Ad Code

اللغة القبطية .. الجزء الثاني مراحل تطور اللغة المصرية


لكل لغات العالم عدة لهجات تتبع التقسيم الجغرافي لأي قطر . والمعروف أن اللهجات المختلفة الموجودة في المصرية القديمة هي أساس لاختلاف اللهجات القبطية . ولهذا يحسن بنا أن نبين أطوار تغيرات المصرية أولاً ، فننقل ما قاله " جاردنر " Gardiner في كتابه عن تطورات المصرية .
1 - اللغة المصرية القديمة 
هي لغة الأسر من الأولى إلى الثامنة أي منذ حوالي سنة 3400 ق م إلى سنة 2400 ق م ، ولهذه اللغة مميزات خاصة وتكتب بتهجئة خاصة والمعروف أن المستندات التي لا تزال باقية من هذه المرحلة هي عبارة عن وثائق رسمية وجنائزية ونصوص مقابر ، وكذلك نصوص لسير بعض الأشخاص . ولا شك أن هذه اللغة تحوي نصوص الأهرام .
2 - اللغة المصرية المتوسطة 
هي لغة الآداب من الأسر التاسعة إلى الثامنة عشرة أي منذ حوالي 2400 الى 1350 ق م ، واستمرت لغة الأهلين نحو ثلثي هذه الحقبة .
3 - اللغة المصرية الحديثة 
هي لغة الاهلين من الأسرة الثامنة عشرة إلى الرابعة والعشرين أي منذ حوالي سنة 1580 إلى 710 ق م ، وقد وجد مدوناً بها مستندات خاصة بالمعاملات والخطابات ، وبعض القصص والروايات الأدبية ، كما أنه دونت بها نصوص تاريخية للأسرة التاسعة عشرة وما بعدها . غير أنه لا يوجد منها الآن غير القليل . ونعتقد أنها بعيدة عن الاصطلاحات الفصحى للغة المصرية المتوسطة ، كما أن هذه المرحلة هي التي بدأ فيها ظهور الكلمات الأجنبية بها .
4 - الديموتيقية 
 هي اللفظ الذي أُطلق بشكل عام على اللغة المستعملة في الكتب والوثائق التي كتبت منذ الأسر الخامسة والعشرين إلى آخر عصر الرومان أي منذ حوالي 700 ق م ألى 47 بعد الميلاد .
5 - القبطية 
 هي اللغة المصرية القديمة في تطورها الأخير ، كما ظهرت في الكتابات القبطية منذ القرن الثالث الميلادي وما بعده . لقد ظلت اللغة المصرية القديمة في مراحلها المختلفة لغة الكتابة والتخاطب في مصر حتى قيام دولة البطالمة وتقرير اليونانية لغة البلاد الرسمية .
وبمضي الزمن أخذ كثير من المصريين يتعلمونها ويستخدمونها في وثائقهم وخطاباتهم حتى ولو كانوا يجهلونها . ولا جدال في أن اللغة المصرية كانت لا تزال تستخدم في الكتابة الدينية والتخاطب فضلاً عن تحرير العقود والرسائل . ولا يفوتنا أن نذكر أن غالبية المصريين كانوا لا يستطيعون كتابة أو قراءة أي لغة ، وبطبيعة الحال كانوا لا يعرفون اليونانية .
وقد صحب أزدياد استخدام اللغة اليونانية ونقص استعمال الديموتيقية تدوين هذه اللغة بحروف يونانية . وتبع وضع الابجدية تنظيم هذه اللغة المصرية الدارجة لرفعها إلى مصاف اللغات الأدبية ، وأدى ذلك إلى أن ظهرت اللغة القبطية بآدابها منذ أواسط القرن الثالث الميلادي .
أما المراحل التي اجتازتها كتابة اللغة المصرية فهي:
1 - الخط الهيروغليفي
الذي اكتسب صفة القدسية ، ولذا أعطي هذا الأسم " هيروغليفي " المأخوذ من كلمتين يونانيتين هما " هيروس " = مقدس ، " غليفوس" = نقش .
2 - الخط الهيراطيقي 
وهو أيسر من الهيروغليفي بعض الشيء . واستعمله الكهنة في كتاباتهم . والتسمية مأخوذة أيضاً من اللغة اليونانية ، ومعناها " خاص بالكهنة " .
3 - الخط الديموتيقي 
وهذه التسمية من اليونانية أيضاً ومعناها " خاص بالشعب " . فالخط الديموتيقي هو الصورة المبسطة التي أخذ الشعب المصري يستخدمها في العصور المتأخرة .
4 - الخط القبطي 
قامت محاولات فردية من المصريين لتدوين لغتهم بحروف يونانية ، وكان ذلك في العصور الوثنية ، وهذه المحاولات كانت وليدة الحاجة لسبب أو لآخر ، دون أن يكون لذلك أي شأن بالمسيحية وانتهى الأمر بأن استطاع شخص أو جملة أشخاص استحداث ما نسميه الآن بالخط القبطي ، فكتبوا لغتهم بحروف يونانية وأضافوا إلى الأبجدية اليونانية سبعة أحرف أخذوها من الخط الديموتيقي ، تعبر عن أصوات ليس لها مقابل في اللغة اليونانية ، وهي الأحرف " ش ا ي " shai  ، "  ف ا ي " phai ، " خ ا ي khai ، " ه و ر ي " hori ، " ج ن ج ا " Genga ، " ت ش ي م ا " Tchema ، " ت ي " Ti ، أخذت من الديموتيقية ونمقت حتى تتماثل مع بقية الحروف اليونانية . وأهمية اللغة القبطية من الوجهة اللغوية هي أنها الشكل المصري الوحيد الذي يكتب بحروف متحركة .
لهجات اللغة القبطية 
اختلف علماء القبطية في تحديد عدد لهجاتها ، فذهب بعضهم إلى أنها ثلاث ، والبعض إلى أنها خمس ، والبعض الآخر إلى أنها ست .
والواقع أن عدد اللهجات القبطية أكبر من ست لهجات ، فلا يعقل أن تكون البحيرية التي أجمع العلماء أنها كانت لهجة الأسكندرية وضواحيها والدلتا ونتريا ( وادي النطرون ومديرية التحرير ) ، لهجة واحدة مستعملة في هذه الأقاليم الواسعة ، ولكن المعقول أنه كانت لهذه البلاد عدة لهجات أندمجت مع الزمن في البحيرية _ يؤيد ذلك أن الكلمة الواحدة التي تعني معنى واحداً في هذه اللهجة لها عدة صور في الكتابة ، فكلمة " الشرق " مثلا تكتب " ي ا ب ت " Ebt أو " ا ي ا ب ت " ، و كلمة " اختار " تكتب " س و ت ب "sotb  أو " س و ب ت " sobt وكلمة " ظفر " تكتب " ي ا ب " yeb او " ي ي ب " Yeeb ، مما يدل دلالة واضحة على أن اللهجة البحيرية لم تكن واحدة بل عدة لهجات أندمجت مع بعضها البعض .
ويقول الدكتور ورل Worrel " ويظهر لنا من الخطابات والمستندات الكثيرة لدينا ، الخاصة بأحوال العامة ، تأثير لهجات الأقاليم المحلية والافراد وهو التأثير الذي لم يستطع المعلم محوه ، لأن الأقباط يختلفون عن سائر الشرق في ميلهم الشديد إلى التهجئة الصوتية" . 
ومع أن هناك أسبابا تحملنا على الاعتقاد بأن اللهجات المختلفة قامت في عصور مختلفة إلا أنها تشترك جميعاً في تقاليد واحدة وترجع إلى أصل مركزي واحد.
 ويمكن تقسيم اللهجات إلى قسمين رئيسين 
1 - لهجات مصر السفلى 
ويعرف منها الآن البحيرية . من الكلمة العربية بحيري ، أي الأراضي المجاورة للبحر ، وربما من أسم محافظة البحيرة . وكانت اللهجة البحيرية تسمى سابقاً منفية تسمية خاطئة . " ويظن أنها كانت أول لهجة وضعت في الصيغة الكتابية المصطلح عليها ، وتم ذلك في مدينة الأسكندرية . وبالاجمال فالبحيرية هي اللغة الوحيدة التي استطاعت أن تستكمل كتابتها اللغوية بالإستعارة من الديموتيقي ، ويغلب علي الظن أن تهجئة الحروف في اللهجات المختلفة الأخرى وضعها أشخاص لا يمتون بصلة إلى الديموتيقية ، أو وضعها أشخاص اقتنعوا باستعمال الهجاء البحيري كنقطة بداية . ولسوء الحظ أن الطابع الأول للهجاء البحيري لم يعرف تماماً لأن كل البرديات ذات القيمة الأثرية قد اختفت من عالم الوجود " ( ورل worrel) .
وأصبحت البحيرية في القرن الحادي عشر ، بعد نقل الكرسي البطريركي إلى القاهرة ، لغة الآداب لكل البلاد ، ولا تزال إلى الآن تستعمل في خدمة القداس . وعلامتها المختصرة في كتب الأجانب ( B ) وسابقاً ( M ) وكانت تستعمل في الإسكندرية وما جاورها والدلتا ونتريا ، ولا يوجد في الكتب الكنسية المستعملة الآن إلا اللهجة البحيرية ، ما عدا لحن واحد للثلاثة فتية وهو Tenen ، الربعان الأول والثاني باليونانية ويلحنان بالقاهرة ، والثالث والرابع وردت بهما بعض كلمات بالصعيدية ويلحنان في بعض كنائس الوجه القبلي فقط .
وفي الدار البطريركية نسخة خطية رقم 106 طقس ، تاريخ عمل الميرون وترتيب عمله ، وبها قطع وصلوات بالصعيدية .
2 - لهجات مصر العليا 
١ - الصعيدية 
وهي من الكلمة العربية " صعيد " ومعناها أعالي الأرض أي الوجه القبلي . وهي لهجة طيبة ، وفيما بعد أصبحت لهجة آداب الوجه القبلي . وكانت تسمى سابقاً الطيبية ، وعلامتها المختصرة ( S ) او ( Sa ) وسابقا ( T ) ، ويقول ورل : " من المحتمل أنها أنشئت بعد البحيرية ، ويظهر أنها أخذت من صيغة خاصة للغة التخاطب المتداولة في الجزء الشمالي من وادي النيل من بابلون ( منف ) لغاية أسيوط " 
2 - الفيومية 
واستعملت في الفيوم ، ويقول اشتيندروف في كتابه " الأجرومية القبطية " أنها كانت تسمى باللهجة البشمورية تسمية خاطئة ، وعلامتها المختصرة هي ( F ) وسابقا ( B) 
3 - الأخميمية 
 كانت سائدة في مدينة أخميم ، وقد أفسحت الطريق بعد ذلك للصعيدية التي هي لهجة الوجه القبلي . وعلامتها المختصرة ( A ) 
هذه اللهجات الأربع هي اللهجات الرئيسية .
ثم هناك اللهجات الفرعية ومنها 
1 - المنفية 
 ذكر أشتيندروف في كتابه " Steindorff, Koptische Grammatik, Berlin 1930 , p .4 ." أنها كانت سائدة في منطقة منف ، وحلت أخيراً محل البحيرية وعلامتها المختصرة ( B ) وذكرها أيضا مالون وجورج صبحي .
2 - الأخميمية الفرعية أو الأسيوطية 
وكانت تستعمل من البهنسا إلى أسيوط . وهي مشتقة من الأخميمية ، وعلامتها المختصرة ( A2) 
3 - اللهجة البشمورية 
اشتقت من البحيرية ، ويقول ورل في كتابه " A Short Account of the Copts , Michigan , 1945 , pp . 8 - 9 .
" ذكر هذه اللهجة المؤلفون الوطنيون وربما تكون لهجة مصرية وطنية تكلم بها اليونان في شرق الدلتا وكتبت بحروف يونانية عادية "
٤ - واشتق من الفيومية لهجة أخرى ، فمن مراجعة اللوحة 28 من كتاب the Necropolis of el-Bgawat in Kfiarga Oasis الذي ألفه الدكتور أحمد فخري سنة 1951 م نرى أن النص القبطي الموجود بهذه اللوحة مزيج من الفيومية والصعيدية ، مما يحملنا على الاعتقاد انه لهجة خاصة بالواحات .
وكانت اللهجة الصعيدية لهجات عديدة اندمجت في بعضها بعضاً كالبحيرية ، بدليل وجود كلمات كثيرة فيها تكتب بصيغة مختلفة ، مثلا ي ب Yb ، ي ف ت Eft ، ي ب ت Ebt صور لكلمة " مسمار ، وكذا ا ي م ي Eme ، ا ي م م ي Emme صور لكلمة " عرف " .
ويمكننا أن نقول أن الكتاب المقدس قد ترجم من اليونانية إلى اللهجات الرئيسية مباشرة ، ويحتمل أن يكون قد ترجم إلى البحيرية من اليونانية ، وإلى الصعيدية من اليونانية ، ونقلت اللهجات الأخرى من هاتين اللهجتين . ولا نتناول هنا الترجمة إلى القبطية بالتفصيل ، وانما نلاحظ أن وجود كلمات كثيرة يونانية في اللهجات لم تترجم إلى القبطية يدل دلالة واضحة على أن اللغة الثانية الشائعة في البلاد المصرية كانت اليونانية ، وأن الطالب كان يتعلم الأثنتين معاً في عواصم البلاد  . يؤيد ذلك الخطابات المكتوبة على الشقافة وعلى البردي الخاصة بالمعاملات التي كان يتعامل بها عامة الناس إذ لا تخلو واحدة منها من الكلمات اليونانية .
بيد أن موضوع اللهجات وتقسيماتها الأساسية والفرعية لم يتفق عليه العلماء بصفة نهائية . ذلك أن هذه التقسيمات تتعرض دائماً ، ولاسيما في السنوات الأخيرة ، إلى كثير من التعديلات التي يوحي بها الكشف عن نصوص جديدة . وربما كان أحدث تعديل هو الذي جاء في كتاب " نصوص قبطية من دير البلاعزة " Paul E. Kahle Coptic Textes Fram Deir el-Balaaizah in Upper EGypt الذي نشرته مطابع جامعة اكسفورد عام 1954 .
وفي هذا الكتاب يعرض المؤلف جدولاً جديداً للهجات الاساسية واللهجات الفرعية على النحو الآتي ( ابتداء من الجنوب ) : 
١ - أ ) الأخميمية ..      .. ب ) الأخميمية المتأثرة بالأخميمية الفرعية 
٢ - الأخميمية الفرعية 
٣ - أ ) مصر الوسطى ....     ..... ب ) مصر الوسطى المتأثرة بالفيومية  
٤ - الفيومية 
٥ - أ ) نصف بحيرية  ...      ...ب ) البحيرية 
وخارج هذه المجموعة هناك اللهجة الصعيدية ، ويرى المؤلف أنه قد ذاع استعمالها في وادي النيل كله . 
ويرجح انها نابعة من الدلتا وبصفة أخص من الأسكندرية .
وليس من شك في أن معرفة لهجات اللغة العربية العامية ، المتكلمة الآن في مختلف مناطق وادي النيل ، يمكن أن تلقي ضوءاً كبيراً على الأختلافات الاصلية في اللهجات القبطية .

أقرأ أيضاً الجزء الثالث الآثار الأدبية للغة القبطية

لقراءة الجزء الأول اللغة القبطية تاريخها


إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu