Ad Code

أردوغان والأخوان وعبادة الحاكم الوثنية الجزء الخامس


ما يحدث في حروب الجيل الرابع هو أنه تسخر دولة كل جهودها في بث الشائعات والأكاذيب ليقوم الشعب على حكومته ونظامه القائم ويدمرون بأيديهم الدولة التي تحميهم من بطش المعتدين ، ولما كان الشباب هم الفئة الأقل خبرة في الحياة كانوا هم دائماً المستهدفين في هذه الحرب الدنيئة ولذلك كان لزاماً على الباحثين والدارسين والمثقفين التصدي للهجمات الممنهجة وسبر الأغوار عما يريد أصحاب المصالح طمره من معلومات من شأنها الإخلال بموازين القوة في معركة الحقيقة ..

ومن أهم الأكاذيب التي حاول العثمانيين بناء بطولتهم الذائفة عليها هي إتيان ما لم يستطيع أحد تحقيقه على مر التاريخ الإسلامي والعربي ولا حتى في عصر الخلفاء الراشدين من هزيمة الصليبيين هزيمة نكراء في القسطنطينية وكأن الصليبيين كانوا جميعاُ على قلب رجل واحد وتصدوا جميعاً لمحمد الثاني الملقب عبثاً بالفاتح وهزمهم هزيمة ماحقة واقتلع منهم القسطنطينية وهم منكسي الرؤوس ، وهذا وحده الكذب بعينه فنظرة سريعة على التاريخ الأوروبي تظهر كذبهم ولكن لم يكن أحد يقرأ في زمن أكاذيبهم سوى كتب التاريخ التي تفننوا في وضعها ، وصبغوها بالعثمنة حتى تضائل عمل كل من جاء قبلهم ، وأصبح من المستحيل على من يأتي بعدهم أن يباريهم ولو في كذبهم .


كان هذا قبل العولمة وسهولة تداول المعلومات ولكن الشريحة التي يعبثون في عقولها هي أبعد ما تكون عن البحث ففوق ما ينتجونه من الأكاذيب لتدمير الدول على الصعيد الشعبي يتخزون من الدين معبراً ليفصلوا بين الشعب وحكومته مقدمين انفسهم على أنهم الراعي الرسمي والوحيد للدين سواء الجماعة الإرهابية أو العثمنلي أو دعاة هدم الأنظمة  

لا أنكر أن فتح القسطنطينية هو حدث تاريخي هام وإنجاز حربي عظيم،بالنسبة للأتراك، لكنه للأسف قد أصابته من حيث تناوله كواقعة تاريخية آفة المبالغة في تمجيده باعتبار أنه "أعظم الفتوح" أو "الإنجاز المستحيل".

فأما من حيث أنه قد حقق "حلمًا طالما راود المسلمين" فهذا صحيح، وأما من حيث أنه مثّل للتوسعات العثمانية وثبة طويلة عالية، فهذا أيضًا صحيح.

ولكنه لم يكن "تحديًا مستحيلًا" إلى هذا الحد بالنسبة لزمان وقوعه.. ربما كان هذا صحيحًا في العصور السابقة كالعصرين الأموي والعباسي عندما كانت لبيزنطة بقية قوة يُحسَب لها حساب، ولكن تلك القوة كانت قد تراجعت كثيرًا إلى حد الاضمحلال في العصور التالية، وتحديدًا منذ بدايات الألفية الثانية بعد الميلاد


في العام 330م نقل الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول عاصمة دولته إلى منطقة بيزنطة القديمة في آسيا الصُغرى، كان يرغب في تسميتها "روما الجديدة"، لكنها حملت اسمه فصارت "القسطنطينية"..

ومع سقوط روما على أيدي الشعوب الجرمانية، انتقل ثقل الحضارة الرومانية العتيدة إلى القسطنطينية عاصمة "بيزنطة" المعروفة كذلك ب"الإمبراطورية الرومانية الشرقية"، وورثت معه المستعمرات في شرق المتوسط: مصر وبلاد الشام وآسيا الصُغرى.

ما أن استقر الحكم العربي الإسلامي للشام، وصارت حدود الإمبراطورية العربية الجديدة متماسة مباشرة مع عُمق الدولة البيزنطية، وهدأت حالة الاقتتال الأهلي الكبير منذ مقتل الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان حتى تولي الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان الحُكم، وراحت الحملات العسكرية تتوالى على أسوار القسطنطينية.. نحو 11 حملة كبيرة ومحاولة فتح المدينة العتيدة، وأشهرها كانت تلك التي شنها كل من الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك والخليفة العباسي هارون الرشيد.. لكن كل تلك الحملات كانت تبوء بالإخفاق بسبب حصانة المدينة وحيازة الروم سر "النار الإغريقية" التي استخدموها لصد الغزاة.. وإن كان توالي الضربات الإسلامية يزعزع ثبات البيزنطيين في معقلهم الأخير.

كان على المسلمين أن ينتظروا حتى العام 1453م عندما نجح السلطان العثماني محمد الثاني في دخول المدينة والقضاء نهائيًا على الإمبراطورية البيزنطية، والذي حمل إثره لقب "الفاتح" مضافًا لاسمه.

نصر مبالغ في تقديره:.

فبين الصراعات الداخلية والانقلابات المتتالية، وحالة الصدام بين البيزنطيين والقوى الأوروبية وعلى رأسها الكنيسة الكاثوليكية الطامعة في إخضاع الكنيسة الشرقية، ونمو قوة السلاجقة الذين راحوا يقتطعون أجزاء الجسد البيزنطي قطعة تلو الأخرى ثم من بعدهم ورثتهم التركمان والعثمانيون، راح الجسد الروماني الشرقي العجوز يترنح ويفقد أعضاءه حتى لم يعد الملك البيزنطي (لقبه الباسيليس) يحكم سوى القسطنطينية وبعض المناطق المحيطة بها بينما خضع إقليم المورة اليوناني له اسميًا واستبد به ولاته..

واضطر البيزنطيون لدفع الجزية للعثمانيين وطلب مساعدتهم العسكرية من حين لآخر حتى صار بني عثمان يتحكمون عمليًا في السياسات الخارجية للقسطنطينية، ومع التوسع العثماني في أوروبا صار البيزنطيون بين فكّي الأسد، خاصة مع قيام محمد الثاني (الفاتح) ببناء قلعة "رومللي حصار" بجوار القسطنطينية على طرف المضيق في مقابل قلعة "أناضوللي حصار" في الطرف الآخر ليسيطر على المضيق تمامًا، ومع قيامه باستخدام الدبلوماسية والحرب لتحييد الدول المسيحية المحيطة ببيزنطة بل وتلك التي يمكن أن تساعدها عدا البندقية/فينيسيا التي أرسلت بعض المراكب والمقاتلين وجنوة التي أرسلت 4000 مقاتل في منطقة جالاطا.. ولم يكن موقف كل من جنوة وفينيسيا راجعًا لحمية دينية أو تضامن وإنما لحماية مصالحهما التجارية في المدينة.

ولم يكن حصار محمد الفاتح لعاصمة الروم هو الأول، بل إنه واحد من سلسلة محاولات عثمانية كانت تنتهي إما بمفاوضات ومزيد من الخضوع البيزنطي، أو بتدخُل قدري كارثي، فبايزيد الأول المعروف ب"الصاعقة/يلدرم" كاد أن يُسقِط القسطنطينية لولا أن داهمه تيمورلنك من الشرق، وأبناؤه في فترة الفوضى خلال صراعهم، وكاد أحدهم المدعو موسى، أن يحقق الحلم لولا أن استنجد البيزنطيون بأخيه محمد الذي سارع بإنقاذ العاصمة البيزنطية من أخيه، بل تحالف مع الإمبراطور البيزنطي وملك الصرب للقضاء على هذا الأخ موسى ثم قتله بعد ذلك ليتربع محمد على العرش تحت اسم محمد الأول! وحاول ابنه مراد الثاني كذلك غزو العاصمة المتهالكة لكنه اضطر لرفع الحصار لإخماد ثورة ضده في البلقان.

بل إن ثمة سابقة لسقوط هذه العاصمة ولكن على أيدي الأوروبيين الكاثوليك ( الصليبيين) الذين غيروا مسار حملتهم الصليبية الرابعة ليغزوا القسطنطينية ويسقطوا حكمها ويقيموا أسرة لاتينية كاثوليكية بعد أن أشبعوا المدينة نهبًا وتدميرًا سنة 1204م قبل أن يسترد البيزنطيون سيادتهم عليها سنة 1261م.. أي أن اقتحام المدينة والسيطرة عليها كان قد ثبت عمليًا أنه ممكن بالفعل قبل أن يغزوها "الفاتح" بنحو 200 عام!.

فكيف يكون محمد الفاتح قد هزم الصليبيين وكيف يصور أتباعه أن جميع الأوروبيين لاقوا الهزيمة على يدي محمد الفاتح في غزوة القسطنطينية ، ولماذا ثاروا على الأزهر حين قال أنها غزوة وليس فتح ؟

وأما عن الإشادة بفكرة محمد الثاني لنقل السفن العثمانية إلى البحر لمحاصرة البيزنطيين بحرًا، وتقديمها أنها "السابقة الخطيرة التي تنم عن عبقرية رائعة"، فهي عين التدليس، فسياسة "نقل السفن برًا ثم وضعها في البحر" هي سياسة قديمة، استخدمها الأيوبيون في حروبهم مع الصليبيين خاصة عندما هدد رينو دوشاتيون (أرناط) المناطق المقدسة في الحجاز بأسطوله في البحر الأحمر، واستخدمها المماليك خاصة الظاهر بيبرس حيث كانت السفن تُفَكَك وتُحمَل على الجمال القوية السريعة إلى ساحل البحر ثم يتم تركيبها فورًا ومحاصرة معاقل العدو في شرق المتوسط.. وتقديمها باعتبارها فكرة جديدة تفتق عنها ذهن العثماني هو كذب مفضوح..

وما دمنا قد تطرقنا للاستعدادات الحربية، فإن فارق القوة بين الجيشين العثماني والبيزنطي ينفي تمامًا فكرة "التحدي الصعب"، فبينما كان الجيش العثماني جرارًا يتألف من نحو 250000 مقاتل، ومسلح بالمدافع المتطورة والمجانيق القوية، كان الجيش البيزنطي متألفًا من بضعة آلاف جرى جمعهم على عجل، مسلحين بالرماح والسهام والسيوف البدائية! أي أن قيام أي جيش منظم منضبط مسلح بغزوهم كان ليكون بمثابة نزهة مسلية آنذاك!

بقيت نقطة أخيرة في هذا الشأن: حالة الهدف نفسه: البيزنطيون..

فالدولة البيزنطية كانت بالفعل قد سقطت من الداخل قبل أن يغزوها العثماني من الخارج، فعملًا بمبدأ أن "الدول تنتحر ولا تُقتَل" كان البيزنطيون يحتضرون سلطةً وشعبًا، فالسلطة مضطربة ومرتعشة الأيدي ورأسها "الباسيليس قسطنطين الحادي عشر" منبطح إلى حد أنه قد وافق أخيرًا بعد قرون من مقاومة الكنيسة الشرقية أن يُخضِع كنيسته للكنيسة الرومانية الكاثوليكية مقابل دعوة تلك الأخيرة ملوك أوروبا لنصرته.. وبالفعل أقيمت مراسم كاثوليكية في القسطنطينية ولكنها قوبلت بفتور من الشعب الذي عبر عنه رئيس الوزراء البيزنطي قائلًا: "إنني أفضل رؤية العمامة التركية في القسطنطينية على رؤية التاج البابوي فيها!".

وحتى تلك المحاولة من السلطة البيزنطية لطلب العون قد فشلت لأن الفكر السياسي الأوروبي آنذاك كان في تطور طارد لفكرة "الحملات الصليبية" وجاذب لفكرة "حروب المصلحة البحتة".. ولم تكن قضية القسطنطينية مغرية لكبار ملوك أوروبا.

أما عن الشعب فكان بين ساخط على الإمبراطور لخضوعه لكنيسة روما، وبائس يعاني الضرائب الباهظة والجوع والأمراض ويبغض سلطته إلى حد قبوله فكرة الخضوع لغازي يعامله برفق عن استمرار تلك الأحوال البائسة.. وبالفعل كان بعض البيزنطيين يفرون من أسوار المدينة إلى معسكرات العثمانيين ليطلبوا وجبة طعام.

هذا فضلًا عن خضوع هذا الشعب لأثر الخرافات وتفسير بعض الظواهر الطبيعية التي شاعت آنذاك كالذهب والعواصف بأنها "غضب الرب المنذر بسقوط المدينة".. أي أن المقاتل البيزنطي كانت روحه المعنوية في أحط حالاتها!.

مع كل تلك الظروف فإن "فتح القسطنطينية" لم يكن بالتحدي الجسيم.. حتى وإن كان يمثل تحقيقًا لنبوءة متوارثة ذات صبغة دينية أو حلمًا حاول الكثيرون تنفيذه سابقًا.

وجدير بالذكر أن هذا الفتح لم يكن العثمانيون يسعون له رغبة في تحقيق "نبوءة مقدسة" بل كان الغرض منه نفعياً بحتاً هو ربط الولايات الأناضولية بولايات الرومللي حيث كانت القسطنطينية تقف كحائل مزعج في طريق ذلك.

المبالغة و"عثمنة" التاريخ :

بالنسبة للباحث في التاريخ فإن الفتح الذي يمكن أن نعتبره "تحقيقًا للتحدي المستحيل" هو عندما يعبر بضعة آلاف من المقاتلين البحر إلى أرض لا يعرفونها ولم يخبروها ويُسقِطون جيش ملكها ويتوغلون فيها حتى يحكموا السيطرة عليها تمامًا في الوقت نفسه الذي يتمكنون فيه من استمالة أهلها وتحقيق السلم الأهلي بينهم.. هذا ما جرى في فتح كلا من موسى بن نصير وطارق بن زياد للأندلس في العصر الأموي.

هو عندما يواجه جيش عتاد المقاتل فيه فرس ودرع وسيف ورمح جيشا أكبر إمبراطوريتين قائمتين- الروم والفُرس- ويدحرهما وتنتهي حربه معهما بالاستيلاء على مستعمرات الأولى ودخول عاصمة الثانية.. هذا ما حققته طلائع جيوش الدولة الإسلامية بقيادة كل من خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص وسعد بن أبي وقاص والمثنى بن حارثة في العصر الراشدي.

عمرو بن العاص دخل مصر ب 4000 مقاتل وبعدها وصله المدد بقيادة الزبير بن العوام وكان معه 4000 مقاتل وأعقبه كتيبتان في كل منهما 4000 مقاتل فيكون المجموع 16000 مقاتل أخضع بهم مصر .
مثل هذه الفتوحات نقف عندها طويلًا ونتفحصها ثم نصنفها كإنجازات .

أما قيام جيش جرار مسلح منظم بمحاصرة مدينة متهاوية تحكمها سلطة متهالكة يحرسها جيش مفكك رث التجهيز، ثم دخول تلك المدينة، فهو قياسًا بالفتوحات في التاريخ الإسلامي "حدث عادي".. نحتفي به ونثمنه لكن لا نعطيه أكبر من حقه.

وإن كان مبرر البعض في ذلك ذِكر القسطنطينية في الأحاديث المنسوبة لرسول الإسلام، فإن فتوحات مصر والشام والعراق وفارس وقبرص كذلك ذُكِرَت فيها.. وكانت أكثر صعوبة بمراحل كثيرة من فتح القسطنطينية بشهادة المؤرخين.

التفسير الوحيد لتلك المبالغة المقصودة والممنهجة هي أنها جزء من عملية "عثمنة" التاريخ الإسلامي، أي صبغه بالصبغة العثمانية، بحيث تتوارى إنجازات من سبقوا ولا تُبرَز للأضواء غير إنجازات آل عثمان أو تبدو باهتة مشوشة إلى جوارها.

وهي عملية قديمة، منذ أن سعى حكام العثمانيون لحمل لقب "السلطان"-في عهد محمد الفاتح وفي رواية أخرى في عهد بايزيد الأول يلدرم-وهو اللقب الذي ينم عن تطلع لفرض الوصاية على المسلمين، ثم بعد ذلك عندما قام العثمانيون باحتلال المنطقة العربية الإسلامية في الشام والجزيرة العربية والعراق ومصر والمغربين الأدنى والأوسط، كان لا بد من تقديم مبررات لأن يتسيد العثماني هذه البلاد منفردًا بلقب "إمام المسلمين" (وهو ليس لقب الخلافة حيث لم يحملوه رسميًأ سوى من العام 1876م) ولما كان العثمانيون بغير أصل رفيع المقام ينتسبون له كالأمويين والعباسيين والفاطميين، أو سابقة دفاع عن بلاد المسلمين كالسلاجقة والزنكيين والأيوبيين والمماليك، بل لقد مثلوا خطرًا على المشرق الإسلامي وداهموه بالنهب والسلب والقهر، فلكل هذا كان لا بد من انتحال "حالة بطولة فذة" وربطها بنبوءة دينية ترتبط غالبًا عند المسلمين بأحداث نهاية الزمان، بحيث يبدو آل عثمان كأنهم هم الأئمة المهديون أو "ظل الله على الأرض" كما كان بعضهم يلقب نفسه.. صحيح أنهم كانت لهم انتصاراتهم وإنجازاتهم الجليلة على الجبهة الأوروبية، ولكنها لم تكن لتفي بالغرض المعنوي المراد بثه في الوجدان الجمعي للرعية. لذلك اتخذوا من الكذب والتهويل وسيلة للسيطرة على عقول وقلوب البسطاء ونزع فتيل المقاومة ممن يريد التحرر من قبضتهم .


وإن كان من الممكن تَفهُم-وليس قبول-هذه السياسة في عصور سابقة بقرون، فإنها في المقابل مثيرة للاستنكار والاستهجان في عصرنا الحالي.

فالمفترض أن قراءة التاريخ قد تطورت بالشكل الكافي ليدرك القارئ أنه لا يمكن اختصار عهد شخص تاريخي في عمل واحد مهما بلغ هذا العمل من العظمة أو من السوء، ولا يمكن أن نختصر تاريخ دولة كاملة في عهد هذا الشخص التاريخي.

أما ما يحدث بالفعل- للأسف فهو أنه يتم استغلال واقعة فتح القسطنطينية لإضفاء قدسية-بالمعنى الحرفي للفظ - على شخصية محمد الثاني "الفاتح"، بحيث يستحيل أن توجه له نقدًا دون أن تنالك بعض سهام العثمانيين الجدد وأتباعهم.. تلك السهام لن تتطرق إلى نقدك ولا إلى معلوماتك أو منهجك العلمي بل ستصوّب مباشرة إلى دينك وإيمانك!.

وبالتبعية فإنك إن أردت أن تنقد الدولة العثمانية، فإن أثر المبالغة في تمجيد فتح القسطنطينية وبالتالي في تحصين الفاتح سينسحب على كل تاريخ الدولة، فتجد من يردد لك كالببغاء حديث فتح القسطنطينية باعتباره أنه يكفي لـ"تحتشم وتتأدب وتلزم حدودك ولا تجرؤ على انتقاد السادة!" وفق تفكيره المعتل.

هذه السياسة رِدة لتطور علم التاريخ، فالشخص التاريخي هو إنسان لحياته أبعاد ومراحل وتطورات ولشخصيته أوجه ومتغيرات، وكل هذا ينعكس على أفعاله، فلا يمكن أن نتشبث بموقف واحد أو عمل بعينه له ونختصره فيه.. لأننا بالتالي لن نجيد قراءة شخصيته ولا ملاحظة تطوراتها.. فما بالك بتحصين هذا الشخص من النقد أصلًا بل وتحصين تاريخ دولته كله؟!.

ختاما:
تجدد وبعث تلك السياسة العثمانية القديمة من كفنها لم يأتِ من فراغ.. بل أنه جزء من سياسات العثمانيين الجدد.. فالعثماني الجديد يفتح من حين لآخر توابيت أجداده ويعبث بها متسائلًا: "فلنرَ ما لدينا هنا".. يخرج من هنا تحصينًا دينيًا لتاريخه، ومن هناك ترميزاً مبالغاً فيه لواقعة تاريخية، وينسق كل هذا وهو يخطط لاستخدامه ضد "رعايا الأمس".. لكن المؤسف بحق هو أن يجد مردودًا لخطته هذه.. فهذا يعني أن بيننا عقولًا كثيرة لم تتطور بل بقيت على حالها إلى حد أن خدعة عمرها قرون من الزمان يمكن بسهولة أن تتمكن من تلك العقول وتسخرها لصالح صاحب الخدعة!

لقراءة الجزء السابق من هنا

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu