Ad Code

معمودية الأطفال ... بقلم الأرشدياكون القديس حبيب جرجس



وجوب تعميد الأطفال 
أوضحنا فيما سبق أن المعمودية ضروريه للخلاص، طبقا لوضع السيد المسيح له المجد ، وأنها هي الباب الأول ولابد منها لدخول الإنسان إلى ملكوت النعمة ، لذلك وجب تعميد الجميع على السواء كبارا وصغارا ، غير أن بعض المحدثين زعموا وعلموا بعدم لزوم المعمودية للأطفال ؛ وأنكروا فاعليتها. ويتضح خطأ هذا الزعم من الأدلة الآتية : 
أولا : أن المعمودية ضرورية ولازمة ، وبدونها لا يمكن الدخول إلى ملكوت النعمة. ففي منعها عن الأطفال منعهم من الدخول للإستحقاق لهذا الملكوت ، بينما لا يوجد مانع يمنعهم من الأشتراك في هذه النعمة ، وبالأخص لطهارة نفوسهم .
ثانيا : ان الأطفال مشتركون في الخطية الجدية مثل الكبار، ولا يمكنهم التطهير منها والدخول إلى ملكوت النعمة إلا من هذا الباب بشهادة الرب نفسه « إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ. اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. ». يو 6-5 :3 . فيجب أن يولد الأطفال هذه الولادة الثانية الروحية ، ليكونوا مستحقين الدخول إلى ملكوت الله. 
ثالثا : من المشابهة بين الختان والمعمودية. من المعلوم أن الختان كان عند اليهود هو العلامة التي بها يدخلون في عهد الله، لا فرق بين الأطفال والكبار . ولذلك تعين أن يُختن الطفل في اليوم الثامن . ومن المعلوم أن الختان كان رمزا إلى المعمودية. وإلى ذلك أشار بولس الرسول بقوله « وَبِهِ أَيْضًا خُتِنْتُمْ خِتَانًا غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، بِخَلْعِ جِسْمِ خَطَايَا الْبَشَرِيَّةِ، بِخِتَانِ الْمَسِيحِ. مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي الْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ الْخَطَايَا » كو 13-11 :2 . فإذا كان الله نفسه منح الأطفال نعمة الدخول في عهده القديم، أفيليق بنا نحن أن نخرجهم من العهد الجديد، عهد النعمة، ونحرمهم هذا الإحسان ؟ وإذا اعترض المعترض بأن الأطفال لا يدركون ولا يعرفون ما هو الإيمان أو ما هي المعمودية ؟ فجوابنا على ذلك أن عدم ادراكهم لا ينفي عمادهم ، أو يوجب تأخيره . والدليل على هذا ما ورد في الكتاب من المشابهة لذلك فقد قيل عن إبراهيم «فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا .... وَأَخَذَ عَلاَمَةَ الْخِتَانِ خَتْمًا لِبِرِّ الإِيمَانِ ». رو 11,3 :4 وذلك في الوقت الذي فيه وضع إبراهيم على ابنه اسحق هذه العلامة نفسها ، وهو طفل ابن ثمانية أيام ، لا يدرك ولا يفهم ولا يعرف ما هو الإيمان ولا ما هو الختان . فكما ختم إبراهيم واسحق بختم البر ، هكذا لا يجب منع هذا الختم عن الأطفال المسيحيين.  
رابعا: أن المسيح نفسه بارك الأطفال بركة خاصة ، ودعاهم قائلا : «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ».[ مت 14:19 ، 18 : 3 و مر 10 : 15 و لو 18 : 15_ 17 ] وقد سبق وقدس بعضهم وملأهم من روحه كما قدس ارميا ( 1 : 5 ) ويوحنا الذي امتلأ من الروح القدس من بطن أمه ( لو 1 : 15 و 41 ) فلا مانع مطلقا يمنع الأطفال من تجديدهم وامتلائهم بالروح القدس، لا من جهة الله تعالى ولا من جهة طبيعتهم . وإذا تأملنا في أقوال المسيح الحلوة عنهم ، نرى فيها ما في قلبه القدوس من المحبة والاعتبار لهم ، فنرى : 
1 - أنه جعلهم مقياسا للكبار في الدخول إلى ملكوت السموات بقوله : « إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ ». مت 3:18 
2 - أوضح أن قبولهم بمنزلة قبول شخصه المبارك فقد قال : « وَمَنْ قَبِلَ وَلَدًا وَاحِدًا مِثْلَ هذَا بِاسْمِي فَقَدْ قَبِلَنِي ». مت 5:18 
3 - نهانا عن احتقارهم لاعتبارهم في عيني الله بقوله : «اُنْظُرُوا، لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ ». مت 10:18
4 - أن الأولاد بمنزلة الحملان الصغار ، والمسيح كراع صالح يقود الخراف الكبار والحملان الصغار . ولا تخفى علاقة الأولاد بوالديهم . وقد سبق اشعياء النبي فوصف المسيح  « كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ. بِذِرَاعِهِ يَجْمَعُ الْحُمْلاَنَ، وَفِي حِضْنِهِ يَحْمِلُهَا، وَيَقُودُ الْمُرْضِعَاتِ». إش11:40 . ولما قدموا الأطفال إلى الرب يسوع احتضنهم ووضع يديه عليهم وباركهم ( مر 10 : 16 ) ولا يجب أن ننسى أن الله تعالى لما دعى شعبه للخروج من أرض مصر للدخول إلى أرض كنعان أرض الموعد ، وقاومهم فرعون وأراد منع أولادهم بقوله : اذهبوا انتم الرجال وأعبدوا الرب ( خر 10 : 7 _ 11 ) لم يُسلم موسى بذلك بل قال له " نذهب بفتياننا وشيوخنا نذهب ببنينا وبناتنا " . فبمثل هذا القول يجب أن نجاوب أولئك الذين يحاولون منع الأولاد من الدخول إلى ملكوت النعمة معنا ، ويريدون فصلهم عنا . وإذا كان الرب باركهم وقبلهم ودعاهم إليه ودافع عن حقوقهم ، فمن ذا الذي يحتقرهم ويرفض عمادهم ، وقبولهم في الاشتراك في الكنيسة وعضويتها . وهو الذي أمر بتربيتهم والاعتناء بهم [ راجع تث 4 : 9 و 10 ، 6 : 7 ، 2 تي 3: 15 ، أف 6 : 4 ، غل 4 : 1 ] .
خامسا : من تعليم الرسل وقدوتهم في ذلك فإنهم اتبعوا هذه القاعدة وسلكوا هذا المبدأ . حيث نرى بطرس الرسول في يوم الخمسين صرح بعماد الذين قبلوا قبلوا المسيح من الكبار ولم يتأخر أن يعلن لهم قبول أولادهم معهم بقوله لهم  : « تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ ». أع 39-38 :2 . ففي قوله " لكم ولأولادكم " تصريح واضح بقبول الأولاد في الإيمان والمعمودية. وحيثما كرز الرسل بالانجيل قبلوا عائلات وعمدوهم مع أهالي بيوتهم . ومن ذلك ليدية بائعة الأرجوان التي قبلت الإيمان وأعتمدت هي وأهل بيتها ( أع 16 : 14_15 ) وبيت استفانوس ( 1 كو 1 : 16 ) والسجان الذي اعتمد هو والذين له أجمعون ( أع 16 : 33 ) ولا شك في أن عائلات هذا عددها ، قد تعمدت بأجمعها، لم تكن خالية من الأولاد الذين دون البلوغ أو أنهم تركوا بلا عماد ، وهذا بعيد الاحتمال ، ويكاد يكون مستحيلا ، إذ يندر أن توجد عائلات خالية من البنين والبنات .
سادسا : إن معلمي الكنيسة وآباءها الذين أستلموا التعليم من الرسل الأطهار هكذا سلكوا وهكذا علموا بوجوب منح المعمودية للأطفال ، ويذكرون صريحا أن ذلك تقليد رسولي . وإليك ما يدل على هذه الحقيقة : 
قال القديس ايريناوس : " ان يسوع المسيح أتى لكي يخلص جميع البشر أعني الذين به ولدوا ثانية لله. سواء كانوا أطفالا أو شبانا أو شيوخا " ( ضد الهراطقة 11 : 22 فصل 5 : 15 ) .
وقال العلامة أوريجانوس : " ان الكنيسة تسلمت من الرسل تقليد عماد الأطفال أيضا، فالأطفال يُعمدون لمغفرة الخطايا ليغتسلوا من الوسخ الجدي بسر المعمودية " .
وقال القديس كبريانوس : " اذا كان الذين أخطأوا سابقا أمام الله، إذ يؤمنون يأخذون صفح خطاياهم، ولا يمنع أحد منهم عن المعمودية والنعمة وان كان قد فعل خطايا غير مُحصاة . فالأطفال الذين الذين ضميرهم غير متفتح ولم يخطئوا في شئ ، والذين نظراً للخطية الكامنة فيهم وتدنسوا بها وصاروا مشاركي الموت الآدمي ، يحتاجون أيضا إلى المعمودية لأنها شرط لنوال الخلاص والصفح ، ليس عن الخطايا الشخصية بل الأبوية . وقد حدد مجمعنا " بأنه لا يجوز أن نمنع أحدا من المعمودية ونعمة الله الذي هو صالح ورؤوف بالجميع . فالمعمودية هي للجميع وخصوصا للأطفال الصغار ، الذين بنوع خصوصي يستميلون أنتباهنا وصلاح الله " ( رسالة 59 ) .
وقال القديس غريغوريوس الثأولوغوسي : " هل عندك طفل ، فلا يأخذن فيه الشر فرصة ، بل ليُقدس وهو رضيع وليُكرس للروح منذ نعومة أظفاره ، إنك تخافين أيتها الأم من الختم بسبب ضعف الطبيعة بما انك ضعيفة النفس وقليلة الإيمان ، لكن حنة قبل أن تلد صموئيل وعدت الله به ، وبعد ولادته حالا كرسته وبالحلة الكهنوتية ربته ، ولم تخف من الضعف البشري بل آمنت بالله " ( خطاب المعمودية ) .
ويشهد القديس أغسطينوس في خطاب 176 " بأن المعمودية تقليد رسولي ، وأن الكنيسة دائما تتمسك بتعميد الأطفال، متسلمة اياه من السلف ، ولم تزل حافظة إياه إلى الآن ، وسوف تحفظه إلى الانقضاء أيضا .
وقد قرر آباء مجمع قرطاجنة سنة 481 م في القانون 121 هكذا " أيضا حكم أن كل من ينكر أن المعتمدين من الأولاد الصغار ، المولودين حديثا من بطون أمهاتهم يعتمدون لمغفرة الخطايا، أو يعترف بذلك ولكنه يزعم أنهم لم يشتركوا في شئ من الخطية الجدية المحتاجة إلى التطهير بحميم الولادة الثانية، وينتج من هذا الزعم أن رسم المعمودية التي لمغفرة الخطايا في هؤلاء الأطفال ليس بحقيقي بل مُخترع ظاهري ، فليكن مفرزا لأن عبارة الرسول القائلة : « بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ ». رو 12:5. لا يجب أن تُفهم بمعنى آخر إلا كما فهمتها دائما الكنيسة الجامعة الممتدة والمنتشرة في كل مكان ، أعني أن الأطفال أيضا الذين لا يستطيعون أن يرتكبوا بذواتهم خطية ما من الخطايا يُعمدون بناء على قانون الإيمان هذا معمودية حقيقية لمغفرة الخطايا ليتطهر فيهم بالولادة الثانية ما ورثوه من أجدادهم " .
ينتج مما تقدم أن منع الأطفال عن المعمودية بدعة غريبة مضادة للكتاب ولتعليم الرسل وقدوتهم ولنظام الكنيسة منذ ابتدائها .










لقراءة الجزء الأول سر المعمودية

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu