Ad Code

علم الخرائط ( cartography )



تعد الخرائط أهم الوسائل العلمية التي يلجأ إليها الجغرافي سواء كان دارساً أو معلماً ، فهي الأداة التي يمكن من خلالها توزيع المعلومات الجغرافية ، والجغرافي هو أكثر المتخصصين استخداماً للخريطة فهي أداته الرئيسية التي يسجل عليها المظاهر الجغرافية المختلفة وهي وسيلته للتعبير عما يريد وعما يرغب في إظهاره وهي اللغة التي من خلالها يعبر عما توصل إليه من نتائج ، ويمكن تعريف الخريطة على إنها صورة إصطلاحية أو رمزية لسطح الأرض كما تُرى عمودياً من الجو مُدون عليها بعض الألفاظ للدلالة على ما تمثله من ظاهرات سطح الأرض الطبيعية والبشرية ، وهي أداة يستخدمها كثير من المتخصصين في العلوم الهندسية والجيولوجية والزراعية وعلماء المناخ والأرصاد والتربة والسياسة والاجتماع والاقتصاد وفي الحروب ، كما أنها وسيلة عالمية للتعبير والتفاهم بين الشعوب تتخطى الحواجز اللغويه ووسيلتها في ذلك الخط والرمز واللون .
وتكمن أهمية الخريطة في أن الإنسان لا يستطيع الإلمام بجميع الظاهرات الطبيعية والبشرية الموجودة على سطح الأرض ، ومن هنا كانت الحاجة الملحة للتوصل إلى وسيلة ما تمكنه من تسجيل ما على سطح الأرض من ظاهرات في منطقة كبيرة من سطح الأرض،  فالخريطة هي صورة مُصغرة لسطح الأرض تختزن كم كبير من المعلومات لا تتسع له صفحات عديدة ويقوم الجغرافي من خلالها بفحص وترجمة ما عليها من اصطلاحات ورموز ، ونظرا للأهمية المتزايدة للخرائط نشأ علم حديث انفصل عن علم الجغرافيا سمى بعلم الخرائط cartography أو الكارتوجرافيا الذي يعد من أحدث العلوم المعاصرة والذي يختلف منهجاً وموضوعاً عن الجغرافيا ، ويهدف هذا العلم إلى جمع وتحليل وتوقيع المعلومات الخاصة بالنواحي المختلفة للكرة الأرضية وتنفيذها بمقياس رسم مناسب للغرض منها وهناك علماء خرائط يتخصصون في أنواع مختلفة من الخرائط الخاصة ( أو الخرائط الموضوعية) التي تُصمم لتمثيل خصائص توزيع ظاهرة أو ظاهرات معينة في منطقة من المناطق ، مثل خرائط استخدام الأرض أو خرائط المناخ أو خرائط الظاهرات الاقتصادية والسكانية والعمرانية بكل أنواعها وهذه كلها خرائط مفيدة في تحليل مشكلات وإمكانات المناطق المختلفة .

مراحل تطور علم الخرائط

 إن النقوش التي خلفها الإنسان القديم على الكهوف وعلى الرمال وعلى جلود الحيوانات وألواح من الطين وورق البردي تشير بما لا يدع مجالاً للشك على أنه عرف الخرائط قبل معرفة الكتابة وأن صنع الخرائط يرتبط ارتباطا قريبا بتاريخ الإنسان على سطح الأرض حيث كانت لديه دوافع فطرية لتصوير بعض الظاهرات المرتبطة بحياته كالجبال والأنهار والأشجار ولكن بصورة بدائية ، واستعان بها في التنقل مع اتساع الرقعة التي يعيش بها في الترحال بعيدا عن موطنه الأصلي ، ثم تطورت الخرائط إلى الأفضل من عصر إلى آخر مع تطور الفكر والمعرفة البشرية .
من المحاولات الأولى لإنشاء الخرائط ما كشفه الرحالة القدامى عن أنواع الخرائط التي كان يستخدمها سكان المناطق القطبية والأزتك والإنكا ، فقد عُثر على قطع من الجريد كان يستخدمها سكان الإسكيمو نُقشت عليها رموز خاصة تمثل الجزر والخلجان وغيرها من معالم البيئة الطبيعية وقد وصل بعضها إلى درجة كبيرة من الدقة كما هو الحال في اللوحات التي وجدت لتمثل خليج هدسن في أمريكا الشمالية،  كما وجدت خرائط بدائية أيضا لبلاد المكسيك تبين بعض سواحل وقرى إمبراطورية الأزتك وكذلك الحال في بيرو حيث وجدت خرائط لإمبراطورية الإنكا رُسم بعضها لتبين المناطق الجبلية وما بينها من دروب ، وهي ليست خرائط بالمعنى ، لكنها محاولات أولية ومجهودات قام بها السكان تمثل بداية من الجهود التي استمرت قرابة 5000 عام لتصبح الخرائط علما .

الخرائط البابلية 

اتسمت حضارة البابليين الذين استوطنوا أراضي ما بين النهرين بالتفوق في علمي الفلك والرياضيات ، وتعتبر المحاولة التي قاموا بها في مجال إنشاء الخرائط الدقيقة ( خلال الفترة 2500 - 2100 ق م ) من أقدم المحاولات التي ذكرها لنا التاريخ ، وهم أول من رسموا الخرائط التفصيلية ( الكدسترالية ) لتوضيح حيازات الأراضي الزراعية بهدف تقدير الضرائب ويمكن التمييز بين نوعين من الخرائط البابلية أ - خرائط تفصيلية لمناطق محدودة المساحة وأهم هذه اللوحات المحلية لوحة " جار " ، وهي لوحة صغيرة من الفخار ( 7 × 9 سم ) ويظهر فيها نهر يتجه من الشمال إلى الجنوب قد يكون نهر الفرات ويصب في شكل ثلاثة فروع في بحيرة أو بحر قد يكون شط العرب وتحف به الجبال على جانبيه وتظهر على شكل القشور السميكة ، وقد مُثلت على الخريطة الاتجاهات الأصلية بواسطة ثلاث دوائر محفورة تمثل اتجاهات الشرق ( شروق الشمس) والغرب ( غروب الشمس) والشمال على الخريطة في الطرف العلوي من اللوحة ، وبالرغم من قِدم هذه الخريطة وأن اللوح المرسومة عليه مكسور ، إلا أن معالمها واضحة تماما ، وقد اشتهرت بأنها أقدم خريطة في العالم ، وموجودة حاليا بمتحف الدراسات السامية بجامعة هارفارد الأمريكيه،  كما توجد في المتحف البريطاني أنواع طينية أخرى توضح بطريقة بدائية مدن وأقسام وليس لهذه الألواح أية قيمة من الناحية الجغرافية إلا أن قيمتها في اعتبارها أثراً في صناعة الخرائط منذ 2500 سنة قبل الميلاد  .
ب - خريطة العالم 
تصور البابليون اليابس على أنه قرص مستدير عائم في المحيط تتقوس فوقه السماء ويوجد خارج هذا القرص سبع جزر منتشرة حوله ، وهذه الجزر بمثابة معابر إلى دائرة خارجية تحيط بالمحيط- أطلق عليه البحر السماوي - حيث يقيم كبار الآلهة،  ويُلاحظ أن الاتجاهات الأصلية ممثلة على الخريطة على شكل عدة رؤوس تخرج من المحيط السماوي يُشير كل منها إلى أحد الاتجاهات الأصلية الأربعة،  وقد عثر على لوح من الطين يمثل العالم المعروف لديهم في ذلك الوقت على شكل دائرة رُسم عليها مناطق الفتوحات التي قام بها " سارجون الأكدي _ 2300 ق.م " وتظهر فيها بابل على شكل مستطيل يتوسط تلك الدائرة وبلاد آشور والجبال في الشمال والأهوار في الجنوب،  وهو محفوظ حاليا في المتحف البريطاني.  

الخرائط المصرية 

تُعد الخرائط المصرية القديمة أول الخرائط في العالم التي تُرسم على أساس القيام بعمليات مساحية سابقة ، لتحديد مساحات الأراضي الزراعية لجباية الضرائب،  ولذا فقد استخدمت العمليات المساحية مبكرا لقياس أبعاد أحواض الأراضي وحدودها بعد فيضانات النيل ثم رُسمت الخرائط بعد ذلك،  كما اهتم المصريون بالبحث عن المعادن ورسم الخرائط لمواقع المناجم والطرق المؤدية إليها .
ولعل أول من قام برسم خريطة كاملة لمصر القديمة هو الملك رمسيس ( 1338 - 1300 ق.م ) وقد تم العثور على عدة لوحات تبين حدود الأقاليم وحدود الأراضي الزراعية مع كشوف تبين أبعادها ، وقد استفاد الجغرافي الإغريقي اراتوستين من هذه المقاييس عندما قام بتحديد المسافة بين الإسكندرية وأسوان لتقدير طول الدرجة العرضية وبالتالي تقدير محيط الكرة الأرضية. 
أما أقدم خريطة مصرية فهي تلك المرسومة على ورق البردي وترجع إلى عام 1320 ق.م وهي توضح أحد مناجم الذهب المصرية في بلاد النوبة وقد ظهر فيها أهم الظاهرات الطبيعية والبشرية في المنطقة المحيطة بالمنجم مثل قمم الجبال والوديان والطرق والمباني ، وهي محفوظة حاليا في متحف تورينو بايطاليا .

الخرائط الصينية 

بينما تفاعلت الأقطار واندمجت الخبرات بين دول الشرق الأدنى،  تميزت الخرائط الصينية بأنها نشأت مستقلة نتيجة البعد بين الشرق الأقصى والأدنى ، ويرجع الإهتمام المبكر بالخرائط في الصين إلى حضارة الصين الزراعية والتي استقرت لسنين طويلة - مثل الحضارة المصرية - أدت لتثبيت الملكيات الزراعية،  ومن ثم قام الحكام بعمليات قياس الأراضي الزراعية لتقدير الضرائب ، وكذلك لتقدير مصادر المياه .
أشهر تلك الخرائط المجموعة المحلية التي قام برسمها الرائد الأول للخرائط الصينية " بي هسيو " ( 274 - 244 ق.م ) ، ولم يعثر على نسخة أصلية من الخرائط الصينية بل وُجد لها وصفاً في كتابات المؤرخين الصينين ، والتقارير التي كتبت عنها تشير إلى أن بي هسيو قد قسم الخرائط إلى شبكة من الخطوط الطولية والعرضية،  أشبه بنظام الإحداثيات لتسهيل تحديد مواقع البلاد ، وعين الاتجاهات على الخريطة،  وحدد المسافات بين الأماكن المختلفة بكل دقة ، وحدد على الخريطة مدى ارتفاع وانخفاض الأراضي عن بعضها البعض،  كذلك وضع انحناءات الطرق والأنهار والأودية من منطقة لأخرى .
في الفترة من 730 - 805 م شملت الخرائط الصينية الأراضي الواقعة بين اليابان شرقا وإيران غربا ، وأشهر تلك الخرائط هي التي رسمها " تشياتان في تلك الفترة ومساحتها 30 متر مربع ، كما وجدت لوحة صغيرة يُرجح أنها خريطة أخرى لنفس الرسام وقد ظهرت بعض المعالم الهامة مثل نهر هوانجهو وسور الصين العظيم وبعض مواقع القرى والطرق التي تربط فيما بينها .
وقد زادت عمليات إنشاء الخرائط الصينية واتسع نطاقها مع دخول البعثات التبشيرية إلى الصين في القرن السادس عشر حيث وجدت كما كبيرا من الخرائط الدقيقة مكنهم من إنشاء أطلس رائع للإمبراطورية الصينية. 

انتظروا قريبا الجزء الثاني 

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu