رواد حركة الإصلاح الديني السابقين للوثر ،Pioneers of the Reformation earlier than Luther



إن المسيحية وكما هو ظاهر من إسمها قائمة على الإيمان بالسيد المسيح رب وإله ومانح الغفران لشعبه ومخلصهم بدمه وقائم من الموت بقوته ومعطي المؤمنين بإسمه غلبة على الموت والخطية والشيطان والعالم .
ولكن المسيحية كما هي اليوم ، قد مرت ببعض المراحل في تاريخ تطورها المؤسسي من مجموعة مبشرين حتى كنيسة مسكونية تضم كل أجناس البشر في مختلف أرجاء العالم .
كان الله في العهد القديم يهتم بكل تفصيلة في حياة الشعب اليهودي حتى لا يختلطون بالأمم ولا يحتاجون إلى سؤال أمر من خارج ناموسهم المُعطى لهم ليحافظوا عليه ويتوارثوه من جيل إلى جيل وخص الله سبط من أسباط إسرائيل الإثنى عشر دون غيرهم بتنفيذ الأمور الكهنوتية وخدمة بيت الرب وهو سبط لاوي .
وفي العهد الجديد أختص الرب له إثنى عشر تلميذ أظهر لهم ذاته وعلمهم كل ما يحتاجون إليه ليبشروا بالخلاص في كل المسكونة متى جاء الوقت ، وبعد صعوده إلى السماء أرسل لهم الباراقليط الروح المُعزي ليكون معهم ويؤسس كنيسته ويعطيهم مواهب الروح القدس ، وكان الروح القدس يحل على المُعمدين بواسطة وضع الأيادي وينتقل إلى كل عضو جديد في كنيسة المسيح .
بداية المجامع 
ما أن اتسعت رقعة الكرازة وتنوعت أجناس الداخلين إلى الإيمان حتى ظهرت بعض الأمور التي لم يكن يستطيع شخص أو فرد واحد ولو كان رسول أن يجزم بحل نهائي يكون بمثابة قانون يسري على كل الكنيسة فكان أول مجمع رسولي 
 وَلكِنْ قَامَ أُنَاسٌ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا مِنْ مَذْهَبِ الْفَرِّيسِيِّينَ، وَقَالُوا:«إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَنُوا، وَيُوصَوْا بِأَنْ يَحْفَظُوا نَامُوسَ مُوسَى».
 فَاجْتَمَعَ الرُّسُلُ وَالْمَشَايخُ لِيَنْظُرُوا فِي هذَا الأَمْرِ. 
  أع 6-5: 15

وكانت مخرجات هذا المجمع مُلزمة لكل أعضاء الكنيسة وتحمل طابعين روحي ومؤسسي كما يظهر من الآية التالية: لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ، غَيْرَ هذِهِ الأَشْيَاءِ الْوَاجِبَةِ
 أع 28: 15

من هنا كانت الخلفية الإنجيلية للمجامع التي تمت بعد ذلك للرد على الهرطقات التي ظهرت ، وقد كانت الكنيسة واحدة حتى القرن الخامس وانعقدت ثلاث مجامع مسكونية هي نيقية والقسطنطينية وأفسس تحت راية الواحدة الوحيدة الجامعة المسكونية وكان لعلماء اللاهوت الأقباط الرأي الفيصل في جميع النزاعات العقائدية لما عليه من علم وروحانية حتى حدث الإنشقاق بعد مجمع خلقدونية 451 م وهنا ظهرت حرومات من كلا الطرفين لمن يتبع الفكر الذي يخالف ما تسلموه من الرسل وما يزال هذا الإنشقاق حتى اليوم .
كثلكة المسيحية 

بعد الإنشقاق وقعت كنيسة رومية في الكثير من البدع التي وصلت إلى أحد عشر إختلاف بينها وبين الكنيسة القبطية ، وفي ظل رئاسة بابا روما وعصمة البابا لم يكن هناك من يقف في وجه التعليم المخالف ولكن كان بين الحين والآخر يظهر من يحاول أن يقف أمام التعليم الرديء ولكن كانت حياته ثمن مخالفته أوامر البابا في معظم الأحيان حتى ظهور مارتن لوثر .


لم يكن مارتن لوثر أول مفكر سياسي أو فلسفي في القرن السادس عشر أمتلك أفكارا عصرية آنذاك ولولا قيام « حركة الإصلاح الديني » لكان لوثر مجرد ناقد آخر عاثر الحظ للكنيسة الرومانية في العصور الوسطى 
ففي مدينة فورمس يُحيي النصب التذكاري الذي يخلد ذكراه كذلك أربعة مصلحين سابقين له تم أقصاؤهم أيضا عن الكنيسة الرومانية أحدهم من بوهيميا والآخر من إيطاليا وثالث من فرنسا ورابع من إنجلترا، ويقف نصب لوثر منتصباً في المنتصف بما أنه الوحيد الذي صمد في وجه الحرمان من الكنيسة وخطر الإعدام ليصبح بطلاً لبروتستانتي القرن التاسع عشر الذين شيدوا هذا النصب .

بيتر والدو

كان أقدمهم يدعى بيتر والدو ، كان تاجر ثري عاش في القرن الثاني عشر في مدينة ليون الفرنسية، تخلى عن كل ثروته ليحيا كما كان يحيا المسيح ، كان كل أتباعه من العلمانيين ولم يكن قد تلقى إذنا بابوياً يتيح له إلقاء دروس دينية أو تشكيل جماعات ، من ثم فقد استهانوا بسلطة الكنيسة وألقو الدروس بدون موافقتها مستخدمين تراجم جزئية من الأنجيل باللهجات المحلية وفي غضون وقت قصير اكتسبوا أتباعا في جنوب فرنسا وإيطاليا، لقبوا مهرطقين لإنتقادهم بذخ الكنيسة وممارساتها ونبذوا من الكنيسة عام 1184 م ولكن نجا الولدينيسيون من محاكم التفتيش التي كانت مهمتها معاقبة الهراطقة بالهجرة إلى أجزاء أخرى من أوروبا وانضم أغلب الولدينيسين فيما بعد للجناح الكلفيني من الحركة البروتستانتية. 

جون ويكليف

الثاني جون ويكليف محاضر جامعة أكسفورد أول من ترجم الأنجيل للغة الإنجليزية ارتبط اسمه بثورة الفلاحين التي قامت عام 1381 ، شكك ويكليف في أحقية الكنيسة في السيطرة على أملاك المواطنين ورأى أن القس الفاسق يفقد حقه في ممارسة مهامه ويُحتمل أن يُقصى من عضوية الكنيسة بمفهومها الحقيقي كمجتمع من المؤمنين الصالحين قدر لهم الرب الخلاص سلفاً ، ادان البابا وجامعة أكسفورد ومجمع كنسي عام معتقداته ، وافته المنية عام 1384 م ودفن في فناء الكنيسة، ولكن نُبِش قبره وأُخرجت عظامه عام 1428 م وأُحرقت بأمر البابا مارتن الخامس وألقي رماده في نهر السويفت .

جون هس

الثالث جون هس : أُختير عام 1402 م رئيسا لجامعة براج ، كان دارساً وناطقاً شهيراً باسم حركة الإصلاح الديني وكان الواعظ الرئيسي لكنيسة بيت لحم التي تأسست عام 1391م لخدمة الجامعة وشعب براج ومن منبرها هاجم صكوك الغفران وشراء المناصب الكهنوتية والإنتهاكات الأخلاقية الباباوية ورأى أن الكنيسة الحقة تتألف من مجموعة من المؤمنين المختارين وتضمنت أطروحته في هذا الصدد فقرات من كتاب ويكليف الذي اشتهرت أعماله بين الطلاب التشيكيين الذي كانوا يدرسون في أكسفورد ونسخوها وعادوا بها إلى التشيك حيث إطلع عليها هس ، لكن عارضه بقوة الأساتذة الألمان الذين شجبوا أطروحات ويكليف الخمس والأربعين، وفي نهاية المطاف خسر تأييد رئيس أساقفة مدينته وأصدر البابا مرسوما بحرمانه كنسيٍّا وفي عام 1414 م دُعي للمثول أمام مجلس عام للكنيسة في مدينة كونستانس الألمانية وفشل الملك سيجسموند في حمايته وسُجن لمدة عام بتهمة اعتناق آراء ويكليف الهرطقية ، وأُحرق على وتد في السادس من يوليو عام 1415 م لكونه مهرطق ونثر رماده في نهر الراين 

غير أن الأمر لم ينتهي بموت هس فقد خلف موته حركة إصلاح حقيقية في مسقط رأسه بوهيميا إذ هَب أتباعه التشيكيون وقد ألهبت نيران سخطهم مشاعر قومية وثارت ثائرتهم لإعدامه ليقفوا في مجابهة ملك تشيكوسلوفاكيا والكنيسة الرومانية وأختاروا كأس العشاء الرباني شعارا يرمز لمطالبتهم بالخمر الذي حرموا منه في العشاء الرباني والذي كان قاصراً على القسوس والنبلاء، وأطلق عليهم «الأتراكوست» وهو اسم مشتق من اللاتينية بمعنى «كلا» ذلك لأنهم احتفلوا بتقديم الخبز والخمر كليهما لجميع المتناولين في العشاء الرباني ، وبعد أن فشلت سلسلة من المعارك في قمع ثورتهم استجاب مجلس بازل لمطالبهم عام 1431 م وصمدت جماعتهم تحت اسم الإخوان البوهيميين .
جريولامو سافونارولا

آخر الذين صوروا على نصب فورمس التذكاري هو جريولامو سافونارولا ( 1452 - 1498 ) وهو راهب دومينيكي حرمه البابا أليكساندر السادس، فبعد أن طردت القوات الفرنسية أسرة ميديشي الحاكمة من إيطاليا ليخلفها هو كحاكم فعلي لفلورنسا بذل مع مؤيديه قصارى جهده لقمع الخطيئة والقضاء على صور العبث بالمدينة ، فأصدر قوانين تُحرم الميسر والإسراف في الملبس للإقتصاد في الإنفاق وبرر هذا بعظات حماسية تستند إلى رؤى خاصة به تنبأت بعصر روحاني جديد، حتى أن نساء المدينة تدفقن إلى ميدانها العام سنة 1497 م وألقين أدوات الزينة والمرايا والملابس الفاخرة والحلى والجواهر الباهظة الخاصة بهن وأضرمت فيها النار في محرقة هائلة عرفت باسم حادثة «حرق الباطل» ، ولما رفض سافونارولا الإمتثال لأوامر استدعائه إلى روما، هدد بابا الكنيسة الرومانية بحرمان فلورنسا بأسرها من تلقي القرابين المقدسة ، ونظرا لحرمان شعب فلورنسا من التأييد الفرنسي انقلب على سافونارولا واقتحم الدهماء دير سان ماركو وأسروه مع إثنين من مساعديه وسلموا الثلاثة للسلطات المدنية حيث خضعوا للاستجواب وعذبوا وشنِقوا جميعا 
عام 1498 في وسط المدينة وأحرقت جثامينهم .

ثم يأتي آخر من في القائمة وهو مارتن لوثر ولكن قبل ذلك لابد لنا من مناقشة الخلفية التاريخية للعصور الوسطى في أوروبا لنفهم كيف قامت حركة الإصلاح الديني وكيف نجا مارتن لوثر من مصير من سبقوه لذلك سنفرد مقال خاص بلوثر والعصور الوسطى 
انتظرونا

إرسال تعليق

0 تعليقات