كنز تذخر به سواحل مصر المطلة على البحر المتوسط في المناطق الواقعة بين رشيد إلى رفح بطول ٤٠٠ كيلو متر ، وثروة مُهدرة كانت تعبث بها يد التهريب على مدار عقود من الزمن مستغلة جهل الأهالي بالقيمة الحقيقية لرمال مدنهم .
أنه «الرمال السوداء» التي تنتشر في 11 موقعا بتركيزات مرتفعة ، طبقاً لآخر مسح جوى قامت به هيئة المواد النووية.
الرمال السوداء تتركز بالأماكن القريبة من مصبات الأنهار . ومصر تمتلك اكبر احتياطي من الرمال السوداء على مستوى العالم على طول سواحلها الشمالية ومصدر العناصر المتواجدة بالرمال السوداء يعود إلى الجبال التى ينحدر منها نهر النيل داخل الدول الإفريقية حيث حمل النهر هذه العناصر إلى منطقة المصب وترسبت على طول السواحل الشمالية.
والأرقام تؤكد أن مصر تمتلك أكبر احتياطي في العالم يبلغ مليارا و200 مليون طن ، تكفى لتشغيل مصنع لاستخراج المعادن الاقتصادية لمدة مائة وخمسين عاماً بطاقة استهلاك للخام مقدارها ألف متر مكعب فى الساعة على مدى أربع وعشرين ساعة فى اليوم ، أى 24000 متر مكعب يومياً ، وعلى مدار 300 يوم تشغيل فى السنة .
وتوزع علي 4 مناطق تشمل شمال سيناء بواقع 200 مليون متر مكعب ، ودمياط بواقع 300 مليون متر مكعب ، ورشيد بواقع 500 مليون متر مكعب ، وبلطيم بواقع 200 مليون متر مكعب .
وقد أوضحت الدراسات أن أغلب المكونات المعدنية الاقتصادية في رواسب الرمال السوداء المصرية تتركز في الحجم الحبيبي 0.125 ملم ومعظمها بين 0.124 و0.076 ملم ، وهذا يعنى سهولة فصلها ميكانيكيا وهو أقل أنواع الفصل تكلفة
ماهي الرمال السوداء وفيما تستخدم ؟
إن الرمال السوداء رواسب سوداء تحتوى على كثير من المعادن الاقتصادية مختلطة بالرمال العادية ، ويحتوي الخام منها على 6 معادن ثمينة أبرزها
١ - الألمنيت والزركون اللذان يدخلان في صناعة هياكل الطائرات والصواريخ والسيراميك بالإضافة إلى الأسنان التعويضية وصناعات مختلفة ، فمعدن الزركون والذى يدخل فى صناعات أساسية ومهمة مثل السيراميك والحراريات والزجاج والمسابك ( المصاهر) والكسارات وفى قلوب المفاعلات النووية يستخرج منه عنصر الزركونيوم الذي يستخدم في صناعة أغلفة الوقود النووي وفي العديد من الصناعات النووية والاستراتيجية الأخرى ويرجع ذلك لخواصه الفريدة مثل خموله الكيميائى والتوصيل الحرارى الجيد وكثافته النوعية المرتفعة ودرجة الانصهار العالية ومقاومته العالية للتآكل وكذلك الجارنت يدخل فى صناعة الخزائن والمكونات الإلكترونية وبناء السفن .ويُعد الألمنيت هو المعدن الأكثر تواجداً في الرمال السوداء ، إذ تمثل قيمته نحو 50% من إجمالى محتوى المعادن الثقيلة ، بينما أقلها وجوداً معدن المونازيت بنسبة 0.01%، وأظهرت نتائج الأبحاث التي قامت بها الرابطة الجيولوجية المصرية إلى احتواء الكثبان الرملية بامتداد «البرلس - بلطيم» من أعلى قمة وحتى مستوى سطح البحر على نسبة 4.5% من المعادن الثقيلة ، يستحوذ الألمنيت بمفرده على نحو 70% منها.
٢ - الروتيل الذي يستخرج منه التيتانيوم ويعد كنزا استراتيجيا أيضاً يساهم في صناعات مختلفة . الروتيل والإلمنيت يدخلان فى صناعات أساسية ومهمة مثل صناعة الدهانات والبلاستيك والورق والأحبار والفيبر والسيراميك والمطاط، كما يستخدمان في إنتاج عنصر التيتانيوم المعدنى الذي له متانة عالية مقارنة بكثافته ومقاومة عالية للصدأ، ويدخل فى صناعة هياكل الطائرات وسفن الفضاء والمعدات العسكرية والصناعات الكيميائية وتحلية المياه وصناعات البنية الأساسية فى البيئة المعرضة للتآكل والصناعات الطبية والرياضية، كما يستخدم الروتيل مع نسب من الإلمنيت والليكوكسين فى صناعةإلكترودات ( أسياخ ) اللحام بالقوس الكهربى الذى يستخدم كلحام لبناء السفن والطائرات والتطبيقات الصناعية. بالإضافة إلى انه عنصر أساسي في صناعة البويات .
٣ - الماجنتيت الذي يعد من أهم الخامات التي تستخدم في صناعه الحديد
٤ - الجارنيت الذي يساهم في صناعات عديدة .
ويبقى المعدن السادس الاستراتيجي هو
٥ - المونازيت والذي يعد اقتصاديا هو الأخر ولكن لندرته أصبح استراتيجيا حيث انه يحتوى على اليورانيوم والثوريم اللذين يدخلان في صناعة المفاعلات النووية ذات الاستخدامات السلمية وغيرها
والمونازيت يعتبر مصدر إنتاج العناصر الأرضية النادرة المستخدمة فى الصناعات عالية التقنية وتستخدم مادة اللانثنيوم كعامل محفز فى عملية تكرير البترول ومادة النيوديميوم تعتبر مصدرا ثانويا للحصول على الثوريوم واليورانيوم.
دخول هذه العناصر في الكثير من الصناعات الهامة والإستراتيجية جعل أنظار القيادة السياسية تتجه نحو أستغلالها أولاً لسد احتياج السوق المحلي وثانياً لتوفير عملة صعبة كانت تُهدر في إستيراد هذه العناصر وثالثاً لتوطين الكثير من الصناعات التي تعتمد على هذه العناصر من مسابك حديد الزهر ( الاسفنجي ) وحتى صناعة الطائرات والأدوات الطبية مما سيوفر الآلاف من فرص العمل المباشرة والغير مباشرة القائمة على هذه الصناعات .
محافظة كفر الشيخ شهدت خلال السنوات الماضية منذ ثورة يونيو ، وبعد تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى ، وبتوجيهاته تنفيذ عدد كبير من المشروعات العملاقة منها ما تم الانتهاء منه ، مثل مزرعة غليون السمكية ، وشركة كهرباء البرلس العملاقة ، ومتحف كفر الشيخ ، ومنها ما تجرى الأعمال بها وأهمها مصنعا استخلاص العناصر الاقتصادية من الرمال السوداء بالبرلس وبلطيم ، هذه الرمال تعرضت للنهب من قبل العصابات التى تهربها إلى الخارج منذ فترة طويلة حتى أنه إلى وقت قريب كان يتم بيع الرمال السوداء من خلال أجهزة المحافظة بمبلغ 15 جنيها عن السيارة الواحدة هذا الى جانب استخدام الأهالي الرمال السوداء فى بناء المنازل وهو خطر كبير حيث أثبتت الدراسات أن العناصر المشعة «المونازايت» التي تحتوى عليها هذه الرمال تتسبب فى إصابة الإنسان بأورام سرطانية خطيرة خلال 10 سنوات على أقصى تقدير في حالة التعرض لها بصفة مستمرة .
كانت الرمال السوداء وعلى مدار سنوات قبل الشروع فى إنشاء المصنعين تسرق ، ولكن بعد اهتمام الدولة بها تم الوقوف بقوة تجاه تلك المحاولات ، كما تم نقل تلك الرمال للحفاظ عليها وقد تم وضع ضوابط صارمة لمنع تهريب الرمال السوداء من خلال التحفظ على السيارة المستخدمة في التهريب وتغريم قائدها مبلغ 20 ألف جنيه ، وإعادة الرمال إلى مكانها مرة أخرى .
ثم بدأت الدولة بوضع خطة لتعظيم الاستفادة من الموارد الاقتصادية المتاحة من الرمال السوداء ، والقيمة المضافة من المعادن المستخلصة منها ، بما يسهم فى تنويع وتطوير الاقتصاد المصرى ، من خلال الصناعات التعدينية والمعاونة فى تفعيل دراسات الجدوى الاقتصادية ، التى أعدت لاستغلال المعادن الاقتصادية الموجودة بالرمال السوداء ، وتغطية احتياجات السوق المحلية للمعادن واستغلال تزايد الطلب العالمى عليها ، بتصدير فائض الإنتاج إلى السوق العالمى .
وقد بدأ الأمر بتأسيس شركة وطنية للرمال السوداء والشركة مصرية 100% وقد تم البدء فى تكوينها بعد قرار المهندس ابراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء السابق فى عام 2014 الخاص بإنشاء شركة وطنية للرمال السوداء كشركة مساهمة مصرية وتتكون من خمس جهات مساهمة هى جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بنسبه 61%، هيئه المواد النووية 15 %، بنك الاستثمار القومى والتى تبلغ نسبته 12%،محافظة كفر الشيخ التى يقع على أرضها المشروع 10%، الشركة المصرية للثروات التعدينية 2 %.
المشروع الذي تقوم به الشركة الآن هو المنطقة المتواجدة بالبرلس وبلطيم بكفر الشيخ والتى تحتوى على كميات كبيرة من الرمال السوداء وبحسب خبراء الجيولوجيا فإن الكميات المتوقع استخلاص المعادن منها تقدر بحوالي 300 مليون طن بمنطقة البرلس بمتوسط تركيز 3،5% من العناصر المعدنية الثقيلة وتمتد منطقة الرمال السوداء بالبرلس بطول 22 كيلو مترا ، وستحقق عائدا اقتصاديا يقدر بأكثر من 300 مليار جنيه . وتأكد الدراسة بوجه عام أحتواء المتر العلوى من الرواسب الشاطئية من 40-50% من محتوى إجمالى المعادن الاقتصادية بعمق الراسب ، بينما تحتوى الـ5 أمتار العلوية من 70-80% فى حين تحتوى الـ10 أمتار العلوية من 85-90% منها .
قامت الشركة بأعمال الممارسة للتعاقد وفازت إحدى الشركات الاسترالية بمناقصة تنفيذ المشروع القومى لاستغلال هذا الكنز المنسي ، كما قامت الشركة باستلام 80 فدانا كحق انتفاع من محافظة كفر الشيخ والتعاقد معها على إعداد هذه الأرض بأعمال الدك والردم والتسوية وتم الانتهاء من أعمال البنية الأساسية مع الوزارات المعنية وهى أعمال الكهرباء والمياه والغاز الطبيعى وتم التعاقد مع كلا من الكلية الفنية العسكرية وجامعة كفر الشيخ كاستشاريين للمشروع مع تحديد المهام لكل جهة لتنفيد المصانع .
وحول المصانع المزمع إقامتها ، فسيتم إنشاء مصنعين الأول هو مصنع الركاز وهو عبارة عن حوض صناعى متحرك بمساحة 60 ألف متر مربع متصل بمجموعة من المواسير تقوم بدفع الرمال عن طريق المياه . عن طريق خلطها بالماء لتمر فى مواسير ضخمة لتكون نسبة المياه للرمال 1:3 وبالتالى يسهل فصل المعادن والرمال بسهولة فى مصنع التركيز الذى تم تركيب وحدات تكنولوجية إضافية عليه تقوم بفصل الرمال السوداء عن الرمال العادية ، حيث توجد الرمال السوداء بنسبة تتراوح من 3 إلى 7 % لكل متر مكعب من الرمال العادية وفقاً للدراسات العالمية أي كل 1000 متر مكعب يخرج منها من 30 إلى 70 مترا مكعبا من المعادن الاقتصادية ثم يتم نقل الكميات المستخرجة بعد ذلك إلى مصنع الفصل الذى سيبنى على مساحة 35 فدانا ويقوم بفصل كافة المعادن المختلفة من الرمال السوداء والتى تمثل 6 أنواع تدخل فى صناعات بالغة الأهمية. والمصنعان، الأول بخبرة مصرية استرالية بشرق البرلس، والثاني بخبرة صينية بشمال البرلس
والذي ألقى كثير من الضوء على الأعمال التي تقوم بها الدولة في هذا المجال هو وصول الكراكة "تحيا مصر" للبدء فى تكريك الرمال السوداء بكفر الشيخ إلى مصنع الركاز لبدء أعمال التنجيم الكراكة الهولندية "تحيا مصر" أول كراكة في العالم تعمل بالطاقة الكهربائية ، وهي تزن 550 طن ، وقد صُممت خصيصًا لشركة الرمال السوداء بطاقة انتاجية 2500 طن رمال سوداء في الساعة ، وهي جزء مهم لعملية تكريك الرمال السوداء ، تطفو الكراكة على بركة صناعية وتستخدم نفاثات مياه لإسقاط الكثبان الرملية أمام البركة كما حدث مع السد العالي وخط بارليف ، اسقاط الرمال بواسطة الماء ، سوف يتم حفر بركة تجريف الكثبان ثم يتم تركها لتمتلئ بالماء طبيعياً من المياه الجوفية المالحة، ثم يتم تمرير المواد المجروفة خلال محطة تركيز عائمة رئيسية تعمل على فصل المعادن الثقيلة (3,4 %) من الرمال ، وتتخلص من الباقي في شكل مخلفات للمنطقة الخلفية لبركة التجريف ، تتقدم العملية بمقدار كيلومتر واحد سنوياً ، ويتم ضخ المعادن الثقيلة المفصولة على هيئة خبث أو مخلفات مرفوضة في المخزون الإحتياطي حيث يتم نقله إلى محطة فصل المعادن .
ثم يأتي دور مصنع الفصل يتم تشوين المعادن الإقتصاية المركزة بجوار مصنع الفصل لتوفير تغذية دائمة إلى محطة فصل المعادن ، وتتمثل وظيفة مصنع فصل المعادن في الآتى:
فصل المنتجات الرئيسية : الإلمنيت ، والروتيل والزيركون
وفصل المنتجات الثانوية : الماجنتيت والجارنت و المونازيت من الشوائب المعدنية العالقة بها
وتتضمن المحطة الرطبة عمليات فصل مغناطيسية وفصل بالطرد المركزى ، ويتم ضخ المعدن داخل المحطات الرطبة فى صورة روبة أي رمال سوداء مخلوطة بماء بنسبة 1:3 ثم يتم تشوينه بإستخدام جهاز تصفية المياه ، ويتم إستخدام اللوادر لتغذية المحطات الجافة بالمعادن التى يتم تجفيفها بإستخدام أجهزة تجفيف تعمل بالغاز ، ثم تتم عملية الفصل الجاف بإستخدام المعدات التي تعمل بالكهرباء الإستاتيكية والمعدات المغناطيسية ، ونقل المعدن الجاف الناتج فى المحطة بإستخدام السيور الناقلة المغطاة .
ومن المخطط حسب الجدول الزمني للمشروع أن يتم الإنتاج الفعلى للعناصر المستخرجة من الرمال السوداء بنهاية عام 2021 ووصول الكراكة يُعلن البدء الفعلي في المشروع فقد تعاقبت الحكومات التي أبدت اهتماما بملف الرمال السوداء وشهدت فترة الخمسينيات بداية الاهتمام بملف الرمال السوداء من قبل الدولة حيث أنشأت شركة لاستغلال الرمال السوداء في عام 1956 لكنها توقفت لعدم التعامل مع هذا الملف بالجدية المطلوبة ، وفى عام 1961 تم تأميم الشركة تحت اسم الشركة المصرية لمنتجات الرمال السوداء ، ومنذ ذلك التاريخ أخذت الشركة في التعثر وتوقف الإنتاج وتمت تصفيتها عام 1969 تحت اسم مشروع تنمية واستغلال الرمال السوداء ، ثم عادت محاولات احياء هذا المشروع في عام 1995 ، حينما تبنت وزارة الكهرباء والطاقة مسألة إنشاء مصنع لاستغلال تلك الرمال في محافظة كفر الشيخ ، وتم وضع حجر الأساس لهذا المصنع علي ساحل البحر الغربي بالمحافظة ، حيث تزامن ذلك مع صدور قرار وزير الصناعة والثروة المعدنية في ذلك التوقيت بعمل تخطيط شامل للساحل الشمالي وتحديد مناطق تمركز الرمال السوداء بطول الساحل ، وقد تكلف إنشاء هذا المصنع آنذاك أكثر من 20 مليون جنيه علي أن يتم الانتهاء منه بحلول 1997 إلا أن هذه الخطوة حكم عليها بالفشل مرة أخري لعدم وجود إرادة سياسية حقيقية لاستغلال تلك الرمال ، حتى صدر قرار رئيس مجلس الوزراء فى المؤتمر الخاص ببحث إستغلال الرمال السوداء فى 9 / 9 / 2014 بأنشاء الشركة المصرية للرمال السوداء كشركة مساهمة مصرية طبقاً لأحكام القانون، وبالفعل تأسست الشركة المصرية للرمال السوداء بموجب شهادة رقم (769) بتاريخ 15/2/2016 الصادرة من الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة كشركة مساهمة مصرية
أقرأ أيضاً الدبابة T-90MS . الوحش الروسي تُصنع في مصر
أقرأ أيضاً الهيدروجين الأخضر : يضع مصر على خارطة صناعة طاقة المستقبل
أقرأ أيضاً مصر تمتلك الفرقاطة الشبحية طراز “MEKO-A200
0 تعليقات