وفي هذا المعنى يقول بولس الرسول عن المعمودية " أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، رو 3:6 " كأنه يقول أن طقس المعمودية يُشير إلى موت المسيح ودفنه وقيامته .
وهذا الترتيب الذي وضعه الله في كنيسته موافق ومناسب لطبيعتنا التي مراعاةٍ لجزئها الحسي تميل إلى العلامات الحسية في العلاقات الدينية ولهذا رتب الله لموسى ( النبي ) علامات كثيرة لأجل بنيان شعب إسرائيل في التقوى كالختان ، والكهنوت، والكفارة، والحمل الفصحي ، وخبز التقدمة . وكلها علامات حسية تُشير إلى البر الذي كان عتيدا أن نناله بذبيحة المسيح .
سر المعمودية
1 - تعريف سر المعمودية
المعمودية سر مقدس به نولد ميلاداً ثانيا ، بتغطيسنا في الماء ثلاث دفعات على اسم الثالوث الأقدس : الآب والابن والروح القدس .
وبناء على مفاعيله باعتبار طقسه المنظور دُعي حميماً ( مشتقة من الحموم أو الاستحمام - بمعنى الغسل ) ، وينبوعا مقدسا ، وبالنظر إلى نتائجه غير المنظورة دعاه الآباء ولادة جديدة ، وتقديساً ، وختم الإيمان، وختم الدين المسيحي ، وحميم الخلاص ، والولادة الثانية، حميم الحياة وماء الحياة الدائمة ، وهكذا من الأسماء الدالة على تأثيراته ومِنحُه .
2 - رتبة المعمودية بين الأسرار
لسر المعمودية الرتبة الأولى بين الأسرار السبعة المقدسة، لأنه بمثابة باب يدخل منه المؤمن إلى الكنيسة وملكوت النعمة طبقا لقول الرب يسوع :«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ. يو 5:3 » ولذلك يُمنح هذا السر للمؤمن قبل أي سر آخر ، ومن لا يقتبله فلا حق له في الاشتراك في باقي الأسرار .
3 - لماذا عيَّن الرب الماء للمعمودية
بما أننا مؤلفون من جسد وروح ، لذلك عين الله تعالى أن تكون وسائط خلاصنا وأسرار النعمة التي يفيضها علينا الروح القدس، تحت علامات حسية واشارات منظورة كما قلنا سابقا . ففي سر المعمودية عين الرب لميلادنا الثاني الماء . وذلك :
1 - لأن الماء يغسل الأقذار ، والمعمودية تنقي جميع الخطايا .
2 - الماء يجدد وينعش الجسم ، والمعمودية تُحيي خواص النفس .
3 - لأن بالماء قوام الحياة، والمعمودية تمنح الخلاص .
4 - لأن المعمودية مثال موت المسيح ودفنه ولابد أن نماثله في الدفن . فأين نُدفن ؟ أفي الهواء ونحن محاطون به من كل جهة ؟ أم في النار وهي مُحرِقة لا تصلح لذلك ؟ أم في التراب ، والدفن فيه يقتضي الموت حقيقة لا مجازا؟ .
فلا سبيل إلا بالدفن في الماء في جُرن المعمودية ولذلك قال الرسول : « فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟ لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ. رو 5-4:6 »
4 - رموز المعمودية في العهد القديم وأنواع المعموديات
وقد رُمز إلى المعمودية في العهد القديم بأمور كثيرة ، منها أن روح الله كان يرف على وجه المياه في بدأ الخليقة إشارة إلى بث روح الحياة في المادة ( تك 1 : 2 ) ، والطوفان الذي قال عنه بطرس الرسول: « كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ. الَّذِي مِثَالُهُ يُخَلِّصُنَا نَحْنُ الآنَ، أَيِ الْمَعْمُودِيَّةُ. لاَ إِزَالَةُ وَسَخِ الْجَسَدِ، بَلْ سُؤَالُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ عَنِ اللهِ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، 1 بط 21-20 : 3 » ، وعبور بني إسرائيل في البحر الأحمر وغرق فرعون مع مركباته ( خر 14 : 19 - 29 ) فإن البحر كان رمزا إلى ماء المعمودية ، والسحابة إشارة إلى الروح القدس، وفرعون كان رمزا إلى الشيطان الذي ينسحق في مياه المعمودية.
ولذلك قال بولس الرسول:« فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا أَنَّ آبَاءَنَا جَمِيعَهُمْ كَانُوا تَحْتَ السَّحَابَةِ، وَجَمِيعَهُمُ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ، وَجَمِيعَهُمُ اعْتَمَدُوا لِمُوسَى فِي السَّحَابَةِ وَفِي الْبَحْرِ،1 كو 2-1: 10 » ، ولم يعط الرب الكهنوت لهارون إلا بعد أن غسل جسده اولا بماء ( خر 29 : 4 ) وكذلك أمر الكهنة عند دخولهم خيمة الاجتماع أن يغتسلوا اولا في المرحضة المقدسة التي بين خيمة الاجتماع وبين المذبح ( خر 30 : 18 ) وذبيحة إيليا لم تنزل عليها النار من السماء إلا بعد أن اهرق عليها الماء ثلاث دفعات ( 1 مل 18 : 33 - 35 ) ولم يصعد إيليا إلى السماء إلا بعد أن عبر نهر الأردن( 2 مل 2 - 8 ) وأشعياء النبي ينادي قائلا : « فَتَسْتَقُونَ مِيَاهًا بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ الْخَلاَصِ. إش 3:12 » ، «أَيُّهَا الْعِطَاشُ جَمِيعًا هَلُمُّوا إِلَى الْمِيَاهِ، إش 1:55 » ويوحنا المعمدان لما ابتدأ يكرز عن قرب ملكوت الله، كان يعمد بمعمودية التوبة قائلًا: « أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. مت 11:3 » والتلاميذ في حياة المسيح كانوا يعمدون ( يو 4 : 2 ) .
وهذه المعموديات المذكورة لم تكن سوى رموز إلى معمودية المسيح، ورسوم ومقدمات سابقة لظهور سر المعمودية المسيحية. وفرق كبير بين معمودية يوحنا ومعمودية المسيح، لأن الأولى كانت للتوبة والاستعداد، وأما هذه فلغفران الخطايا .
ولذلك قال بولس الرسول لتلاميذ أفسس لما سألهم :« هَلْ قَبِلْتُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمَّا آمَنْتُمْ؟» قَالُوا لَهُ:«وَلاَ سَمِعْنَا أَنَّهُ يُوجَدُ الرُّوحُ الْقُدُسُ». فَقَالَ لَهُمْ:«فَبِمَاذَا اعْتَمَدْتُمْ؟» فَقَالُوا:«بِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا». فَقَالَ بُولُسُ:«إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ، قَائِلاً لِلشَّعْبِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِالَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ، أَيْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ». فَلَمَّا سَمِعُوا اعْتَمَدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ، الخ . أع 6-2: 19 » .
قال القديس يوحنا ذهبي الفم عن ذلك : " لأنه لم تكن الذبيحة قدمت بعد . ولا انحدر الروح القدس. ولا انحلت الخطية . ولا ارتفعت العداوة . ولا محيت اللعنة . فكيف أزمع الغفران أن يكون . وأنظر كيف حرر ذلك بكل تدقيق لأنه لما قال أنه أتى بمعمودية التوبة في برية اليهودية، أضاف إلى ذلك قوله . لمغفرة الخطايا " ( مر 1 : 4 ) كان يقول لهذا السبب كان يقنعهم أن يعترفوا بخطاياهم ويتوبوا عنها . لا لكي يعذبوا بل لكي يقبلوا الغفران بعد ذلك بأكثر سهولة . لأنهم لو لم يدينوا أنفسهم لما كانوا طلبوا النعمة . ولو لم يطلبوا لما نالوا الغفران . فكانت من ثم هذه المعمودية ( أي معمودية يوحنا ) تفتح طريقا لتلك المعمودية ( أي معمودية المسيح ) [ تفسير إنجيل متى . مقالة 10 : 1 , 2 ] .
لذلك لا فرق بين معمودية التلاميذ وبين معمودية يوحنا، لأنها كانت للتوبة والاستعداد أيضا لأن المعمودية لم تأخذ قوتها إلا بعد موت المسيح وقيامته من بين الأموات وحلول الروح القدس، لأنها مثال موت المسيح ودفنه وقيامته، ولم تكن تلك المعموديات إلا لإعداد اليهود لقبول المسيح.
تأسيس سر المعمودية
أما سر المعمودية فقد أسسه السيد المسيح بعد قيامته، إذ كان قد تمم فداءنا واشترانا بدمه الكريم . وبهذا حق توزيع نعمة روحه القدوس علينا ( 1 بط 1 : 3 و 1 كو 1 : 4 ) وقد قال لتلاميذه علناً بعد قيامته «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، 19 فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. » مت 19-18 :28 ، « مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ. » مر 16:16 فمن ذلك يتضح :
1 - أن المعمودية سر عام لجميع البشر على السواء .
2 - أنها سر سيُتمم إلى انقضاء الدهور ، غير محصورة في مكان ولا في زمان .
3 - أنها شرط لازم للحصول على الخلاص . وقد تممها الرسل للمؤمنين لتطهيرهم وإعادة ولادتهم بالماء والروح القدس في يوم الخمسين. قال بطرس الرسول :«تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ... فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ، وَاعْتَمَدُوا، وَانْضَمَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ.» أع41-38 :2 وعمد فيلبس الخصي ( أع 8 : 38 ) وعمد بطرس كرنيليوس قائد المائة وعائلته وأشخاص آخرين ( أع 10 : 1_ 48 ) وعمد بولس امرأة اسمها ليدية ( أع 16 : 15 ) وعمد حافظ السجن وعائلته ( أع 16 : 33 ) وكريسبس رئيس المجمع وكل بيته وغيرهم من سكان كورنثوس ( أع 18 : 8 ) وتلاميذ أفسس ( أع 19 : 1_5 ) وهكذا من ذلك الوقت تتم المعمودية في الكنيسة المسيحية ، على المثال الذي وضعه الرسل الأطهار للكنيسة.
ضرورة المعمودية ولزومها للخلاص
أما ضرورة المعمودية ولزومها للخلاص فيظهر من الأدلة الآتية:
أولاً : من قول يوحنا المعمدان « أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي ... هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ.» مت 11:3 فمعمودية يوحنا كانت للتوبة . وأما معمودية المسيح فللتوبة وغفران الخطايا وعطية الروح القدس ( أع 2 : 39 ) الأولى كانت تُمارس بالماء فقط. وأما هذه فباسم الآب والابن والروح القدس ( مت 28 : 19 ) . الأولى كانت قاصرة على التائبين من شعب إسرائيل ( مت 3 : 5 , 6 و 10 : 5 , 6 ) وأما الثانية فلجميع المؤمنين من اليهود والأمم ( مت 28 : 19 ) . الأولى كانت رمزية للتوبة والإيمان بالمسيح الآتي ( مت 3 : 1 ، أع 19 : 4 ) والثانية للإيمان بالمسيح الذي أتى ولغفران الخطايا ( أع 2 : 38 ) . الأولى كانت معمودية وقتية والذين اعتمدوا بها التزموا أن يعتمدوا ثانية حين آمنوا بالمسيح ( أع 19 : 5 ) وأما معمودية المسيح فهي المعمودية الدائمة الوحيدة إلى انقضاء الدهر ( مت 28 : 19 , 20 و أف 4 : 5 ) .
ثانيا: من أقوال المسيح عنها : قال له المجد « إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ. » يو 5:3 ، « مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ. » مر 16:16 ، فواضح هنا أن من لا يعتمد يُدان ولا يستحق الدخول إلى ملكوت الله.
ثالثا : من أقوال الرسل الأطهار : قال بطرس الرسول لما سأله الذين قبلوا الإيمان بالمسيح في أورشليم ماذا نصنع ؟ قال لهم «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ » أع 2 : 37 , 38 ، وقال بولس الرسول « لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ » تي 5:3 ، وقوله « كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ. » أف 27-25 :5 ، وقوله « لكِنِ اغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلهِنَا. » 1 كو 11:6 ، وقوله « لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ » غل 27:3 وقول بطرس الرسول « الَّذِي مِثَالُهُ يُخَلِّصُنَا نَحْنُ الآنَ، أَيِ الْمَعْمُودِيَّةُ. لاَ إِزَالَةُ وَسَخِ الْجَسَدِ، بَلْ سُؤَالُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ عَنِ اللهِ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ » 1 بط 21:3 . فهذه النصوص الصريحة ناطقة بأن المعمودية لازمة للخلاص وبدونها لا يمكن للانسان أن يخلص .
رابعا : يتضح من النصوص المتقدمة ، أن المعمودية ليست علامة تميز المسيحي من غيره ، كما يزعم البروتستانت. إذ أنها ليست علامة ظاهرية تترك أثرا في الوجه ، أو غيره حتى تصلح لأن تكون علامة لتمييز المسيحي ولكنها عمل يترك أثرا في النفس ، هو التطهير ومغفرة الخطايا والولادة الثانية.
خامسا : هذا التعليم كان ولا يزال تعليم الكنيسة في جميع العصور فقد قال القديس يوستينوس الشهيد " يجب أن نفتش ونعرف من أي طريق يمكننا أن ننال صفح الخطايا ، ونمتلك رجاء ميراث الخطايا الموعود بها ، ولنا في ذلك طريق واحد فقط، وهو أن نعرف يسوع ونُغسل بالمعمودية لغفران الخطايا ، وهكذا نبتدئ أن نعيش بالقداسة " خطابه إلى تريفون فصل 44 .
وقال القديس كيرلس الأورشليمي " عظيمة هي المعمودية المُعدة فداء عن المأسورين ، وصفحا للأوزار، وموتا للخطية ، وولادة ثانية للنفس وثوبا نيرا ، وختما مقدسا لا ينفك ، ومركبة إلى السماء ، وتعليم الفردوس ، وعلة الملكوت ، ومنحة التبني " تعليم ابتدائي للموعوظين فصل 16 .
وقال القديس غريغوريوس النيسي " فالمعمودية إذن تنقية الخطايا وترك المآثم وعلة التجديد والولادة الثانية " في معمودية المسيح.
وقال أيضا " حينما تدخلون في الماء لا تجدون بعد ماء بسيطا ، بل تنتظرون خلاصا بالروح القدس، لأنكم تستطيعون بلا مانع أن تصلوا إلى الكمال . وهذا الكلام ليس كلامي بل كلام الرب يسوع نفسه، الذي له السلطة التامة في هذا السر ، كما في كل سر غيره . وهو أن كان أحد لا يولد من الماء والروح فلا يقدر أن يدخل ملكوت الله الذي معناه أن لا تكون المعمودية بماء فقط ، لأن الذي يعتمد بالماء فقط لا يستحق نعمة الله ولا ينالها كاملة ، كما أن الذي لم ينل ختم الماء مهما كان صالحا بأعماله لا يستطيع أن يدخل ملكوت السماوات . هذا الكلام صعب ولكنه ليس كلامي لأن الرب يسوع هكذا تكلم . وإليك البرهان من الكتاب ، وأورد حادثة كرنيليوس وعماده ، وختم كلامه بقوله : " ان بطرس عمدهم باسم الرب يسوع، فأعاد ولادة النفس بالإيمان لينال الجسد أيضا النعمة بواسطة الماء " . عظة 3 : 2 .
وقال القديس أغسطينوس: " إننا بميلادنا من الماء والروح القدس نتطهر من كل خطية، سواء كانت من آدم الذي به أخطأ الجميع، أو بفعلنا وقولنا لأننا نُغسل منها بالمعمودية " ( 178 : 28 ) ، وقال : " ان لنا ميلادين أحدهما أرضي أرضي والآخر سماوي . الأول من الجسد ، والثاني من الروح . الأول صادر عن مبدأ قابل للفناء، والثاني عن مبدأ أبدي . الأول عن الرجل والمرأة، والثاني عن الله والكنيسة . الأول يجعلنا أبناء الجسد ، والثاني أبناء الروح . الأول يصيرنا أبناء الموت ، والثاني أبناء القيامة . الأول يجعلنا أبناء الدهر ، والثاني أبناء الله. الأول يجعلنا أبناء اللعنة والغضب ، والثاني أبناء البركة والمحبة . الأول يقيدنا بأغلال الخطية الأصلية، والثاني يحلنا من رباطات كل خطية " . تفسير إنجيل يوحنا فصل 19 .
وقال القديس يوحنا ذهبي الفم للموعوظين المرشحين للعماد : " ان الذين كانوا قبل عمادهم أسرى ، فإنهم يتمتعون الآن ببهاء الحرية . وصاروا أعضاء الكنيسة سالكين في نور البر البهي ، بعدما كانوا سائرين في فيافي الضلال الحالك وظلام الخطية القاتم. حقا انهم الآن محررون ، وليس ذلك فقط بل قديسون فأبرار فأبناء فورثة فأخوة المسيح وارثون معه فأعضاء لجسده الطاهر ، فهياكل الروح القدس. فتأمل في العطايا الجزيلة والمواهب الثمينة التي يمنحها سر العماد . إن كثيرين يظنون أنه يغفر الخطية فقط ؛ وأما نحن فقد أحصينا له عشرة مفاعيل تجعل النفس في مركز سام ومقام جليل لا يوصف " .
قال موسهيم المؤرخ البروتستانتي عن سري المعمودية والعشاء الرباني : " لا ينبغي أن يُعتبرا مجرد طقس ، أو لهما معنى رمزياً فقط ؛ بل كأن لهما فاعلية مقدسة للعقل " ( ك 1 قسم 2 فصل 4 ) .
الجزء الثاني معمودية الأطفال
0 تعليقات