Ad Code

سيرة القديسين مكسيموس ودوماديوس حسب النسخة القبطية


بسم الله القوي 
سيرة القديسين الروميين مكسيموس ودوماديوس إبنا والنتينوس ملك الروم اللذين أكملا حياتهما الحسنة المملوءة بكل فضيلة بعد أن أتما كل وصايا الأنجيل المقدسة ، تنيح أحدهما وهو مكسيموس في الرابع عشر من شهر طوبه والآخر الذي هو دوماديوس في السابع عشر من نفس الشهر وأيضاً الذي أرخ سيرتهما الأنبا بيشوي الذي كان بالقسطنطينية أول شماس صار ببرية شيهيت بجانب الأنبا مكاريوس رجل الله والأنبا ايسيذورس الذي تنيح وهو شماس وعُين الأنبا موسى الأسود بدلاً منه .
وقد كتب سيرة هذين القديسين الأنبا بيشوي لذكراهما ووضعها في الكنيسة لمنفعة من أراد أن يحيا مع الله : تعالوا جميعاً اليوم يا آبائي القديسين المتسربلين الإله لتجتمعوا حولي بانتباه لأحدثكم عن الفضائل والعجائب والمعجزات التي للقديسين الروميين مكسيموس ودوماديوس إبني فالنتينوس الملك المحب للإله .

جبل شيهيت

حدث في زمن القديس أنبا مكاريوس اللابس الإله رجل الله الذي بواسطته أُسست شيهيت التي كان فيها أول غُرس بكرم رب الصاباؤوت أي شيهيت حتى يضع فيها ثمرة التوبة الحقيقية من قبّل الله ؛ أيها الجبل المبارك بشيهيت الجبل الذي حَل عليه الله مع ملائكته ، أيها الجبل المُؤدي لغفران الخطايا ، أيها الجبل الذي جعّل الخطاه يعاينون الله ، أيها الجبل الروحاني هذا الذي جعَّل ذاك البيت كله مملوء من البخور بصلوات القديسين الساكنين فيه .
يا جبل النطرون المُقدس الذي أصبح نطروناً روحياً يغسل أوزار النفس ، كم أتعجب للكرامة التي لحقتك أيها الجبل المُكرم للملح ، هذا الذي خرج منه كثير من أملاح الأرض الناطقة حسب شهادة مخلصنا . هذه التي ملَحت النفوس التي فسدت بتلك الأثام . يا جبل شيهيت المقدس مكان اجتماع الملائكة والناس معاً كي أقول بايجاز أيها الجبل الذي جعل اللصوص الناهبين والذين كانوا يصنعون شروراً أخرى ، صاروا أنبياء ومُتكلمين مع الله الخالق . تفسير شيهيت هو مكان اجتماع الباحثين عن الله بكل قلوبهم الذين جمعهم الله الكلمة في أركان الأرض الأربعة بصوت الإنجيل المقدس هذا الذي يقول : مَن أحب الله فلينكر ذاته ويحمل صليبه ويتبعني . لأنه بهذا قد وضع فيهم آلام صليبه المقدس بواسطة خادمه أنبا مكاريوس الذي هو مثلاً لهم في كل شيء ، كي بقوة الصليب المقدس يطردون كل قوة العدو من البرية ، وحتى لا أطيل في تلك الكلمة هكذا وحتى لا نترك وراءنا الكلام في الموضوع الذي عرضناه أولاً ، أنتقل إلى الأفضل لأتكلم حسب ما يعلمني به الروح القدس .
وإذ حدث أن سمعت أنبا مقار رجل الله يتكلم مع الشيوخ أن قال لهم :" تعالوا لتعاينوا مكان شهادة الغرباء الصغار " يلزمني بغيرة إلهية لأُظهر شجاعة هذين القديسين وسيرتهما الحسنة .

إبني الملك المحب للإله

حدث في زمان الملك والنتينوس ابن خادم الله الملك يوفيانوس الذي هدم كل هياكل عابدي الاصنام النجسة واستأصل ما تبقى من أساساتها أنه كان سلام عظيم لكل كنائس الله في المسكونة حتى أنهم كانوا يدعونه هو والنتينوس بقسطنطين الجديد . وقد ربى أولاده حسناً ، مكسيموس ودوماديوس وأختهما الصغيرة بكل مخافة الله وتعليم صالح وفي تسابيح وأصوام وصلوات ليلاً ونهاراً وبتلاوات مستمرة حتى أن البلاط مثل دير للرهبان في أيامه ، وجعلهم يتعبدون كلهم من صغيرهم إلى كبيرهم مثل الرهبان المختارين لدرجة أنه كان يُدعى هذين القديسين منذ طفولتهما شيخين لأجل أعمالهما الحسنة وصورتهما بالتقوى .
ولما كبر هذين الطوباويين مكسيموس ودوماديوس وتقدما في الاعمال الصالحة حسب الله بحثا عن حياة الملائكة أي الرهبنة ، وكانا يتشاوران مع بعضهما قائلين " كيف نقدر أن نهرب لنصير رهباناً " وقال الصغير للكبير : لنعتذر إلى أبينا ونقول له أننا ذاهبان إلى نيقية لنُصلي في موضع آبائنا القديسين الأساقفة ، فإن أذِّن لنا فالمكان الذي نريده نرحل إليه .
فلما تشاورا مع أبيهما سمح لهما وكان يوجد قسيساً يسكُن في مكان ال ٣١٨ أسقفاً واسمه يوحنا ، كان راهباً وكان الملوك يستشيرونه عدة مرات وأساقفة ذاك المكان . ولما وجدا يوماً مناسباً ، لبسا الطوباويان ثياباً حسنة وركبا جواديهما وخرجا كما لو كانا ذاهبان إلى نيقية للصلاة في موضع الأساقفة ، فلما وصلا إلى نيقية ( للصلاة في الموضع ) وجدا القديس الأب يوحنا الذي سبق الحديث عنه ، فاستقبلهما بوداعة وكرامة فأعلماه برغبتهما أن يصيرا رهباناً . أما هو بنعمة الله كان يمتحن أفكارهما حتى يعلم بالتدقيق نيتهما قبل أن يقول كلمة لهما ، فلما رأى استقامة اختيارهما في الله فرح جداً وشجعهما .
أما هما فألحا عليه أن يبقيا عنده ولكنه لم يقبل قائلاً : أخاف من أبيكما الملك فلا استطيع أن أفعل هذا العمل لكن حيث انكما ترغبان أن تصيرا راهبين فقوما لتذهبا إلى سوريا فقد سمعت عن متوحد في ذلك المكان الذي هناك يسكن صخرة على البحر ، هذا قد ملأت شهرته سوريا كلها وفلسطين واسمه أغابوس وهو طرسوسي من كيليكية وهذا يشبه بولس في إيمانه وأعماله فإذا كان الأمر يروق لكما فاذهبا إلى موضعه . فلما سمعا فرحا جداً ثم صلى عليهما وودعهما بسلام .
أما هما فذهبا من عنده بفرح عظيم ولم يرجعا إلى بلدتهما ليريا آبائهما لكنهما مضيا إلى سوريا رأساً ، ولما سألا عن القديس أغابوس أُخبرا بمكانه ولما تلاقيا معه قبلهما إليه بفرح عظيم . أما هما فأخبراه بكل شيء فالشيخ الروحاني ( اللابس الإله ) لما رأى محبتهما لله ألبسهما فوراً الأسكيم المقدس لرهبان سوريا : لأن رهبان ذلك المكان لا يلبسون " منطقة " تونية بأكمام أو حزام لكن ثوباً اسود لأن هذا هو اسكيم السوريين حيث يكون .  

الأنبا مكاريوس يدعو القديسين للسكن عنده 

وعلى كل أعلمكم مثلما قالوا لي هذين القديسين أنه لما قربت نياحة الشيخ القديس أغابوس سألناه : قل لنا كلمة يا أبانا القديس لنحيا بها بعدك .
أما هو فقال لنا : أني رأيت نفسي تلك الليلة واقفاً على تلك الصخرة التي بجنوبنا ورأيت راهباً واقفاً أمامي مثل رجل عليه ثياب مخططة بأسود وغطاء على رأسه عليه صلبان وكان عصا جريد في يده وصليب . وبرؤيتي له خُفت أما هو فاقترب مني وسلم عليَّ وقال لي هل تعرف من أنا ؟ فقلت له لا يا أبي القديس . فقال لي أنا مكاريوس المصري أتيت لأدعوا أولادك لآخذهم عندي بمصر . فقلت له ألا تأخذني معهم أنا يا أبي . فقال لي لا ولكن أعلمك أنه بعد ٣ أيام أخرى سوف تتنيح وتذهب إلى الرب وسيرسل الملك وراء ولديه ليأخذهما إلى القسطنطينية ، فأحذر ذلك وأمرهما كي ينزلا إلى مصر حتى يسكنا بالقرب مني لأن الله قد عينهما لي أولاداً . وها أنا قد قلت لك . 
ولما قال لي هذه الأشياء توارى عني . والآن يا أبنائي أعلمكم أنه منذ أيام كثيرة وأنا أسمع بشارة ذلك الرجل الأنبا مكاريوس وفي هذا أقول لكم لو علم الملك فلن يترككما في ذلك المكان، لذلك بعد نهاية حياتي انزلا إلى مصر وابقيا عند القديس أنبا مكاريوس حتى يفتقدكما الرب . هذا ما قاله الشيخ أغابوس لهما .
وتنيح بسلام بعد أن صارا ٦ أعوام معه ، وحلت روحه عليهما كما حلت روح إيليا في روح الشيخ في ذلك الوقت ومن ثم لأخبركم بالآيات والعجائب ومواهب الشفاء التي كان الله يعملها على يدي هذين القديسين حتى ذاع صيتهما في فلسطين كلها وكل كورة بيسيدية لأجل الشفاء الذي كانوا يصنعونه مع المرضى باسم ربنا يسوع المسيح فقد كان الكثير ممن كان بهم أرواح نجسة إذا سمعوا اسميهما فقط كانت تخرج منهم وكانوا يشفون في الحال بنعمة الله مخلصنا .

إخراج روح عرافة

اسمعوا تلك الأعجوبة العظيمة التي حدثت على أيديهما ، أحضروا لهما رجلاً من " اسكالون " كان به روح عراف وإذ كان بعيداً عن مسكن هذين القديسين صرخ بصوت عظيم قائلاً : ما أشد قوتك يا مكاريوس المصري المتوحد ، تركنا صحاري مصر لك فأتيت لذاك المكان أيضاً وهوذا صلواتك تعذبنا بذلك المكان أيضاً لأنك تعين هذين الروميين ؛ ولما قال هذا خرج من الرجل الروح النجس وكل من سمع مجد الله .

قتل وحش ردئ

وكانت توجد مغارة جبلية في الطريق الذي يؤدي إلى إيقونيون وكان بها تنين عظيم وكان هذا يُهلك كثيرون من الرجال الذين يمشون في ذلك الطريق ، فلما رأى سكان إيقونيون هذا الهلاك ذهبوا إلى القديسين وأخبروهما بخسارة الوحش الشرير الذي هناك . حينئذ كتب الطوباوي مكسيموس مكتوباً صغيراً قائلاً : بإسم  رب الصباؤوت إله الأنبا مكاريوس والأنبا أغابوس أبينا الرجلين اللابسين المسيح كلمة الآب أن إذا حُمل ذلك المكتوب الصغير عند مدخل وكرك أنت أيها التنين ، فستخرج وفمك مغلقاً ولترقد في وسط الطريق ولا تتحرك من ذلك المكان حتى تأكل طيور السماء لحمك .
ولما أخذوا المكتوب أعطوه لرجل كان راكب جواداً ، فذهب ووضع المكتوب بمدخل مغارة الوحش وهرب فوراً ، ويا للأعجوبة التي حدثت في ذلك الوقت لأنه في التو خرج التنين الشرير من مغارته فوراً ورقد تحت السماء في وسط الطريق على مرأى من كل حي ، حتى أن الذين كانوا على مسيرة يوم أتوا ليروه . ولم يكن يستطيع أن يتحرك البتة من مكانه وكانوا يرجمونه ويمجدون الله الذي يصنع العجائب في قديسيه .

شفاء أبرص
وجاء رجل أيضاً من " لستره " ليرى الأعجوبة التي حدثت ، وكان جسمه كله مصاباً بالبرص ولما ذهب إلى القديسين وفي رؤيته لهما وحده من عِظَّم إيمانه تطهر في الحال من البرص ، وكان كل واحد يمجد ربنا يسوع المسيح لاجل الشفاء الذي كان يفعله على أيدي هذين الطوباويين .

الشيطان حول وجهه

ولما أحضروا لهما رجلاً من " مجدلان بيسيدية " كان وجهه مُحَولاً إلى خلف بفعل الشيطان منذ ثلاث سنوات . فلما رآه القديسان حزنا جداً لأجل الحالة التي كان بها ، وأخذا قليلاً من الماء ورشماه بإسم ربنا يسوع المسيح وسكباه عليه ، ففي الحال اعتدل وجهه .
 يا لتلك البركات العظيمة التي صنعها ابن الله مع إبني الملك . لأن الله حقاً يعمل كل عمل صالح مع الذين الذين يحبونه .

شاهد عيان

أطلب إليكم ألا يكون أحداً غير مؤمن بالأقوال التي أقولها لأني انا أيضاً الحقير بيشوي لما كنت في القسطنطينية قبل أن أعرف كلية أين توجد شيهيت ، سمعت من التجار لأجل الشفاء الذي كان يجريه هذان القديسان باسم ربنا يسوع المسيح الكلمة فذهبت لسوريا وكنت مازلت علمانياً حتى أرى بعيني ما سمعته كي يقتنع قلبي قائلاً في فكري أنه حسن رؤية العينين أكثر من السمع بالأذنين . ومنذ ذلك اليوم الذي رأيت فيه أعمالهما الحسنة ، تاقت نفسي أن أصير راهباً . ولكن لم أكن تقويت حتى الوقت الذي أعانني فيه الله وأخرجني من اهتمامات العالم وجئت إلى شيهيت .
وعلى كل ، فما قد سمعت في سوريا ، وما سمعت في شيهيت هذا ما كتبت في هذا الكتاب ، والآن كي لا أطيل في الكلمة ، هكذا اثبت الشهادة لئلا أنسى الفضائل الحسنة . لذا سنعود أيضاً إلى مواهب الشفاء التي صنعها المسيح إلهنا بواسطة إبني الملك اللذين لبسا المسيح مثل بولس وتيموثاوس . ولهذا كانت قوتهما تعمل في الآخرين بهذا المقدار .

شفاء قسيس

 كان أيضاً يوجد قسيساً في " جبالون " من مدينة الجباليين وكان اسمه زكريا هذا سكنه روح يصنع آيات وعجائب بواسطة الشياطين حتى أنه كان يضل كل الجباليين ، ولما رأى اسقف جبالون الفساد الذي حدث في الأبروشية أخذ معه قسوس آخرين وأتى إلى القديسين وأخبرهما بكل ما حدث . فلما سمعا هذه على يدي الاسقف حزنا جداً . وقالا له كيف لم تحضره معك ؟ فقال لهما : لم يسمح لي يا أبوي القديسين ، أتوسل إليكما يا أبوي القديسين أن ترسلا أنتما إليه فلربما يحضر . أما القديس مكسيموس فأخذ ورقة وكتب هكذا قائلاً : أنا الضعيف مكسيموس خادم المسيح أكتب بيدي ذاتي ، أنَ بقوة رب الصباؤوت إله الرسل والأنبياء والأنبا مكاريوس المصري هذا الذي أبونا أبونا أغابوس رآه في الرؤيا ، أكتب إلى زكريا أنه إذا كان تعليم الرسل هو ما تعمله إذن فاسلك في طريقك وإذا كان هذا ما للشياطين وخالفت أسقفك الذي يعلمك خلاصك ، فإننا نأمر الشيطان الذي هناك باسم يسوع الكلمة الحقيقي لله بأن يقوم الشيطان عليك ويعذبك وليعلم الجميع الضلالة التي أنت بها . حينئذ كتب اسم الأنبا مكاريوس خارج الرسالة وأعطاها للأسقف وودعه . ويا للأعجوبة التي حدثت في ذلك الوقت ، إذ لما أعطى الأسقف الرسالة إليه قائلاً المتوحدين يسلمان عليك ، المجد لك أيها المسيح كلمة الله ، ويا للقوات التي تظهرها في خدامك والذين يخدمون اسمك القدوس . لأن الشيطان الذي كان هناك فاسداً للنفس . صمت حتى قرأ الرسالة لكن في الوقت وثب عليه وطرحه على الأرض في وسط الواقفين وعذبه فكان يصرخ بصوت وينبح مثل الكلب حتى أن المدينة كلها اجتمعت حوله ليروه وتعجبوا لمن كان يمجد نفسه منذ قليل لما حدث له . ومكث في ذلك العذاب ١٨ يوماً ، حينئذ أحضروه مقيداً إلى القديسين ، أما هما فلما رأيا عذابه حزنا جداً ولما أخذا قليلاً من الماء ورشماه وسكباه عليه باسم الرب يسوع المسيح فشفي لتوه من ذاك الشيطان . ومكث بالقرب من القديسين ثلاثة أيام حيث علماه طريق الخلاص وصرفاه بسلام ممجداً الله .
وفي كل تلك الشفاءات التي كانت تتم بواسطة هذين الطوباويين لم يتكبرا كلية ولم يفتخرا ولم يقولا كلمة لرجل بسلطان ولكنهما كانا يتواضعان تحت كل أخ مثل محتقرين وجعلا نفسيهما غير مستحقين قائلين في كل وقت أن النعمة من الله وحده أما نحن فضعفاء وخطاه .

شفاء قسيس آخر 

كان يوجد قسيس في " سليفكية ايزورية " كان يصنع أعمالاً نجسة ويذهب ليقف بهيكل الله ، لأنه كان فاسداً مع امرأة سامرية وإذا كان يواظب على هذه الشرور هكذا أراد الله أن يُعَرِف بما كان يفعله هذا القسيس في ايزورية كلها حتى يرى البقية الأخرى ويخافوا ؛ ففي يوم تذكار القديس اغناطيوس ذهب أيضاً إلى الكنيسة لكي يخدم وبعد أن انتهى من طلبة الانجيل وبعد الطلبات تقدم إلى الهيكل كمن سيخدم بلا خوف ، حينئذ ضربه ملاك الرب بضربة كبيرة قاسية جداً حتى انفتح جلد جسده مثل القربه وفي الحال سقط على الأرض وأصبح مثل ميت فحملوه وأخذوه إلى بيته في بؤس شديد . هذا وبعد عشرة أيام ضرب كل جسده حتى كان الدود يخرج منه وعظامه ظهرت وكان يئن بصوت مُر الليل والنهار بسبب السرطان الذي كان يأكل جسمه وكان يبكي ويعترف أمام كل أحد بكل الآثام التي ارتكبها . هذا ووضعوه على سرير وحمله أناساً وجاءوا به إلى القديسين خادمي الله العلي . فلما وضعوه قدامهما حزنا لرؤيتهما عذابه وكانا يقولان له : ماذا فعلت حتى حدث هذا لك ؟ . أما هو فقال لهما : أغفرا لي يا أبوي القديسين إذ سبق المسيح فأعلمكما أعمالي السيئة . فقالا له : إذن عرفت المسيح جيداً وعرفت أنه كائن يرى أعمالك التي تعملها ؟ . فقال : نعم يا سادتي الأباء فقد علمني ذلك جيداً . ثم أن الطوباويين بطلا يسوع المسيح ربنا إذ يعرفان أن الله لا يشاء موت أحد مدنساً في خطاياه لكن بالحري يشاء أن يرجع إليه الجميع في توبة صادقة أخذا قليلاً من الماء ورشماه بعلامة الصليب وسكباه عليه قائلين : أيها الرب يسوع المسيح الطبيب الحقيقي لأرواحنا وأجسادنا الذي لا يريد شيئاً يهلك من الذين ضلوا لكن يريد أن يرجع جميعهم إلى داخل حظيرتك الروحانية بالتوبة وأن تخلص نفوسهم أنت الذي سوف تشفينا كلنا بصلوات أغابوس أبينا وخادمك مكاريوس ، فلما سكبا الماء عليه برئ جسده وضُمِدَت جراحه وشُفيت ثم صرفاه القديسين بسلام الله قائلين له : هوذا قد برئت فلا تعد تخطيء لئلا يدركك أيضاً غضب الله وتموت شر ميتة . فذهب عند ذويه معافاً ممجداً الله في كل حين لأجل الشفاء الذي ناله بصلوات القديسين .

ليكن لكما ما تطلبان

 وكان يوجد اثنان من الفلاسفة في أثينا وكانا وثنيين وإذا سمعا بمعجزات الشفاء الكائنة على يدي القديسين بقوة المسيح يسوع فكانا يذمانهما قائلين : أنهما يخرجان الشياطين من الناس إذا ما صليا عليهم باسم المسيح ! هل هما آلهة الأثينيين ؟! ، فقاما خادما الأوثان هذان بمكر وخبث وأرادا أن يجربا القديسين فضما أيديهما وربطاها بأشرطة مثل البرص وأغمضا أعينهما مثل العميان قائلين هكذا : إذا كانا نبيين يطردان الشياطين فسيعلما عملنا . وأخذا معهما آخر كما لو كان يقودهما في الطريق . ولما وصلوا إلى طريق القديسين حيث قادهما الرجل . قرعا الباب فأجاب القديس دوماديوس عليهم قائلاً : ماذا تريدان في هذا المكان ؟ ، فقالا : جئنا إليكما يا قديسي الله لنطلب إليكما حتى تدركنا مراحمكما وتصليا عنا لكي نشفى لأننا أبرصان ، أقطعان ، وأعميان وها أنت ترى أن هذا الرجل قادنا وأحضرنا إلى ذاك المكان . فقال لهما القديس دوماديوس ببساطة : فليشفيكما الرب يسوع المسيح وليصر لكما مثلما تطلبان . ففي الحال أصبحا أبرصان ، أعميان ، وانكمشت أيديهما وصارا أقطعين ، وللوقت صرخا بصوت عظيم قائلين : يا رجل الله إرحمنا لأننا جئنا إلى ذاك المكان لنجربكما . وفي الحال انطرحا على وجههما عند أقدام القديسين بإيمان عظيم قائلين : نرجوكما إرحمانا وأعنانا فسوف نصبح مسيحيين من اليوم وسوف نكون خادمين للمسيح . 
فقال القديس مكسيموس لهما : ألا تؤمنان بالحق أن يسوع ابن الله ؟ . أما هما فقالا : نعم نؤمن يا سادتنا القديسين أن يسوع ابن الله وليس آخر سواه . لما سمع هذه ( الكلمات ) خادما المسيح منهما ، صليا على قليل من زيت وأعطياه لهما قائلين إذهبا إلى مكان القديس لونديوس واغتسلا في بئره الكبير وارتشما بهذا الزيت القليل وتؤمنا أن الخلاص سوف يدرككما . فصنعا كما قال لهما القديسان ، فشفيا بقوة المسيح فتعمدا على الفور باسم الآب والإبن والروح القدس وصارا مسيحيين ، وفي المكان الذي هناك بشرا بتلك الأعجوبة التي حدثت لهما في أثينا ، ومنذ ذلك اليوم أصبح كثيرون منهم مسيحيين يمجدون الله الكلمة الذي تجسد ؛ لأني إذا أردت أن أقول الكثير من معجزات الشفاء التي أجراها الله على يدي القديسين لا تنتهي بالوقت وأنا أتكلم .

مكانهما يُعرّف

كان تاجر من أنطاكية يذهب إلى هذين الطوباويين بين الحين والآخر ليأخذ بركة على أيديهما وليحمل أشغالهما اليدوية لأنهما كانا يصنعان الحبال ، ولفرط ثقته في هذين القديسين كتب اسميهما على الحبال على هيئة صليب وسط شراع سفينة في أثناء الابحار ، وحدث أنه بينما كانت السفينة في القسطنطينية وبها بضاعة ليبيعها هناك حيث تقع ميناء المدينة بوسطها داخل الأسوار ، حينئذ إذ علم المالك بشدة الأمواج أمر أن توضع السفن داخلاً ، ولأجل شدة الأمواج كان هناك سلاسل من حديد مشدودة عند المدخل وكانت تُسحَب  السلاسل حتى تتمكن السفن من أن تبحر في الميناء ، وإذ كان واقفاً نائب الملك مع الجند يفتش السفن المبحرة للداخل ، إلتفت فرأى شراع السفينة الذي سبق الإشارة إليه منبسطاً على الأرض بينما كان البحارة يصلحونه كعادتهم ، فرأى اسم مكسيموس ودوماديوس مكتوباً على الحبال التي للشراع ، فلما قرأ الإسمين أمر باستدعاء البحارة له وقال لهم ما هذه الأسماء المكتوبة على شراعكم ، فقالوا له : كان يوجد رجلين قديسين لله في بلدنا . فقال نائب الملك : هل هذه السفينة لهما ؟ . فقالوا له : كلا بل كتبنا إسميهما على شراعنا لأجل صلواتهما المقدسة لكي نجد عوناً وسفينتنا في ملاحتنا . فقال لهم : هل تعلمون مكانهما جيداً وأين يقيمان ؟ . فقالوا له : نعم يا سيدنا يقيمان في سورية ، حينئذ أمر نائب الملك بتقييد البحارة وأن يؤخذوا إلى الملك ، أما هو نائب الملك فسبق وأخبر الملك . فأمر أن يحضروهم أمامه ،  أما اسم الملك الذي كان هناك فهو ثيؤدوسيوس ولأنه كان من جنس مصري وكان أولاً رئيساً لخيول الملك فالنتينوس أب هذين القديسين . لأنه لما رأى أن ثيؤدوسيوس رجلاً شجاعاً جعله رئيساً على كل الأماكن التي كانت تدرب فيها خيول مملكته ، وإذ ترك هذين القديسين العالم في حياة فالنتينوس أبيهما بنحو عام فحينما تنيح فالنتينوس الملك بحسب الأحكام الحقيقية التي لا يمكن فحصها التي لله وبموافقة مجلس الشيوخ كله عينوا ثيؤدوسيوس نائب الملك بدلاً من فالنتينوس أب هذين القديسين .
ولما رأى الملك التقي ثيؤدوسيوس البحارة مقيدين ، أطلقهم قائلاً إنهم زملائي فلا تتركوهم مقيدين لئلا يغضب مني المسيح . وقال خادم الله الملك لهم بوداعة من هما رجلا الله اللذان تعرفونهما . فقالوا : سيدنا مكسيموس أحدهما ودوماديوس الآخر ، وقال لهم أيضاً كيف كانت هيئتهما ؟ . فأجابوا وقالوا : إن أحدهما رجلاً كاملاً وله لحية والآخر رجلاً طويلاً لحد ما وله لحية بدائية . حينئذ أمر الملك بأن يعطى كل بحار ثلاثة قطع ذهب وأن يصرفوا بسلام ، ثم دعا الملك بعد ذلك خصي البلاط واسمه ماركليوس ، رجلاً قويا في أفعاله مثل الأسد وأعطاه حصاناً قوياً وأرسله إلى سوريا ليعرف صحة الخبر قبل إبلاغه للملكة .
وبعد أيام قليلة عاد الخصي إلى الملك قائلاً : إياك يسلمان عليك كثيراً إبني المملكة ؛ أما الملك ثيؤدوسيوس ففرح جداً وأخبر الملكة وكل أقاربه وصار فرح عظيم في كل البلاط في ذلك اليوم . وبعد أيام قليلة أرسل الملك أمهما وأختهما إلى سوريا ليراهما وليطيب قلبيهما ، وعزى القديسين أمهما وأختهما وودعاهما بسلام . ومنذ ذلك اليوم كان أهالي القسطنطينية يذهبون إلى طريق القديسين النهار والليل ويحضر إليهما المرضى بأنواع مختلفة ومن كان بهم أرواحاً نجسة ، فما أن يصلوا إلى هذين القديسين فيصليان عليهم حتى كانوا يشفون بنعمة الله مخلصنا .
وبعد ذلك جاء الملك ثيؤدوسيوس إليهما ليأخذ بركتهما ونصائحهما وحتى يعلماه أعمالاً حسنة حتى تكون خيراً لمملكته ولكنيسة الله ، وفي هذه ثبتاه حسناً في حفظ إيمان نيقية وليترك أبناء الكنيسة مكرمين كل الإكرام ، وعندما ذاع صيت هذين الطوباويين في كل سوريا وكان الملك ثيؤدوسيوس يستشيرهما ويتمتع بتعليمهما وبركتهما كما لو كان يعرف بأن لهما الملكوت لأنه حقاً كانت زيارته مفيدة له وتعليماً كبيراً ، ولكي أقول بالقطع أنه قد اكتسب هذه التقوى العظيمة وذاك الإحترام داخل كنائس الله حسب التعاليم الحية لهذين الطوباويين وليس هو وحده ، وإنما أولاده أيضاً أركاديوس وأونوريوس اللذان رباهما في مثل هذه التقوى هكذا من التعليم والشكل ( الهيئة ) الحسنة التي لهذين الطوباويين وأيضاً هكذا ثيؤدوسيوس الصغير .
وبعد هذا تنيح رئيس الأساقفة بالقسطنطينية ، وهل كان بسبب هذه الحجة ، أن الله قاد هذين القديسين إلى شيهيت كما فعل يعقوب الكبير الذي نزل إلى مصر في زمن المجاعة حتى أصبح شعباً كثيراً ملأ وجه الأرض ، هكذا أيضاً هذان القديسان مكسيموس ودوماديوس إبنا الملك ، فلن أكف أن أدعوهما إبني الملك حتى يعرف كل واحد كرامتهما وسيرتهما الملائكية وفضائلهما لأنهما أحبا المسيح أكثر من مجد هذا العالم كله وتبعاه بكل قلبيهما لأجل هذا هو أيضاً أعطاهما مجداً حقاً ، حيث أنه دبر لهما أن يذهبا إلى شيهيت الجبل المقدس ليكملا سعيهما فيه ولتبن هناك كنيسة باسميهما لأنهما ثبتا أساسهما على الصخرة الغير مزعزعة المسيح الذي صار ميناء خلاص لكل من يرجع إلى الله لأجل مغفرة خطاياهم . لانه حقاً فرح فردوس الله للخلاص الذي حدث لنفوس الخطاة في ذاك المكان وسوف تبقى ميناء للخلاص إلى دهر الدهور .

أقرأ أيضاً الجزء الثاني القديسين الروميين 


إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu