Ad Code

سيرة الأنبا يوساب السائح وملك أنطاكية



كان شيخ سائحا في برية الأسقيط اسمه يوساب، وكان شيخا كبيرا متقدما في الأيام، وقد ضمر جسمه حتى كان يظن أنه خيال من الصوم والصلاة والسهر والتعب والصبر على حر الصيف وبرد الشتاء، وكان طعامه من أعشاب البرية ولباسه من الليف الخشن. وكان لسانه لا يفتر من التسبيح والتقديس، وانتهت به عبادته إلى أن صار
يركب على السحاب، ويغتذي من طعام يأتيه من السماء في أوقات معلومة. وحصل له من العناية الربانية قوة تمنع عنه الحر والبرد، وهو يزيد في فضائله محتقرا لذاته، وهو يشعر بأنه غير مستحق لما صار إليه.
 ومع هذا اشتهى من الله فكراً طرأ على قلبه، وهو أن يريه إنسانا يماثله في نعيم الآخرة، وطلب ذلك من االله بخضوع وتضرع كثير، فجاء إليه صوت يقول له : ''يا يوساب يا يوساب، الملك الذي في أنطاكية سيكون نظيرك في ملك السماء !“
حينئذ ركب الشيخ على سحابةٍ، وطلب من الله أن يوصله إلى أنطاكية، فأجاب طلبته ونزل خارج المدينة، وأخذ جريدته بيده وقصد باب المدينة، وعند الباب وجد الملك خارجاً من المدينة في موكب وحوله الحراس بالتبجيل والتعظيم، فبعضهم يمشي في ركابه وبعضهم على خيلهم. فاستند الراهب على باب المدينة حتى يشاهد الملك وجهاً لوجه، وإذ بالملك قد أقبل راكبا وفرسه مثقل بالحلي والمجوهرات التي عليه ، وكانت أشعة الجواهر المختلفة الألوان التي في التاج الذي على رأس الملك تضيءُ ،  فحينئذ ندم الشيخ وحزن لما أبصر عظمة الملك هذه، وقال : “من يكون هذا الملك العظيم؟ وكيف يكون له ميراث في ملكوت السماء”؟
 وصار حزيناً باكياً،ٍ وحدث ازدحام عند الباب، وصار الشيخ في بلبلة وتعب شديدين من الازدحام، ولما وصل الملك إلى الباب خف الازدحام .
حينئذ التفت الملك إلى الشيخ وقال له : “يا
أنبا يوساب، لقد اشتهيت لنفسك تعباً ما كانت إليه حاجة”. وأمر بأن يمضوا به إلى القصر حتى يعود.
فلما سمع الشيخ قول الملك فرح جدا وقال: “لولا أن الله ساكن في هذا الإنسان لما عرفني ولا عرف قصتي”.
 ولما وصل إلى الدار جلس في الدهليز حتى عاد الملك ، ولما نزل الملك من مركبته أخذ بيد الشيخ ، ودخل إلى مجلس عظيم قد هيأ فيه الطعام للعساكر، فجلسا على ناحية من الطعام، ودخل العساكر كلهم وأكلوا وشبعوا
من تلك الأطعمة اللذيذة وانصرفوا.
حينئذ قام الملك والشيخ ودخلا إلى القصر، وإذ بالملكة زوجة الملك تلاقيهما وعليها من الحلي والجواهر ما يفوق الوصف، وحولها من الجواري جمع كثير حسان المنظر مجملات باللباس والحلي مما يفوق وصفه، وظللن في خدمة الملك حتى جلس على عرشه، وحينئذ انعزلت الملكة وجواريها عنهما، وبعد ساعة عادت إليهما وهي لابسة مسح شعر، وعند ذلك انعزل الملك أيضا ولبس مسح شعر وعاد، ثم نهضا وخرجا من ذلك الموضع والسائح معهما، وجاءوا إلى مكان آخر في القصر فيه راهب جالس يعمل في شغلٌ، فلما رآهم الراهب وقف ودنا من السائح وقبلا بعضهما
بعضا، وصلوا جميعا مزامير تلك الساعة، وتلوا البركة وجلسوا .
وإذ بخادم صغير جاء إلى الملك والملكة بشغل أيديهما، فتناول كل واحد صنعته ليعمل فيها. 
ثم قال الراهب للسائح رغم أنه لا يعرفه: “يا أنبا يوساب، إن الله تبارك اسمه أرادَ بِكَ خيراً عظيماً(أو " أن يعطيك خبرة عظيمة" كما في نسخة أخرى)، لأنه أظهر لك سيرة حياة الملك والملكة زوجته”. وتحدثوا جميعا في عظائم الله حتى الساعة التاسعة. ثم جاء خادم بمائدة عليها خبز وطعام رهبان، فصلوا وأكلوا، ورفعت المائدة .
وعزم السائح على الانصراف، فتباركوا منه، وقال الراهب للسائح سرا : “ امضِ بسلام الرب، وعِظ بهذهِ السيرة فإنها عظيمٌة جداً، لأنك قد رأيت عظمة الملك وزوجته، وها أنت ترى عيشتهما، والتواضع الذي هما فيه، حتى إنهما لا يتناولان شيئاً من طعام المملكة البتة إلا من شغل أيديهما، وفي هذا كفاية”.
ثم إن السائح ودعهم، وركب على السحابة، وعاد إلى موضعه ببرية الأسقيط وهو متعجب مما رأى يمجد الله، الذي له التسبيح والعظمة والإكرام إلى الأبد

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu