يمثّل إنتاج التقاوى والبذور فى العالم ، وخاصة فى مجال الخضروات والفاكهة ، خلال الوقت الراهن وما يشهده العالم من انتكاسات اقتصادية وإغلاق للحدود بين الدول مع الارتفاع الكبير في الكثافة السكانية قمّة التحدّى العلمى والتكنولوجى والبحثى والاقتصادى ، حيث يحتاج إلى كل هذه الإمكانيات ، مع توافر التمويل الضخم بملايين ومليارات الدولارات ، للإنفاق على الإبحاث والاختراعات والزراعة الأوليّة ، والحصول فى النهاية على التقاوى والبذور ثم التسويق ، حيث لم تعُد عملية إنتاج التقاوى والبذور بالبساطة والتلقائية ، التى كانت تتم بها فى الماضى ، والتى تنقسم إلى 4 مراحل ، الأولى منها هى الطريقة التقليدية القديمة ، لإنتاج التقاوى والبذور ، عن طريق تجنيب جزء من إنتاج محصول العام الحالى للعام القادم وهذه الطريقة اعتمدها الفلاح المصري منذ 7 الآف سنة وحتى اليوم .
والطريقة الثانية هى الهجين أو التهجين ، أو التزاوج بين نوعين من المحاصيل ، وهو الشائع والمعروف والمشهور عالمياً ، ويكون فيه المحصول يجمع بين صنفين أو أكثر ، مثلاً الطماطم من صنف جيزة ١ تمتاز بالحجم الكبير والطماطم من صنف جيزة ٢ تمتاز بالمزاق الحلو وسرعة النضج بعد التهجين يخرج لنا صنف جيزة ٣ يجمع بين الحجم الكبير والمزاق الحلو وسرعة النضج ، ولكنه حِكرٌ على دول معينة ، تمتلك التقدم العلمى والتكنولوجيا الحديثة ، فى استنباط وإنتاج التقاوى ، والطريقة الثالثة وهى التعديل أو التغيير أو التحور الوراثى أو الهندسة الوراثية ، وتعتمد هذه الطريقة على التقدم العلمى والاقتصادى والمالى أيضا ، غير أنها عالمياً تلقى معارضة شديدة ، نظراً لخطورة منتجاتها على الإنسان والبيئة الزراعية.
وأخيراً طريقة إنتاج واستخلاص البذور والتقاوى فى المنازل ، ولكنها لا تستطيع أن تفي باحتياجات السوق من الطلب ، وتستحوذ عددٌ قليل من دول العالم الكبرى ، المتقدمة اقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً ، على الطريقة الثانية والثالثة ، من إنتاج التقاوى والبذور ، وهى الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا وانجلترا واليابان والصين والسويد والنرويج وسويسرا وأسبانيا وفنلندا ، ولذلك تستعين مصر حالياً ، بشركة أسبانية للشراكة فى إنتاج التقاوى ، وعلى وجه الخصوص الخضروات والفاكهة
تجارة رابحة
تشير الإحصائيات والأرقام والبيانات الدولية إلى 10 شركات ، تسيطر على مقدرات التقاوى والبذور فى العالم ، وهى حسب الإنتاجية ومساهمتها فى تجارة العالم ، والعائد الاقتصادى من التصدير ، تتوزع بنسبة 3 شركات أمريكية ، تستحوذ على 42% من إنتاج وتصدير التقاوى فى العالم ، ثم شركة سويسرية بنسبة 9 % ، تليها شركة فرنسية بنسبة 6% ، وهناك شركتان ألمانيتان بنسبة 5% ، وشركتان يابانيتان بنسبة 4% ، وشركة دنماركية بنسبة 2% .
وتربح الشركات الأمريكية أكثر من 9 مليار و 181 مليون دولار من هذه التجارة ، كما تجنى الشركات السويسرية 2 مليار و 18 مليون دولار ، وتصدر فرنسا بحوالى مليار و 226 مليون دولار ، أمّا ألمانيا فتنتج وتصدر بما يوازى مليار و 226 مليون دولار ، كما تحصل اليابان على ماقيمته 743 مليون دولار من هذه التجارة العالمية ، ثم الدنمارك ونصيبها من كعكة تصدير التقاوى والبذور 391 مليون دولار .
مصر تطرق الباب
ربما يتطرق إلى ذهنك عزيزي القارئ أن مصر لا تنتج أي نوع من البذور ولكن هذا اعتقاد خاطئ فمصر قريبة من الاكتفاء الذاتي من بذور المحاصيل الإستراتيجية ولا يمكنها أن تتهاون في أمر يمس الأمن الغذائي الذي هو أمن قومي لها ، ولكن الذي يحتاجه السوق المصري بالإضافة إلى الدور الكبير ، الذى تقوم به الإدارة المركزية للتقاوى ، التابعة لمركز البحوث الزراعية ، بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى ، فى توفير تقاوى وبذور المحاصيل الاستراتيجة المصرية ، مثل القطن والقمح والفول البلدى والأرز والشعير والبرسيم وقصب السكر والذرة الشامية والرفيعة وغيرها ، والتى تصل نسبة الاكتفاء الذّاتى منها إلى حوالى 98% ، بينما يحدث العكس فى تقاوى المحاصيل البستانية أو المحاصيل التصديرية ، مثل الخضروات والفاكهة ، والتى يتم الاعتماد على استيرادها من الخارج بنسبة 98% ، وفي ضوء إستراتيجية النهضة الزراعية الشاملة التي كلف الرئيس السيسي بتنفيذها وتوجه مصر لتحقيق الأمن الغذائي ، أعدت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي برنامج قومي لإنتاج تقاوي الخضر (باذنجان-خيار-فلفل-كوسه- الخ) ، يقوم على تنفيذه مركز البحوث الزراعية ، ويهدف المشروع إلى تحقيق درجة من الاكتفاء الذاتي من تقاوي الخضر عالية الإنتاجية والجودة ، ومبكرة النضج من محاصيل الخضر الرئيسية وذلك بالتعاون والتنسيق بين باحثي المعاهد البحثية المختلفة بمركز البحوث الزراعية والجامعات المصرية ، وذلك في محطات البحوث المنتشرة على مستوى الجمهورية
فمنذ عامين أعلن وزير الزراعة السابق أمام مجلس النواب بأن مصر تستورد 98% من تقاوي الخضر التي يتم زراعتها بقيمة تقدر بحوالي مليار دولار ، وعلى الفور قرر الرئيس عبدالفتاح السيسي إطلاق المشروع الوطني لإنتاج تقاوي الخضر في مصر بدلا من استيرادها في مدة زمنية لا تتعدى الخمس سنوات لضمان عدم تعرض الفلاحين لأي مخاطر ولضمان وصول المنتج بأسعار مخفضة للمواطنين .
فإنتاج التقاوي والبذور محليا سيساهم في انخفاض تكلفة الزراعة وبالتالي سيساعد على خفض أسعار المحاصيل الزراعية مع زيادة دخل المزارعين وسيساعد البرنامج القومي لإنتاج التقاوي في إنتاج تقاوي تُنتج محليا ستكون انسب للمناخ المصري وتساعد في إثراء البحوث العلمية في مجال إنتاج التقاوي كما سيدعم الخبرات والتجارب الزراعية المصرية في استنباط الأنواع المختلفة من البذور والتقاوي وزيادة حجم الاستفادة من المراكز البحثية والعلماء المصريين ويتم توفير الدعم لهذا المشروع القومي وتشجيع الباحثين وعلماء الزراعة لبذل قصاري جهدهم للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من التقاوي.
مصر تجني ثمار المشروع
لقد قطعت مصر شوطا كبيرا في إنتاج التقاوي خاصة تقاوي وبذور الخضر منذ بداية إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن المشروع القومي لإنتاج التقاوي فقد كنا نقوم باستيراد احتياجاتنا من بذور الخضر مما يكلف موازنة الدولة مليارات الجنيهات ، لكن في ظل اهتمام القيادة السياسية بدور الزراعة في الأمن القومي والاقتصاد المصري أطلقت الحكومة المشروع القومي لإنتاج البذور بتوجيهات مباشرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي لتحقق الاكتفاء الذاتي من البذور .
خلال افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي ، لمشروع 1300 صوبة زراعية ، على مساحة 10 آلاف فدان ، ومصنع للتعبئة والتغليف للمنتجات ، التي يجرى إنتاجها من المشروع ومجمع لإنتاج البذور ، في إطار المرحلة الثانية ، من قطاع محمد نجيب للزراعات المحمية ، بمنطقة الساحل الشمالي ، وطبقا لكلمة اللواء مصطفى أمين ، مدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية ، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسى ، فى افتتاح المشروع ، أنه جارى تنفيذ المرحلة الأولى من البرنامج الوطنى لإنتاج بذور الخضروات حيث يتم إنشاء مجمع لإنتاجها وفقاً لأحدث التقنيات العلمية لتوفيرها للسوق المحلى بالكميات والأسعار المناسبة والجودة العالية . ويهدف المجمع الحصول على أفضل النبات ذو الإنتاج الوفير والمقاوم للعديد من أمراض التربة حيث تحقق المرحلة الأولى من البرنامج إنتاجية تقدر بنحو 4.7 مليار وحدة من البذور اعتباراً من نهاية عام 2022 تمثل نحو 60% من احتياجات السوق المحلى
وبالفعل تم إنتاج تقاوي كان يصعب إنتاجها قبل ذلك منها بذور البطاطس التي كان المناخ العام في مصر لا يناسبها ، واستطاع الجهاز إنتاج هذه البذور ، التي ستوفر 1.3 مليار جنيه من فاتورة استيراد البذور ، وستستخدم في زراعة 400 ألف فدان بحجم إنتاج 5 ملايين طن تقريبًا تتجاوز قيمتها 20 مليار جنيه ، اما عن تقاوي البطاطس التي كنا نستوردها بقيمة 1.3 مليار جنيه سنوياً فهي تقاوي من الجيل السابع 7G وتكون محملة بالعديد من الأمراض و لها طرق زراعة ومكافحة معينة ( أمراض وحشائش) ، لكن تقاوي البطاطس التي سيتم انتاجها فى مصر هى من الجيل الثالث 3G وتكون خالية من الأمراض وذات جودة عالية وتعطي إنتاجية أعلى من التقاوي التي يتم استيرادها.
ليس هذا فقط أن باكورة إنتاج التقاوي المصرية ظهرت في الكثير من المحاصيل فقد تم تسجيل ما يزيد عن 20 صنفا من إنتاج البرنامج القومي لإنتاج التقاوي من هجن الطماطم والبسلة والبطيخ والباكستاني والكانتلوب واللوبيا والفلفل ،
وفي تصريحات لوزير الزراعة / السيد القصير ، في مداخلة هاتفية على أحد القنوات ، أكد أنه لا توجد مشكلة في تمويل مشروع إنتاج بذور الخضروات في مصر .
مما يعني أن الدولة ترصد موازنة خاصة للمشروع ويحظى المشروع باهتمام القيادة السياسية
وتابع وزير الزراعة: "نحاول استنباط أصناف جديدة مصرية لزيادة الإنتاجية وهناك شراكة من شركات أجنبية في هذا المجال".
هل لفت انتباهك كلمة " أصناف جديدة مصرية " ؟
وأكمل السيد القصير: "عرضنا نتائج إنتاج بذور الخضروات المصرية على الرئيس السيسي اليوم واخترنا 11 محصولا على رأسهم الطماطم وسجلنا 25 صنفا من تلك المحاصيل وبدأنا في انتاجها".
ولفت السيد القصير: "مرحلة إنتاج التقاوي تحتاج إلى فترة للتأكد من إنتاجية الصنف وتأقلمه مع البيئة"، مضيفا: "يمكن زراعة التقاوي في كافة الأماكن الصالحة للزراعة".
أخيرا وليس آخرا نتمنى أن نكون القينا بعض الضوء على هذا المشروع الواعد والمهم جدا للاقتصاد الوطني فقد أصبح المنتج المصري في الكثير من بلدان العالم ولا يليق وغير مقبول أن يكون اعتمادك على دول خارجية لتمدك ببذور يكون ثمارها واجهة انتاجك ، وهذا يلقي الضوء على حكمة مُتخذ القرار المصري ويجعلنا نطمئن أننا لا نركض نحو التيه
0 تعليقات