قصة البطل إبراهيم الرفاعي
برغم أن المصري معروف بحبه للسلام وسعيه إليه وإنه لا يبدأ بالحروب واحتلال أرض الغير ، إلا أنه في أوقات المعارك يعزف على أوتار الخطر ويتراقص بين ثنايا الموت ليُخرج للعالم ملحمة تُسطر في كتب البطولات وتشهد له بأنه أتى بما لم يسبقه غيره في بذل الذات وحب الوطن والتضحية بالعمر من أجل تراب هذا الوطن .
من بين الأبطال الذين يعج بهم التاريخ هناك بطل حمل على عاتقه أن يتأكد العدو المحتل أنه لن ينعم بالراحة والأمان طالما يغتصب ولو حفنة تراب من أرض هذا الوطن إنه أسطورة الجيش المصري العميد إبراهيم الرفاعي قائد « المجموعة 39 قتال » .
ولد العميد إبراهيم الرفاعي في 27 يونيو عام 1931م باسم إبراهيم السيد محمد إبراهيم الرفاعي ، بمركز بلقاس بمحافظة الدقهلية وجده لوالدته الأميرالاي عبد الوهاب لبيب قائد عسكري في الجيش المصري والذي تشبع منه الشهيد إبراهيم الرفاعى بحب الوطن والتضحية من أجله فأنخرط في سلك الجندية والتحق بالكلية الحربية في عام 1951 م وتخرج منها عام 1954 م وانضم عقب تخرجه وكان ضمن أول فرقة قوات الصاعقة المصرية بـ"أبو عجيلة " وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 م شارك في الدفاع عن مدينة بورسعيد حيث تشكلت شخصيته إذ عرف أن مكانه الحقيقي خلف خطوط العدو ومن اليوم الأول أظهر شجاعة كبيرة ورباطة جأش وقدرة على تنفيذ أصعب المهام ، ثم أتت حرب اليمن لتزيد خبرات ومهارات البطل حيث تولى خلالها منصب قائد كتيبة صاعقة بفضل مجهوده والدور الكبير الذي قام به خلال المعارك ، بل أن التقارير التي أعقبت الحرب ذكرت أنه ضابط مقاتل من الطراز الأول حتى أنه صدر قرار خلال عام 1965 م بترقيته ترقية أستثنائية تقديرًا للأعمال البطولية التي قام بها في اليمن .
ولكن القدر كان يعده لمهمة فريدة من نوعها ففي العام 1967 م صدر أمر من مدير المخابرات الحربية اللواء محمد أحمد صادق بتشكيل مجموعة من الفدائيين للقيام بعمليات خلف خطوط العدو لتستعيد القوات المسلحة ثقتها بنفسها وللقضاء على إحساس العدو بالأمان ولقد وقع الاختيار على إبراهيم الرفاعي لقيادة المجموعة وكانت أول عمليات هذه المجموعة نسف قطار للعدو عند " الشيخ زويد " كان يقوم بنقل الجنود والضباط الإسرائيليين وبعدها صدر قرار من القيادة بنسف مخازن الذخيرة التي خلفتها القوات المصرية إبان الانسحاب بعد معارك 1967 م وقام العدو بجمعها لاستعراضها في إسرائيل وبعد النجاح الذي حققه في هاتين العمليتين وصل للقائد إبراهيم الرفاعي خطاب شكر من وزير الحربية على المجهود الرائع الذي يبذله في قيادة المجموعة وفي 5 أغسطس 1968 م بدأت المجموعة تعرف باسم " 39 قتال " واتخذت رأس النمر شعار لها .
ومع الوقت كبرت المجموعة وصار الإنضمام إليها شرفا يسعى إليه الكثيرون من أبناء القوات المسلحة ووطأت أقدام هذه المجموعة الباسلة أرض سيناء وحينما كانت هذه المجموعة هي أحد المجموعات الخاصة بالمخابرات الحربية كان الحصول على معلومات وافية عن العمليات التي قامت بها من دروب المستحيل نظرا لإنتساب جميع أفرادها للمخابرات وطبقا لمبدأ حماية هوياتهم ولكن شذرات من مذكرات هنا على عملية أفرجت عنها المخابرات هناك على كاتب قام بتأليف كتاب عن مجريات الأمور في تلك الأيام رسمت لنا ملامح هذا العملاق البطل الشهيد إبراهيم الرفاعى فغير العمليتين السابق ذكرهما كلفته القيادة في مطلع عام 1968 م بإحضار صواريخ أرض _ أرض كان العدو الإسرائيلي قد نشرها في سيناء لإجهاض أي عملية بناء للقوات المصرية وكانت إسرائيل متشددة في إخفاء هذه الصواريخ بكل وسائل الخداع لأنها صواريخ حديثة قادرة على قلب كفة المعركة حين إندلاع مواجهة ؛ استدعى الفريق أول عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة آنذاك الشهيد إبراهيم الرفاعى وقال : « إسرائيل نشرت صواريخ في الضفة الشرقية ؛ عايزين منها صواريخ يا رفاعي بأي ثمن لمعرفة مدى تأثيرها على الأفراد والمعدات في حالة استخدامها ضد جنودنا » ، على الفور عبر الرفاعي برجاله قناة السويس واستطاع لا أن يحضر صاروخ واحد بل ثلاثة صواريخ وأسر ضابط إسرائيلي هو الملازم " داني شمعون"بطل الجيش الإسرائيلي في المصارعة وإحضاره إلي قلب القاهرة ليظهر في تليفزيون القاهرة في نفس اليوم مما أحدث دوياً هائلًا في الأوساط المصرية والإسرائيلية على حد سواء حتى تم على إثرها عزل القائد الإسرائيلي المسؤول عن قواعد الصواريخ وأطلق الجيش الإسرائيلي في تحقيقاته عن المجموعة اسم " الأشباح " وأطلقت عليهم الصحف الإسرائيلية اسم " الشياطين المصريين " .
الثأر للفريق عبد المنعم رياض
بينما كان الفريق عبد المنعم رياض يتفقد الجبهة الأمامية أصيب بمقذوف أستشهد على إثره من موقع المعدية 6 في مارس 1969م وصبيحة استشهاد الفريق عبد المنعم رياض طلب الرئيس جمال عبد الناصر القيام برد فعل سريع وقوى ، فقام الرفاعي بالعبور برجاله إلى موقع المعدية 6 الذي أطلقت منه القذائف التي تسببت في استشهاد الفريق رياض وأباد كل من كان في الموقع وكان عددهم 44 فرد إسرائيلي ، وكانت الأوامر أن يكون القتال باستخدام السونكي فقط ( سكين تكون في مقدمة السلاح ) الأمر الذي جعل إسرائيل تتقدم باحتجاج لمجلس الأمن في 9 مارس 1969 م أن جنودها تم قتلهم بوحشية وتمزيق جثثهم ، كما قامت المجموعة بتدمير المعدية ورفع العلم المصري فوق حطامها وكان أول مرة يتم رفع العلم المصري في القطاع المحتل منذ 67 وبقي مرفوعًا قرابة الثلاثة أشهر.
وفي يوم 22 مارس 1969 قام أحد أفراد المجموعة القناص مجند " أحمد نوار " برصد هليوكوبتر عسكرية تحاول الهبوط قرب الموقع وبحاسته المدربة ومن مسافة تجاوزت الكيلومتر ونصف اقتنص رأس أحدهم وكان القائد الإسرائيلي العام لقطاع سيناء.
اتفاقية روجرز
في العام 1970 م وقعت مصر اتفاقية لوقف اطلاق النار مع العدو الإسرائيلى ، لتلم شتات قواتها وتستعد للعبور الكبير وتحرر كل شبر من أرض مصر ، لكن الرفاعي أبى أن يعود ويترك ميدان المعركة فسمح له الرئيس جمال عبد الناصر وفرقته بكسر اتفاقية روجرز عندما تم تغيير اسم الفرقة من المجموعه 39 قتال إلى منظمة سيناء العربية وسمح لهم بضم مدنيين وتدريبهم علي العمليات الفدائية بعد أن تم تجريدهم من شاراتهم ورتبهم العسكرية ليمارسوا مهماتهم بحرية خلف خطوط العدو ، ويستمر الرفاعى ومجموعته في نشر الرعب والهلع بين صفوف قوات العدو بسيناء رغم معرفته أن الحكومة المصرية ستنكر أي صلة لها به وبمجموعته بعد قبولها لوقف القتال، لكن هذه هي شيمة الأبطال العطاء والتضحية حتى النهاية.
لكنهم استردوا شاراتهم ورتبهم العسكرية واسمهم القديم صباح الخامس من أكتوبر 1973 م حينما تم تكليفهم بتنفيذ مهمات خاصة واستطلاعات استخباراتية أرضية خلف خطوط العدو تمهيدا لمعركة التحرير.
حرب أكتوبر 1973
كانت حرب أكتوبر حلم كل جندي مصري ليحرر بها كل شبر من أرض مصر المحتلة ويرفع هامته مرة أخرى بعد أن يكون قد أذاق العدو شر هزيمة على أرض المحروسة ، وكانت للرفاعي ومجموعته فورة نشاط أربك وأذهل بها كل مراقبي الاستخبارات الإسرائيلية لسرعتهم وعدم افتقادهم للقوة أو العزيمة رغم ضغوط العمليات فقد ظلت هذه المجموعة تقاتل على أرض سيناء منذ لحظة اندلاع العمليات في السادس من أكتوبر وحتى نوفمبر ضاربين في كل اتجاه وظاهرين في كل مكان ، ففي صباح يوم 6 أكتوبر هاجمت المجموعة محطة بترول بلاعيم لتكون أول طلقة مصرية في العمق الإسرائيلي تنطلق من مدافعهم إيذاناً ببدأ معركة التحرير ، ثم في 7 أكتوبر هاجمت المجموعة مطار شرم الشيخ ، يوم 8 أكتوبر هاجموا منطقة رأس محمد وشرم الشيخ نفسها ، يوم 9 أكتوبر هاجموا شرم الشيخ مرة ثانية ، يوم 10 أكتوبر هاجموا مطار الطور وتمكنوا من تدمير أتوبيس كان يقل طيارين اسرائيليين مما أصاب العدو الإسرائيلى بالرعب ، يوم 15 أكتوبر عاودوا مهاجمة مطار الطور ، يوم 16 أكتوبر هاجموا منطقة آبار البترول في الطور .
في يوم 18 أكتوبر عاد الرفاعي ومجموعته من أبطال «المجموعة 39 قتال» إلى القاهرة وحسب مذكرات اللواء محسن طه أحد أبطالها « تم استدعاء الرفاعى لمقابلة الرئيس السادات ووزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل، وناقشوا قضية ثغرة الدفرسوار وطلبا منه أن يضع بنفسه خطة لنسف وتدمير المعبر، الذى تستخدمه القوات الإسرائيلية لنقل قواتها إلى الثغرة »
ثغرة الدفرسوار
كان العدو الإسرائيلى قد نجح في عمل ثغرة ينفذ منها إلى مدينة الإسماعيلية ولزيادة قوة الثغرة قام بإنفاذ المزيد من تدفق الأسلحة فقام بتحريك فوج من 200 دبابة من أحدث الدبابات الأمريكية التي وصلت رأسا من الولايات المتحدة يحرسها لواء من جنود المظلات الإسرائيليين ويحميه غطاء من الطائرات الأمريكية التي وصلت إلى الجبهة رأسا من الولايات المتحدة، ويتقدم شارون للإستيلاء على مدينة الإسماعيلية والذي لو حدث لتغير مسار الحرب كلها ، ويتقدم اللواء 23 مدرع المصري ليواجه زحف القوات الإسرائيلية ولكن تفوق الدبابات الأمريكية وسيادة الطائرات الحديثة يكبده خسائر فادحة تُجبر القيادة المصرية على سحبه بعيدا قبل أن يفنى عن بكرة أبيه، ويستمر تقدم شارون وقد روادته أحلام الإنتصار وقلب ميزان الحرب لصالح العدو الإسرائيلي .
عاد العميد إبراهيم الرفاعى ومجموعته إلى القاهرة يوم 18 أكتوبر 1973 م بعد العملية الناجحة لضرب مطار الطور ، وحسب مذكرات اللواء محسن طه أحد أبطال المجموعة « تم استدعاء الشهيد إبراهيم الرفاعى لمقابلة الرئيس السادات ووزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل وناقشا معه قضية الثغرة وطلبا منه أن يضع بنفسه خطة لنسف وتدمير المعبر الذي تستخدمه القوات الإسرائيلية لنقل قواتها إلى الثغرة » .
وحسب ما رواه محمد الشافعي في كتابه « المجموعة 39 قتال مدد يا رفاعي » ، وضع الرفاعى خطته بأن يتم تدمير دبابة أو أكثر من دبابات العدو فوق المعبر بواسطة ثلاثة قوارب اقتحام تأتى من جنوب البحيرات للمعبر عليها أفراد مسلحون بالأسلحة المضادة للدبابات وفي نفس التوقيت يغوص مجموعة من أفراد الضفادع البشرية ويقومون بتلغيم المعبر بواسطة زرع عبوات ناسفة على جميع أجزاءه ويتم التفجير بعد ساعة من زرع العبوات الناسفة فإذا ما تم التفجير انعزلت قوات العدو فى الغرب عن قواته فى الشرق بما يعنى انعدام الإمداد والتموين، ولكن في حين فشل هذه الخطة يلجأوا للخطة البديلة وهي الدفع بمجموعات اقتحام تعمل على تدمير أكثر من دبابة أمام المعبر مباشرة حتى يتوقف الإمداد لكون هذا المعبر هو حلقة الوصل بين قوات العدو.
وصل العميد إبراهيم الرفاعي ومجموعته إلى مركز قيادة الجيش الثانى الميدانى ، وفي مركز قيادته توصل إلى استحالة تنفيذ الخطة والسبب كما يقول البطل « نبيل عبدالوهاب » أحد الضفادع البشرية الثمانية المكلفين بالمهمة، أن العدو الإسرائيلي كان قد أحكم السيطرة على جنوب الدفرسوار مما يلغى عملية قيام الضفادع البشرية بتلغيم المعبر الذى أقامه العدو لعبور قواته .
وفي مركز القيادة كانت هناك تعليمات جديدة من الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة آنذاك بضرورة تحرك المجموعة عن طريق « المعاهدة » للوصول إلى موقع تقاطع « سرابيوم » عند قرية « نفيشة » والتمسك بالموقع مهما كان الثمن لمنع قوات العدو من التقدم لإحتلال الإسماعيلية ، وعلى ضوء التطورات الجديدة بدأ بطلنا في التحرك بفرقته فوصل إلى منطقة « نفيشة » في صباح اليوم التالي، ثم جسر « المحسمة » حيث قسم قواته إلى ثلاث مجموعات، احتلت مجموعتين إحدى التباب وكانت تكليفات المجموعة الثالثة تنظيم مجموعة من الكمائن على طول الطريق من جسر المحسمة إلى قرية نفيشة لتحقيق الشق الدفاعي .
يقول اللواء محسن طه أحد أبطال المجموعة « تقدمت المجموعة واحتلت مواقعها، وفوجئت عناصر استطلاع المجموعة بتقدم دبابات إسرائيلية باتجاه الصواريخ المضادة للطائرات وأمر الرفاعي بتثبيت المجموعة فى أماكنها ونشر مجموعات كمائن على يمين ويسار الطريق لمنع تقدم العدو وتدميره، وتقدم ومعه الرائدان رفعت الزعفرانى ومحسن طه والرقيب أول مصطفى إبراهيم والعريف محمد الصادق عويس، وهم من أمهر رماة القاذف الصاروخى « أر . بي . جي 7 » والمدفع 84 م/ د ( مضاد للدبابات) عديم الارتداد فى اتجاه موقع الصواريخ ووصلوا إلى أعلى نقطة بالموقع ليكون الظهور متبادلا مع العدو ويكون الضرب مباشرا بالأسلحة المضادة للدبابات المحمولة على الكتف ، ويتم الاشتباك مع العدو، ويتم تدمير دبابتين من دباباته ، ويتوقف تقدم العدو ، وينطلق الرفاعي ومن معه في خفة وحذر يدفعون بأنفسهم دون أن يشعر أحد بهم، وما أن بلغوا قوات العدو حتى أنهالوا عليها بقذائف الـ « أر . بي . جي » ، ويقف الرفاعي ويخاطب أبناءه بكل هدوءه المعروف عنه وابتسامته الصارمة تعلو وجهه : « الراجل بدبابة يا ولاد » كما كان يحلو له دائما أن يخاطب رجاله وكما كان الرجال يحبون أن يناديهم، وتشتعل الأرض وتنفجر دبابات العدو ، ويدرك شارون أن أحلامه تبخرت وأنه فشل في أداء مهمته بعد أن رأى اشتعال دباباته وسمع صرخات جنود المظلات وهم يطلبون الرحمة، ويدعي الإصابة ويربط رأسه ويطلب طائرة هليكوبتر تنتشله من الجحيم الذى اشتعل حوله، ويهرب ويترك جنوده وحدهم يواجهون الموت وشراسة أبناء الرفاعى، ويفر الجنود الإسرائيليين مذعورين بعد معرفتهم بفرار قائدهم مما دفع بعض القائد جونين قائد الجبة المصرية أثناء حرب أكتوبر للمطالبة بمحاكمة شارون لفراره من أرض المعركة بعد انكشاف كذبة إصابته ولفشله في تحقيق مهمته رغم كل القوة الرهيبة التى وفرتها له القيادة الإسرائيلية، وتظل الإسماعيلية صامدة حرة بفضل بسالة الشهيد إبراهيم الرفاعى وأفراد مجموعته .
استشهاده
يحكي أبو الحسن أحد أبطال المجموعة ما مر به من أمر الثغرة واستشهاد العميد إبراهيم الرفاعي فيقول: « كنا بعد كل عملية كأننا نولد من جديد فكنا ننزل في أجازة ولكن بعد الثغرة عدنا إلي مقرنا وتوقعنا أن نحصل علي أجازة ولكننا وجدنا الرفاعي وقد سبقنا وفوجئنا أن هناك سلاح تم صرفه لنا وكله مضاد للدبابات وكانت الأوامر أن نحمل السلاح علي السيارات ونعود مرة أخرى إلي الإسماعيلية ودخلنا الإسماعيلية ورأينا الأهوال مما كان يفعله الإسرائيليين بجنودنا من الذبح وفتح البطون والعبور فوق الجثث بالدبابات ، وكان العائدون من الثغرة يسألوننا أنتم رايحين فين ؟! وكنا نسأل أنفسنا هذا السؤال ، وكنت أجلس في آخر سيارة وكانت سيارة الذخيرة، وكان ذلك خطر لأن أي كمين يقوم بالتركيز علي أول سيارة وآخر سيارة ، ورأى أحد السائقين 3 مواسير دبابات إسرائيلية تختفي وراء تبة رمال وكانوا ينتظروننا بعد أن رأونا وكنا متجهين لمطار فايد ، وأبلغنا السائق باللاسلكي وصدرت الأوامر بالتراجع فنزلت من السيارة بسرعة لأننا كنا نسير فوق مدق ( طريق غير ممهد ) وحوله رمال وكان الإسرائيليون يزرعون الألغام بتلك الرمال فحاولت توجيه السائق حتى لا ينزل إلي الرمال وهو يدور بالسيارة ولكن السائق رجع بظهره بسرعة ووراؤه بقية السيارات وعدنا للإسماعيلية، وجاء أمر لنا بأن نعود لفايد مرة أخرى فعدنا، وودعنا بعضنا قبل الدخول لأننا أيقننا أننا داخلين على الموت ، ودخلت السيارات تحت الشجر وترجلنا ومعنا أسلحتنا، وقررنا أن نفعل شيء ذو قيمة قبل أن نموت، وفوجئ الإسرائيليين بما ليس في بالهم وبدأنا في التدمير و هجنا هياج الموت، وصعد أربعة منا فوق قواعد الصواريخ وكان الرفاعي من ضمننا وبدأنا في ضرب دبابات العدو وبدؤوا هم يبحثون عن قائدنا حتى لاحظوا أن الرفاعي يعلق برقبته ثلاثة أجهزة اتصال فعرفوا أنه القائد وأخرجوا مجموعة كاملة من المدفعية ورأيناهم فقفزت من فوق قاعدة الصواريخ وقفز زملائي، ولكن الرفاعي لم يقفز، وحاولت أن أسحب يده ليقفز ولكنه " زغدني " ( دفعني عنه ) وظل يضرب في الإسرائيليين حتى أصابته شظية فأنزلناه وطلبنا أن تحضر لنا سيارة عن طريق اللاسلكي وكنا نشك أن أي سائق سيحضر ولكن سائق اسمه سليم حضر بسرعة بالسيارة ووضعنا الرفاعي فيها ولكن السيارة غرزت في الرمال فنزل السائق وزميله لدفعها وقدتها ودارت، ولم أتوقف حتى يركبوا معي من شدة الضرب الموجه لنا فتعلقوا في السيارة وسحبتهم ورائي ، وكان الرفاعي عادة ما يرتدي حذاء ذا لون مختلف عن بقية المجموعة، وعندما رأى زملاؤنا حذاؤه أبلغوا باللاسلكي أن الرفاعي أصيب وسمعهم الإسرائيليين وعرفوا الخبر وكانت فرحتهم لا توصف حتى أنهم أطلقوا الهاونات الكاشفة احتفالاً بالمناسبة، وذهبنا به لمستشفي الجلاء وحضر الطبيب وكانت الدماء تملأ صدره وقال لنا " ادخلوا أبوكم " فأدخلناه غرفة العمليات ورفضنا أن نخرج فنهرنا الطبيب فطلبنا منه أن ننظر إليه قبل أن نخرج فقال أمامكم دقيقة واحدة فدخلنا إليه وقبلته في جبهته ، وأخذت مسدسه ومفاتيحه ومحفظته ولم نستطع أن نتماسك لأننا علمنا أن الرفاعي استشهد وكان يوم الجمعة 23 رمضان وكان صائماً فقد كان رحمه الله يأمرنا بالإفطار ويرفض أن يفطر، وتسلمنا جثته بعد ثلاثة أيام وفي حياتنا لم نر ميت يظل جسمه دافئاً بعد وفاته بثلاثة أيام وتنبعث منه رائحة المسك ... رحمه الله »
أقرأ أيضا قصة الشهيد اللواء احمد حمدي
0 تعليقات