فبقدر ما تعاقب على مصر من غزاة حاولوا أن يمحوا تاريخ مصر القديم ويضعوا تاريخ زائف يكونوا هم مؤسسينه، بقدر ما زاد هذا من تفرد وعظمة الحضارة المصرية التي بعظمتها تستطيع أن تكشف كذب وتدليس المدعون، وتبتلع الحضارة المصرية زيف المزيفون وتبرز رونقها وتضع لبنة جديدة في تاريخها العريق يشهد بأن أعظم من ظهر على وجه البسيطة لم ولن يقترب من عظمة المصريين.
وبرغم حملات التشويه والإدعاء بالباطل على من قام بتأسيس الحضارة المصرية، فمنهم من قال بأنهم فضائيين ، ومنهم من قال أن الجن والعفاريت هم من بنوها ، ومنهم من قال أن عمالقة هي من قامت بذلك ، تتكشف يوم بعد يوم مقابر تحوي رد مُخرس لكل من يتطاول على عبقرية المصري وقدرته على تدمير كلمة المستحيل ، وبراعته في فنون مثل النحت والرسم يعجز كل جامعات العالم حالياً في القرن الواحد والعشرين على معرفة كيف استطاع المصري القديم بشح الإمكانيات أن يبرز وفرة في التفاصيل وفي شرح أغلب الأمور الحياتية وتخليد ذكرى ملوكهم .
وآخر من ظهر ولن يكون الأخير ممثل أمريكي من أصل أفريقي يدعى " كيفن هارت " وهو من أهم الداعمين والممولين لحركة المركزية الأفريقية في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم من خلال ثروته الكبيرة التي يستغلها في دعم الأفلام والبرامج التي تجسد قدماء المصريين على أنهم أفارقة سود ، وقد قام بشراء شركة إنتاج تدعى " black Sands " ( الرمال السوداء) وقرر إنتاج مسلسل كرتون للأطفال عنوانه " guide to black history " ( الدليل لتاريخ السود ) وفيه يعلم الأطفال السود في أمريكا والعالم أنهم أحفاد ملوك وأن أجدادهم هم من بنى الحضارة المصرية.
برغم تعاطفنا الكبير مع الأفارقة الأمريكان على ما قاسوه من عبودية مريرة على يد الأوروبيون ومع تقديرنا الكبير لثروة كيفن هارت ولكن لا سنوات عبوديتكم للأوروبيين ولا ثروات كل بلادكم تستطيع أن تشتري لكم تاريخ بعظمة التاريخ المصري، وذلك ليس من باب الكبرياء والصلف الأجوف ولكن من باب الدفاع عن الحق الذي يتم سلبه على مشهد العيان في غياب الرقباء المحايدين .
كيفن هارت له تصريحات سابقة يقول فيها : يجب أن نعلم الأفارقة تاريخهم الحقيقي ويعرفوا أنهم كانوا ملوك مصر وأن الأوروبيون زوروا التاريخ المصري ليظل الأفارقة مهزومين نفسيا بدون ماضي مجيد .
لم يظهر على الساحة من يقول للسيد كيفين هارت بأن حين كان المصريون ذو دولة ذات سيادة تمتلك حضارة وجيش منظم وهيئة إدارية منضبطة كانت القبائل المتبربرة في مجاهل أفريقيا يعيشون على الرعي وأكل لحوم بعضهم البعض وهذا تاريخ وليس سب وقذف .
المركزية الافريقية ليس مسألة ترفيهية يمكن السكوت عنها خاصة حين تدعمها مؤسسات غربية كبرى مثل هوليود وجامعة أوكسفورد ويروجوا لأفكارها ويعلموا الأطفال ويدرسوا الطلبة أن المصريين الحقيقين هم الأفارقة وأن المصريين الحاليين هم غزاة طردوا السكان الأصليين، أمر شبيه بما عمله الأوروبيون في أمريكا وما تم ترويجه سابقا عن الفلسطينيين والإسرائيليين مما يجعل للغير حق في المطالبة بأرضه، والجدير بالذكر أن نفس الأوروبيون حين كانوا غزاة حاولوا يثبتوا أن الرجل الأبيض هو من أنشأ الحضارة المصرية وعلى يديهم ظهر علم المصريات ، وبدل أن يخدم علم المصريات مأربهم كشف زيف إدعائهم .
برجوعنا قليلا إلى التاريخ وبخاصة كتاب العهد القديم لكونه في متناول الجميع، وخاصة قصة نبي الله نوح ، كان له ثلاثة أبناء ، سام وحام ويافث ، وحام ابنه كان له أربعة أبناء كوش وهو ابو الشعوب الأفريقية، ومصرايم وهو ابو المصريين ، وفوط ، وكنعان ابو الفلسطينيين، بغض النظر على إنهم اصحاب الأرض الأصليين وإن أبناء سام ليس لهم الأرض ولكن هذه قضية أخرى
وَبَنُو حَامٍ: كُوشُ وَمِصْرَايِمُ وَفُوطُ وَكَنْعَانُ. تك 6:10
ولا يخفى على جامعة اوكسفورد أن اللغة اليهودية والسريانية والاشورية والعربية تنتمي لنفس الجزر ، ومصرايم هو الذي أتى مصر وكوش ذهب إلى مجاهل أفريقيا وكنعان هو الذي عمر العراق وفلسطين ، فإنحدارنا من نفس الأب لا يجعلنا واحد بل يجعلنا أخوة ، ومصر لا تنكر أفريقيتها ولكن تدافع عن هويتها المصرية.
يبقى المصريين أفريقين ولكن من سكان البحر الأبيض، قوقازيون ، وليس زنوج للتقريب، ثم يدعي الافروسنتريك إننا نتاج أوروبا وتركيا وشبه الجزيرة العربية، هنا يجيبهم التاريخ وليس نحن أول ظهور لممالك عالمية توسعية كانت بابل ( الأشوريين ) ثم اليونان ( الأغريق ) ثم الايطاليين ( الرومان ) ثم العرب ثم الأتراك ( الدولة العثمانية ) ثم الفرنسيين ( الحملة الفرنسية) ثم البريطانيين ( الانجليز ) ثم الدولة المصرية مرة أخرى .
لم يذكر التاريخ هجرة جماعية وعملية إبادة للشعب المصري مطلقا ، كما ذكر في إبادة شعوب كانت تسكن أمريكا أو فلسطين ، بل كل ما حدث هو احتلال ومقاومة حتى أن نابليون كان ادعائه في حملته الدفاع عن الأقباط وهم سكان مصر الأصليين.
ولنتابع خط سير التاريخ في إيجاز، استمرت المملكة المصرية طوال فترة حكم الأسرات وقد هزمت على يد أشور، وكان معنى هذا أن تدفع جزية ، ولكنها عادت لتتحرر ، ثم جاء البطالمة وهؤلاء اخضعوها عسكريا ولم تتم إبادة أو هجرة، ولكن تم تسريح الجيش ولم يبقى سوى حاميات للغزاة وذلك لنهب ثروات مصر ثم الرومان وفي عصرهم جاء المسيح وظهرت الديانة المسيحية التي اعتنقها الشعب المصري بل حين تفرقت الكنائس الى كاثوليك وأرثوذكس تميز الأقباط بأرثوذكسيتهم والتي أصبحت مرادف لكلمة مصري مع أن قبطي بمعنى مصري لأن جنسهم قبطي وليس هناك ديانة قبطية وللمزيد يمكنك قراءة كتاب الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة ، ثم كان هناك مواجهات وكر وفر بين الإمبراطورية الرومانية والامبراطورية الفارسية مما أضعف الإمبراطوريتين ومهد لقيام الدولة العربية ، والتي كانت مجموعة قبائل إتحدت تحت راية دين ثم توسعت ولكن سرعان ما تم اختطافها ثم الدولة الأموية ، ثم العباسية، ثم الطولونية ، ثم الأخشيدية ، ثم الفاطمية ، ثم الأيوبية، ثم فترة حكم المماليك البحرية ثم المماليك البرجية ( الشراكسة ) ، ثم العثمانية هؤلاء هم الأتراك وأول ظهور لهم على مسرح التاريخ كان في عصر اخناتون أي أن مصر كانت دولة قبلهم بآلاف السنين في كل هذه الفترة كان يتم إضطهاد المسيحيين الأقباط وفرض جزية كبيرة عليهم لم يكن يستطيع الكثير أن يدفعوها وكثير تحول للإسلام ولكن هذا الكثير سواء مسيحيا أو مسلما فهو مازال قبطي مصري ولو حصل تزاوج بينه وبين العرب والأتراك فهو صاحب البلد الأصلي فيكون الوافد هو من تغير وليس الأصلي وهذا سيظهر في اللون وبنية الجسم ، ثم أن الأقباط المسيحيين لا يتزوجون بغير طائفتهم وهذا يحافظ على نقاء السلالة ولكن هذا لا يمنع دخول متغيرات نتيجة تزاوج أفراد الطائفة ممن يعتنقون نفس المعتقد ولو أنه سيكون في أضيق الحالات ولن يستبدل شعب بأكمله ، ثم أن بعد الدخول العربي لمصر انقطع المصريون عن الغرب وأصبحت مسيحية الغرب غريبة عن مسيحية الشرق وكانت الكنيسة المصرية تضم مصر والسودان وأثيوبيا والتي انقسمت منها كنيسة أريتريا وكل هؤلاء أفارقة بمن فيهم مصر وعلى مر التاريخ لم يقف من يدعي عدم مصرية البابا أو أفريقيته حتى يُبعث فينا كيفين هارت ويجدد نظرة العالم بمسلسل كارتون ولا جامعة اوكسفورد بمناهج موضوعة لخدمة أغراض معينة ، فسواء بالنسبة للأقباط المسلمون أو الأقباط المسيحيون ، ولو ظهر اقباط على أديان أخرى فهم مصريين، ولكن مهما بلغ تداخلك في الشعب المصري سيبتلعك الشعب المصري ولن تستطيع ابتلاعه ، فمصر مصرية ، ليست اغريقية وليست رومانية وليست عربية وليست تركية وليست فرنسية وليست انجليزية ولن تكون إلا مصرية ولكن من عادة المنتصر أن يكتب التاريخ ولكن يبقى أهل البلد محتفظين بتاريخهم حتى ولو حاول الطامسين طمسه .
لذلك رفض المصريين إقامة حفل كيفين هارت ليس لأننا متعصبين تعصب أعمى ولكن لأننا نرفض تزييف تاريخنا وتقديمنا كما يحلو للبعض ، والمصريين ضد كل أنواع التطرف على مختلف الأصعدة
أقرأ أيضا مصادر التاريخ المصري القديم
أقرأ أيضا عصور ما قبل التأريخ والأسرة الأولى
0 تعليقات