Ad Code

من الذى قام بخلق العالم ؟


لئن كان الله واحدا فى جوهره ،إلا ان اقانيم الثالوث القدوس متمايزة فى العمل . فإذا كان الآب قد أراد خلق العالم ، فإن الابن هو الذى قام بعملية الخلق ، والروح القدس هو الذى بث الحياة فى المادة .
ودليلك على ذلك أن نصوص الكتاب المقدس واضحة فى إجماعها على نسبة الخلق للإبن أو الكلمة (اللوجوس) أو الأقنوم الثانى من الثالوث القدوس .
وانها إذا نسبت الخلق للآب فبوصفه الإرادة أو المشيئة ولكنها تعود وتنسب عملية الخلق بالفعل الى الأقنوم الثانى أى الإبن .
من ذلك قول القديس يوحنا الإنجيلى " فى البدء كان الكلمة (اللوجوس)...كل شئ به كان ، وبغيره لم يكن شئ مما كان ... كان فى العالم وكون العالم به (يوحنا ١:١،٣،١٠) .
وقول القديس بولس الرسول الى أهل كورونثوس (6 لكِنْ لَنَا إِلهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ بِهِ.(١ كورنثوس6:8).
وقول القديس بولس ايضا فى رسالته الى أفسس (8 لِي أَنَا أَصْغَرَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، أُعْطِيَتْ هذِهِ النِّعْمَةُ، أَنْ أُبَشِّرَ بَيْنَ الأُمَمِ بِغِنَى الْمَسِيحِ الَّذِي لاَ يُسْتَقْصَى، 9 وَأُنِيرَ الْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ فِي اللهِ خَالِقِ الْجَمِيعِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. أفسس9-8:3).
وليس صحيحا ما ذهب إليه الأريوسيين ( اتباع أريوس الذى أنكر لاهوت المسيح ) ، من مثل الآب والأبن والروح القدس ، كمثل النجار والقدوم والمكان ، فالآب فى فعل الخلق هو العلة الفاعلية كالنجار فى صنع الكرسى ، والإبن هو العلة الآلية كالقدوم التى بها يصنع الكرسى ، والروح القدس هو كالمكان والزمان التى صنع فيهما الكرسى ، فإن هذا التصوير المادى فيه تفريق بين الأقانيم فى الجوهر ، وزعم بان كلا من الأقانيم الثلاثة كيان او جوهر فى ذاته منفصل عن الآخر . وحينئذ لا تكون المسيحية هذه الديانة التى تقول بوحدانية الله بل يكون شأنها شأن كل ديانة وثنية تنادى بالتعدد والتكثر ، وهو فضلا عن ذلك كله يتناقض عقلا مع الاعتقاد الصحيح بوجود إله ، لأن فكرة الله فى ذاتها تقتضى الوحدانية وبدونها لا يمكن تفسير أصل الوجود ومعرفة العلة الأولى فى الخلق .
وإنما معنى ان الله خلق الجميع بيسوع المسيح ، هو على غرار قولك " اننى حللت المشكلة بالفكر " فليس الفكر شيئا منفصلا عن شخصك بل هو طابع شخصيتك الإنسانية ، وبه وحده نتميز عن الحيوان وبدونه لا يصدق عليك ان تكون انسانا ، كما ان الفكر فى هذا المثال وإن كان يتصف بصفة يبرز بها عن كيانك الوجودى لكنه مع ذلك يكون مع هذا الوجود طبيعتك الحقيقية وشخصيتك الواحدة بحيث أنه به تصبح انت . وبإنعدامه تنعدم أنت . هكذا الإبن بالنسبة للآب فى عملية الخلق : هو حكمة الله أو هو عقل الله أو هو فكره وبصيرته التى بها رأى الوجود . وليس الروح القدس فى عملية الخلق إلا "القدرة" التى أخرج بها الصورة الى الفعل .
ويقول القديس بولس ايضا فى رسالته الى كولوسى 
14 الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا. 15 الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. 16 فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ.   كولوسى16-14:1.
ويقول القديس بولس ايضا فى رسالته الى العبرانيين :
1 اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، 2 كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ،العبرانيين2-1:1.
وهكذا ذهب شراح المسيحية الأولون فى نسبة الخلق الى الإبن فيقول الفيلسوف المسيحى اثيناغوراس:لكن "إبن الله " هو  "كلمة الآب " فى الصورة والفعل ، لأنه على مثاله وبه قد صنعت جميع الأشياء... الإبن هو المولود الأول من الله لا بمعنى ان الله أوجده -اذ الكلمة قائم فى الله ذاته منذ البدء والله هو العقل السرمدى الكائن مع الكلمة منذ الأزل - بل بمعنى أن الإبن... هو الصورة ، والقوة الفاعلة لجميع الأشياء المادية (الدفاع عن المسيحيين -فصل١٠).
من كل هذه النصوص يتضح الإعتقاد الأرثوذكسى فى الأقنوم الثانى او الإبن انه هو الذى خلق او هو الله الخالق متمما إرادة الآب .


مقال نشر بجريدة مدارس الأحد للمتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات والبحث العلمى (مايو ١٩٤٩)

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu