حكام مصر ... مصادر التاريخ المصري القديم ( الفرعوني )

حكام مصر .. مصادر التاريخ المصري القديم 



ظل التاريخ المصري القديم مجهولا عند الكثيرين لقرون كثيرة ، حتى تمكنت الكشوف الأثرية التي قامت بها البعثات العلمية منذ القرن التاسع عشر من أن تكشف القناع عن أهم مصادر التاريخ المصري القديم والتي بدونها ما علمنا شيء عن هذه العهود الغابرة وقد بدأ المصريين من أول عهودهم التاريخية بتأريخ أحداثهم على لويحات صغيرة من العاج أو الخشب ، ولكنهم ما لبثوا أن اتجهوا إلى التفصيل في سرد الأحداث فكتبوا نصوصا طويلة نقشوها على جدران معابدهم ، وسنعرض في شيء من التفصيل مصادر التاريخ المصري القديم ، لأننا بصدد كتابة قائمة بحكام مصر من العصر الفرعوني حتى عصرنا هذا ، بمشيئة الله وعونه ، حتى يتثنى لك عزيزي القارئ أن تعرف تاريخ بلدك ومجد كونك ولِدت مصريا على أرض الكنانة. 
أهم مصادر القوائم الملكية التي تسجل تسلسل الملوك وعددهم خلال التاريخ الفرعوني وفترات حكمهم وأهم الأحداث التي حدثت في عصرهم هي : 
١- حجر بالرمو 
٢- قائمة الكرنك 
٣- قائمة أبيدوس 
٤- قائمة سقارة 
٥ - بردية تورين ، التي أهم ما يميزها هو تقسيمها التاريخي وتقسيمها الملوك إلى مجموعات .
بالإضافة إلى نصوص الأنساب التي سردت أسماء الملوك حتى نهاية العصور المتأخرة بالإضافة إلى المصادر البطلمية وأهمها تاريخ " مانيتون " والذي كان كاهنا مصريا عاش في عصر الملك بطليموس الثاني وكان على معرفة كبيرة بالتاريخ والديانة المصرية القديمة وقد كلفه الملك بطليموس بكتابة التاريخ المصري القديم .
حكم الفراعنة مصر أكثر من 3000 سنة ، قسم مانيتون هذه الفترة إلى 31 أسرة ، والأسرة هي الحكام الذين حكموا من نفس الأسرة ( العائلة ) ، بدأت بعصر ما قبل التاريخ وبداية الأسرات الذي يشمل الأسرتين الأولى والثانية ، ثم الدولة القديمة عصر بناء الأهرامات،  بعدها تعرضت البلاد للتدهور والانهيار ، لكن مصر تمرض ولا تموت ، إذ يبدأ عصر الدولة الوسطى ويشمل الأسرتين 11 و 12 وفيه استعيدت وحدة البلاد،  ثم يبدأ عصر الانتقال الثاني ويضم الأسرات 13 : 17 ، بعدها يبدأ عصر يعد من أزهى العصور الفرعونية وهو عصر الدولة الحديثة وضم الأسرات 18 - 19 - 20 ، ثم عصر الانتقال الثالث ويضم الأسرات من 21 : 25 ، ثم العصر المتأخر ويضم الأسرات من 26 : 31 ، بعدها يبدأ حكم البطالمة، ثم الإمبراطورية الرومانية ، ثم الإمبراطورية البيزنطية، ثم الحكم العربي والذي ينقسم إلى مراحل كل مرحلة تتصف بصفات مميزة لها فالحقبة الأولى تسمى بعصر الخلافاء الراشدين ، ثم الدولة الأموية ، ثم العباسية،  ثم الطولونية ، ثم الأخشيدية ، ثم الفاطمية ، ثم الأيوبية،  ثم فترة حكم المماليك البحرية ثم المماليك البرجية ( الشراكسة ) ، ثم العثمانية ، ثم حكم أسرة محمد علي الذي قام ببناء الدولة الحديثة ، ثم قامت الثورة وتحولت مصر إلى جمهورية والرئيس السيسي هو السادس في عدد الرؤساء الذين حكموا مصر لو أضفنا اللواء محمد نجيب .
ولكن قبل أن نبدأ لنلقي أولاً نظرة على مصادر التاريخ المصري القديم .
مصادر التاريخ المصري القديم 

1 حجر بالرمو 
هو عبارة عن لوحة كبيرة من حجر الديوريت الأسود،  عثر عليها في منف ، كان يقوم في معبد من معابد العاصمة " منف " ، حجر لا يقل طوله عن مترين ويزيد ارتفاعه عن سبعين سنتيمترا،  نقش وجهاه بنقوش في سطور رأسية ، نقش هذا الحجر في أواخر عصر الأسرة الخامسة ، وهو مقسم إلى صفوف أفقية كل منها مخصص لعصر أحد الملوك ، وهذا العصر مقسم مستطيلات وكل مستطيل منها مخصص لإحدى سنوات حكم هذا الملك ، ودون فيه أهم الأحداث سواء حروب أو الأعياد الدينية،  أو تعداد الماشية أو إقامة المعابد . وإذا كان آخر اسم محفوظ حجر بالرمو هو اسم الملك " نفر ار كارع " من الأسرة الخامسة ، فإن الصف الأول يحوي اسماء الملوك الذين حكموا مصر منذ أول العصور ، وقد ميز كل منهم بتاج ، تارة يكون أحمر وهو المخصص لملوك الدلتا وتارة يكون أبيض وهو المخصص لملوك الوجه القبلي .
هذا الحجر موجود الآن في متحف " بالرمو " عاصمة صقلية وهو محفوظ هناك منذ أن نقل سنة 1877 م ، وهذا الحجر غير كامل وفقد الكثير من أجزاءه نتيجة لتحطيمه وعثر منها على ست قطع ، أكبرها الموجود في متحف بالرمو ، ثم أربع قطع صغيرة محفوظة الآن في متحف القاهرة ، والسادسة في متحف الجامعة بلندن .
نرى في إحدى القطع الموجودة في متحف القاهرة أن بعضهم قد زينوا رؤسهم بالتاج المزدوج ، وهذا كشف أن مصر في عصور ما قبل التاريخ كانت تتكون من مملكتين أحداهما في الدلتا والأخرى في الصعيد .
مملكة الصعيد كانت تقوم في مدينة تسمى " نخن " ويعني " الحصن " وهي تعد من أقدم العواصم المصرية القديمة في فجر التاريخ ، واتخذ ملوكها التاج الأبيض الطويل ، تقع على الضفة الغربية لنهر النيل ، وكانت المركز الرئيسي لعبادة الإله حورس ، وتقوم على أطلالها الآن قرية الكوم الآحمر شمال إدفو . ثم نقلوا عاصمتهم إلى مدينة " ثني " بالقرب من أبيدوس ( مركز البلينا محافظة سوهاج ) .
عاصرت نخن مملكة أخرى في الشمال عرفت باسم مدينة " به " وتعني المقر أو العرش قامت على أنقاضها قرية أبطو أو تل الفراعين بالقرب من دسوق وعرفت في اللغة القبطية باسم " بوتو " وتوج ملكها بالتاج الأحمر واتخذوا من النحلة رمزا لها ومن نبات البردي شعارا لها . 
 وقد عاشتا مستقلتين فترة طويلة من الزمن إلى أن استطاع أحد ملوك الدلتا اخضاع الصعيد إلا أن بعض الأحداث قد قضت على هذه الوحدة وعاد الإنقسام إلى قطري الوادي حتى تمكن " حورعحا " ويطلق عليه اسم " مينا " أحد ملوك الصعيد من إعادة هذه الوحدة وبذلك سيطر الجنوب على الشمال ، وهنا بدأ العصر التاريخي لمصر .

2 - قائمة الكرنك 

لوحة كبيرة أقامها تحتمس الثالث ( الأسرة الثامنة عشرة ) في إحدى الحجرات الصغيرة المجاورة لبهو الأعياد الذي شيده هذا الملك بمعبد الكرنك ، ولكنها ليست جامعة لأسماء كل الملوك ، بل تحوي مجموعة مختارة منهم عددهم 61 ملكا ، وقد تحطم الاسم الأول ولكن الاسم الذي يليه هو اسم الملك " سنفرو " مؤسس الأسرة الرابعة ثم بقية ملوك هذه الأسرة ثم ملوك الأسرتين الخامسة والسادسة،  ثم أسقطت هذه القائمة أسماء ملوك عصر الإضمحلال الأول ثم أتبعت ملوك الأسرة بأسماء ملوك الأسرات 11 و 12 و 13 و 14 ثم أسقطت مرة ثانية ملوك عصر الهكسوس ودونت أسماء ملوك الأسرة السابعة عشرة ، والمميز في هذه اللوحة أنها ذكرت بالتفصيل اثنتا عشر اسما من ملوك الأسرتين 13 و 14 ممن لم يشتهر اسمهم في التاريخ ، وهذه اللوحة موجودة الآن بمتحف اللوفر بباريس .

3 - قائمة أبيدوس 

على أحد جدران معبد الملك "  سيتي الأول " ( ويسمى معبد أبيدوس ) وهو أحد مفاخر العمارة المصرية ، وقد شيده الملك سيتي الأول على أنه لم توفي قبل أن يتم بناءه فأكمله أبنه رمسيس الثاني ، على هذه اللوحة وقف الملك رمسيس الثاني يقدم القرابين للملوك المذكورة أسماؤهم عليها وعددهم ستة وسبعون ، وتبدأ بأسماء ثمانية ملوك من الأسرة الأولى ، ثم سبعة ملوك من الثمانية المعروفين في الأسرة الثانية ، ثم خمسة من ملوك الأسرة الثالثة ، ثم ثمانية من الملوك التسعة المعروفين في الأسرة الرابعة ، ثم ثمانية من التسعة المعروفين في الأسرة الخامسة،  ويليهم ملوك الأسرة السادسة،  ثم أسماء خمسة عشر ملكا من الأسرتين السابعة والثامنة،  ولكنه أهمل ملوك الأسرتين التاسعة والعاشرة ، ولم يذكر إلا ملكين من ملوك الأسرة الحادية عشرة ، ولكنه ذكر كل ملوك الأسرة الثانية عشرة ولكنه أغفل الملكة " سوبك - نفرو " أخر حكام هذه الأسرة ، ولم يذكر أي ملك من ملوك الانتقال الثاني بما في ذلك ملوك الهكسوس ، ويبدأ بملوك الأسرة الثامنة عشرة فيسميهم جميعا إلى أن يصل إلى الملك " أمنحوتب الثالث " فيتبعه ب "حور محب " آخر ملوك الأسرة وأسقط إخناتون و سمنخ كارع و توت عنخ آمون و آي ، لأنهم كانوا مارقين وخارجين على ديانة آمون ، كذلك أسقط اسم الملكة حتشبسوت لأغتصابها العرش مما جعلها ملكة غير شرعية ، ثم يذكر الملكين الذين سبقا الملك سيتي الأول وتنتهي بالملك سيتي الأول نفسه .

4 - قائمة سقارة 

نقشت هذه القائمة على لوحة من الحجر الجيري وهذه اللوحة منقوشة من الجانبين وعليها أسماء ثمانية وخمسون ملكا يبدأون بالملك " مر - بي - با " سادس ملوك الأسرة الأولى وينتهون بالملك رمسيس الثاني ، الثالث في ملوك الأسرة التاسعة عشرة،  عثر عليها في مقبرة كاهن يدعى " تنري " عاش في أيام رمسيس الثاني،  كان كاهنا في أحد معابد " منف " ودفن في سقارة وهذه اللوحة محفوظة في الآن بالمتحف المصري بالقاهرة ، فسر بعض الباحثين ترتيب أسماء الملوك على هذه القائمة على أساس صلتهم بمدينة منف وأنهم الملوك الذين شيدوا معابد تلك العاصمة أو قدموا هبات لآلهتها،  وتحوي ثلاثة ملوك من الأسرة الأولى،  وثمانية من الأسرة الثانية،  وأربعة من الملوك الخمسة من الأسرة الثالثة،  وخمسة من ملوك الأسرة الرابعة ومن المرجح أن يكون باقي ملوك الأسرة قد كتبت اسماؤهم ولكن مما يدعو للأسف أن الأربعة الأخيرة قد تحطمت أسماؤهم،  وثمانية ملوك من التسعة الذين حكموا في الأسرة الخامسة،  وأربعة فقط من ملوك الأسرة السادسة ، ولا يوجد أثر لملوك الأسرات السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة ، ومدون اثنين فقط من ملوك الأسرة الحادية عشرة،  وكل أسماء الأسرة الثانية عشرة،  ثم أسقطت جميع ملوك عصر الانتقال الثاني كما أسقطت اسم حتشبسوت واخناتون ومن تلاه ممن يعتقد بعقيدة آتون،  وتنتهي بالثلاثة الأول من الأسرة التاسعة عشرة 

4 - بردية تورين 

تحوي هذه البردية أكثر من ثلاثمائة اسم من أسماء الملوك الذين حكموا وتحت اسم كل منهم عدد سنوات حكمه بالسنين والشهور والأيام ، هي تمتاز بأنها قسمت الملوك إلى مجموعات ، ونسبت كل مجموعة إلى العاصمة التي استقرت فيها ، بدأتهم بالملوك الذين حكموا في عصر ما قبل التاريخ وقد أطلقت عليهم اسم المبجلون " الآلهة " وتنتهي قبيل الأسرة الثامنة عشرة ، حصل على البردية الرحالة الإيطالي " دورفتي " في أوائل القرن التاسع عشر وكان هذا الرجل ممن أقبلوا على شراء الآثار المصرية ، يقال أن هذه البردية كانت سليمة عندما تسلمها ولكنها تهشمت بعد ذلك ووصلت إيطاليا وحفظت في متحف تورين ولا تزال حتى الآن ، ولكن للأسف ما حدث لهذه البردية من تهشيم جعل الكثير من العصور ناقصة غير واضحة ومع هذا فإن المؤرخين يعتمدون اعتمادا كبيرا على ما تبقى منها وخاصة الجزء المخصص لملوك الدولة الوسطى،  وهو أكثر أجزاء البردية تكاملا،  وإن كان لا يمكننا معرفة السبب الحقيقي لكتابتها .

5 - تاريخ مانيتون 

كان مانيتون كاهنا مصريا في معبد سمنود ( محافظة الغربية ) واشتهر بعلمه ومعرفته لتاريخ مصر ولغتها ، كلفه بطليموس الثاني ( حوالي 280 ق م ) بكتابة تاريخ لمصر ، استقى مصادره مما كان في المعابد ومكاتب الحكومة من وثائق ، ولكن تاريخ مانيتون الأصلي فُقد في حريق مكتبة الإسكندرية،  وكل ما وصل إلينا مقتطفات من ذلك التاريخ نقلها المؤرخ اليهودي " يوسيفوس " في كتابه الرد على ابيون ( Aginst Apion ) مدافعا فيه عن اليهود ، وكان ابيون كاتب سكندري كتب كتاب رمى فيه اليهود بكل شائنة ونقيصة ، ففي محاولة يوسيفوس للرد على أبيون قال إن اليهود هم الهكسوس ونقل كثيرا من كتاب مانيتون مما اعتقد أنه يؤيد حجته ظانا أنه يمجد بني جنسه .
ووصل إلينا أيضا من تاريخ مانيتون جداول بأسماء الأسرات والملوك وعدد سنوات حكمهم من مؤلفات بعض الكتاب المسيحيين وخاصة جوليوس الأفريقي الذي نقل عنه الكاتب يوسيبيوس ( 327 م ) ولكن أفضل النصوص جاء في كتاب Chronographia الذي قام بجمعه جيورجيوس سينكلوس Georgius Syncellus .

6 - نصوص الأنساب 

لوحة من الحجر الجيري خلفها وراءه الكاهن " عنخف- إن - سمخت " سجل عليها نسبا طويلا لأجداده ، كان كاهنا لكل من الإله بتاح وزوجته الآلهة صمخت في الأسرة الثانية والعشرين أي حوالي عام 750 ق م ولكنه رجع بأجداده إلى الأسرة الحادية عشرة حوالي سنة 2100 ق م أي أنه أرخ فترة لا تقل عن 1300 سنة وقد فقد اسم جدين لهذا الكاهن مع النقوش الخاصة بهما ولكن الجد الثالث محفوظ وعاش في عهد الملك منتوحوتب الثاني من الأسرة الحادية عشرة،  وتستمر الأجيال واحداً بعد الآخر ، ويذكر أسماء بعض ملوك الهكسوس ولم يحذف عصر العمارنة حيث عبد ملوكه آتون وانشقوا على عبادة آمون ، ولا يخلو هذا النص من المآخذ ، إذ أخطأ صاحبه في أكثر من موضع كما ترك فجوات في بعض العصور،  ولكن ذلك لا يقلل من أهميته كمصدر تاريخي مهم ، وهذه اللوحة موجودة في متحف برلين ، كما يوجد الكثير من هذه الألواح التي يطلق عليها نصوص الأنساب والتي يعتمد عليها المؤرخين في تحديد تتابع الفراعنة .
يكفينا هذا القدر من الإشارة إلى مصادر التاريخ المصري القديم،  وانتظرونا في أول مقال عن حكام الذين سندون اسمهم بالتتابع ونلخص حياتهم قدر الإمكان لنتعرف على هؤلاء العظماء الذين أسسوا على ضفاف نهر النيل حضارة حتى الآن يقف العالم عاجز عن سبر أغوارها ومعرفة خباياها 

إرسال تعليق

7 تعليقات