المتحف المصري العظيم: رحلة عبر أعماق التاريخ الفرعونيتحت سماء الجيزة الزرقاء، حيث تُشرف أهرامات الفراعنة على العالم كحراس أبديين، يبرز المتحف المصري الكبير (GEM) كجوهرة حديثة تجسد سبعة آلاف عام من الإبداع البشري. هذا الصرح الضخم، الذي يمتد على أكثر من 500 ألف متر مربع، ليس مجرد مستودع للآثار، بل هو تجربة حية تُعيد إحياء حضارة مصر القديمة أمام أعين الزوار من كل بقاع العالم. مع اقتراب افتتاحه الرسمي في 1 نوفمبر 2025، يعد المتحف وجهة عالمية ستستقبل أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، نصفها تقريباً يُكشف عنها للمرة الأولى، مما يجعله أكبر متحف مخصص لحضارة واحدة في التاريخ. جذور المشروع: من الرؤية إلى التحقيقنشأت فكرة المتحف في أوائل التسعينيات، عندما أدرك فاروق حسني، وزير الثقافة آنذاك، أن المتحف المصري التاريخي في وسط القاهرة لم يعد قادراً على احتواء الثراء الفرعوني المتزايد. في عام 1992، أطلقت الحكومة المصرية المشروع تحت رعاية الرئيس حسني مبارك، بهدف إنشاء مركز ثقافي يجمع الكنوز المنتشرة عبر العالم. حُفر الأساس في 2002، وبدأ الإنشاء الفعلي بعد ثلاث سنوات بميزانية تصل إلى مليار دولار، مع مشاركة شركات عالمية مثل BESIX البلجيكية وأوراسكوم المحلية، تحت توجيه خبراء مصريين وأوروبيين. واجه الطريق عقبات عديدة، من التحديات التقنية إلى تأثير جائحة كوفيد-19، مما أدى إلى تأجيل الافتتاح من 2020 إلى 2023، ثم 2024، وأخيراً إلى نوفمبر 2025. اليوم، ومع إنهائه الكامل في 2023، يمثل المتحف قصة إصرار مصري، حيث سيشهد حفل الافتتاح الرئاسي غداً 1 نوفمبر، تليه فتح الأبواب للجمهور في 4 نوفمبر، مصادفاً الذكرى الـ103 لكشف مقبرة الملك توت عنخ آمون. الجمالية الهندسية: توحيد الماضي بالمستقبلفاز التصميم في مسابقة دولية عام 2003 بجهود المهندسين الأيرلنديين روزين هينيغان وشي-فو بينغ من مكتب Heneghan Peng، من بين 1557 اقتراحاً من 82 دولة. يقع المتحف على طريق القاهرة-الإسكندرية الصحراوي، على بعد دقائق من هضبة الجيزة، مما يمنح الزوار منظراً خلاباً للأهرامات الثلاث.يأخذ المبنى شكلاً مثلثياً منحوتاً، مع جدران تتوافق مع اتجاهات أهرامات خوفو ومنقرع. الواجهة الخارجية مزيج من الرخام والزجاج، مزينة بزخارف هيروغليفية تحمل أسماء الملوك والملكات. يدخل الزوار عبر أتريوم هائل بمساحة 10 آلاف متر مربع، مغطى بسقف زجاجي يُدخل أشعة الشمس الذهبية، مفتحاً على السماء المصرية الواسعة. أما الدرج الرئيسي، فهو عمل فني يمتد 6 آلاف متر مربع عبر ستة طوابق (حوالي 50 متر ارتفاعاً)، يربط الأتريوم بالتراسات، محاطاً بـ60 قطعة أثرية في أقسام رئيسية: الصورة الملكية، معابد الآلهة، الملوك والإلهيات، والطقوس الجنائزية.يشمل المتحف مركزاً للمؤتمرات بـ40 ألف متر مربع، مستوحى من الهندسة الفرعونية، مع قاعة مسرحية لألف متفرج، صالات للندوات، ومسرح ثلاثي الأبعاد. كذلك، يوجد قسم للأطفال بـ5 آلاف متر مربع، مفتوح جزئياً منذ أغسطس 2024، يعتمد على التفاعل الرقمي والواقع المعزز لإثارة فضول الشباب. الجواهر الأثرية: تراث ينبض بالحياةيحمل المتحف أكثر من 100 ألف قطعة تغطي الزمن من العصور ما قبل الدولية إلى الفترة القبطية (من 3100 ق.م. إلى 400 م). منها 24 ألف معروضة في 12 قاعة دائمة، مقسمة زمنياً: ثلاث للعصور الأولى والمملكة القديمة، ثلاث للمملكة الوسطى، ثلاث للمملكة الحديثة، وثلاث للفترات اللاحقة البطلمية والرومانية.من ألمع التحف: مجموعة توت عنخ آمون الكاملة (5398 قطعة) في قاعة بـ7500 متر مربع، بما فيها قناع الذهب الأيقوني، والتي ستُفتتح رسمياً في 1 نوفمبر. كما تبرز السفينة الشمسية الثانية لخوفو (4600 عام)، مجموعة الملكة هتيبريس (والدة خوفو)، وكنوز يوي وتيو (والدي الملكة نيفرتيتي). في الأتريوم، يسيطر تمثال رمسيس الثاني الضخم (11 متراً، 83 طن) على 20-30 قطعة عملاقة أخرى.يضم مركز الحفظ (منذ 2010) 19 مختبراً لترميم المومياوات والمعادن والحجارة، مع ست غرف تخزين، بالإضافة إلى أربع قاعات مؤقتة بـ5 آلاف متر مربع، ومتحف سفن خوفو الذي يحتضن قاربين شمسيين تاريخيين. الدور العالمي: جسراً للثقافات والاقتصادكمركز رئيسي لعلم المصريات، يربط المتحف بين الجهات الثقافية العالمية، مقدمًا سرداً زمنياً متماسكاً لتاريخ مصر. موقعه بجوار الأهرامات يجعله جزءاً من رحلة سياحية لا تُنسى، متوقعاً جذب ملايين الزوار سنوياً لتعزيز الاقتصاد وصيانة التراث. يدعم الابتكار عبر قسم الأطفال التفاعلي، ويُشرف عليه مجلس أمناء برئاسة أحمد غنيم. اللحظة الحاسمة: على أعتاب البدايةمنذ أكتوبر 2024، أجرى المتحف عمليات تجريبية بـ4 آلاف زائر يومياً، مستقبلاً 1.5 مليون في 10 أشهر. الآن، مع الإغلاق المؤقت حتى 3 نوفمبر، ينتظر العالم الافتتاح الكامل في 4 نوفمبر، ليصبح رمزاً لعصر الاكتشاف الثقافي الجديد. في النهاية، المتحف المصري العظيم ليس مجرد قصر للذكريات، بل حلم وطني يتجسد بعد عقود من الجهد، يدعو الجميع للغوص في عالم الفراعنة حيث يلتقي الزمن القديم بالحاضر النابض.