثه عن الكفن، من النواحي العلميّة والتاريخيّة، بالإضافة إلى الإيقونوغرافيا( علم الأيقونات) وعلم الآثار والمنطق.
وبعد فترة من الزمن، بدأ يسطع اسم العالِم الفرنسيّ انطوان لوغران Antoine Legrand 2002 الذي عاين الكفن عن قرب خلال العروضات العلنيّة التي حصلت في العام 1931 و 1933 و1978.
لكنّ ذروة الاهتمام العلميّ كانت في العام 1978، حين قام فريقٌ مؤلَّف من أكثر من أربعين عالِمًا، معظمهم أميركيّون، سُمِّي ستارب STURP أي ( Shroud of Turin Research Project) بمعاينة الكفن عن كثب، بالعين المجرّدة والمعدّات المتطوّرة، خلال خمسة أيّام متتالية، قاموا بعدها بنشر النتائج التي توصّلوا إليها. إنّ المجتمع العلمي لا يزال يعوِّل على هذه الأبحاث
تتألّف ذرّة الكربون الطبيعي أو الكربون 12 من العناصر التالية: إلكترون عدد 6 ، بروتون عدد 6 ، نيترون عدد 6. تقوم الأشعّة الكونيّة برشق الغلاف الجوّي للأرض، ما يؤثّر على تركيبة غاز النيتروجين أو الأزوت، وهو أكثر الغازات وفرًا في الجو، فيخسر أحد البروتونات، ويكتسب نيترونًا واحدًا، فتتحوّل ذرّة النيتروجين إلى ذرّة مختلفة، سمّيت كربون 14، تتألّف من العناصر التالية: إلكترون عدد 6، بروتون عدد 6، نيترون عدد 8.
لاحظ العلماء أنّ الكربون 14 الذي يتكوّن في الغلاف الجوّي، هو نظير مشعّ isotope radioactif للكربون 12، ويمتصّه الجسم البشري والحيوانات والنباتات على الأرض، في عمليّة توازن محدّدة.
لَمّا يمتصّ النبات الكربون 14، يتحوّل إلى الكلوروفيل. ولَمّا يمتصّ الإنسان والحيوان الكربون 14، يتحوّل إلى النفايات العضويّة، فيعود إلى الأرض. نتيجة هذا التوازن والتبادل، يحمل الإنسان والحيوان والنبات نسبة ثابتة من الكربون 14، تبدأ بالهبوط مع موت الإنسان والحيوان وقلع النبات من التراب. يتمّ الهبوط بحسب دورة مقدارها 5570 سنة، أي أنّ كميّة الكربون 14 تهبط إلى النصف بعد مرور 5570 سنة على الموت أو القلع. عندما يقوم علماء الآثار مثلاً، بقياس كميّة الكربون 14 الموجودة في الأشياء القديمة، التي غالبًا ما تكون مطمورة، يقومون بعمليّة حسابيّة لإيجاد عمر هذا الشيء.
شكّل هذا الاكتشاف ثورة فعليّة في الطرق العلميّة المعتمدة في علم الآثار، لتأريخ بقايا الأجسام المطمورة. يعود الفضل في هذا الاكتشاف إلى العالم الأميركي ويلارد ليبي Willard Libby الذي عمل عليه في جامعة شيكاغو، منذ الخمسينيّات، وحصد عليه جائزة نوبل في الفيزياء، العام 1960.
تزامن اكتشاف ليبي مع العثور على مخطوطات قمران، على ضفاف البحر الميت، فتلقّف المجتمع العلمي هذه المصادفة للقيام باختبار عملي لنظريّة ليبي. أرسلت إلى ليبي قطعة من الكتّان الذي لفّت به إحدى المخطوطات لإجراء فحص الكربون 14 عليها. قام الدكتور ليبي بما عليه، وقدّم النتيجة التالية: يعود عمر الكتّان إلى ما بين العام 168 ق. م. و 233 ب. م. أتت النتيجة متوافقة مع المعلومات التاريخيّة والأركيولوجيّة الأخرى، فقبلها المجتمع العلمي، وشكّلت مؤشرًا إيجابيًا للبدء بتعميم طريقة ليبي على المختبرات العالميّة.
الكربون 14 وكفن تورينو
ما إن شاع خبر اكتشاف ليبي وتطبيقه بنجاح على مخطوطات قمران، حتّى بادر الأب آدم أوتربايمAdam Otterbeim . رئيس رابطة الكفن الأميركيّة، بترتيب اجتماع بين الدكتور ليبي والملك أومبرتو الثاني ، مالك الكفن آنذاك ، للبحث في إمكانيّة إجراء فحص الكربون 14 على الكفن . في العام 1950. طلب الدكتور ليبي الحصول على قطعة من نسيج الكفن بحجم كفّ اليد، وأضاف بأنّه سيحتاج إلى قطعة ثانية مماثلة لمقارنة النتائج. بعد المداولات، قام الدكتور ليبي بإسداء النصيحة التالية: «لا فائدة من إتلاف الكفن كي نثبت صحّته» . وافق الجميع، وتأجل المشروع بانتظار التطورات اللاحقة. ما إن عرف بعض المراقبون بأنّ الكنيسة الكاثوليكيّة أرجأت القيام بفحص الكربون 14 على كفن تورينو حتّى قاموا بحملة من الاتهامات والإهانات والشماتات بحقّها، متّهمين المسؤولين فيها بالخوف من العلم، والهرب من نتيجة لن تكون لصالحهم.
لكنّ هذا التريّث له ما يبرّره. فالكنيسة الكاثوليكيّة عملت بنصيحة الدكتور ليبي، وهو المرجعيّة العلميّة الأولى في هذا الأمر. ثمّ أنّ المسؤولين في الكنيسة ، لا يمكنهم إتلاف جزء كبير من الكفن من أجل اكتشاف يبحث عن إثبات نفسه في الوسط العلمي ، حتى ظهر تطوّر ملحوظ في تقنية الكربون 14
ما أن انتهى العرض العامّ للكفن في العام 1978، حتى دُعي العلماء لمؤتمر في تورينو، حيث قام الدكتور هاري غوف Harry Gove من جامعة روشستر في أميركا، بتقديم طريقة جديدة لفحص الكربون 14، أفضل من طريقة ليبي. فبينما عُرفت طريقة ليبي بـ PCM أو Proportional Counter Method ما يعني «طريقة التعداد التناسبي» سُمّيت طريقة غوف بـ AMS أو Accelerator Mass Spectrometer ما يعني «مطياف تسريع الكتلة».
شكّلت الطريقة الجديدة تقدّمًا ملحوظًا، إذ باستطاعتها الاكتفاء بعيّنة صغيرة للفحص لا يتعدّى وزنها بضعة ميلليغرمات، كما أنّها تعطي النتيجة بمدّة لا تتعدّى البضعة أسابيع، في حين كانت طريقة ليبي تحتاج إلى عيّنة كبيرة، ولا تعطي النتيجة قبل عدّة أشهر. إنّها الطريقة المنتظرة والمناسبة لتطبيقها على الكفن! ومع هذا، آثر المؤتمرون التريّث، ريثما يتمّ اختبار الطريقة الجديدة والتعرّف إليها بشكل أفضل.
في العام 1985، إنعقد المؤتمر الدولي للراديوكربون في مدينة تروندهايم – ألمانيا، حيث قدّمت عدّة مختبرات أعمالها التي اعتمدت فيها طريقة AMS ، مكتفية بعيّنات صغيرة الحجم، ومعطية نتائج دقيقة وسريعة. وقد قام ستة مختبرات بتأريخ قطع من القماش يعود عمرها إلى حوالي الألفي سنة، وتوصّلوا إلى نتائج مرضية، وكان لديهم نيّة الحصول على شرف تأريخ كفن تورينو.
كان لهذا المؤتمر وقعًا إيجابيًا في نفوس المسؤولين عن كفن تورينو، فبدأوا يعدّون العدّة لتطبيق الطريقة الجديدة على الكفن، فقاموا بدعوة 22 عالما إلى تورينو لدراسة الأمر ، وعقدوا ورشة عمل برئاسة رئيس أساقفة تورينو، الكردينال أنستازيو باليستريرو، يعاونه مستشاره العلمي البروفسور لويجي غونيلا، وأدار الحلقات البروفسور كارلوس شاغاز، رئيس الأكاديميّة البابويّة للعلوم.
بعد أربعة أيّام من العمل المتواصل، تمّ الاتفاق على جميع الإجراءات: مكان اقتطاع العيّنة، الطريقة التي يجب اعتمادها (PCM أو AMS )، من يقوم باقتطاع العيّنة وكيف، من يوضّب العيّنة وكيف، ومن يختمها، وكيف يتمّ نقلها إلى المختبرات، وكيف يتمّ إعلان النتائج، وغيرها من التفاصيل. وأهمّ شيء هو أنّ المساحة المقتطعة ستكون بحدود العشرة سنتيمترات مربعة، وسيتمّ العمل تحت إشراف المتحف البريطاني، بعد أن تمّ اختيار سبعة مختبرات أثبتت جدارتها بفحص العيّنات الصغيرة، ولكن وقع الإختيار على ثلاثة مختبرات وتم استبعاد الأربعة الآخرين .
بعد ثلاثة أيّام على انتهاء المؤتمر، أعطى البابا يوحنا بولس الثاني الإذن للبدء بالتحضيرات التي استمرّت سنة كاملة. وفي العام 1987 تلقّى الكردينال باليستريرو، من أمانة سرّ الڨاتيكان، الموافقة على الإجراءات التي سبق واتفق عليها مع المختبرات، ووقع اختيار الكردينال على مختبر جامعة أريزونا، ومختبر جامعة أوكسفورد، ومختبر معهد زوريخ، كلّها تعتمد طريقة واحدة هي AMS .
أثارت عمليّة تنحية بعض المختبرات العالميّة عن المشاركة في فحص الكربون 14 انتقادات واسعة في صفوف المسؤولين عن هذه المختبرات، لا يخلو بعضها من التجريح الشخصي بحقّ الكردينال ومستشاره العلمي.
بعد أخذ وردّ واتصالات ومشاورات إجتمع ممثلو المختبرات الثلاثة المختارة في المتحف البريطاني، في 22 يناير عام 1988، بحضور البروفسور غونيلا، مندوبًا من الكردينال باليستريرو، والدكتور تايت، مندوبًا من المتحف البريطاني، وقرّروا السير بالمشروع المقترح، وتحضير العدّة لليوم المعقود.
في 21 أبريل عام 1988 باشر عشرون عالمًا وشاهدًا في عمليّة اقتطاع عيّنة من الكفن وإخضاعها لفحص الكربون 14. على رأس المجتمعين، الكردينال باليستريرو، ومستشاره غونيلا، وممثلين عن المختبرات الثلاثة المختارة، وعن المتحف البريطاني، ومعهم البروفسور فرنكو تستوري Franco Testore ، خبير النسيج في معهد البوليتكنيك في تورينو، وغبريال فيال Gabriel Vial خبير المتحف التاريخي للنسيج في ليون – فرنسا، والدكتور جاك إيفان Jacques Evin ، من جامعة كلود بيرنار في ليون – فرنسا، والبروفسور جيوفاني ريجي دي نومانا Giovanni Riggi di Numana الذي سبق وشارك في اختبارات العام 1978 مع فريق ستارب، وهو يشغل منصب المدير المسؤول عن مكتب ستارب في تورينو، وكان هو من قام بنفسه وبيده باقتطاع العيّنة المطلوبة من الكفن لإجراء فحص الكربون 14 عليها.
في ذلك اليوم، تمّ اقتطاع جزء من الزاوية الشمالية العليا للكفن، حيث لا آثار بادية للجسم، تلافيًا لإزالة أيّ أثر، فبلغ طول الجزء المقتطع 7،8 سنتيمتر، وعرضه 2،2 سنتيمتر. بعد التبصّر بالجزء المقتطع، إرتأى المسؤولون إزالة بعض الخيوط غير الصالحة ليصبح الطول النهائي 7،3 سنتم، والعرض النهائي 1،7 سنتم. ثمّ قُسم هذا الجزء إلى قطعتين، واحدة سُلّمت إلى الكردينال لحفظها بعناية، تحسبًا لإخضاعها لاختبارات لاحقة، أصبحت تُعرف بالـ Riserva، وأُخرى قُسمت إلى ثلاثة أجزاء، سلّمها الكردينال إلى ممثلي المختبرات الثلاثة،كما سلّم المسؤولون ثلاث عيّنات أخرى لكلّ مختبر، تعود إلى مواد معروفة التاريخ، قدّمها المتحف البريطاني للاستعانة بها للتدقيق والمقارنة، من دون أن يعرف أي من المختبرات التاريخ الفعلي لكلّ عيّنة، إذ بقي التاريخ معروفًا فقط من منسّقي العمليّة.
تمّت العمليّة بسريّة كاملة، لكنّه تمّ تصوير العمليّة بالفيديو والصور الثابتة، ولو بشكل ناقص، بخاصّة لَمّا تمّ توضيب العيّنات في السكرستيا. عند الانتهاء، عاد كلّ مندوب إلى بلاده، حاملاً معه العيّنات الأربع، وعاقدًا العزم على البدء بالفحص ومعرفة النتيجة.
في 26 أغسطس 1988، وقبل الموعد الرسمي لإعلان النتيجة، ورد خبر في جريدة لندنية London Evening Standard ، على لسان الدكتور ريشار لاكيت Richard Luckett ، من جامعة كامبريدج، يقول فيه بأنّ الكفن يعود إلى العام 1300 : «...إنّ البراهين العلميّة أصبحت جاهزة... الكفن مزيّف... هناك بعض الأشخاص الذين لن يصدّقوا هذا الخبر، لكنّه يبدو بأنّ الإختبارات تشير إلى العام 1300... المختبرات هي أمكنة مثقوبة (أي تسرّب منها الأخبار)».
أمّا المختبرات الثلاثة فقد تنصلوا من هذا الخبر المنشور في الجريدة اللندنيّة. لكنّ مختبر زوريخ كان قد سمح لأحد مناهضي الكفن اللدودين، وهو القسّ داڨيد سوكس David Sox ، بحضور الاختبارات، وتلمّس النتائج المحتملة، ما أدّى إلى اتهامه بالمسؤوليّة عن تسريب الخبر قبل الإعلان الرسمي، لا بل حتّى قبل أن يبدأ مختبر أوكسفورد باختباراته.
أشاع هذا الأمر جوًّا من الانزعاج والريبة بين المختبرات والسلطات المسؤولة عن الكفن في تورينو التي اتهمت المختبرات بمخالفة البروتوكول المتفق عليه، والقاضي بعدم إعلان أي شيء من قبل المختبرات قبل استلام الكردينال للنتائج النهائية، وهو وحده المخوّل إعلانها إلى العالم. أدّى هذا الاتهام إلى ردود مماثلة من قبل المختبرات كادت أن تقضي على العمليّة برمتها.
على أثر ذلك، بدأت بعض الأصوات ترتفع لتقول بأنّه تمّ استبدال عيّنة الكفن الأصليّة التي كان من المفروض تسليمها إلى المختبرات بعيّنة أخرى، عن طريق الاحتيال، بغية الحطّ من قيمة الكفن وما يمثله. وهذا شبه مستحيل من الناحية العمليّة، إذ يتطلّب اتفاقًا مسبقًا وتواطئًا بين الكردينال والإختصاصيين، ما يصعب القبول به. وقد أصدروا نفيًا قاطعًا لهذا الأمر على لسان الدكتور غونيلا، أعلنه في مؤتمر روما عام 1993.
ظلّت الأوضاع على هذه الحال من الترقّب والتكهّن إلى حين الموعد الرسمي لإعلان النتيجة.
في 13 أكتوبر عام 1988، عقد الكردينال باليستريرو، رئيس أساقفة تورينو، والحافظ البابوي للكفن، مؤتمرًا صحفيًا، أعلن فيه النتيجة التي سلّمه إيّاها المختبرات الثلاث، وتلى البيان التالي:
في ٢٨ أيلول( سبتمبر) ١٩٨٨، قامت المختبرات في جامعة أريزونا، وجامعة أُكسفورد، ومعهد البوليتكنيك في زوريخ، بإعلام الحارس الرسولي للكفن، عن نتائج أعمالها النهائيّة المتعلِّقة بتأريخ نسيج الكفن، بواسطة الكاربون المشعّ، وذلك عن طريق منسِّق المشروع، الدكتور تايت، من المتحف البريطاني.
يوضح هذا المستند أنّ تاريخ نسيج الكفن يعود إلى ما بين العام ١٢٦٠ والعام ١٣٩٠، وهو موثوق به بنسبة ٩٥٪ . سوف تقوم المختبرات المشار إليها، مع الدكتور تايت، بنشر المعلومات المفصّلة والدقيقة في مجلّة علميّة، والنصّ قيد التحضير.
من جهته، قام البروفسور ماي May، من معهد علوم المقاييس والموازين ج. كولوناتي G. Colonnetti في تورينو، المسؤول عن مراجعة التقرير العام الذي قدمَّه الدكتور تايت، بالتأكيد على التوافق في النتائج التي توصَّلت إليها المختبرات الثلاث، فتكون صحّتها ضمن الحدود التي تسمح بها الطريقة المستعملة.
بعد إبلاغي الكرسي المقدَّس، صاحب الكفن، أُعلنُ للعموم ما أُبلِغتُ به.
في الوقت الذي يُعطى إلى العِلم تقييم هذه النتائج، تعود الكنيسة وتؤكِّد احترامها وإكرامها لأيقونة المسيح الموقّرة هذه، التي تبقى موضوع تكريم المؤمنين، وذلك انسجامًا مع الموقف الذي طالما عُبِّر عنه بخصوص الكفن، وهو أنّ قيمة الصورة بحدّ ذاتها هي أكبر من قيمتها كمستند تاريخي، وهذا الموقف يُبطل الحسابات الوهميّة، ذات الطابع اللاهوتي، التي قُدِّمت في إطار بحث أُريد منه أن يكون فقط بحثًا علميًّا دقيقًا.
في الوقت ذاته، تَبقى المسائل المتعلّقة بأصل الصورة، وكيفيّة المحافظة عليها، غير محلولة بعد، بشكل كبير، وهي تتطلَّب أبحاثًا ودراسات لاحقة ستُظهر الكنيسة تجاهها انفتاحًا مماثلاً، يوحي به حبّ الحقيقة ذاته الذي برهنَت عنه من خلال سماحها لإجراء تأريخ الكفن بواسطة طريقة الكربون المشعّ، منذ اللحظة التي عُرض عليها برنامج معقول للعمل.
إنّي آسف، شخصيًّا، للأمر المزعج المتمثِّل بنشر الأخبار المتعلِّقة بهذا البحث العلمي قبل أوانها، في الصحافة، خصوصًا تلك الناطقة باللغة الإنكليزية، إذ ساهم ذلك في الإيحاء، غير البريء، بأنّ الكنيسة تخاف العِلم، وتحاول إخفاء النتائج. إنّ هذا الاتهام يتناقض، بشكل واضح، مع الموقف الحازم الذي اعتمدته الكنيسة، في هذه المناسبة.
أثارت النتائج انتقادات علميّة عديدة، وتساءل العلماء الذين لم يشاركوا في فحوص المختبرات الثلاثة: هل تَمَّ تنظيف العيّنات من آثار التلوّث المتراكم على سطح النسيج، بطريقة جيّدة؟ وما كان تأثير حرارة الحريق الذي تعرَّض له الكفن، العام 1532، على كميّة الكاربون 14 في النسيج؟ ولماذا لم تؤخذ العيّنات من أماكن مختلفة من الكفن، بدل أن تؤخذ كلّها من مكان واحد مشكوك بأمره؟ أوَ لم يكن من الأفضل توكيل الفحوصات إلى عدد أكبر من المختبرات؟ وإذا كانت النتيجة فعلاً صحيحة، كيف نفسِّر جميع الدراسات العلميّة الأخرى التي سبق ذكرها، بالإضافة إلى الحجج التاريخيّة والكتابيّة الداعمة لصحّة كفن تورينو؟
ظلّ الوضع على حاله، بين أخذٍ وردّ، إلى أن نشر راي روجرز، في المجلّة الأميركيّة المتخصِّصة Thermochimica acta، العدد 425، العام 2005، بحثا حاسمًا، بَرهن فيه أنّ المكوّنات الكيميائيّة للعيّنة التي اقتُطعت من الكفن لإجراء فحص الكاربون 14 عليها، تختلف عن المكوّنات الكيميائيّة لباقي نسيج الكفن، وأنّ عمر النّسيج الأساسيّ يتراوح ما بين 1300 سنة و3000 سنة. فاستنتج المجتمع العلمي أنّ عيّنة الكربون 14 لم تكن جزءًا من الكفن في الاساس، وربّما أُضيفت لاحقًا بطريقة حذقة وغير مرئية! ومع أنّ راي روجرز لم يكن له متَّسع من الوقت لتأكيد هذا الاستنتاج، إذ وافته المنيّة بعد أسابيع معدودة، بسبب معاناته من مرض السرطان، لكنّ دراسته الرصينة، والمشهود لها من المجلّة العالميّة، لاقت تجاوبًا سريعًا من المجتمع العلميّ، وأعادت الأمل إلى مناصريّ صحّة الكفن.
إنّ فرنسيس فايلاس حصل على احتمال 1 على 10 بقوّة 26 ( ضرب العدد في نفسه 26 مرة ). أمّا برونو باربيرس Bruno Barberis فحصل على احتمال1 على225 مليار. أمّا كينيت ستيفنسون Kenneth Stevenson، الناطق الرسمي باسم الستارب، فتوصّل إلى احتمال 1 على 83 مليون، وهو أكبر نتيجة بالإمكان الحصول عليها.
تُشير جميع هذه الحسابات إلى أنّه من المستحيل، علميًّا، أن يكون كفن تورينو يخصّ شخص آخر غير يسوع المسيح
0 تعليقات