Ad Code

Noah's Ark فلك نوح ... أكثر من 300 نبوة عن يسوع المسيح في العهد القديم

مما لا شك فيه أن حادثة الطوفان قد حدثت بالفعل ، فقد تم العثور على الكثير من الآثار في أماكن متفرقة من العالم وفي حضارات كثيرة تشير إلى وقوع حادثة الطوفان مما يرجح كفة أن الطوفان كان في الأرض كلها ولم يكن في بقعة محددة ، نذكر منها 
1 - آثار بابل 
يوجد كاهن ومؤر يدعى " بيروسوس " ذكر أسماء عشرة ملوك من ملوك بابل ويقول أن في عهد عاشرهم ويدعى " كيزوثروس " أو " أكسيسوثروس " وقع الطوفان ، كما أن أروع ما كُتب عن الطوفان قصة جلجاميش التي عُثر عليها في مكتبة " أشور بانيبال " في آثار نينوى وفيها يقص الملك " أوت نابشتيم " ويدعى أيضا كيزوثروس على جلجاميش الذي يدعى أيضا " أزدبار " كيف أن أربعة من الآلهة فكروا في إهلاك العالم بالطوفان وكيف أمره الإله الصالح " إيا " أن يصنع فلكا ليدخل فيه مع أسرته ، ثم يصف له كيف وقع الطوفان وكيف أرسل الطيور لتفقد أحوال الأرض وكيف عادت إليه أحدها بغصن من الشجر وكيف خرج من الفلك وقدم ذبائح الشكر للآلهة .
كما وُجد في أشور صحائف معروضة الآن في المتحف البريطاني ومكتوب عليها كيفية بناء الفلك ، وحفظ أنواع الحيوانات ، ونزول الأمطار حتى غطت وجه الأرض وأهلكت الإنسان والحيوان ، واكتشف العالم الأثري " سميث " صحيفة موجودة أيضا في نفس المتحف مكتوب عليها ما يثبت تبلبل ألسنة الناس عند محاولتهم بناء برج بابل .
2 - آثار الهند 
وُجدت صورة في هيكل للبوذيين لنوح وهو في الفلك والآلهة " كوانين " تنظر إليه بشفقة،  ورسم لحمامة تطير إلى الفلك وفي فمها غصن زيتون .
ومن قصص الهنود أيضا أن الإله " براهما " ظهر ل " مانو " البار في هيئة سمكة وأمره أن يصنع فلكا يدخل فيه مع السبعة الأبرار ، ثم ربط الفلك بقرني السمكة فسبحت به في وسط الطوفان أجيالا طويلة ولما خرج أمرته أن يخلق العالم من جديد .
3 - آثار اليونان 
من قصص الميثولوجيا أن الإله " جوبتر " أمر " ديوكاليون " البار بأن يدخل الفلك مع أمرأته وأسرته وأزواجا من الحيوانات،  ولما رسا الفلك على جبل " بارتاسوس " نبهته الحمامة إلى انخفاض الماء ، وعندما خرج قدم ذبائح الشكر .
4 - آثار فريجية
وهي من مقاطعات اسيا الصغرى ، ومن أخبارها أن " أناخوس " لما أُنبيء بخبر الطوفان بكى من أجل الناس ، وقد وجدت في " أباميا " بفريجية قطع من العملة عليها صورة الفلك وبداخله أشخاص ، وخارجه طيران أحدهما في فمه غصن زيتون ، وبجانبه صورة لنفس الأشخاص وهم يقدمون الذبائح بعد نجاتهم ، ومن العجيب أن اسم المدينة القديم كان " كبوتوس " الذي يعني الفلك لأن أهلها كانوا يظنون أن الفلك استقر في مدينتهم. 
وقد وجدت قصة الطوفان في آثار الصين والمكسيك وغيرهما،  وكل هذه الآثار تشير أن حادثة الطوفان قد حدثت وقد تناقلها الخلف عن السلف ، هذا ومن وقائع الجيولوجيا أن الحفريين عثروا في مناطق دجلة والفرات على طبقات من الطمي أرجعوا تاريخها إلى تاريخ الطوفان تقريبا وقد عُثر تحتها وفوقها على آثار مخلفات بشرية مما يدل على أن هذا الطمي قد غطى حضارة كانت قائمة وظهرت بعدها حضارة أخرى ويُرجح أن من أثر فيضان مدمر .
وبعض المشككين يرون أن موسى النبي قد استقى في كتابة سفر التكوين من بعض ما كُتب في أساطير القدماء ، ولكن حين نرى كيف يتوافق سرد موسى النبي مع العقل والواقع الذي نحن فيه بطريقة إلهية لا يمكن لعقل بشري حبك هذه القصة سيتوارى كلام المشككين وتبقى كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين

                                 فلك نوح 
مراجعة سريعة لما سبق ، كنا قد تطرقنا إلى خلق أبينا أدم وقصة السقوط وطرد الإنسان من محضر الله،  وقتل قايين لهابيل أخيه،  وولادة شيث الذي جاء عوضاً عن هابيل الذي قُتل ، ومن شيث ولِد أنوش ومن نسل أنوش ولِد أخنوخ الذي استرد بعض من حالة الإنسان الفردوسية الأولى والوحيد الذي لم يُكتب بعده " ومات " بل كُتب " وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ. تك24:5 " ، يرى الشهيد كبريانوس في أخنوخ أنه [ إنك تكون ( كأخنوخ ) قد أرضيت الله إن تأهلت للإنتقال من عدوى العالم ، لقد علَّم الروح القدس سليمان أن الذين يرضون الله يُأخذون مبكرين ويتحررون سريعا لئلا بتأخيرهم في هذا العالم يتدنسون بوبائه،  وكما قيل "  خَطِفَهُ لِكَيْ لاَ يُغَيِّرَ الشَّرُّ عَقْلَهُ، وَلاَ يُطْغِي الْغِشُّ نَفْسَهُ. إِنَّهُ كَانَ مُرْضِيًا للهِ فَأَحَبَّهُ، وَكَانَ يَعِيشُ بَيْنَ الْخَطَأَةِ فَنَقَلَهُ.  حك11:4 ، 10 ].
وبرغم أن كل الذين أتوا قبل أخنوخ ماتوا كذلك كل الذي جاءوا بعده ماتوا أيضا حتى من تخطى عمره 969 عاما وهو موتشالح أكبر معمر في الكتاب المقدس ، ولكن خلف هذا الموت الجسدي كان هناك موت خفي أكثر خطورة ، هو موت النفس الداخلي وفسادها ، الأمر الذي ظهر في انسحاب قلب أولاد الله نحو بنات الناس وفساد الأرض .
 وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا. تك 6 : 1، 2.
وهنا نرى أن أبناء الله الذين هم نسل شيث وأخنوخ قد تركوا الإهتمام بأمور الروح وانشغلوا بالأمور العالمية حتى أنه يُكمل " كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَدًا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ. تك4:6 .
أبناء الله الذين كانوا ينبغي أن يعيشوا كملائكة مشتعلين بنار الحب الإلهي أو كآلهة على صورة الله ومثاله مميزين الخير من الشر زاغوا وفسدوا ، وبهذا اختلط الأبرار بالأشرار ، وهنا نرى مدى الانحطاط الروحي الذي وصلوا إليه إذ أن الإنسان أصبح ألعوبة للخطية ، فقد تحولوا للفكر الجسداني بتطلعهم لبنات الناس الجسدانيين ، فصاروا جسدانيين بدورهم وأنجبوا العنف " طغاة " وحب الكرامة الزمنية " ذو اسم " عوض عن ثمار الروح من لطف ووداعة وتعفف واتضاع .
حتى رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر وأن كل أفكار قلبه شريرة كل يوم ، حتى أن الكتاب يستخدم كلمات ربما يصعب فهمها عن الله ليشرح لنا كيف تأثر الله ببعد خليقته عنه فيقول " فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. تك6:6 " وقال بإهلاكهم ، إذ لم يكن ممكناً لله القدوس أن يطيق الشر ويفسر لنا القديس اغسطينوس معنى تأسف الله أنه عمل الإنسان [ غضب الله ليس إنفعالاً يُعكر صفاء عقله إنما حكم من خلاله تقع العقوبة على الخطية ] كما يقول [ غير المتغير ( الله ) يُغير الأشياء وهو لا يتأسف كالإنسان على أي شيء عمله ، لأن قراره ثابت ومعرفته للمستقبل أكيدة ، لكنه لو لم يستخدم مثل هذه التعبيرات لما أمكن إدراكه بواسطة عقول الناس المحتاجين أن يُحدثهم بطريقة مألوفة لهم ( بلغة تناسبهم ) لأجل نفعهم حتى يُنذر المتكبر ويوقظ المستهتر ويدرب الفضولي ويرضي الإنسان المتعقل ، فما كان يمكن أن يتحقق هذا إن لم ينحنِ أولاً وينزل إليهم حيث هم ( يحدثهم بلغتهم ) ، وبإعلانه موت كل حيوانات الأرض والجو المحيط ليكشف عظّم الكارثة التي كادت تقترب ، فهو لا يهدد بإبادة الحيوانات غير العاقلة كما لو كانت ارتكبت خطية ] .
وفيما يرمي مشككين العصر الحديث بالإتهامات على الله ، لم يتجاهل الله إنسانا واحدا كان يسلك بالبر وسط جيله إذ يقول الكتاب"  وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.تك8:6 " .
إن كلمة الأرض تكررت كثيرا في هذا الأصحاح وكأن الله يريد القول أن الإنسان رأس الخليقة الموكل من قِبّلي على الأرض هو المتحكم في الأمور فكما فساد البشر استدر غضب الله على الخليقة كذلك بر واحد فقط من الخليقة ولو كان بر نسبي كافي بأن يستدر مراحم الله الذي لا يتجاهل إشراقة جميلة مهما بدت صغيرة وباهتة في وسط الظلام الدامس ، فقد قيل " كَانَ نُوحٌ رَجُلاً بَارًّا كَامِلاً فِي أَجْيَالِهِ. وَسَارَ نُوحٌ مَعَ اللهِ.تك9:6 " 

                              رموز الفلك
سلطت الليتورجيات ( الصلوات الطقسية ) الكنسية وأقوال الآباء الضوء على فلك نوح بكون الطوفان رمزاً لعمل المعمودية التجديد الحق للطبيعة البشرية ، والفلك رمزاً للصليب الذي حمل المسيح معلقاً لأجلنا،  فحمل فيه الكنيسة التي هي جسده المقدس ، كان لابد من هلاك العالم القديم ( الإنسان العتيق ) في مياه المعمودية ليقوم العالم الجديد أو الإنسان الجديد الذي على صورة الله خالقه يحمل الحياة المقامة في الرب يسوع المسيح،  كأن الطوفان وهو رمز للمعمودية يضع حدا فاصلاً بين الحياة القديمة المظلمة والحياة الجديدة المشرقة بنور قيامة الرب يسوع،  وقد جاء هذا امتدادا للفكر الرسولي إذ يقول بطرس الرسول في رسالته " الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ.الَّذِي مِثَالُهُ يُخَلِّصُنَا نَحْنُ الآنَ، أَيِ الْمَعْمُودِيَّةُ. لاَ إِزَالَةُ وَسَخِ الْجَسَدِ، بَلْ سُؤَالُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ عَنِ اللهِ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، بط١ 3 :21-20 " 

ماذا يرمز  فلك نوح 

اِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكًا مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ. تك14:6
خشب الجفر وتُرجم أيضا خشب قطراني ، ويُغلب الظن أنه خشب السرو أو شجر الكافور لمقاربة كلمة " جوفر " العبرية من كلمة الكافور العربية ويُعرف بطول سيقانه ومتانته وعدم قبوله للتسوس. 

 تَجْعَلُ الْفُلْكَ مَسَاكِنَ، وَتَطْلِيهِ مِنْ دَاخِل وَمِنْ خَارِجٍ بِالْقَارِ. تك14:6
أمر الله نوحا أن يطلي الفلك من الداخل والخارج بالقار أي الزفت وتكثر منابعه في بلاد أشور حيث كان يسكن نوح والقصد من طلائه أن لا ينفذ الماء داخله .
يرى العلامة أوريجانوس في أمر الطلاء [ يريدنا أن نكون قديسين من الخارج وأنقياء في الداخل في القلب ، محفوظين من كل جانب ، محروسين بفضيلة الزهد ( القار الخارجي ) والطهارة ( القار في الداخل ) ] 
فليست كنيسة المسيح كنيسة ذات طابع خارجي قدسي فقط وإلا كان هذا رياء ، بل تهتم الكنيسة بزرع القيم المسيحية في قلب أبناءها فيكونون مطليين بالقار داخلا وخارجا. 

 وَهكَذَا تَصْنَعُهُ: ثَلاَثَ مِئَةِ ذِرَاعٍ يَكُونُ طُولُ الْفُلْكِ، وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا عَرْضُهُ، وَثَلاَثِينَ ذِرَاعًا ارْتِفَاعُهُ. تك15:6

الذراع هو ذراع الإنسان،  وكان يُقاس من المرفق حتى نهاية الأصبع الوسطى ويعادل نحو 45 سم ، فتكون أبعاد الفلك نحو 135 مترا طول ، 22.5 مترا عرض ، 13 مترا ارتفاع .

دعى العلامة أوريجانوس الفلك " مكتبة الكلام الإلهي " أو " مكتبة العلم الإلهي " لذا جاءت أبعاده من طول وعرض وارتفاع تُشير إلى الإيمان والرجاء والمحبة إذ يقول [ من كان قادراً أن يسمع كلام الرب والأمور الإلهية بالرغم من ثقل الشر وكثرة الرذائل ، تاركاً عنه الأمور الفانية السريعة الزوال ، فمثل هذا يبني في قلبه فلك الخلاص ويكرس في نفسه مكتبة الكلام الإلهي،  فيُعطى له الإيمان والمحبة والرجاء كطول وعرض وارتفاع . فالإيمان بالثالوث القدوس هو الطول الممتد إلى الخلود ، والعرض هو المحبة التي تبسطها العواطف اللطيفة الرقيقة ، وأما الارتفاع فهو الرجاء الذي يحمله إلى حيث الحق السماوي ، إذ ونحن على الأرض تكون " سيرتنا في السموات " ( في 3 : 20 ) ] .

في أكثر تفصيل يقول بأن الطول 300 ذراعا ، إن رقم 100 يُشير إلى قطيع المسيح العاقل ( لو 15 : 4 ، 5 ) والذي يحرص السيد المسيح ألا يضيع منه خروف واحد ، فإن هذا القطيع يتقدس خلال معرفته بالثالوث القدوس ( 100 × 3 ) ، والإيمان به .
أما العرض فهو 50 ذراعا ، ورقم 50 يُشير إلى التمتع بغفران الخطايا ، كما في ( وَتُقَدِّسُونَ السَّنَةَ الْخَمْسِينَ، وَتُنَادُونَ بِالْعِتْقِ فِي الأَرْضِ لِجَمِيعِ سُكَّانِهَا. تَكُونُ لَكُمْ يُوبِيلاً، وَتَرْجِعُونَ كُلٌّ إِلَى مُلْكِهِ، وَتَعُودُونَ كُلٌّ إِلَى عَشِيرَتِهِ. لاويين 25 : 10 ) فكما كان يحدث مع اليوبيل ( السنة الخمسين ) حيث يتم عفو عام وشامل وتحرير للعبيد والأرض ، وأيضا كما حدث في يوم الخمسين حين حلّ الروح القدس على التلاميذ في العلية ليهب الكنيسة طبيعة سماوية متحررة من الخطية ، فالعرض يُشير إلى المحبة ، محبة الله الغافرة ومحبتنا الساترة لضعفات الآخرين .
والارتفاع 30 ذراعا ، يُشير إلى إرتفاع الإنسان إلى الله،  كما انطلق يوسف في سن الثلاثين من السجن إلى القصر ليمسك بتدبير شؤون المملكة .
إذن ليُبن الفلك الروحي فينا لتكون لنا المعرفة الحقة الاختبارية،  طوله الإيمان الحي بالثالوث القدوس ، وعرضه الحب الحق لله والناس ، وارتفاعه الرجاء في السماويات. 
ويرى القديس أُغسطينوس في أبعاد الفلك رمزاً لجسد المسيح ، فالفلك أبعاده هكذا 300 × 50 × 30 ، والإنسان الكامل في نظر القديس أغسطينوس طوله من قمة رأسه حتى أخمص قدميه ستة أضعاف عرضه من جانبيه ( 300 : 50 ) ، وعشرة أضعاف ارتفاعه ( سُمكه ) من الظهر إلى الصدر ( 300 : 30 ) ، وكأن الفلك يشير إلى كلمة الله الذي صار جسدا ، فحملنا فيه ليعبر بنا خلال الطوفان إلى الأرض الجديدة التي له .

 وَتَصْنَعُ كَوًّا لِلْفُلْكِ، وَتُكَمِّلُهُ إِلَى حَدِّ ذِرَاعٍ مِنْ فَوْقُ. وَتَضَعُ بَابَ الْفُلْكِ فِي جَانِبِهِ. مَسَاكِنَ سُفْلِيَّةً وَمُتَوَسِّطَةً وَعُلْوِيَّةً تَجْعَلُهُ. تك16:6
كوا ( كوة ) الفلك بمعنى طاق ( طاقة ) وهو نافذة كبيرة تدور حول الفلك لدخول الضوء والهواء ، وكان على بعد ذراع من الفلك أما الباب فكان في الجانب ويفتح على الطوابق الثلاثة ، وكان للفلك ثلاث طوابق وكل طابق يشتمل على عدة أقسام أو حجرات .
يرى القديس مار افرام [ قال الله لنوح : زَفت التابوت ( الفلك ) من داخل ومن خارج يعني أن المحبة تكون داخل قلوبهم بعضهم ببعض ، وتطهر خارجهم بخدماتهم وعنايتهم وتعزيتهم بعضهم لبعض ، فمن يكونون هكذا هم تابوت واحد وكنيسة المسيح وجسد حقيقي له ... متسمرين بعضهم ببعض بمسامير خوف الله،  والمحبة تسترهم من دخول الشيطان لهم ، كما يستر الزفت السفينة من دخول الماء إليها ... فحسنا جدا مَّثل المسيح إلهنا كنيسته بالسفينة ... وأيضا السفينة كان فيها ثلاث طبقات : الطبقة العليا هم رؤساء الكهنة ، والوسطى هم الكهنة ، والسفلى أيضا الشمامسة وما دونهم .
وارتفاع السفينة ثلاثون ذراعا ، وقانون المسيح رَّسم أن يكون الذي يُوسم كاهنا لا يوسم قبل إتمام ثلاثين سنة ، كما لم يتعمد ربنا قبل ذلك ولا تلمذ ، ولكون الكنيسة هي مؤمنة بالثالوث أشار إلى ذكر الثالوث في السفينة مكرراً من كل ناحية الطبقات الثلاث وطول الثلاث مائة والثلاثين ذراعا ارتفاعا ].
الباب الجانبي ، يقول القديس أُغسطينوس [ بابه الجانبي يُشير بالتأكيد إلى الجرح الذي في جنب المصلوب بواسطة الحربة،  خلاله يدخل القادمون إليه ، ومنه فاضت الأسرار التي بها ينضم المؤمنون إلى عضويته ] .
الطوابق الثلاثة ، يرى القديس أغسطينوس في هذه الطوابق الثلاثة صورة حية للكنيسة التي إجتمعت من كل الشعوب والأمم ، إذ إستكملت من نسل أبناء نوح الثلاثة سام ، وحام ، ويافث.  وربما تشير هذه الطوابق إلى الفضائل الثلاث التي أمر بها الرسول : الإيمان والرجاء والمحبة . كما يرى في هذه الطوابق الثلاثة المؤمنين الذين الذين جاءوا بثلاث كميات متباينة من المحاصيل ، مئة ضعف وستين وثلاثين ( مت 13 : 23 ، مر 4 : 8 ) ، أو يمثل المدينة السماوية أو الكنيسة الأبدية التي تضم في عضويتها متزوجين أطهارا وأيضا أرامل وبتوليين أنقياء .
ويرى العلامة أوريجانوس في الطوابق الثلاثة إشارة إلى طرق التفسير الثلاثة : التفسير الحرفي ، التفسير السلوكي أو الأخلاقي ، والتفسير الروحي . فمن يقف عند التفسير الحرفي يكُن كمن إستقر في الطابق الأسفل مع الحيوانات أما من يرتفع إلى السلوكي ثم ينعم بالروحي فيكون كنوح رجل الله وعائلته في لقاء مع الله. 

 وَقَالَ الرَّبُّ لِنُوحٍ: «ادْخُلْ أَنْتَ وَجَمِيعُ بَيْتِكَ إِلَى الْفُلْكِ، لأَنِّي إِيَّاكَ رَأَيْتُ بَارًّا لَدَيَّ فِي هذَا الْجِيلِ. مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ الطَّاهِرَةِ تَأْخُذُ مَعَكَ سَبْعَةً سَبْعَةً ذَكَرًا وَأُنْثَى. وَمِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَيْسَتْ بِطَاهِرَةٍ اثْنَيْنِ: ذَكَرًا وَأُنْثَى. وَمِنْ طُيُورِ السَّمَاءِ أَيْضًا سَبْعَةً سَبْعَةً: ذَكَرًا وَأُنْثَى. لاسْتِبْقَاءِ نَسْل عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ.  لأَنِّي بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا أُمْطِرُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَأَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ كُلَّ قَائِمٍ عَمِلْتُهُ».  فَفَعَلَ نُوحٌ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ الرَّبُّ. تك 5-1 : 7 .
يقول العلامة أوريجانوس [ بصعودنا خلال أدوار الفلك المختلفة نصل إلى نوح نفسه الذي يعني " نياح " أو " بر " ، فنوح هو يسوع المسيح،  إذ لا ينطبق على نوح القديم قول لامك أبيه  «هذَا يُعَزِّينَا عَنْ عَمَلِنَا وَتَعَبِ أَيْدِينَا مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ الَّتِي لَعَنَهَا الرَّبُّ». تك29:5 ... أنظروا إلى ربنا يسوع المسيح الذي قيل عنه «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ » يو 29:1 . ، اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ».  غلا13:3 ، وأيضا قال « تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ.» مت28:11 . ها أنتم ترونه بالحقيقة يهب راحة للبشرية ويخلص الأرض من اللعنة ] 
يقول مار افرام [ قال الله لنوح: خذ من الحيوان الطاهر سبعة سبعة ومن غير الطاهر اثنين اثنين . كان الطاهر في السفينة أكثر من النجس ، إشارة بذلك أن يكون أولاد الكنيسة مهتمين بالروحانيات أكثر من الجسدانيات . وهو حسن قوله تبارك اسمه ، إن الطاهر سبعة وغير الطاهر اثنان ، لأن سبعة هو قانون الصلاة ، رسمها كل يوم وكل ليلة . لعمل الروح على كل علماني وراهب ، يطلبها وهو في أي حال كان ، حسب طاقته كلها.  إن يمكنه السجود فليسجد ، وإن لم يمكنه لكون الموضع لا يصلح أو لضعف قوته ، فليصل وهو قائم . وإن كان لا يمكنه القيام فليصل وهو جالس أو راقد أو ماشٍ أو مسافر أو راكب . والعلماني رسم له دفعتين يهتم بهما بجسده: إذ يتغدّى ويتعشى . ولذلك قال : إن الحيوان غير الطاهر يكون اثنين ، أشار بذلك إلى الغداء والعشاء الجسداني ، ليس أنه غير طاهر ، بل هو طاهر . إذا لم يكن يوم صوم ، يلزم العلماني الامتناع عن الأكل فيه ] 
المقصود بالحيوانات الطاهرة هي كل ما يصلح لتقديم الذبائح مثل الأغنام والماعز والبقر ، والبهائم غير الطاهرة هي الحيوانات التي كان الإنسان يستخدمها مثل كالخيل والحمير والحيوانات الأخرى كالكلاب والقطط والوحوش وغيرها ، ولم يحدد الله لنوح ما هي الحيوانات الطاهرة والحيوانات الغير الطاهرة ولم تكن الشريعة الموسوية بعد قد أُعلنت ، لهذا يرى البعض أن شريعة الحيوانات الطاهرة وغير الطاهرة تسلمها آدم شفاهاً من الله وسُلمت عبر الأجيال بالتقليد ( الشفهي ) ولما جاءت الشريعة الموسوية سجلت ما هو قائم بالفعل ولكن بشيء من التفصيل .
أما القديس أغسطينوس فيرى أن الفلك كان ضخماً جداً ، وأن الذراع المذكور هنا هو ذراع جغرافي يساوي ستة أضعاف الذراع العادي ، لذا يمكن للفلك أن يسع كل الحيوانات والطيور . وإلا لما استغرق بناءه مائة سنة حيث كان عمر نوح خمسمائة سنة حين بدأ في بناء الفلك والطوفان نزل حين أتم الستمائة سنة . ويرى البعض أن نوحا بقى مئة وعشرين عاما في إنذار الأشرار ، وهو يبني الفلك أمام أعينهم ليؤكد لهم صدق إنذارات الله،  ويعتمد القائلون بهذا على عبارة « وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً». تك3:6 .
يرى مار افرام في الأنواع التي دخلت الفلك [ كانت أربعة أجناس من الحيوان غير الناطق ، وهي البهائم والوحوش وطيور السماء ودبابات الأرض،  كذلك في الكنيسة موجودة هؤلاء الأربعة أجناس : 
البهائم :  هم شعب المتزوجين الخادمين الرب في محبة الرب والإحسان إلى بني آدم ، وفي وصايا المسيح والطاعة لمعلميهم وكهنتهم ، كطاعة البهائم وخدمتها للبشر ، لأن المتزوج الحافظ وصايا المسيح ، هو بالحقيقة خروف وكبش المسيح وحمار يركبه المسيح ويدخل راكبه إلى مدينة قدسه السماوية : كما دخل إلى مدينة القدس الأرضية على راكبا الحمار « وَأَتَيَا بِالأَتَانِ وَالْجَحْشِ، وَوَضَعَا عَلَيْهِمَا ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِمَا.» مت7:21 ، وربنا لم يركب ذلك الحمار عرياناً بل كانت عليه ثياب تلاميذه.  وكذلك ذلك العلماني المتزوج استحق أن يركبه الرب لكونه حمل تأديب تلاميذ الرب من المعلمين الذين علموه الوصايا وأدبوه بالقوانين حتى حفظها وعمل بها .
الوحوش : التي في الكنيسة التي للمسيح هم الرهبان الذين قد انفردوا عن مخالطة العالم وانعتقوا من هموم الدنيا التي يُبتلى بها العلمانيون.  كما انعتقت الوحوش في البرية من خدمة الناس ومن كل أمورهم . ومن كان راهبا ولم يعتق نفسه من هموم التجائر ومعائش ومكاسب العلمانيين ومن تصرفهم ومن كل مخالطتهم فليس هو راهبا ، لأنه لم يشبه نفسه في عزلة الوحوش عن الناس .
طيور السماء : التي في كنيسة المسيح هم الرهبان الذين قد كَمُلوا وحل فيهم الروح القدس بالكمال مثل الرسل القديسين ومن يُشبههم مثل أنطونيوس ومقاريوس ، الذين طارت عقولهما فوق إلى السماء وهما أحياء في الجسد ، وصارا لله ولملائكته ناظرين مرتفعي العقول عن الأرض كل حين .
 الدبائب : في الكنيسة هم الموضوعون تحت قانون التوبة ولم يكملوا بعد قانونهم لكي يتناولوا السرائر المقدسة فيرتفعوا من درجة الدبائب إلى غيرها أعلى منها ، وبولس الرسول قد ذكر هذه الأربعة وقال أنها موجودة في الكنيسة  كو١  12:3 ، وقال إن من كان منها إناء للهوان فهو قادر أن ينقي قلبه بالتوبة الكاملة حين يصير إناء للكرامة رو 9 : 21 .

 وَقَالَ الرَّبُّ لِنُوحٍ: «ادْخُلْ أَنْتَ وَجَمِيعُ بَيْتِكَ إِلَى الْفُلْكِ، لأَنِّي إِيَّاكَ رَأَيْتُ بَارًّا لَدَيَّ فِي هذَا الْجِيلِ.  لأَنِّي بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا أُمْطِرُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَأَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ كُلَّ قَائِمٍ عَمِلْتُهُ».  وَلَمَّا كَانَ نُوحٌ ابْنَ سِتِّ مِئَةِ سَنَةٍ صَارَ طُوفَانُ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ،  وَحَدَثَ بَعْدَ السَّبْعَةِ الأَيَّامِ أَنَّ مِيَاهَ الطُّوفَانِ صَارَتْ عَلَى الأَرْضِ. تك10,6,4,1:7 .
بدأ الموكب يتحرك واستمر في تحرك مستمر لمدة سبعة أيام،  أما بقاؤه سبعة أيام إنما يُشير إلى الكنيسة التي تفتح أبواب الرجاء لكل إنسان كل أيام الأسبوع،  أي كل أيام غربتنا على الأرض،  فهي تستقبل كل إنسان ولو كان في النفس الأخير من حياته ، وربما لم يكن هناك إشارة طبيعية لحدوث فيضان وإلا لربما خاف البعض ودخلوا الفلك ، كذلك الموت يحدث لبني آدم بدون مقدمات أو تحذير سوى الوصايا التي قيلت قبل الوقت ، مثل التحذير الذي قام به نوح طوال المائة سنة ولم يلتفت إليه أحد حتى بدأ الطوفان ، فالموت والدينونة قرينان الأول يحدث كل يوم أما الثانية فهي في اليوم الأخير ، فلنحرص أن نمر أيام حياتنا بخوف الله حتى لا نخشى الأول (في 1 : 23 ) ولا نرهب الثانية كما يقول الرسول ( فَإِنَّهُ إِنْ أَخْطَأْنَا بِاخْتِيَارِنَا بَعْدَمَا أَخَذْنَا مَعْرِفَةَ الْحَقِّ، لاَ تَبْقَى بَعْدُ ذَبِيحَةٌ عَنِ الْخَطَايَا،  بَلْ قُبُولُ دَيْنُونَةٍ مُخِيفٌ، وَغَيْرَةُ نَارٍ عَتِيدَةٍ أَنْ تَأْكُلَ الْمُضَادِّينَ. عب27-26:10 )

حدوث الطوفان 
وصف الكتاب المقدس الطوفان وصفاً دقيقاً للغاية ، حدد فيه مدته وروى دقائق أموره ، فقد بدأ في السابع عشر من الشهر الثاني من سنة 600 من عمر نوح التي توافق سنة 1656 من تاريخ العالم وحوالي عام 2349 ق.م حسب التقويم العبري ، وكان يقع في منتصف أو أواخر شهر نوفمبر حسب شهور السنة الميلادية .
ظلت الأمطار على الأرض 40 يوما وتعاظمت المياه على الأرض 150 يوما ولم تجف الأرض إلا بعد 371 يوما من بدأ الطوفان يوم أمر الله نوحا أن يخرج من الفلك ، وكان ذلك سنة 601 من عمر نوح في السابع والعشرين من الشهر الثاني،  باعتبار السنة 360 يوما بالأشهر القمرية .

15 وَدَخَلَتْ إِلَى نُوحٍ إِلَى الْفُلْكِ،كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَأَغْلَقَ الرَّبُّ عَلَيْهِ.تك16-15:7

يقول مار افرام [ أغلق الرب السفينة على نوح وفتح عيون الغمق ومزاريب السماء وأمطر المطر على الأرض أربعين يوما وأربعين ليلة ( مثل المدة التي صامها المسيح مت 4 :2 ) لكي يعلمنا أن بها يكون تغريق الخطيئة وإماتة الذنوب ، وذلك موجود ، صعد إليهم الماء من أسفل ونزل عليهم الماء من فوق . كذلك في الصوم الأربعين المقدس العظيم تموت كل الشهوات الأرضية الجسدانية بالصوم والحمية ، وتضيء الأفكار العلوية السماوية بالصلاة والقراءة .. السفينة ألواح مُجمعة وهذه حفظت سكانها من الماء المُهلك . كذلك ووصايا المسيح هي هكذا مجتمعة بعضها إلى بعض ، وبخوف الله هي متسمرة وإذا هي إجتمعت هكذا ورسمت في من يحفظها ويعمل بها ، حفظته من الشياطين الذين يغرقون النفوس في الخطيئة .... التي من رام حفظها والعمل بها ، احترق الشيطان من الحسد وألهبته الغيرة ، فقاتله بكل نوع من الحيل ، وذلك أنه يُصعد له الماء من أسفل ويُحدر له الماء من فوق : الماء الذي يصعد من أسفل هي القتالات التي يقاتله بها من الخارج ، إما بمن يبغضه أو بمن يغيظه،  أو بمن يهينه أو يظلمه أو يتعبه أو يتعظم عليه ، أو بخيال نجس من أشكال الزنى ... والماء الذي يُحدر عليه من فوق هي الأفكار النجسة التي يبذرها في عقله ، إما ذكر الشر الذي قد فُعِلَ به من إنسان يذكره به بغيظ ويجعله يغضب عليه ويشتهي له القصاص ، وإما ذكر ما قد يخايل من أشكال الزنى الذي يضرم الشهوة . هذه القتالات إذا ما قاتلت المؤمن وكان محفوظاً داخل السفينة التي هي وصايا المسيح في المحبة ، فلا تمكن مياه الشيطان من الدخول إليه .
ما هي زيادة الماء في هذه الأربعين يوما والأربعين ليلة؟ وماذا تتعلم النفس من هذا الكلام ؟ تعليماً شريفاً جداً وهو أن الشيطان في مدة حربها له وحربه لها يقاتلها في الماء العلوي ، وهو أنه يُعلي عقلها إلى فوق ويجعلها تتعظم وتفتخر بما تغلب به ، وبما تصير عليه من حربه وكذلك إذا ما أراد الرب مداواتها من هذه العظمة ورفع عنها عنايته ومعونته التي بها تنشط لعمل الوصايا ، وعلم الشيطان ، عاد ( الشيطان ) فأحدر عقلها إلى أسفل وقاتلها بالماء السفلي الذي هو اليأس وقطع الرجاء ، وأثبت لها أنها لا تعود بعد تقدر على رجوعها إلى نشاطها الأول ومحبتها في المسيح .
وهذا النشاط وهذا الكسل هما النهار والليل اللذان عينهما الكتاب ، وذلك أن نعمة الروح القدس - التي هي شمس البر - إذا ما أشرقت على النفس وأحمتها وسكنتها،  نشطت لعمل الوصايا واستضاءت بنور النعمة في ذلك ، والشمس إذا ما أشرقت على الأرض ونشفت رطوبتها ونداوتها ويبستها ، لا يبقيها الرب عليها لئلا تيبس وتتفتت ، بل يرفعها عنها ، ويأتيها بدر الليل ونداوته ترطب يبسها . فإذا ترطبت ، لا يبقى ذلك دائما عليها لئلا تزيد رطوبتها فترتخي وتنحل .
وهذا التدبير عينه يدبره الله للنفس ، وذلك أنه إذا نظرها تتعظم بالنشاط الذي للروح القدس وتتفاخر على غيرها أو تدينه أو تحتقره ولم تعلم أن الحرص الذي معها ليس هو منها بل نعمة الروح القدس،  للوقت يرفع عنها النعمة التي هي معونته،  فيبدأ يقاتلها الروح النجس بظلمته وبرودته ورخاوته فيلينها ويرخيها.  وإذا نظرها الرب أشرفت على اليأس ، يرفع عنها تلك الظلمة النجسة وعادت نعمة الروح القدس شمس البر أشرقت عليها ، وبهذين الأمرين وترادفهما وتكريرهما واحد بعد الآخر تتدبر النفس مدة طويلة حتى تعرف ضعفها ... عند نشاطها تقول قوته نشطتني،  وعند كسلها ترجوه وتقول قوته ستنشطني . فإذا وثقت بالرب هكذا مُسكت عنها زيادة التجارب والقتال كما مُسكت زيادة الماء بعد أربعين يوما وأربعين ليلة ، ويبقى القتال على حاله بغير زيادة إلى تمام 150 يوما .
المائة والخمسون يوما هي خمسة شهور . قال : إن القتال يبقى على حاله مدة طويلة حتى تقاتل النفس قتالاً شافياً على حفظ حواسها الخمسة وتحفظ ذاتها بقوةً مستمرة كل يوم وكل ساعة مما يُسخط الله،  بالنظر والسمع والشم والمذاق واللمس،  هذه الخمسة التي يريد الله من النفس أن تقاتل الشيطان بها وتحفظها منه مدة طويلة ، حتى إذا هو نظر صبرها وحسن جهادها ، ذكرها وهب فيها بروح قدسه وأنقص منها القتال قليلاً قليلاً ، "ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ نُوحًا . وَأَجَازَ اللهُ رِيحًا عَلَى الأَرْضِ فَهَدَأَتِ الْمِيَاهُ. تك1:8 " كذلك يذكر من قد طالت مدته في الجهاد وحرب الشيطان .]
إن في اللغة العبرية كلمة " ريح " وكلمة " روح " هي كلمة واحدة يقول القديس أكليمنضس الاسكندري [ أن المربي يخلق الإنسان من تراب ويجدده بالماء وينميه بالروح ] 
هكذا خلق الله الإنسان وبسقوطه لزم له التجديد بماء المعمودية التي بها يصير الإنسان مسكن للروح القدس الذي ينميه في وصايا المسيح

  وَاسْتَقَرَّ الْفُلْكُ فِي الشَّهْرِ السَّابعِ، فِي الْيَوْمِ السَّابعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ، عَلَى جِبَالِ أَرَارَاطَ. وَفِي الْعَاشِرِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، ظَهَرَتْ رُؤُوسُ الْجِبَالِ.تك5-4:8
جبل أراراط بأرمينيا ، أسمه مشتق من الكلمة الأكادية " ارارطو" وتعني مكان مرتفع ، يبلغ ارتفاعها 16916 قدما فوق سطح البحر .

يقول مار افرام ، ويجب أن لا نغفل خلفيته الرهبانية [ الماء استقر نقصه إلى الشهر السابع.  جلست السفينة بعد نقصه على أحد الجبال : ترك الأيام وذكر عدد الشهور ليُبين الغرض المُقدم ذكره وهو قولنا إن كان قصده بعدد المائة والخمسون يوما ، الخمسة أشهر،  التي هي إشارة لحفظ الحواس الخمس ، ومع حفظ الحواس الخمس يُحفظ عضو التناسل أيضاً ، وهو السادس ، ومع هذه ، يُحفظ القلب أيضاً من كل فكر رديء.  وهو السابع فإنه إذا حفظ الستة وحفظ السابع هكذا ، ولازم حفظه . جلست السفينة التي هي العقل هادئة ساكنة غير متموجة وغير مضطربة من الأمياه الشيطانية،  وذلك أن العقل إذا ما نقى قلبه من الأوجاع السبعة التي هي أصول كل الأوجاع وهي الشره ، والزنى والغضب والحزن والملل والتنفخ ( الكبرياء ) وحب الفضة ، هدأ من الحرب الشيطانية وأرتبط بمحبة الله وسكن عليها .
وقال إن الماء تناقص في الشهر العاشر . أراد بذلك كمال الحواس العشرة : الخمس التي للجسد والخمس التي للنفس ، لأنه لما ذكر تطهير القلب أمر بتطهيره بالكمال وتنقية حواسه كلها ، كما فعل بحواس الجسد الخمسة التي هي النظر والسمع والشم والذوق واللمس،  كذلك ينقي حواس نفسه الخمسة وهي العقل والفهم والذكر والفكر والاختيار ، فإذا كمل تنقية هذه العشرة الخمسة الحسية والخمسة العقلية ، انكشفت له بالحقيقة مناظر إلهية وإعلانات سماوية وبواطن روحانية التي سماها الكتاب رؤس الجبال .] 
وَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَنَّ نُوحًا فَتَحَ طَاقَةَ الْفُلْكِ الَّتِي كَانَ قَدْ عَمِلَهَا . وَأَرْسَلَ الْغُرَابَ، فَخَرَجَ مُتَرَدِّدًا حَتَّى نَشِفَتِ الْمِيَاهُ عَنِ الأَرْضِ. ثُمَّ أَرْسَلَ الْحَمَامَةَ مِنْ عِنْدِهِ لِيَرَى هَلْ قَلَّتِ الْمِيَاهُ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، فَلَمْ تَجِدِ الْحَمَامَةُ مَقَرًّا لِرِجْلِهَا، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ إِلَى الْفُلْكِ لأَنَّ مِيَاهًا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهَا وَأَدْخَلَهَا عِنْدَهُ إِلَى الْفُلْكِ.  فَلَبِثَ أَيْضًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَادَ فَأَرْسَلَ الْحَمَامَةَ مِنَ الْفُلْكِ، فَأَتَتْ إِلَيْهِ الْحَمَامَةُ عِنْدَ الْمَسَاءِ، وَإِذَا وَرَقَةُ زَيْتُونٍ خَضْرَاءُ فِي فَمِهَا. فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْمِيَاهَ قَدْ قَلَّتْ عَنِ الأَرْضِ. فَلَبِثَ أَيْضًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخَرَ وَأَرْسَلَ الْحَمَامَةَ فَلَمْ تَعُدْ تَرْجعُ إِلَيْهِ أَيْضًا. تك 12-6 : 8
مضى أربعون يوما على ظهور رؤوس الجبال،  عندئذ فتح نوح طاقة الفلك التي كان قد عملها وأرسل غراباً ، فكان متردداً ، ينطلق حيث الجيف النتنة ليعود مرة أخرى للفلك يقف خارجه هكذا كان يراه نوح مترددا،  ثم عاد فأرسل حمامة وإذ لم تجد مقرا لرجلها رجعت إليه .
يقول القديس أُغسطينوس [ لقد أرسل نوح هذين النوعين من الطيور ، كان لديه الغراب والحمامة أيضاً .... إن كان الفلك هو مثال الكنيسة فبالحقيقة تُرى خلال طوفان العالم الحاضر وقد ضمت بالضرورة النوعين : الحمامة كما الغراب . ما هي الغربان؟ الذين يطلبون ما لذواتهم . ما هو الحمام ؟ الذين يطلبون ما هو للمسيح ( في 2 : 21 ) ] .
يقول القديس امبروسيوس [ أنكم ترون الماء والخشبة والحمامة ، فهل تقفون أمام السر حيارى؟ فالماء هو الذي يُغمر فيه الجسد لكي تُغسل فيه كل خطية جسدية ، ويُدفن فيه كل شر ، والخشبة هي التي عُلق عليها الرب عندما تألم لأجلنا ، والحمامة هي التي نزل الروح القدس على هيئتها كما قرأتم في العهد الجديد،  ذاك الذي يهبكم سلام النفس وهدوء الفكر ، والغراب هو رمز الخطية التي تذهب ولا ترجع ، إذا حُفظ فيكم البر في الداخل والخارج ] 
يقول القديس جيروم [ أُرسل الغراب من الفلك ولم يرجع،  وبعده أعلنت الحمامة السلام للأرض ، هكذا في عماد الكنيسة يُطرد الشيطان ، أدنس أنواع الطيور ، وتعلن حمامة الروح القدس السلام لأرضنا] .
كما يقول [ إذا سقط العالم في الخطية لا يقدر أن يغسله من جديد إلا مياه الطوفان . طارت حمامة الروح القدس نحو نوح بعد أن خرج الغراب بعيداً ، وصارت كما لو كانت متجهة نحو المسيح في الأردن ( مت 3 : 16 ) جاءت تحمل في منقارها غصناً يرمز للإصلاح والنور ، لتبشر العالم كله بالسلام ] .
يقول مار افرام [ حسنا قال الكتاب : أنه بعد أربعين يوما ، أخرج الغراب من السفينة ، لأنه بعد الأربعين يوما من قيامة المسيح ، صعد إلى السماء وأرسل روح قدسه ( أع 1 : 2-3 ) فطرد الشيطان من تلاميذه في عشرة أيام من الشهر الحادي عشر أخرج الغراب من السفينة ، وكذلك بعد صعود ربنا بعشرة أيام أُخرج الشيطان بالكمال بقوة الروح القدس من نفوس التلاميذ القديسين ومن أجسادهم وطرد منهم الظلمة بالتمام ... وذلك أن الغراب لم يكن له في السفينة لا ميتة ولا جيفة ، ولما خرج من السفينة ووجد له كثيراً لكثرة الغرقى ، أشتغل بها واستراح من حبس السفينة وتعبها ، كذلك النفس التي تحفظ حواسها الباطنة والظاهرة لا يجد له فيها الشيطان لذة لأنه لا ميتة فيها ولا جيفة . أعني لا فكر نجس فيها تقبله في أفكارها ، فهو يكون في حبس وشدة فإذا أخرجه منها الروح القدس ، لا يعود يدخلها أبدا بل يمضي ويستريح في غيرها من الغرقى في بحر العالم الموتى بالخطيئة الذين هم غذاء ولذة له .
ولما خرج الغراب ولم يعد ، صارت الحمامة رسولة لنوح ... وكما أن الحمامة أحضرت لنوح ورق الزيتون في فمها وبشرته أن الطوفان قد انقضى ، كذلك لما كان طوفان الخطيئة مرتفعا على كل إنسان في العالم كما قال الكتاب :  خَمْسَ عَشَرَةَ ذِرَاعًا فِي الارْتِفَاعِ تَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ، فَتَغَطَّتِ الْجِبَالُ. تك20:7 ، كذلك أيضا تعالت الخطيئة قبل مجيء المسيح وارتفعت على كل من كان يظن أنه صديق مثل داود وسليمان الملك العظيم،  فكيف من كان خاطئاً ؟ .
فلما كان طوفان الخطيئة مرتفعا هكذا قبل ظهور المسيح ، وظهر وتجسد ، أراد أن يثبت لنا إزالة طوفان الخطيئة بالمعمودية المقدسة . فانحدر الروح القدس مثل حمامة ( مت 3 : 16 ) بشارة لنا وحياة كالبشارة لنوح ، ولذلك أحضرت المبشرة ورقة الزيتون لكون المعمودية المقدسة بدهن الزيتون تكمل .] 
يقول القمص تادرس يعقوب ملطي [ إن الغراب قد وجد له طعاما ومستقرا على الجيف الفاسدة ، لكن الحمامة ( النفس المؤمنة ) لا تستريح إلا في يدي نوح .. خرجت من الفلك ثلاث مرات : 
أ - لم تجد لرجلها مقرا ، إشارة للنفس الملتهبة بالروح القدس - الحمامة السماوية - التي لا يمكن أن تستقر أو تستريح على الجيف الفاسدة . إنها منجذبة في غربتها نحو الفلك ، تجد يد مسيحها ممتدة لتحملها في حضنه كموضع راحة 
ب - خرجت إلى العالم لتعود تعلن سلام المسيح خلال العالم الجديد 
ج - خرجت من الفلك ولم تعد ، لا لتترك نوحا وإنما إشارة لإنطلاق الموكب كله إلى الأرض الجديدة،  وكأنها تمثل الإنسان وقد انطلق إلى الأبدية كحياة جديدة فلا يعود بعد بالجسد داخل الكنيسة المنظورة على الأرض،  إنما وهو عضو فيها انطلق حيث يلتقي الموكب كله على السحاب ويدخل الأمجاد]

وَكَانَ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ وَالسِّتِّ مِئَةٍ، فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، أَنَّ الْمِيَاهَ نَشِفَتْ عَنِ الأَرْضِ. فَكَشَفَ نُوحٌ الْغِطَاءَ عَنِ الْفُلْكِ وَنَظَرَ، فَإِذَا وَجْهُ الأَرْضِ قَدْ نَشِفَ. وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي، فِي الْيَوْمِ السَّابعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ، جَفَّتِ الأَرْضُ. وَكَلَّمَ اللهُ نُوحًا قَائِلاً:  «اخْرُجْ مِنَ الْفُلْكِ أَنْتَ وَامْرَأَتُكَ وَبَنُوكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ. تك 16-13: 8

في السنة الواحدة والستمائة من عمر نوح ، وكأن نوحا ينهي ستة قرون من عمره ليبدأ القرن السابع بكشف غطاء الفلك والتطلع إلى الأرض الجديدة. بهذا يُشير إلى السيد المسيح - نوح الحقيقي - الذي يعني " نياح " أو " بر " ، فنوح هو يسوع المسيح،  إذ لا ينطبق على نوح القديم قول لامك أبيه  «هذَا يُعَزِّينَا عَنْ عَمَلِنَا وَتَعَبِ أَيْدِينَا مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ الَّتِي لَعَنَهَا الرَّبُّ». تك29:5 ... فيسوع المسيح القائد الحقيقي للكنيسة والحال في وسطها لنياحتها وبرها،  يعمل الأيام الستة ( 6 ) من أجل خلاص قطيعه المائة ( 100 ) " لو 15 : 4 " ، كل أيام تغرُب الكنيسة ( 6 × 100 ) حتى متى انقضى الزمن وجاء اليوم السابع الذي هو يوم الراحة .

المدة التي قضاها نوح في الفلك

جدول لقصة نوح والطوفان. وقد إستغرقت حوالي سنة كاملة
1. صدور الأمر بدخول الفلك (1:7).
2. بعد سبعة أيام بدأ الطوفان (10:7) بتاريخ 17/2/600 (من عمر نوح).
3. مدة سقوط الأمطار وإنفجار ينابيع الغمر 40 يوماً (12:7).
4. تعاظم المياه علي الأرض 150 يوماً شاملة الـ 40 يوماً مدة نزول المطر. (24:7).
5. نقصان المياه حتي ظهور رؤوس الجبال (5:8) بتاريخ 1/10/600.
6. إرسال الغراب بعد 40 يوماً (8،7:6).
7. إرسال الحمامة للمرة الأولي بعد 7 أيام.
8. إرسال الحمامة للمرة الثانية.
9. إرسال الحمامة للمرة الثالثة.
10. كشف الغطاء بتاريخ 1/1/601.
11. جفاف الأرض وخروج نوح بتاريخ 27/2/601.
مدة أحداث الطوفان من بدئه حتى خروج نوح من الفلك 371 يوما  سنة و 11 يوما ( السنة القمرية 360 + 11 ) 

  فَخَرَجَ نُوحٌ وَبَنُوهُ وَامْرَأَتُهُ وَنِسَاءُ بَنِيهِ مَعَهُ.وَبَنَى نُوحٌ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ.  وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى الْمَذْبَحِ،  فَتَنَسَّمَ الرَّبُّ رَائِحَةَ الرِّضَا . تك 21,20,18: 8

نلاحظ أن الذين خرجوا ثمانية أفراد كل رجل له إمرأة واحدة ، وهو بمثابة رجوع عن الخطيئة التي تسببت في هلاك العالم حين ذهب أولاد الله وراء شهواتهم واندمجوا مع بنات الناس الجسدانيين ، لكن بعد خروج العالم من الطوفان الذي هو المعمودية ، صار الإنسان ذو طبيعة متوازنة لا يأسره الشر الذي هلك في الطوفان ، وبنى نوحا مذبحا للرب وأصعد محرقات شكره للرب الذي تنسم رائحة سرور وعوض الحزن والتأسف الذي ألم بقلب الرب من جهة خطايا العالم ، دخلت المسرة إلى قلب الله بتجسد الإبن كما يقول معلمنا بطرس لأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ اللهِ الآبِ كَرَامَةً وَمَجْدًا، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهذَا مِنَ الْمَجْدِ الأَسْنَى:«هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ». بط٢ 1 : 17 ففي المسيح الخليقة الجديدة كما يقول معلمنا بولس الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا. كو٢ 17:5 صالحنا الرب معه مرة أخرى أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ. كو٢ 5 : 19 ، ولم يعد العالم كما كانت الأمم إِذْ عَصَتْ قَدِيمًا، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ. الَّذِي مِثَالُهُ يُخَلِّصُنَا نَحْنُ الآنَ، أَيِ الْمَعْمُودِيَّةُ. لاَ إِزَالَةُ وَسَخِ الْجَسَدِ، بَلْ سُؤَالُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ عَنِ اللهِ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ فِي يَمِينِ اللهِ، إِذْ قَدْ مَضَى إِلَى السَّمَاءِ، وَمَلاَئِكَةٌ وَسَلاَطِينُ وَقُوَّاتٌ مُخْضَعَةٌ لَهُ. بط١ 22-20 :3 

وَابْتَدَأَ نُوحٌ يَكُونُ فَلاَّحًا وَغَرَسَ كَرْمًا.  وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خِبَائِهِ. فَأَبْصَرَ حَامٌ أَبُو كَنْعَانَ عَوْرَةَ أَبِيهِ، وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ خَارِجًا. فَأَخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ الرِّدَاءَ وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا وَمَشَيَا إِلَى الْوَرَاءِ، وَسَتَرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا وَوَجْهَاهُمَا إِلَى الْوَرَاءِ. فَلَمْ يُبْصِرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نُوحٌ مِنْ خَمْرِهِ، عَلِمَ مَا فَعَلَ بِهِ ابْنُهُ الصَّغِيرُ، فَقَالَ: «مَلْعُونٌ كَنْعَانُ عَبْدَ الْعَبِيدِ يَكُونُ لإِخْوَتِهِ». وَقَالَ: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْدًا لَهُمْ. لِيَفْتَحِ اللهُ لِيَافَثَ فَيَسْكُنَ فِي مَسَاكِنِ سَامٍ، وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْدًا لَهُمْ». وَعَاشَ نُوحٌ بَعْدَ الطُّوفَانِ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. فَكَانَتْ كُلُّ أَيَّامِ نُوحٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَمَاتَ.تك 29-20:9

يفسر مار افرام هذا بقوله " كذلك إلهنا يسوع المسيح لما جاء إلى العالم لكي يفلح أرض قلوبنا بنير صليبه،  شرب كأس الموت ، وصُلب من أجلنا عرياناً على خشبة ، وأخفت الشمس والقمر ضوءهما لئلا ينظرا عرية خالقهما،  رضي إلهنا بإحتمال عار الصليب وفضيحة الموت من أجلنا ، لكي كل من يؤمن ويمجد صلبه وموته ويستر ما في ذلك من العار بإستعلان الخلاص الذي صنعه لنا بموته ، فهو يستحق البركة وحلول الله فيه كما استحق سام ويافث حين غطيا عرية أبيهما والذي يهزأ بصليب المسيح وموته يستحق اللعنة والتعبد للخطية كالذي استحق حام بن نوح ..... فمن أعلن موت المسيح وآمن به هكذا ، استحق بركة سام ويافث ، ومن هزأ به لُعن مع الشيطان الذي هزأ به على الصليب ، وللوقت استحق اللعنة والرباط،  وذلك أنه كان كل يموت من بني آدم يحضر إليه في ساعة موته لكي يحدر نفسه إلى الجحيم لكونه بالخطيئة كان عبدا له، فلما أخفى المسيح لاهوته عنه بالتأنس ، كما أخفى هو ذاته عن حواء بالحية،  ثم دفع نفسه إلى الموت ظن إبليس أنه له مثل غيره من الآدميين الذين صورتهم كصورته ، فحضر إليه مثلهم ، فقبض عليه الرب من أجل ذلك وأوجب الحجة عليه وطالبه بدية موته ، وأخذ منه كل بني آدم الذين باعوا نفوسهم له بالخطية . أما الذين قبل صلبه فانتزعهم منه ساعة موته،  والذين بعد ذلك ينتزعهم منه بالتوبة ، فالذي لا يؤمن بموته ويتوب عن الخطية لكي يستحق جسده ودمه ، فهو هازئ بموته ويستحق اللعنة مع كنعان ..... استيقظ نوح من شرابه ولعن وبارك ، استيقظ الرب من موته ولعن من لا يمجد موته وبارك من يمجده بالتوبة .... قال نوح : إن الله يسكن في مساكن سام ، سبق أن تنبأ عن تجسد الله الكلمة من مريم العذراء المولود من نسل سام .... وتوفي وله من العمر تسعمائة وخمسون سنة من أجل بر الصديق . زاد عمره عن عمر آدم الأول عشرين سنة ، هذا بعد تقصير الله الأعمار للبشر ، لأن الصديق لم يستحق اللعنة مع الخطاة "





وكلمة أخيرة لِذلِكَ اخْرُجُوا مِنْ وَسْطِهِمْ وَاعْتَزِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. وَلاَ تَمَسُّوا نَجِسًا فَأَقْبَلَكُمْ، وَأَكُونَ لَكُمْ أَبًا، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَنِينَ وَبَنَاتٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ».   كو٢ 18-17:6










إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu