Ad Code

إيمان المسيحيين في وعد الله بملك إسرائيل من النيل إلى الفرات


سفر التكوين الأصحاح 15 : 18 ،21
 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلاً: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ.
  الْقِينِيِّينَ وَالْقَنِزِّيِّينَ وَالْقَدْمُونِيِّينَ . وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ .وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ». 
هذه الآية يعتمد عليها شعب إسرائيل في حربهم واحتلالهم لأرض فلسطين ، فهل يؤمن المسيحيين بنفس هذه النبوة والإعلان من الله لعبده إبراهيم ، ولا يمكن أن يخالف المكتوب لأنه من فم الرب لعبده إبراهيم كما كتب موسى العظيم في الأنبياء ؟!.
سأكتب تفسيرين أحدهما لمار افرام السرياني وهذا يمثل الجيل القديم من الآباء والآخر ابونا تادرس يعقوب ملطي وهو يمثل الجيل الحديث سأكتب التفسيرين كما هما مكتوبين وسأشرح أسفلهما بطريقة مبسطة .
١ - مار افرام السرياني
إن الله أقام عهده مع ابراهيم أن يملك زرعه أرض كنعان ، من أرض مصر إلى نهر الفرات ، ووصف السبع الأمم السكان في الأرض ، ووعده بتمليكه عليها . ونحن نعلم أن زرع ابراهيم لما ملكوا أرض كنعان على يد يشوع ابن نون ، لم يملكوا من نهر إلى نهر ، بل كان هذا القول وهذا الوعد إشارة إلى زرع ابراهيم الذي آمن بالمسيح الذي يصل إلى الكمال وعدم الأوجاع ويملك من النهر إلى النهر ، أعني أنه يملك ( يتسلط على ) أوجاع النفس والجسد ، ويُهلك منه الأوجاع السبعة المقاتلة للعقل ، التي هي هذه : الزنى والشره وحب الفضة والحزن والعظمة التي تولد السبح الباطل والغضب والملل . هذه السبعة بقوة الروح القدس يملكها ويطردها من نفسه الرجل المؤمن بالمسيح أمانة تامة . ( تفسير سفر التكوين مار إفرام السرياني مخطوطة رقم ١٣ ه بمكتبة جامعة أكسفورد) 
٢ - ابونا تادرس يعقوب ملطي 
إذ كشف الله لأبرام ( ابراهيم) علامة الخلاص لكل الأمم ، خلال سبات الرب قبيل الغروب عند ملء الزمان ، وحول له الظلمة إلى تنور دخان ( إشارة إلى حرق الذبيحة) ومصباح تنور يجوز وسط شعبه ، أكد له الوعد أنه يهب نسله الأرض ، وكأنه يؤكد له أن كل ما يتمتع به أبرام من لقاءات مع الله ورؤى واعلانات إنما من أجل تمتع أولاده بالميراث الروحي في المسيح يسوع مخلص العالم .
هذا الميثاق يحمل جانبين متكاملين : تمتع أولاد ابراهيم بالأرض وطرد الأمم الوثنية منها ، وقد حددهم بعشر أمم. يرى الأب سرابيون أن هذه الأمم المطرودة تشير إلى الخطايا الثمانية العظمى التي ننعم بالنصرة عليها : النهم ، الزنى ، محبة المال ، الغضب ، الغم ، الفتور الروحي ، حب الظهور ، الكبرياء ، مضافاً إليها عبادة الأوثان والتجديف. 

بعد التفسيرين القديم والحديث لعلك لاحظت أن الأب تادرس يعقوب ملطي قد أخذ عن القديس سرابيون لذلك اخترته فالإيمان المسيحي يُسلم من جيل إلى جيل . لنتعرف أكثر على أبينا ابراهيم صاحب الوعد والإعلان ، كان ابراهيم يرمز إلى السيد المسيح كما كان  يرمز إلى محبة الله الفائقة فكما ( أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. يو 16:3) 
هكذا قدم ابراهيم ابنه اسحق ابن الموعد الذي رزق به في شيخوخته قدمه ذبيحة على الجبل الذي أعلمه به الرب تنفيذاً لأمر الله الذي فاقت محبة ابراهيم له على محبة ابنه الحبيب اسحق معلناً تلك المحبة للأجيال القادمة ووجه الرمز بين ابراهيم وبين السيد المسيح أن ابراهيم كان يمثل الكاهن وهو يقدم اسحق ابنه ذبيحة ، والسيد المسيح وهو على الصليب جمع في شخصه المبارك بين الكاهن الأعظم ، وهو الذبيحة العظمى معا في وقت واحد . أو كما يقول المرحوم الأستاذ حبيب جرجس في كتابه " الأسرار السبعة " كان هو المُقدِم والمُقَدَم معا .

كان لأبينا ابراهيم زوجة اسمها سارة ( ساراي) كانت عاقر لا تلد ، كان الإنسان بلا ثمر للروح أمام الله الذي خلقه بسبب الخطية .
وكانت لسارة جارية دفعتها لحضن ابراهيم زوجة مع أنه هو ( ابراهيم) لم يفكر بهذا ولم يفعله بل كان واثقا بقوة الله أنه قادر أن يرزقه بولد من سارة.  
يشرح مار افرام هذا الأمر فيقول : فلما بدت هي بذلك من نفسها وسألته فيه ، وقدمت له عبدتها وأسلمتها له زوجة ، ظن أن هذا الأمر من عند الله وأن به يتمم له وعده . وهذا لم يفعله الله جزافاً لإبراهيم ، بل إن الله كان مزمعاً أن يُظهر على الأرض شريعتين ، شريعة التوراة وشريعة الانجيل ، كما خلق الإنسان من صنفين جسداني وروحاني ، وكما خلق له دارين ، دار الدنيا ودار الآخرة . دار الدنيا جسدانية زائلة ، والثانية هي الانجيل روحانية باقية . ولذلك جعل ابراهيم يلد من زوجتين أولاداً رمزاً على هاتين الشريعتين : 
الزوجة الأولى التي هي هاجر العبدة ، ولدت ميلاداً جسدانياً مثل شريعة التوراة التي كلها جسدانية ، ومواعيد جسدانية ، لأنها تأمر بمقدس واحد على الأرض لا يمكن أمم الأرض الوصول إليه دائما ، ولا يصل إليه سوى السكان بالقرب منه ، وتأمر أن تُفدى الخطايا بذبائح من الحيوان لا يمكنها ابدا ان تقلع خطيئة ، وتأمر أن يكون الكهنوت وراثة من ظهر رجل واحد وهو هارون ، وأن تكون أُمة الله مقسومين في أجسادهم بختانة غلفة ذكورهم ، ومواعيدها أيضا كذلك جسدانية: أرض كنعان وخيراتها ، وكثرة اللبن والعسل وخصب الأرض والأثمار وطول العمر . بالخوف تكمل أوامرها ، وذلك أنها تأمر بقتل كل من أمرته بأمر ولم يطع أمرها ، لكي بخوف القتل تتم الآوامر ، ولذلك هي عبدة مثل هاجر ، تممت أوامرها بالخوف .
وأما شريعة الأنجيل فأوامرها كلها روحانية ، شبيه سارة لم تلد ولدها كالولادة الجسدانية المعروفة ، لأنها لم تلد في حد الصبا مثل العادة ، ولا كانت حالة النساء تأتيها كالعادة ، وهي من بدايتها عاقر ولاسيما أنها صارت في تسعين سنة ، ورجلها قد مات جسده ، لكونه في مائة سنة . فلم يكن ميلادها أيضا جسدانياً كالعادة ، بل بوعد الله لإبراهيم وقوله له إن مثل هذه الآوان يكون لسارة ولد . وبهذا الوعد أخذ الرجل والامرأة قوة أخرجت الزرع فأثمرا بقوة الله.  وكذلك الأمم الذين دخلوا في شريعة الأنجيل كانوا كل زمانهم عواقر غير مثمرين ثمرة الله البتة ، منذ آلاف السنين . أثمروا بكلمة الله وأخذوا قوة قبول الإيمان وعمل الوصايا . واثمروا بالروح كل أثمار الروح ، ولهم أيضا مقدسٌ موجود في كل موضع من جميع المسكونة : المسيح ابن الله مات وأهرق دمه للجميع ولهم أعطى جسده ودمه جائزة لتعب توبتهم واكليلاً لغلبتهم . والتوبة لهم موجودة كل أيام حياتهم . تخلصهم من غير أن يُسفك دمهم ويسفكوا هم دم نفوسهم ، لأن المسيح المتجسد سفك دمه عن جميعهم وفداهم من الموت الواجب عليهم من أجل ذنوبهم ، باحتماله الموت عنهم ( نفس المصدر ) .
على ضوء التفسير الذي لمار افرام السرياني والذي هو رأي جميع المفسرين للكتاب نجد أن المسيحين لا يؤمنون بملك إسرائيل من النيل إلى الفرات بل يؤمنون أن إسرائيل كشعب لايزال يحيا في الجسد ولا يبحث عن الروح في كلام الشريعة التي بين يديه وهذا هو ما ينزع السلام من أرض فلسطين . إن بالنسبة للمسيحي الذي يحيا الأرض ما هي إلا دار غربة يجوز فيها حتى يلقى الحبيب ويختبر عشرته ثم يحيا معه ابداً في ملكوت السموات ، فكيف يقبل بالقتل هذا الذي يرى أن الإنسان خُلق على صورة الله ومثاله ؟! . إن حياة المسيحي يقضيها في حرب ضد العالم وشهواته وضد الشرير وجنوده كما يقول بولس الرسول ( فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. اف 6 : 12 ) لكن إسرائيل لا تزال تنظر إلى أن الأرض هي مكافأتها لإتباعها الرب لكن القدير لا يكافئ بتراب وأشياء تفنى بل بملكوت السموات : بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ». كو ١ 2 : 9

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu