Ad Code

نظرية التطور بين العلم والدين والفلسفة ٣


نظرية التطور واستخدامها لخدمة أغراض شخصية .
يميز داروين في الطبيعة بين الكائنات العضوية الحية والأشياء غير العضوية ، وينصرف بمثابة عالِم طبيعة ، في البيولوجيا ، إلى دارسة القوانين الخاصة التي تسري على الكائنات الحية . وينطلق في بحثه هذا من مبدأين أساسيين .
الأول ، يثبت أن الحياة وتطورها نحو التعقيد مسجّلان في ميزات الطبيعة ولا يقتضيان تدخل أي عامل آخر لظهورهما ( ينفي في هذا المبدأ التصميم العاقل ) 
الثاني يثبت أن التغيرات الوراثية المقدّمة للانتقاء الطبيعي هي ظواهر عرضية صرف . خالية من القصدية كلياً ( يلغي في هذا المبدأ الرؤية الغائية في التطور ) .
يرى داروين أن الطبيعة الحية سياقٌ لا يتوقف أبداً عن التغيير والتطور تدفعه الصدفة في كل تحركاته وحوادثه . ولا شيء من القصد فيه مع الملاحظة أنّ ما يحدث بالصدفة لا يحدث عبثاً ، بل بأسباب لا يقودها تصميم . ( وبهذا تتعارض الصدفة مع الرؤية الدينية لعالم تقوده العناية الإلهية ، وتتعارض أيضاً مع الرؤية العلمية الكلاسيكية الحتمية التي تستبق الأمور وتراقب حدوثها وتحدد واقعاً نهائياً يمكن استنتاج كل شيء منه.إن الصدفة تقضي على الأحكام الأكيدة) يعتبر داروين أن العالم العضوي كله يتكون انطلاقاً من صورة واحدة أصلية بسيطة جداً ، وارتأى أنه يوجد سلف واحد مشترك لجميع الأنواع الحية . وقد عبر عن ذلك في كتابه " أصل الأنواع بالأقوال المتنوعة التالية : " إن المشابهة وأسباباً غيرها كثيرة تدفعنا ضرورة إلى الاعتقاد بأن أصل الأحياء جميعهم واحدٌ " . " لا فاصل جوهري بين العالمين ، عالم النبات وعالم الحيوان " . " إني أرى فيما يظهر لي ، أن الكائنات الحية التي عاشت على هذه الأرض ، جميعها من صورة واحدة أولية ، نفخ الخالق فيها نسمة الحياة " .
ويصف داروين تطور الأحياء والأنواع على الشكل التالي : 
- كل جسم حي يرتبط في تكوينه ارتباطاً شديداً بغيره من الأجسام الحية التي تنازعه في قوته ( غذاءه) ومسكنه وغير ذلك .
- تتكاثر الأفراد الحية وفي المقابل يقلُ الغذاء وما يشبع الحاجات .
- تنشأ مزاحمة وتنازع بين الأفراد ويزيدهما قوة عدم مواءمة الأحوال الخارجية لهذا التكاثر ، ويفوز في التنازع أو الصراع من يتميز بالصفات الفاعلة بين الأفراد .
- وحيث إن التنازع يحدث بين الأنواع والأفراد الأقرب من بعضها إلى بعض ، تتكون التباينات في الأجسام الحية وتتغير الأفراد على أوجه مختلفة ، إنما دائماً ضمن مجال محدود .
- " الانتقاء الطبيعي " يُثَبت التباينات الإيجابية ويزيل تباينات كثيرة سلبية .
- إن التغيرات والصفات المميزة التي يثبتها " الانتقاء الطبيعي " تنتقل بالوراثة إلى النسل ، ويضاف إليها تغيير خاص يرافق المولود الجديد ، وقد يكون هذا التغيير الخاص نافعاً ، وقد يكون مضراً ، أو لا نافعاً ولا مضراً .
هكذا يحصل بقاء الأصلح ويستمر تطور الأحياء في الطبيعة وتبقى الصدفة المحرك الدائم لكل هذه الآلية ، على وقع الفرضيتين التاليتين :
الفرضية الأولى : انتقال التغيرات في النسل بالوراثة ومعها فروقات صغيرة عند المولود الجديد . تلد الأجسام الفردية الحية ذُريات تشبهها ( وراثة استمرار النوع ) مع فروقات فردية صغيرة ، قد تكون لصالحها أو العكس . يلعب الوسط الطبيعي دور الانتقاء في الصراع لأجل الحياة . ويعود الشبه في الأنواع والميزات إلى انحدارها من أصل مُشترك (من سلف مشترك ) .
ما يؤيد هذه الفرضية كون الكائنات الحية في معظمها ، تتشارك في الشيفرة الجينية عينها أو " الدي . إن إي DNA " ، وهكذا بإمكان أحدنا ببساطة أن يقول أن الله كان قد أعتمد خطة التصميم الأساسية عينها في معرض صنعه للأنواع المختلفة من الكائنات المتفرقة . لكن قد يبدو معقولاً أكثر أن هذا التشابه الجيني لكل الكائنات الحية مرده إلى كونها مرتبطة بعضها ببعض ، حيث تتشارك جميعها سلفاً واحداً
بالمقابل ، يأتي الدليل المبني على المتحجرات لينقض بوضوح عقيدة السلف المشترك هذه ، فقد برزت من جملة ثغراتها الرئيسية غياب أية كائنات تقف في الوسط ما بين الكائنات ، لكونها أشكال انتقالية . رد داروين على هذا بالقول إن هذه الحيوانات كانت موجودة بالماضي ، ولابد من اكتشافها في نهاية المطاف . لكن عندما أقدم علماء البليونتولوجيا على التنقيب عما خلفته ورائها الكائنات الحية تحت شكل متحجرات ، لم يعثروا على أي من هذه الأشكال الانتقالية ، وكل ما اكتشفوه كان المزيد من الحيوانات والنباتات الميتة والمنفصلة بعضها عن بعض . فكر مثلاً في في كل الأشكال الإنتقالية الواجب توافرها حتى يتسنى لكل من الوطواط والحوت أن يتطورا من سلف مشترك ، فالدليل المبني على " الدي إن إي" يسندها من جهة ، إلا أن الدليل المستوحى من المتحجرات يعمل ضدها  .
الفرضية الثانية : الانتقاء الطبيعي . يضبط الانتقاء الطبيعي التغييرات التي يستفيد منها الأفراد ، وترافقهم في الإنجاب . ويقصي الانتقاء الطبيعي التغيُرات المُضرة ويحافظ على المفيدة ، ويحسن التكيف مع الزمان ، ومع تغيير البيئة . فالانتقاء الطبيعي هو آلية عمياء يمكن التحقق منها . يضاف إلى الإنتقاء الطبيعي ، الانتقاء الجنسي ، وهو يحصل نتيجة المنافسة على الإنجاب ، فيوفر فُرص النجاح الجنسي ، خصوصاً عند الذكور ، ويتنوع عند البشر ، مع المعايير المتغيرة بخصوص كل من الرجال والنساء . ويضيف داروين إليهما انتقاء الفريق ، الذي يحصل عندما يضحي أحد الأفراد بحياته في سبيل استمرار الفريق .
تردد داروين في الخطوة إلى الإنسان بالانتقاء الطبيعي ، ولكنه أثبت فيما بعد أن الإنسان ينتمي بيولوجياً إلى جنس الحيوان ، فجسمه يشبه جسماً حيوانياً ، لا اختلاف أساسي بين الإنسان والحيوانات ، بل يوجد تجانس جوهري بين الإنسان والطبيعة ، ومماثلة بين روح الإنسان والحيوانات ، لأن الأختلاف في الدرجة وليس في الطبيعة .( كان هذا في القرن التاسع عشر حيث كانت الإمكانيات العلمية والتكنولوجية لم تزل ضعيفة ، والله خلق الملائكة أرواح بدون جسد ، والأنسان روح عاقلة ناطقة وجسد حيواني ، والحيوان نفس حية وجسد حيواني فقط ، فيكون الإنسان ذو طبيعة تحتوي على الروح والجسد وليس حسب تصنيف حيواني فقط كما سنرى فيما سيأتي) ، مع الملاحظة أنه غاب عن هذه الدراسة بروز الوعي الإنساني بشكل علمي . وسنعرض ما يواجه هذه الفرضية في العلم الحديث .
ترتكز بيولوجيا داروين على الأفكار الأساسية التالية : 
١ - التغيير والتنوع هما واقع أول ودائم وبالتالي النشوء والتطور حاصلان دائماً .
٢ - الانتقاء الطبيعي : هو لقاء الصدفة والضرورة الحدثية ( حصيلة الحدث ) 
٣ - امتداد الانتقاء الطبيعي على كل المستويات : داخل النوع ذاته وبين الأنواع .
٤ - إن الذرية أو السلالة مع التغيير ، والصفات المشتركة تدل على سلفٍ مشترك بين الأنواع خضع لتغييرات . ( إن السلف المشترك مع التغيير يعطي تفسيراً للتشابه ) 
٥ - إن التطور يتم بشكل متواصل ( تدريجياً وبدون قفزة )   
أما الآليات التطورية فتقود إلى المبادئ التالية : 
١ - يخضع التطور لأربع سياقات أساسية : الطفرة الإحيائية ، إعادة التركيب الوراثية ، الانتقاء ، الانفراد .
٢ - الطفرات الإحيائية لا توجه التطور بل إنها تحمل مؤونة للمخزون الوراثي فقط .
٣ - إن الجزء الأكبر من التغيير النوعي يعود إلى " جينات " محدودة المفعول .
٤ - إن تشكيل الأصناف المنظمة العليا يعمل على أن يحدد ( في الزمان الجيولوجي ) ، السياقات التي تقود إلى تشكيل أجناس وأنواع ، وهو يتعلق بتنويع أكثر وبإزالة الأنواع الوسيطة .
 لا يوجد على الإطلاق دليل ، على الأقل حتى الآن ، على كون هذه الآليات قادرة على إنتاج ذلك الصنف من التعقيد البيولوجي الذي نشهده في العالم اليوم ، وذلك انطلاقاً من كائن يتألف في الأصل من خلية واحدة ، بل في الواقع تعمل الأدلة ضد هذا الأمر ، ذلك لأن هذه العمليات تجري وتحدث بشكل بطئ أكثر من اللزوم ، العالمان Barrow و Tipler يلحظان في كتابهما " المبدأ الكوني الخاص بالإنسان " ، بعض الخطوات التي  يجب حصولها في إطار حدوث النشوء والارتقاء على الصعيد البشري : تطور التنفس الحيوائي ( أي حاجة الكائن البشري إلى الأكسجين للحياة ) ، تطور هيكل عظمي داخلي ، وتطور العين ، على سبيل المثال ، الاحتمالات بالنسبة إلى كل واحدة منها ضئيلة جداً لدرجة قبل حصولها ستكون الشمس قد كفّت عن أن تكون النجمة الرئيسية المتعاقبة ، وقد أحرقت الأرض ! ثم خلصا إلى القول :" لقد تولد إجماع عام لدى النشوئيين ، ومفاده أن احتمالات حصول الحياة الذكية ضئيلة جداً " . ثمة معضلة ثانية ترافق التحول الجيني والانتقاء الطبيعي ، وتُختصر في عجزها عن تفسير أصل الأنظمة المعقدة التي لا تقبل أي تبسيط ، وهذا يشكل الفكرة الرئيسية لكتاب " الصندوق الأسود لداروين " ، لكاتبه مايكل بيهي المتخصص في علم الجراثيم من جامعة لوهاي ، يشير إلى بعض الأنظمة داخل الخلية ، من صنف آليات تخثر الدم أو الأشكال الأشبه بالشعرة والمعروفة بالأهداب وهي كناية عن آلات مجهرية معقدة فوق كل تصوّر ، ويلزمها لكي تعمل ، أن تكون جميع أجزائها حاضرة وجاهزة للعمل . لذا ، لا يمكنها أن تتطور جزئياً وتدريجياً ، " بيهي" وبعد مراجعته للآلاف من المقالات العلمية المتعلقة بهذه الأنظمة ، أكتشف كيف أن لا شيء تقريباً كُتب عن الطريقة التي بها كان بإمكان هذه الأنظمة المُعقدة وغير القابلة للتبسيط ، أن تتطور بفعل التحولات العشوائية والانتقاء الطبيعي . 
الحكمة  14 : 22
22 ثُمَّ لَمْ يَكْتَفُوا بِضَلاَلِهِمْ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ، لكِنَّهُمْ غَاصُوا فِي حَرْبِ الْجَهْلِ الشَّدِيدَةِ، وَهُمْ يُسَمُّونَ مِثْلَ هذِهِ الشُّرُورِ سَلاَماً.
كيف دخلت النظرية في الصراعات الأيديولوجية والجيوسياسية ( مصطلح يجمع بين الجغرافيا والسياسة ) ، لنرجع قليلاً في الزمن حتى عام ١٦٣٣ حينما قامت محكمة التفتيش بتصرف أحمق لأستعراض القوة عندما أجبرت الرياضي والفزيائي وعالم الفلك جاليليو على التراجع عن تأييده لنظرية كوبرنيكوس في النظام الشمسي ( القائلة بمركزية الشمس ) ، لكن الكثيرين لا يعرفون أنها لم تقم بهذا العمل على أساس كتابي ولكنها قامت على افتراض خاطيء نشأ في القرن الثاني من تعاليم عالِم الفلك والرياضيات الإغريقي بطليموس الذي قال بأن الأرض تقع في مركز الكون ، وأن الشمس والقمر وسائر الكواكب تدور حولها ، وكانت السلطة الكنسية آنذاك تؤيد النظرية الأرسطوبطلمية ولكن الكتاب لم يذكر أي شيء عن ذلك ولكن حيثما كان المتكلم يتكلم إنطلاقاً من الأرض ويخاطب سكان الأرض ولم يكن علم الفلك تقدم بدرجة تسمح للنبي كاتب السفر بالتحدث بأشياء تفوق إدراك المستمع ، لكن النقاد لم يسمحوا للكنيسة أبداً بنسيان هذا الخطأ الأحمق المرتبط بحادثة جاليليو وعكفوا على اتهامها بافتقاد المصداقية الأكاديمية . 
ولكن ما شكله عمل جاليليو من تهديد حقيقي لعقلية عامة الناس لم يكمن في إخضاع الكون المادي للدراسة العلمية ، ولا في رفض النموذج البطلمي الذي يقول بمركزية الأرض ، بل في رفض الكثيرين لمعقولية أشياء معينة مثل الصلاة ، وتدخل الله في الكون الذي أصبحت له آلية بحتة تغنينا عن الإله باعتباره علة الكون ، فتأثير جاليلو كان له نتائج عميقة . إلا أن جاليليو لم يكن هو التحدي الوحيد الذي واجهته الكنيسة ، فقد جاءت نظرية داروين التي سرت كموجة صدمة بين أوصال العالم المسيحي ، وذلك لأن فكرة نشوء البشر من عالم الحيوان عن طريق الأنتخاب الطبيعي وضعت الفأس على أصل شجرة الاعتقاد الديني ، وأصبح الإيمان بالله نفسه عرضة لهجوم شديد . هكذا وجدت نظرية داروين مكاناً لها في الصراع ، إن ما دفع كارل ماركس ليُهدي كتابه " رأس المال " لداروين لم يكن وهماً ، وقد طلب من داروين أن يقبل الإهداء في الترجمة الإنجليزية ولكن داروين رفض عرضه ، أما سبب رغبته في إهداء الكتاب لداروين هو أنه رأى الفرضية الداروينية توفر البنية التحتية العلمية التي تدعم بنيته الأساسية الأقتصادية التي مكنته من بناء صرحه المثالي للمدينة الفاضلة التي من صنع الإنسان ، كان ماركس يرى أن الدين أفسح المجال للطبقية التي ما كان يمكن أن توجد لولا الدين ، وهي تعيق مسيرة التاريخ نحو مجتمع مثالي خالي من الطبقية ، وقد وفرت هذه العقيدة الماركسية بدورها القوة التأسيسية التي كان يحتاج إليها ستالين وقدمت دعماً أيديولوجياً لكراهيته الشديدة للمتدينين التي أدت في النهاية إلى قضائه على ملايين البشر ، وأصبح الإلحاد آنذاك حياً ونشطاً في الساحة السياسية .
إن الضربة الثلاثية لتأثير جاليليو ( فقدان الثقة في فكرة تدخل الله في العالم ) ، والأستنتاجات الداروينية ( ضياع فكرة الله الخالق ) ، والافتراضات الماركسية ( نظرية اقتصادية جديدة تقوم على الإلحاد ) لم تكن الهجمات الوحيدة ، فتحليل " فرويد " للدين أصاب مصداقية الكنيسة بجرح آخر عندما أخرج الجانب الجنسي في الإنسان من نطاق غرفة الزوجية المقدس ، مختزلاً الزواج في مجرد بديل عن الاستقلال الجنسي ، فالدين من وجهة نظر فرويد عبارة عن نسخة عامة من حالات الوسواس القهري الفردية ، وبذلك جرَّد فرويد الأخلاق والمعتقدات والممارسات من قدسيتها وأطاح بالكنيسة باعتبارها ضداً للحضارة.
مع هذه الضربات المسيئة التي وُجِهَّت للعقيدة الدينية من اتجاهات كثيرة أخذ أحدهم على عاتقه أن ينبذ تماماً هذا المخلوق الذي يطلق عليه الإيمان الله ، كان هذا الرجل " فريدريك نيتشه " ، لقد احتقر نيتشه الدين بوجه عام والمسيحية بوجه خاص وسط حالة من الغضب الجامح . كان نيتشه أكثر المتحدثين باسم الإلحاد في العصر الحديث ، ونظراً لأنه عاش فيما بين عام ١٨٤٤ وعام ١٩٠٠ فقد سيطر على عقل القرن العشرين فلسفياً وفكرياً ، وهو ما لا يختلف عليه كثيرون . كان لفلسفته أعمق الأثر على هتلر حتى أنها شكلت الإطار المفاهيمي لهجومه العنيف للقضاء على الضعفاء والأدنى مكانة في العالم ، وقد قدم هتلر شخصياً نسخة من أعمال نيتشه ل " بنيتو موسوليني " فكم كان تأثير نيتشه عظيم جداً في لعبة الشطرنج الجيوسياسية في العالم بنوعية جديدة من الحكام الذين يمثلون " الملوك " والبشر الذين يمثلون " البيادق " . 
فقد اتخذ هتلر من كتابات نيتشه نموذجه الفلسفي وشن أكثر الحروب دموية وتدميراً في التاريخ التي لم يكن لها أي مبرر ، ولا يمكن إنكار تأثير نيتشه على هتلر . فقد كتب المؤرخ "ويليام شيرر" يقول : " اعتاد هتلر زيارة متحف نيتشه في فايمار " Weimar" ونشر احترامه الشديد للفيلسوف بأخذ لقطات فوتوغرافية لنفسه وهو يحدق في بهجة غامرة في تمثال هذا الرجل العظيم " .
وربما تُعد بقايا معسكر أوشفيتس النازي في جنوب بولندا أسوأ وصمة في عالمنا اليوم ، فهناك أشرف " رودولف هوس " قائد المعسكر على قتل ١٢ ألف شخص يومياً ، وزيارة واحدة لهذا المكان كافية أن تبعث في النفس حزناً تعجز عن وصفه الكلمات . إنه يكشف عمق الجرم الذي يمكن أن ينحط إليه العقل البشري ، فغرفة واحدة تحوي حوالي ٦٣٥٠ كيلو جرام من شَعر النساء الذي كان يؤخذ منهن بعد إخراج أجسادهن من غرف الغاز ويُستخدم في صنع أجولة لنقل البضائع . لقد أخذ هتلر منطق نيتشه وقاد النظرة الإلحادية لنتيجتها المشروعة . وكلمات هتلر معلّنة بوضوح في أوشفيتس : " حررْتُ ألمانيا من الأوهام الغبية والمشينة المختصة بالضمير والأخلاق .... وسندرب شباباً يقف العالم أمامهم مرتعداً . أريد شباباً قادرين على العنف ، مغرورين ومستبدين ، قساة لا يعرفون اللين . " لقد أخذ العنصر الميتافيزيقي في النظرية الداروينية وقال في كتاب " كفاحي " : " إن الطبيعة لا ترغب في أن الضعفاء يخالطون الأقوياء ، فهي ترفض أن جنساً أرقى ( كالجنس الجرماني ) يختلط بجنس أدنى ( كالجنس اليهودي ) . لماذا ؟ لأنه لو حدث ذلك فالجهود التي بذلتها ( الطبيعة ) على مدى مئات وآلاف السنين لتأسيس مرحلة تطورية أعلى ستذهب أدراج الرياح . "  ، والنقطة المفيدة في استخدام هتلر للانتخاب الطبيعي أن داروين نفسه توقع هذه العواقب والتداعيات لنظريته . فقد قال في تعليقه على الحرب الأهلية في أمريكا " على المدى البعيد ستجني القضية البشرية الثمار الوفيرة لمقتل مليون نفس " وأضاف في سياق آخر قائلاً : " عندما أتخيل العالم في المستقبل القريب أرى الأجناس الأكثر تحضراً في العالم أجمع ستكون قد قضت على عدد لا نهائي من الأجناس الأدنى " . فنظرية القوي يسود على الضعيف ليست إساءة استخدام الانتخاب الطبيعي بل إنها جوهر الإنتخاب الطبيعي . وبينما كان هتلر يتعقب أدنياء العالم دون هوادة ويقود الأمة ذات أعلى المستويات التعليمية آنذاك ، بدأ " جوزيف ستالين " ، إبادة الأدنياء من غير المتعلمين ، إن ستالين الذي كان يدرس ليصبح كاهناً وجد أن القوة الأخلاقية ليست مؤذية مقارنة بالقوة الوحشية . لذلك عينه " لينين " للقضاء على المعتقدات المعادية للثورة ، وكان من أسباب اختياره له كراهيته لله ولكل ما هو ديني . وتُظهر تقديرات الروس حالياً أن أعداد القتلى وصلت ١٥ مليون نسمة .
وربما يقول قائل إن الإلحاد ليس الفلسفة الوحيدة التي أدت إلى الحروب ، وأن الصليبيين تسببوا في الكثير من العنف باسم المسيح ، والاجابة المباشرة ، أن ما أرتكبه الصليبيين من جرائم يتعارض كليةً مع رسالة الأنجيل وأسلوبه ، في حين أن الساسة الذين حكموا كان سلوكهم في تمام الإنسجام مع هذه الأيديولوجية .
ويبقى لنا أن نعرف بتفاصيل أكثر كيف أثرت نظرية التطور في الأفكار الفلسفية للقرن العشرين


أقرأ أيضاً الجزء الأول من هو داروين 

أقرأ أيضاً الجزء الثاني  الرؤية الدينية عند داروين

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu