Ad Code

نظرية التطور بين العلم والدين والفلسفة



العلم هو نشاط عقلي يتميز ويستقل عن الفلسفة والدين ، يؤسس منهجيته الخاصة ، ويستخدم قواعده الخاصة .
بموجب نظرية التطور ، تنتج كل أشكال الحياة داخل سياق طبيعي زمني ، يعمل منذ ملايين السنين بدون أي وعي مصمم أو مشروع عاقل ، وهو مايزال يعمل بدون أي قصد عمدي وأية غاية محددة ، وتحركه الصدفة . إن جميع الكائنات العضوية الحية مترابطة فيما بينها بالقرابة وهي تنحدر كلها من أصل طبيعي واحد مشترك ، وتضم في تسلسلها وتفرعاتها وتعقيداتها النبات والحيوان والإنسان .
لقد غيّر داروين نهائياً الرؤية العلمية للعالم الحي ولمكان الإنسان في الطبيعة ، إذ وَصَله بيولوجياً بخيط لا ينقطع مع باقي أشكال الحياة العضوية . لدرجة أن كثيرون قارنوا داروين بالاعصار الذي ضرب الإيمان بخلق الكائنات الحية المستوحاة من سفر التكوين .
علاوة على ذلك لا تنحصر نظرية التطور في مجال العلم فقط ، بل تمتد إلى حقل المعارك حيث يتجابه إيديولوجيون وسياسيون ، ملحدون ومتدينون ، وقد خضعت نظرية داروين لإستخدامات ومبالغات لا تنحصر في الأهداف النظرية فقط ، بل تطال أيضاً الأهداف السياسية والاجتماعية والدينية .

وربما كان الاستخدام الخاطيء للنظرية هو ما أحاطها بهذه الهالة من البلبلة والضبابية ، فكل فريق يريد تطويعها لخدمة مصلحته الشخصية ورغم ما وصل إليه العلم الحديث من تقدم تكنولوجي وتقني ، لم تُطرح هذه النظرية في محل نقاش إلا وكانت عرضة للفرضية لعدم وقوف طارحها للنقاش على أرض صلبة فبعد أكثر مائة وستون عاماً لا تزال تحمل اسم نظرية أو فرضية . وذلك لأن الذي يقدمها لا يقدمها كأمر علمي بحت ، بل يريد إظهار أنه على حق مستدلاً بالنظرية ، وهنا كان على الفريق الآخر أن ينقض النظرية ولا يقبلها ليس لأنها بها ما يعيبها ، ولكن لأن طارحها يريد الفوز بها لمعتقده الخاص . 
وعندما كان العلم ينشط في الحقل العقلي ، وُجدت الفلسفة لتفند الحجج وتربط الأمور وتخرج المتشابكات إلى سياقها الطبيعي ، وحين كانت الفلسفة تقف خصماً للدين وتنازعه القدرة على السمو بالأخلاق ، انحاز اغلبية فلاسفة العصر الحديث للإنبهار بنظرية التطور ، رغم عدم إيمانهم بإنحدار الإنسان من حيوان ، بل كانوا يضعون العقل الإنساني في مصاف الآلهة ، لكن من مبدأ عدو عدوي صديقي .
أما بالنسبة للدين فلا يعارض ولا يجابه أي فريق ، الدين يعلم الإنسان من أين جاء وكيف جاء ، وكيف أخطأ وماذا تم لخلاصه ، وكيف الطريق للخلاص وما هو منتظره بعد الحياة ، وهنا كان الدين لا يجيب على اسألة الإنسان المتعلقة بالحياة فقط بل والغاية من الحياة وما بعد الحياة ، ولما كان الكتاب المقدس ليس كتاب علمياً ولا كتاب فلسفياً بل كتاب إلهياً وُجد لإرشاد الإنسان للرجوع إلى حضن الآب ، تغافل الجميع ما يستطيع عدو الخير فعله للوقوف في طريق خلاص الإنسان .
ولكن البحث سيكون علمي وفلسفي وسنعتمد في شرح قصة الخلق على مفسرين قدامى وحديثين ، وسنعتمد في الفلاسفة على فلاسفة مناهضين لنظرية التطور ليس من باب الإنحياز بل من باب الشك بداية اليقين ، وسنعرض الكثير من النظريات العلمية التي تقف عائق أمام التسليم بنظرية التطور ، وعدم إتخاذها كقاعدة أو قانون مُلزم ، فلا يمكن تجربة الإعتقاد بالتطور ، فلا يمكنني أن أحضر كائن وحيد الخلية وأراقبه ملايين السنين لأرى هل سيتطور أم سأضيع ( مع عدم ملكيتي ) ملايين السنين عبثاً .

التردد قاتل الفُرص 
مثل ألماني قائل أن التردد قاتل الفرص ، ولما كانت نظرية التطور متشعبة ، راودني الخوف من أن أعجز أن أقدم بحث متماسك رغم قراءتي العديد من الكتب المتعلقة بنظرية التطور ، فأكون كمن يزيد الأمور ضبابية بدلاً من كشف الغموض .
وهذا المثل لتعلم عزيزي القارئ لماذا شرعت في عمل بحث كهذا ، تخيل أن هناك دولة ضعيفة لا تستطيع حرب دولة أخرى قوية متماسكة تمتلك أسلحة فتاكة قادرة على سحق هذه الدولة بغاية البساطة ، ماذا ستفعل هذه الدولة الضعيفة لكسب الحرب ؟! ، برز أحد علماء الدولة الضعيفة وقدم لحكومته حل للمشكلة ، وهو عقار يتسبب في أن كل الجيل القادم من هذه الدولة أو الأغلبية على الأقل يكونون عاجزين عن الحركة ، فتكون هذه الدولة القوية برغم أن السلاح مازال يوجد عندها ولكنها غير قادرة على إستخدامه ، لعجز مواطنيها.
هكذا الشيطان وضع أمام الجميع الشكوك والعراقيل حتى لا يكون عندهم الإيمان الكافي للصلاة ، السلاح الفتاك ضد الشيطان ، ويتحول الجيل القادم إلى عاجزين ( ملحدين ) وغير قادرين على حمل السلاح ( لا أدريين) فيسهل على الشيطان العبث بهم وإستخدامهم كيفما يشاء .
وبحثنا سيكون مقالات متفرقة يحمل كل منهم موضوع مستقل بذاته لتكون المقالة نفسها ورقة بحثية مستقلة ، مرتبطة بما بعدها وما قبلها 
سنتعرف على ، من هو داروين ، ما هي نظريته أكثر ، ماذا يقول العلم والدين والفلسفة عنه وله .
أن موضوع مثل هذا يحتاج مجلدات بأكملها وليس مجرد بحث ، فالدراسات المختصرة غالباً ما تكون أكثر عرضة لأن تبدو سطحية ولكن النقطة الأبرز التي سأوضحها هي أن الشيطان يعمل من خلف الستار لهلاك الإنسان مستخدماً حتى الأشياء التي تبدو طبيعية في سياق غير ماهي من أجله .
فداروين قال نظريته والفلاسفة فندوا الحجج وسفر التكوين شرح الخلق وكم تحدث الكثيرين في هذه الأمور ولكن ما لاحظته أنهم جميعاً على خط واحد ومع ذلك لا يتلاقون .
وليس من مهمة البشر تبادل الإتهامات وكشف خطأ الآخر بل كشف ما هو خطأ مما هو صواب مع مراعاة الضعف البشري وتفاوت قدرة التفكير عند البشر . كمثال سألوا القديس أغسطينوس المعلم المسيحي الشهير من آباء القرن الخامس الميلادي سؤال وهو " كيف كان الله يملأ وقته قبل تتميمه عملية الخلق ؟! " .
فأجاب اجابتين احدهم فكاهية والأخرى جدية . اما الفكاهية فكانت " كان يقضي وقته في إعداد جهنم وتجهيزها للأناس الذين يطرحون أسئلة كهذه ! " أما الجدية فكانت " إن الله لم يكن لديه أي وقت ، ذلك لأن الزمن لم يكن موجوداً قبل أن يخلق الزمن . كان الزمن قد بدأ مع الخلق ، وقبل الخلق لم يكن هناك أي وجود للزمن ، إذاً لم يكن هناك زمن لدى الله ، فالعالم لم يبدأ بخلق في الزمن بل بالحري بخلقٍ للزمن ، لكن قد يتبادر إلى ذهنك ، إن لم يكن هناك أي زمن قبل أن بدأ الزمن ، ماذا كان هناك ؟! والجواب عن هذا هو الأزل . الله أزلي ، والشيء الوحيد الذي كان موجوداً قبل الزمن هو الأزل نفسه ."
هكذا كان معلموا الكنيسة الأوائل ذوي نفس رحبة مستعدين لمجاوبة كل من يسألهم وحتى في هذا العصر هناك الكثير ممن يجاوبون على مثل هذه الأسئلة وكما أدت سهولة تداول المعلومات في العصر الحديث لرواج الكثير من الأفكار الهدامة كانت أيضاً سبباً للباحثين في الوصول لأكثر من مصدر للمعلومات عما يبحثون عنه لدرجة أنه من الصعب أن تبحث عن شيء أو معلومة إلا وتجد الإجابة أو الطريق الذي يقودك للإجابة .
ومجتمعنا العربي والشرقي مستهدف من مثل هذه الأفكار الهدامة ففي الوقت الذي كان فيه الغرب ينعم ولو بقليل من الأستقرار والنهوض الفكري كان الشرق يئن تحت الإستعمار بكل طرقه وأشكاله وقد عمل المستعمر على فرض وجهة نظره حتى على التعليم حتى لا يكون الذين تحت إمرتهم قادرين حتى على التفكير  .
ولكن أن يفرض علينا عدم التعليم المتقدم شيء وأن نظل في التأخر شيء آخر وليس من قائد أدرك هذا الأمر أكثر من الزعيم سعد زغلول حين كان وزيراً للمعارف ( التعليم) 
حتى لا يطول المقال كان هذا أفتتاحية البحث 
أنتظروا مقالات متتالية بنفس العنوان مع أختلاف الترقيم .

لقراءة الجزء الأول من هو داروين اضغط على الرابط
 

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu